لم يكن التفكير لدي كافة المفسرين
المسيحيين بصفة خاصة والذين يكتبون محللين وشارحين قصص رجال الله في الكتاب المقدس
، لم يكن لديهم رغبة في الكتابة والبحث في شخصية إسماعيل الابن البكر
لأب الآباء إبراهيم عليه السلام .
تلك الشخصية التي جاء من نسلها خاتم الرسل محمد صلى الله
عليه وسلم ..
يقول عليه الصلاة والسلام في الحديث الصحيح : (( إن الله اصطفى كنانة من ولد إسماعيل ، واصطفى قريشاً من
كنانة ، واصطفى من قريش بني هاشم ، واصطفاني من بني هاشم )) [رواه مسلم (4/1782) حديث رقم (2276)
].
ماذا تقول التوراة عن اسماعيل عليه
السلام ؟
لقد أوضح الله سبحانه وتعالى لإبراهيم عليه السلام أنه
بنسله ستتبارك جميع أمم الأرض فقال له : (( ..
أباركك مباركة ، وأكثر نسلك تكثيراً كنجوم السماء .. ويرث نسلك باب اعدائه ، ويتبارك في نسلك جميع أمم الأرض )) [ تك 22
: 18 ] ، وكان الرب أيضاً قد وعد ابراهيم قبل ذلك كما في [ تك 15 : 1 - 6 ] بأن من
يخرج من احشاءه هو من سيرثه أي ان وارثه سيكون من صلبه .
لقد اراد الله سبحانه وتعالى أن يضل اسم ابراهيم مباركاً
إلى الأبد وان يكون العهد بالنبوة والبركة ، محصور في ولديه اسماعيل واسحق - عليهما
السلام - لذلك نجد ان الله سبحانه وتعالى قد أعطى لإسماعيل كما
تقول التوراة بركة ووعوداً عظيمة لا تقل أهمية عن الوعود
التي اعطاها لإسحق طبقاً للآتي :
- في سفر التكوين [ 17 : 15 ] يقول الرب لإبراهيم : ((
15وَقَالَ اللهُ لإِبْرَاهِيمَ: «سَارَايُ امْرَأَتُكَ لاَ تَدْعُو
اسْمَهَا سَارَايَ بَلِ اسْمُهَا سَارَةُ. 16وَأُبَارِكُهَا وَأُعْطِيكَ أَيْضاً
مِنْهَا ابْناً. أُبَارِكُهَا فَتَكُونُ أُمَماً وَمُلُوكُ شُعُوبٍ مِنْهَا
يَكُونُونَ». 17فَسَقَطَ إِبْرَاهِيمُ عَلَى وَجْهِهِ وَضَحِكَ وَقَالَ فِي
قَلْبِهِ: «هَلْ يُولَدُ لِابْنِ مِئَةِ سَنَةٍ؟ وَهَلْ تَلِدُ سَارَةُ وَهِيَ
بِنْتُ تِسْعِينَ سَنَةً؟». 18وَقَالَ إِبْرَاهِيمُ
لِلَّهِ: «لَيْتَ إِسْمَاعِيلَ يَعِيشُ أَمَامَكَ!» 19فَقَالَ اللهُ بَلْ سَارَةُ
امْرَأَتُكَ تَلِدُ لَكَ ابْناً وَتَدْعُو اسْمَهُ إِسْحَاقَ. وَأُقِيمُ عَهْدِي
مَعَهُ عَهْداً أَبَدِيّاً لِنَسْلِهِ مِنْ بَعْدِهِ. 20وَأَمَّا إِسْمَاعِيلُ
فَقَدْ سَمِعْتُ لَكَ فِيهِ. هَا أَنَا أُبَارِكُهُ
وَأُثْمِرُهُ وَأُكَثِّرُهُ كَثِيراً جِدّاً. اثْنَيْ عَشَرَ رَئِيساً يَلِدُ وَأَجْعَلُهُ أُمَّةً كَبِيرَةً. 21وَلَكِنْ عَهْدِي
أُقِيمُهُ مَعَ إِسْحَاقَ الَّذِي تَلِدُهُ لَكَ سَارَةُ فِي هَذَا الْوَقْتِ فِي
السَّنَةِ الْآتِيَةِ )) .
ففي هذا الكلام نلاحظ ان ابراهيم في العدد 18 يطلب من
الله ان تتركز أيضاً المواعيد في اسماعيل فهو يقول للرب : (( لَيْتَ إِسْمَاعِيلَ يَعِيشُ أَمَامَكَ! )) فهل سمع
الله لطلبته ؟
لنقرأ الجواب في العدد 20 : (( وَأَمَّا إِسْمَاعِيلُ فَقَدْ سَمِعْتُ لَكَ
فِيهِ. هَا أَنَا أُبَارِكُهُ وَأُثْمِرُهُ
وَأُكَثِّرُهُ كَثِيراً جِدّاً. اثْنَيْ عَشَرَ رَئِيساً يَلِدُ وَأَجْعَلُهُ أُمَّةً كَبِيرَةً.
))
الا ان الرب اراد ان تبدأ البركة في اسحاق أولاً ، فقال
لإبراهيم : (( وَلَكِنْ عَهْدِي أُقِيمُهُ مَعَ
إِسْحَاقَ الَّذِي تَلِدُهُ لَكَ سَارَةُ فِي هَذَا الْوَقْتِ فِي السَّنَةِ
الْآتِيَةِ )) (1) أي ان البركة ستظهر وستبدأ مع
اسحاق ، لا كما فهم البعض بأن اسماعيل سيكون محروم من الوعد والنبوة ، لذلك نجد انه
بعد ولادة اسحق بدأت الغيرة تدب في قلب سارة وبدأت تؤثر ابنها
اسحاق على اسماعيل وبدأت تطلب من ابراهيم أن يعزل هاجر وابنها عن المشاركة في البيت
. تقول التوراة [ التكوين 21 : 9 ] : ((
وَرَأَتْ سَارَةُ أَنَّ ابْنَ هَاجَرَ الْمِصْرِيَّةِ الَّذِي
أَنْجَبَتْهُ لإِبْرَاهِيمَ يمزح فَقَالَتْ لإِبْراهِيمَ : اطْرُدْ هَذِهِ الْجَارِيَةَ وَابْنَهَا،
لأن ابْنَ الْجَارِيَةِ لا يَرِثَ
مَعَ ابْنِي إِسْحقَ. فَقَبُحَ
الكلام جداً فِي عيني
إِبْرَاهِيمَ مِنْ أَجْلِ ابْنِهِ. فَقَال اللهُ
لَهُ : لاَ يَسُوءُ فِي نَفْسِكَ أَمْرُ الصَّبِيِّ أَوْ
أَمْرُ جَارِيَتِكَ، وَاسْمَعْ لِكَلاَمِ سَارَةَ فِي كُلِّ مَا تُشِيرُ بِهِ
عَلَيْكَ لأَنَّهُ بِإِسْحقَ يُدْعَى لَكَ نَسْلٌ. وابْنِ الْجَارِيَةِ أَيْضاً
سأجعله أمة لأَنَّهُ
نسلك ))
فأرجو ان تلاحظ - عزيزي القارىء - بأن قول سارة :
(( ابْنَ الْجَارِيَةِ لا يَرِثَ مَعَ ابْنِي إِسْحق )) هو قول
قد قبح جداً في نفس أب الآباء ابراهيم لذلك فإن قول الرب لإبراهيم : ((
وابْنِ الْجَارِيَةِ أَيْضاً
سأجعله أمة لأَنَّهُ
نسلك )) جاء كرد لما قالته سارة أي ان اسماعيل سيرث ايضا النبوة
مع اسحاق .
من هنا يتبين لنا مقدار قبح الكلام الذي
قالته سارة عن إسماعيل وأمه ، والذي قبح تماماً في عيني ابراهيم ، ولكنه اضطر أن
يأخذ زوجته هاجر وابنهما إسماعيل ويذهب ليسكنهما في القفر . كما قال القرآن الكريم
على لسان إبراهيم : (( ربنا إني أسكنت من ذريتي بواد غير ذي زرع عند بيتك المحرم
)) الآية 37 من سورة ابراهيم . وتقول التوراة إن اسماعيل
سكن في برية فاران ، إذ يقول سفر التكوين [ 21 : 17 _ 21 ] : ((
وَسَمِعَ اللهُ بُكَاءَ الصَّبِيِّ، فَنَادَى مَلاَكُ اللهِ هَاجَرَ مِنَ
السَّمَاءِ وَقَالَ لَهَا: مَا الَّذِي يُزْعِجُكِ يَاهَاجَرُ؟ لاَ تَخَافِي،
لأَنَّ اللهَ قَدْ سَمِعَ بُكَاءَ الصَّبِيِّ مِنْ حَيْثُ هُوَ مُلْقًى. قُومِي
وَاحْمِلِي الصَّبِيَّ، وَتَشَبَّثِي بِهِ لأَنَّنِي
سَأَجْعَلُهُ أُمَّةً عَظِيمَةً. ثُمَّ فَتَحَ عَيْنَيْهَا فَأَبْصَرَتْ
بِئْرَ مَاءٍ، فَذَهَبَتْ وَمَلأَتِ الْقِرْبَةَ وَسَقَتِ الصَّبِيَّ. وَكَانَ اللهُ مَعَ الصَّبِيِّ فَكَبُرَ، وَسَكَنَ فِي
صَحْرَاءِ فَارَانَ، وَبَرَعَ فِي رَمْيِ الْقَوْسِ. وَاتَّخَذَتْ لَهُ أُمُّهُ
زَوْجَةً مِنْ مِصْرَ.))
وبذلك يظهر لنا بطلان تمسك أهل الكتاب بقول ساره ( أطرد هذه الجارية وابنها . . )
كدليل على أن إسماعيل ( عليه السلام ) لا
يرث النبوة ، فهم يستندون على قول سارة ، فهل جاءت الشريعة على لسان سارة ؟ هل هي التي تحدد ما إذا كان اسماعيل يرث أو لا يرث
، إنها غيرة النساء . ليس إلا . . . لذلك
نجد في بقية النص أن قول سارة قد ( قبح ) في نفس ابراهيم من أجل ابنه إسماعيل . . وهذا دليل على أن كلام سارة ليس من الحق
والعدل في شىء . . وعلى العكس من ذلك نجد أن
إسماعيل قد باركه الله باسمه منذ صباه .
هذا وبحسب ماورد
في تكوين [ 21 : 17 ] فإن اسماعيل قد تميز بأن الله قد سمع صوته فيعتبر إسماعيل ابن
الصلاة : (( فسمع
الله صوت الغلام )) وبحسب ماورد في تكوين [ 21 : 18 ] فإن الرب قال لهاجر :
(( قومي
احملي الغلام وشدي يدك به ، لأني سأجعله أمة عظيمة
))
لقد ولد إسماعيل بحسب التوراة عندما بلغ
إبراهيم من العمر ستة وثمانين سنة ( تك 16:16) وعندما بلغ
إسماعيل سن الثالثة عشر ختن (تكوين 17: 10- 25)
وبهذا الختان يكون اسماعيل قد اشترك في العهد الذي قطعه الله مع
إبراهيم أبيه : (( هذا هو
عهدي الذي تحفظونه بيني وبينكم وبين نسلك من بعدك : يختن منكم كل ذكر فتختنون في
لحم غرلتكم ، فيكون علامة عهد بيني وبينكم )) ( تكوين 17 : 10 ) وقد زاد من أهمية إسماعيل أن إبراهيم أختتن معه في يوم واحد (تكوين 17 : 26 ) وانه باسماعيل قد تم تنفيذ عهد الختان .
لقد بات واضحاً الآن بأن اسماعيل عليه السلام موعود من
الله بالآتي :
1 - البركة [ 17 : 20 ] : (( هَا أَنَا أُبَارِكُهُ ))
مع تذكرنا قول الرب لإبراهيم : ((
ويتبارك
في نسلك جميع أمم الأرض )) [ تك 22
: 18 ] وقوله : (( وابْنِ
الْجَارِيَةِ أَيْضاً سأجعله أمة لأَنَّهُ نسلك
)) [ تك 21 : 13 ]
2 - سيجعله أمه كبيرة [ تك 17 : 20 ] : ((
وَأَجْعَلُهُ أُمَّةً كَبِيرَةً.
))
3 - سيجعله أمة عظيمة [ تك 21 : 18 ] : ((
لأَنَّنِي سَأَجْعَلُهُ أُمَّةً عَظِيمَةً
))
فمن هي - عزيزي القارىء - أمة اسماعيل
العظيمة وكيف تحققت بركة اسماعيل ؟
ان امة اسماعيل عليه السلام هي أمة
العرب وتسمى العرب المستعربة ، وتسمى بالعرب العدنانية ، ولم تعرف أمة اسماعيل هذه العظمة إلا عندما جاء الاسلام فباركها
، فهذا التعظيم لم يظهر . وهذه الأمة الكبيرة لم تظهر الا من محمد صلى الله عليه
وسلم فإنه به بدأت بركة اسماعيل عليه السلام في الأمم وبه تحققت الوعود الإلهية
السابقة لإسماعيل ... ولا ينكر هذا الا مكابر .
ومن المعلوم بدهياً أن أبناء اسماعيل لم يكونوا سوى قبائل
قليلة متناحرة بينها بالجزيرة العربية ، ويعبد غالبيتها الاصنام ... وقد أهمل ذكر
العرب على مدى التاريخ ، واصبحوا موضع احتقار من اليهود من ابناء يعقوب واسحاق ومن
الامم الأخرى .. فهم الأمة الوثنية الجاهلة ، ولم يتحقق لإبناء اسماعيل ذكر .. ولم
يصيروا أمة عظيمة غالبة على اعدائها إلا بظهور رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم
بينهم ...
ومن هنا نرى أيضاً أن الذي تكلم عنه موسى عليه السلام
في سفر التثنية [ 33 : 1 _ 2 ] إذ قال : (( وتلألأ من جبل
فاران )) إنما هو إشارة إلى إسماعيل عليه السلام والنبي الخاتم محمد الذي سيكون
من نسله ، والذي تأكدت فيه الوعود الإلهية السابقه
..
ان أمة اسماعيل العربية لم تعرف هذه العظمة إلا عندما جاء
الإسلام فباركها ، ولم تكن لها يد على
أحد إلا عندما قادها محمد صلى الله عليه وسلم . ولم تكن
أيدي الغير عليها إلا عندما تبنوا البعد عن ما أنزله الله سبحانه وتعالى .
__________________________________
البعض يرى ان الكاتب قد لبس الحق بالباطل في هذا النص
وحاول ان يبعد اسماعيل عن العهد بينما قد ثبت انه باسماعيل تم تنفيذ العهد ( 17 :
25 ) فإن كان العهد للختان فإن اسماعيل داخل فيه . وان كان العهد للنبوة ، فإن
اسماعيل داخل فيه . وذلك لأنه قد اختتن بالفعل ، ولأن له بركة كبركة اسحاق أخيه .