السبت، 28 يوليو 2018

الأدلة القطعية على أن العيسوية ليست في ضمن ملكوت الله

الأدلة القطعية على أن العيسوية ليست في ضمن ملكوت الله

العيسوية الحقيقية التي قبل التاريخ الهجري - وان لم تكن فعلاً ولكن - كانت بالقوة داخلة في ملكوت الله ، إلا أن النصارى الذين انحرفوا عن العيسوية الحقيقية الأصلية هم خارج ملكوت الله ، سواء أكانت قبل ظهور الإسلام أم بعده .

- 34 -
(كون العيسوية من الأديان الوثنية حقيقة لا تنكر)
في العصر الثالث الميلادي احدث (صابلليون) صورة ائتلاف وقدمها الروحانيين بأمل رفع الخلاف الشديد المستحكم بين الموحدين والمثلثين ، أن صابلليون مع تصديقه وإقراره بالوحدانية الإلهية قدم التكليفات على الوجه الآتي بقصد إغفال الموحدين وإضلالهم .
قال (الله واحد ، لا يمكن أن يكون الله مركباً من ثلاثة إلهة ، ولا أن يتحد ثلاثة أشياء فيكونوا الله ، ولكن الله عينه تجلي ويتجلى مرة بشكل آب ، ومرة بشكل ابن ، ومرة بشكل الروح القدس بالتناوب) هذا تعليم الرجل بصورة الاختصار ، ولكن رد هذا التعليم المثلثون من جهة والموحدون من جهة أخرى وبناء عليه فعقيدة صابلليون Sabelliaaasme مردودة وغير مقبولة عند جميع المسيحيين .
فالمسيونر لناي لا يجدون صعوبة في تفهيم الثالوث للمسلمين ، يستعملون دائماً طريقة صابلليون ، ويأتون بدليل أو مثل من الشمس وعلى زعمهم انهم يعرضون التثليث على الموحدين بالمرأة يقولون : أن كلا من الشمس والضوء والحرارة واحدة من ثلاثة وثلاثة من واحدة ، فكذلك الأب والابن والروح القدس ، كأنه واحد وثلاثة ، ولا يعلمون أن الأدلة المصطنعة ليست قادرة على إثبات شيء .
وان مثل هذه الأدلة والأمثلة لا يقدر على كشف مكتوم ، ولا على مدافعة عن باطل ، ولا على إبطال حق ، أريد أن ابحث عن نقطة من مشكلات الفلسفة ، على أن الأشكال في النقطة المذكورة مضاعف (أولاً) من حيث التعبيرات المستعملة (وثانياً) من حيث المحاكمة والتعقل ، فالتعبيرات أو الاصطلاحات وهي بعض الألفاظ - فعلى فكري القاصر - أنها تغلط الفكرة المتصورة ، ومن هذه الجملة تفهم المعاني الحقيقية لمثل الكلمات خاصة ، ذات ، صفة، موضوع) وأما من حيث المحاكمة فالتعبير (القدم) بكسر القاف وفتح الدال ، والتعبير (التقدم).
أنا إذا رأيت وجود الصفة في الذات (الموصوف) وأدركت الخاصة في الموضوع فحينئذ اصدق بوجود الصفة ، وعلى عكس التقدير تكون الصفة غير موجودة ، فالشيء القائم بنفسه ذات ، موضوع ، حقيقة ، وبناء عليه أتصور العلم في العليم ، والقدرة في القدير ، والحياة في الحي فأدركها واقدرها ، ولكني لا اقدر أن أدرك العليم في العلم والقدير في القدرة والحي في الحياة ، لأنه ما لم يكن الموضوع Sabjectum معيناً ومعلوماً ، فالعلم والقدرة والحياة عبارة عن خيال أو عدم .
وعلى هذا الوجه ، اقدر أن أرى الملكوت في الملك ، والدين في الديان ، والحكم في الحاكم ، لان كلاً من الملك والديان والحاكم ، موضوع وذات ، وأما الملكوت وأمثاله فخاصة وصفة . propriam attributtimوالآن في صرف ونحو كل اللغات grammarium قد سموا الموضوع صفة والصفة اسم معنى خلاقاً لهذه القاعدة ، وقد عبروا عن كل من (العالم والقادر والحي) بكلمة صفة قد يجوز هذا الاعتبار في عالم المحدودات ، أي قد يتقدم العلم على العالم ، والقوة على القوي ، و الحياة على الحي ، لان العالمين والأقوياء والأحياء كثيرون ، ولكن الله الأزلي الأبدي يتقدم حتماً على الصفة والخاصة .
والآن نظراً إلى أصول محاكمة المثلثين أو نظراً إلى أساس تعقلهم (prineipium Ratioeinationis) في البدء كان الكلام(*) والكلام كان عند الله ، وكان الله الكلام) (يوحنا 1:1) وسأدقق بصورة مختصرة لفظة الكلام فقط من هذه الجمل التي ترجمها من الإنجيل اليوناني العبارة، وقد ترجموا لفظ ( ) بكلمة وبكلام ، وهذا بمعنى علم ، عقل ، أو ما يسميه الغربيون (Reason ratio raison) .
فإني اسأل : هل الله علم أم عليم ؟ فان كان علماً ، فما هو موضوع العلم ؟ وإذا كان موضوع العلم هو الله ، فلماذا يجعلون العلم موضوع الله ؟ لان الآية تقول (كان الكلام الله) وفي هذه الجملة الكلام موصوف ،وأما الله فصفة (حاشا) .
يقال : الحكيم بما انه يعرف البياض ، والعلامة بما انه قد ذاق العلم فيدرك العليم من العلم ، ويدرك الأبيض من البياض ، ولكني أرد هذه الأصول بشدة وحسب محاكمتي فالتعبيرات كالعلم والحياة والقدرة والبياض لا يمكن أن تتقدم على موضوعها قطعاً ، وادعي عدم وجودها ما لم يتعين الموضوع ، لان وجودها لا يدرك إلا بالموضوع .
كان السبب الوحيد في انفكاكي عن المسيحية قد وقع على هذا الأساس ؟ وعلى أساس المسيحية وقولهم (قد كان العقل الأول ، والقدرة الأزلية ، والحياة الأبدية) يتظاهر في الحال ثلاث وجودات أبدية ، ولكن بما انهم يقدمون الصفة على الموضوع فانهم يثبتون عدم وجود الثلاثة وجودات الأبدية مثلا لو كان أحد الآلهة العلم والآخر القدرة والثالث الحياة ، لكن كل من هذه الآلهة الثلاثة :أي الإله العليم ولكنه غير قادر وغير حي ، والإله القدير ولكنه غير عليم وغير حي ، والإله الحي ولكنه غير عليم وغير قادر، ألها ناقصاً وحاشا فليقدروا ذلك(*) .
وها هو اعتقاد المسيحية الحاضرة في هذا المركز :
الابن :- الكلام والكلمة . العلم والعقل الأزلي .
الأب:- القدرة . الأبوة الأبدية .
الروح القدس :- الحياة وكذا .
فلا العلم الذي هو موضوع الابن ، ولا القدرة التي هي موضوع الآب ، ولا الحياة التي هي موضوع الروح القدس بعضها عين البعض ، ونضرب الاباطيل الثلاثة في ثلاثة ينتج تسعة أباطيل ، ولابد من أنها تورث الذل والهوان لعقل الإنسان .
ولكن يا أصدقائي المسيحيين ، وزملائي الأقدمين أصغوا لفكرتي ومحاكمتي بما أن واجب الوجود قائم بنفسه ، فهو مجرد (منزه) وواحد ، أي أن ذات واحدة ، وان تعبيركم (Persona برصونا) وعلى الأخص باليونانية كلمة ( يروصويون)(1) (شخص) بما أنها تستعمل في المعنى الذي يشكل جزاً Individiam من جزئيات نوع البشر ، لا يكون له شمول على ذات الله ، لان الله ليس شخصاً ولا طبيعة ، ولا يمكن أن تقيس ذات الله بإحدى المقولات، لان المتناهي لا يقيس غير المتناهي ، ولست اقصد البحث هنا عن اصطلاحاتكم العلمية الطبيعية Natura(1) ربرصون .
العيسوية تعتقد بإله متشكل من ثلاثة أشخاص بطبيعة واحدة ، وليس من الجائز تطبيق شخص Persona ولا طبيعة natura على ذات الله ، فان كان من البديهي ، أن الأشخاص الثلاثة الذين هم في طبيعة واحدة لا يكون أحدهم عين الاثنين الآخرين ، فكذلك كان المعترفون (بان الأشخاص الثلاثة التي في الثلوث لا يمكن أن يكونوا شخصاً واحداً) هي الكنائس .
إذا قلت أن المتكلمين( أرباب علم الكلام) من المسيحيين قد ذهبوا ضحية الأصول الكاذبة التي يتعقبونها أكون قد قلت الحقيقة ، وهم يقدمون (المقولة ، الصفة) على (الموضوع Subjectum) ولما أحسوا بالضور والحرارة والحياة والشمس بقوا عاجزين عن تطبيق هذه الأصول عليها ، لأنهم في المقولات الثلاثة المذكورة لا يتمكنون من اراءة ثلاثة مواضيع ، بل موضوعاً واحداً وهو الشمس ، هل الشمس ثلاثة أشخاص ، إذن لماذا لا يكون ؟ مع أن موضوع الحرارة (الحار) وموضوع (المضيء) وموضوع الحياة (الحي) رأوا عجزهم عن إثبات وجود ثلاثة مواضيع في الشمس ، فصرفوا النظر عن ادعائهم لما يرد عليهم منطقياً ولكنهم لا يزالون يصرون على ادعاء وجود ثلاثة مواضيع في ذات الله الذي لا تدركه الأبصار .
والآن أقــول أن هــذه العــبارات الـتي لديكــم (يرصون ، يرصوبون ، ناطور . فيزيس، ( ) إن هي إلا عبارات بربرية متعسفة ، حيث أنها لم تستعمل في الوحي والإلهامات النازلة باللغات السامية ، الله ذات وليس ثلاثة ذوات(*) فان كنتم ترغبون في إيجاد ذات لكل صفة ، فأنكم في تلك الحالة تضطرون إلى تعيين اكثر من عشرين ذاتاً لا إلى ثلاث ذوات فقط فليس الله قديراً وعليماً وحياً فقط ، بل هو أيضاً ديان ورحمان ورحيم وتواب وغفور وحنان وبصير وسميع لان كل هذه الصفات مشهودة في الله تعالى ، فإذا كنتم تقولون لله الذي له علم (ابن) فلا يجب أن تقولوا لله الذي له رحمة (صديق) ولله الذي له غضب (عدو) .
وكما أن تفكير المسيحية الأول أي طلب الموضوع (الموصوف) في الصفة هو خطأ فبالطبع يكون الخطأ الثاني في الأصل معكوساً وتعريبكم هو الصحيح ، عدم ملاحظتهم أن الله تعالى غير متناه . ففي المتناهيات لابد لكل صفة من موضوع (موصوف) فالعاقل الحي، القوي، الجسور ، السميع ، الصادق ، الحبيب ، الصديق ، الناطق ... الخ مواضيع لصفات ، وصفاتها كلها وهي العقل والحياة ..الخ صفات لها مواضيع وكم هناك من عاقل وحي وصديق وناطق لإعداد لهم ، ولكن ذات الله غير المتناهية جامعة لكل الصفات (الكمالية) في ذاته الواحدة وبناء عليه فذات الله يوصف بأنه عليم قدير حي رحيم سميع ... الخ .
وأما غلط المسيحية الثالث فليس ناشئاً من أصول الحكمة بل هو ناشئ من العقيدة الباطلة أي هو عبارة عن اعتقادهم رؤيتهم في ذات الله عز وجل رؤية أبوة ونبوة ومخرج في الله وهذه العقيدة خلاف الحقيقة بالكلية ، فلا العقل والحكمة تقبل هذا ولا الكتب المقدسة تجوزه ولا حضرة ذات الله نفسه .
كل الصفات الحسنى موضوعها غير المتناهي هو ذات الله تعالى النبي دانيال عليه السلام رأى ذات الله جالساً على العرش بغير ما شريك ولا شبيه ولا ابن ! ولم ير في الرؤيا على العرش ثلاثة (يرصون) أشخاص ، إلا الله واحداً جالساً على العرش .
انصفوا بالله أيها القوم وقولوا : الإنصاف الإنصاف ، هل إله الإسلامية حقيقي وحق أم الثلاثة الأقانيم ، ملكوت الله هو الإسلامية ، ومالك الملك هو الله وحده من غير أبن ولا غير ذلك ، ولا شك في أن التوراة والقرآن لا يجوزان التثليث ، الشرك بالله بمعنى الحط من قدره ومس بعظمته عز وجل والحال أن المسيحية تشرك بالله إذ تعترف بثلاثة مواضيع، بثلاث ذوات ، بناء عليه فالمسيحية خارج ملكوت الله ولا تعترف بالله الحق ولا تسجد له(*) .

- 35 -
( سبب انشقاق المسيحية هو فقدان الدين )
والعامل في وحدة الإسلامية كمال الدين
كنت أوضحت الدين في الباب التاسع بصورة مفصلة .
أروني في المسيحية حاكماً شرعياً ذا صلاحية لفصل النزاع وحل الدعاوى ، أروني كتاب شريعة يتوسل به الحاكم لتمييز العدل وإجرائه ، اروني محكمة عيسوية مستندة إلى كتاب شريعة تحتوي على أحكام شرعية صريحة ، لا حاكم ولا شريعة ولا ديوان ، فان كان قد احدث شيء في المجمع العام الثاني سنة 381(1) ، من قبل الخمسة بطاركة الكبار فليعينو متخدين .
مثلاً إذا حدث ازدواج بين قره بت اغا والمداموازيل اليونانية المسماة أيود وكسيا فمن يكون العقد ؟ هل الراهب الأرميني أم الأرثوذكسي ؟ وعلى أي صورة من شريعة عيسى تقرر البطركيتان الاتحاد في المسئلة المذكورة ؟ أو إذا حدث بين المرقومين مسئلة طلاق ، فبناء على أي قانون عيسى تفصل البطركتيان فيها ؟
لكل كنيسة دينها وحكمها ومحكمتها ، وبما انه يخالف بعضها البعض الآخر ويخاصمه ، فذلك برهان على لزوم التقدير بأنه ليس للعيسوية دين عام .
العدل في الكنائس ليس باسم الله وعيسى والإنجيل ، ولكن لتلك الكنيسة قانون خاص ودستور عمل تجري عليه ، لو كان ملكوت الله يجري على كل العيسوية ، لكان قد انعم على جميعهم بدين واحد ومحكمة واحد .
انظروا إلى هذا الدين وهذا الديوان في محكمة الفاتيكان تحاكم كاثوليكياً قد توفي منذ مئات السنين ، ولكن في أي صورة يعينون من الجهة الواحدة ، قسيساً ليزحلته بذلاقة لسانه مقدساً معززاً ، ومن الجهة الأخرى يعينون محامياً شيطاناً Diabolus ليبرهن على عدم لياقة المتوفي للعزة ، أتدرون لماذا ؟ لأنه مات على مذهب الكاثوليك وبالنتيجة يقررون على رجل مات منذ مائتين أو ثلاثمائة سنة كبولص وبطرس أنه مقدس .
على أنكم لو حولتم محاكمة عين المتوفي إلى محكمة بطريق خانة الروم ففضلاً عن إصغائهم للمحامي الشيطان وحرمان الرجل من العزة بسبب كونه مات كاثوليكياً ، فانهم لا يترددون أيضاً في حرمانه Exeommunieatus مكرراً ، جيداً جداً ، بناء على أي دين ، وعلى أي كتاب يجرون مثل هذه الخصومة وهذا الحكم ؟ الجواب صريح وقطعي: لأنه لا دين هناك ولا ديوان .
هل الإسلامية هكذا ؟ ليفهم جيداً أني ابحث هنا عن الأصول والأساس وإلا فليس من حدي أن اجعل كل المسلمين ملائكة أو كل النصارى شياطين ، فبعض حكام المسلمين وموظفيهم أيضاً قد اجروا مظالم اخذين الشريعة تحت إقدامهم ولكن الدين والشريعة دائماً مكملة ولا تضيع صفة عدالتها ، الظلمة من المسلمين لا يتجاسرون أبداً واصلاً على إجراء الظلم بأصول الدين أعلى بأصول المحكمة الشرعية ، ولابد عند إجراء الظلم والباطل ، من مخالفة مقتضيات أحكام الدين ، والانحراف عنه .


ولكن الأمر في العيسوية ليس كذلك ، فان محكمة التفتيش الشرعية ، الكاثوليكية التي أحرقت الألوف من المرتدين (الهراطقة Heretici) وأهلكتهم بآلاف الأنواع من العذاب ، من يقدر أن يعين باسم أي إنجيل وصليب ارتكبت تلك المظالم ، أي إنجيل أمر بقتل هؤلاء ؟ والبابا وهو الرجل الذي يدعي أنه ليس رئيس الكنيسة ، لماذا يراهم مرتدين ويسمح بإلقائهم إلى لهب النار؟ أي إنجيل وأي قانون مسيحي يأمر بهذا ؟ لا يجب انتقاد الكاثوليكية فقط ، فان كل الكنائس في كل وقت مستعدة لإجراء هذه المظالم عندما تحرز قوة وتجد نفسها القدرة على الظلم لأنه لا دين(*) هناك ولا شريعة ، فأولاً كتب الأناجيل لم تكتب بالوحي الإلهي ، ثم كتب التوراة تناقض كتب الأناجيل ومن لم يكن له دين فلا يكون داخلاً في ملكوت الله ، إذن فالعيسوية محرومة من الدين وبناء عليه فهي خارج ملكوت الله .

الأربعاء، 25 يوليو 2018

إن ملكوت الله هو دين الإسلام وان كلام الله هو القرآن المجيد

إن ملكوت الله هو دين الإسلام وان كلام الله هو القرآن المجيد

اني لا أعلم ان عنوان هذا الباب سيكون موجباً لانقباض الأنفس في بعض المحافل العيسوية ، ولو كنتم تفتشون عن أسباب النفرة التي يحملها أحد الذوات المرتبطين بإحدى الكنائس بصورة جدية نحو الإسلامية ، وبغضه لمؤسسها عليه الصلاة والسلام، لتبين لكم أن ليس هناك من سبب ولا حجة معقولة يستند إليهما وإنما يجب الالتفات إلى اعتراض الجادين في التتبعات العلمية والتوغلات الدينية فحسب ، وإلا فماذا تفيد اعتراضات رجل عديم المطالعة والتتبع ، إذا كانت نفرته منبعثة عن تعصبه إلى اعتقادات القيت على ذهنه في طفولته ، فالتصق بها ، وجمد عليها على العمياء ، وان من يعتقد أن المسيح هو الله لابد وان يتطلب من محمد صلى الله عليه وسلم اعترافاً بألوهية المشار إليه ، والحال ان حضرة رسول الله كذب ألوهية المسيح بصورة باتة ، وبناء على هذا فان مثل الذين يحملون له البغض والخصومة كمثل السيدة الجاهلة التي بسائق فرط حبها لزوجها تدعي أنه أفضل زملائه وأعلى أقرانه رغم كونه مفضولاً لبعضهم ،وأما إذا بحث عن المسئلة بصورة عميقة عريضة فانه يتحقق أن إسناد الألوهية إلى المسيح أن هو إلا افتراء عليه ليس إلا .
وحينئذ يتحقق لدى ذلك العدو أن محمداً صلى الله عليه وسلم هو حبيب الله وفخر الكائنات .

- 32 -
(ملكوت الله) في الحقيقة هو دين الإسلام
الآن وصلنا إلى أهم و أحد نقطة من هذه المسئلة العظيمة ، لقد وصلنا إلى الفصل الأول من الباب التاسع من هذا الكتاب الذي هو أحد عشر باباً ، الباب الأول من هذا الكتاب - على ما هو معلوم - موضوعه (ما هو الإنجيل ؟) وعلم منه لفظ إنجيل عبارة عن (فكرة دينية) و (وعقيدة معنوية) و (تبشير بالسعادة الحقيقية) وان السعادة الحقيقية أيضاً موجودة في ملكوت الله الذي تقرر تأسيسه في المستقبل ، فالسعادة الحقيقية ، ليست عبارة عن الإنجيل بل الإنجيل مبشر ومناد يدعو إلى السعادة الحقيقية ، وليس الإنجيل عبارة عن التبشير بالابن الوحيد الذي لا ادري ما هو ؟ إله خرافي قد أخفى في حجرة حملاً مذبوحاً ، والابن الذي ولد في الأزل ثم دخل أخيراً في بطن بنت بكر ، وبعد أن تجسد بشكل إنسان وولد عاش مدة ثم صلب وقتل من قبل اليهود .
ليس الإنجيل كتاباً(*) بل هو تعهد وضمان حول تصديق كتب التوراة والمحافظة عليها حرفياً ، ومع ذلك فهو وعظ وبيان شفهي يبشر بالقرآن الذي هو كلام السعادة الحقيقية .
ليس الإنجيل سنداً مشعراً ومبيناً أن الكنيسة ملكوت الله ، بل هو عبارة عن أمر إلهي بلغ شفهياً بوجوب انتظار ورود ملكوت الله واستحضار ما يلزم (له) على شرط بقاء الكنيسة ضمن اليهودية وعدم انفكاكها عنها .
ليس الإنجيل عهداً جديداً مشعراً بألوهية المسيح ونجاته وإنما هو عبارة إخبار وإعلان بأن سيظهر دين مبين في خصوص تأييد وحدانية الله وإبطال الكهنوت والمراسم الباطلة وكل الشفعاء إلا بأذن الله .
ليس الإنجيل كتاباً لأجل أن يكون مأخذاً ومستنداً لما ينيف على الخمسمائة من الكنائس ليكفر المسيحيون بعضهم بعضاً ، ويلعن بعضهم بعضاً ، أو للسب والشتم وللفظ المردود المسمى (أناثيما ) ولكنه عبارة عن اهتزازات صدرت عن فم سعادة عيسى عليه السلام الناصري عليه الصلاة والسلام الذي كان يجوب ارض فلسطين مهرولاً من قرية إلى أخرى ، مبشراً بأخاء قوي جداً واتحاد إسلامي يتشكل بين الملل يعيش ويدوم إلى ما شاء الله .
ليس الإنجيل كتاب دين ناقص حتى يحتاج إلى تجويز عقد الاجتماعات كل وقت في المجامع العامة الروحانية من المنتسبين إليه من بابا وكرادلة وبطاركة ومتراوبوليدين وبسقبوسين و (آيات) بن(1) (بأثواب وتيجان ترتجف لها أرواح المسيح والحواريين) لأجل وضع الأحكام الشرعية وإصدار الأوامر والفرائض الدينية الجديدة ، بوسيلة إكمال النواقص الدينية ، ولن أنسى كلام أحد معارف المرحوم احمد مدحت أفندي وهو قوله بالفارسية :
(صاحبش مرده ، وبنايش نيم مانده) أي ان العيسوية (تشبه بناء مات صاحبه وبقي ناقصاً) .
فهذا الكلام غلط في نظري بقدر ما هو صحيح في نظر قائله ، المسيح عليه السلام لم يترك بناء الدين ناقصاً لأنه لم يكن مكلفاً بتأسيس دين ، أنا حاضر ومستعد في كل حين للبرهنة على أن كل القرارات التي اتخذتها المجامع العامة الدينية(1) للكنائس في كل اجتماعاتها هي مضرة ، بل مضرة جداً ، بل هي مميتة للإنسانية والاخوة البشرية والأخلاق والرقي ، بينوا لي ماذا عمل من الأعمال أولئك الجماعة المتهورون وعلى رأسهم البابا الذين تراهم قد علا الزبد أفواههم من شدة شعور الانتقام ؟!
شقاق ونفاق من جديد وعداوات جديدة ، أنا ثيما وافروز جديدان ، وعقيدة فرضية تسمى (dogma دوغما) نعم رذالات جديدة(*) .
تتبع تاريخ الكنيسة من مجلس الفاتيكان الأخير إلى مجمع نيقية العام ، لا تجد انهم اتو بشيء ،غير تسهيل الشقاق والنفاق ، وخبط البشرية بعضها ببعض ، فها هي ذي كل أعمالهم ، الرذالات التي أبرموها .
مجلس الفاتيكان احدث (الأمر للغرض) وفي ذلك قرروا ونصوا على معاناة مريم من (الذنب المغروس)(2) وعلى أن البابا معصوم لا يخطي لأنه وكيل الحمل وكان ذلك قد كان سراً خفياً منذ الأزل ولم يكشف إلا على عهد البابا (ببوس نونوس) فكان يجب أن يقلل في السبعة والعشرين كتاباً المستحضرة من قبل خمسة أو عشرة أشخاص مجهولين ليس بينهم نبي واحد : إنها كلها غير الإنجيل الحقيقي .

- 33 -
(خفاء المعنى الحقيقي للدين)
لم يوفق العلماء والمتكلمون من المسلمين لكشف جميع حقائق القرآن الكريم وحكمياته ، بل خفى عليهم كثير منها لعدم وقوفهم على اللغات التي كتبت بها الكتب السماوية المتقدمة .
ليعلم هؤلاء جيداً ان الكتب السماوية بما أنها نزلت في الألسنة السامية بصورة روحها فيجب ان لا يعتبر أبداً أن ما ورد من الكلمات والعبارات التي سبقت في الكتب السماوية الأولى ثم وردت في القرآن العظيم الشان أنها وردت على سبيل الصدفة ، كلا بل لابد من حكمة لله تعالى في تكرير إيراد تلك العبارات وأن نظمئن ونتأكد أن كثيراً من حقائق التوراة والإنجيل التي كانت مكتوبة تحت طي الألفاظ قد انكشفت واتضحت بسبب استعمالها في القرآن(*) ومن هذا القبيل سأسعى إلى كشف الحكمة الإلهية في لفظ (الدين) .
قد فهم المستشرقون والمتكلمون المسلمون أن كلمة (دين) من الألفاظ الاصطلاحية واستعملوها بمعنى درب ، طريق ، طريقة ، مذهب(**) وتلقوا أن تعبير (دين الإسلام) هو كقولك (طريق الإسلام) أو (مذهب الإسلام) والحال لا يفهم من هذا التأويل حكمة ولا تظهر منه حقيقة .
ونصارى الغرب يستعملون كلمة (Religio يلجيو) التي كان يستعملها قدماء اللاتين المشركين ، وهي بمعنى (الارتباط ، المربوطية) ولهذا عبروا عن دين المسيحية Religio christiana .
أما مسيحيوا الشرق من الأقوام السامية فيما أن ليس لهم عبارة بمقابلة هذا الفكر الاعتباري المستند إلى (الدين) فيستعملون كلمة (توديتا ) بمعنى الثناء والاعتراف .
والعمرانيون يستعملون كلمة ( درك) بكسر الدال والراء لإفادة معنى المذهب والطريق (مزمور 24:139) .
ومما يستوجب الحيرة حقيقة أن الله تعالى خصص الألفاظ الجامعة المعاني العديدة للإسلامية وحدها(*) وقد مر البحث عن لفظي (محمد والإسلام) .
من المعلوم ان حضرة سيد المرسلين صلى الله عليه وسلم لم يقتبس كلمة (دين) هذه من اليهودية أو النصرانية أو من أحد بقية الأديان لأنهم لم يستعملوا الكلمة المذكورة بهذا المعنى ، والقرآن الشريف ليس كلام النبي إلا كرم نفسه ، ولا هو الكتاب الذي هو أوجده ، بل لما كان الكتاب المذكور هو كلام الله عز وجل كان الله هو الذي انعم بكلمة (دين) خصيصاً للإسلامية(**) وبما ان الله ديان يقتضي ان يكون له دين ، ولكن لا يكون له طريق أو مذهب ، فكما ان الديان هو الحاكم المطلق فهو الملك ودينه أيضاً بمعنى ديوانه أي مقر عرش الملكوت ، إن معنى (ديان) اللغوي عبارة عن الحاكم القاضي صاحب الديوان ، الحاكم المطلق الذي يفصل ويبت في الدعاوي(*) ويظهر من كثير من الآيات أن الكتب المقدسة من عبرانية وكلدانية قد استعملت كلمتي (دين) و (ديان) .
ففي العبرانية ( دن يفتح الدال) ( دون) ( دين) وفي الكلدانية ( دن) ( دينا بكسر الدال) ( دينا بفتح الدال والنون) .

يا رب ، الله !
(في السموات أسمعت دينا ( ) الأرض خافت وسكتت) مزمور 8:76 , الترجمة للمؤلف .
كيف يمكن تفسير وإيضاح آية الزبور التي أعلاه ؟ هكذا لم يسمع الله من السموات لا (درك ) العبرانية ولا Religio يليجيو) ولا ( ) المسيحيين .
ما كانت الأرض لتخاف من هؤلاء فتسكت ، ثم اسمع الله دينا فخافت الدنيا وسكتت ، فالآن ظهر لك جلياً أن لفظ (دين) مخصوص بالإسلام .
من ذاك الذي يقدر أن يدعي أن الله أسمع حكمه وديوانه في أرض كعنان وظلت الأرض لخوفها ساكتة ؟
لم يكن لملوك بني إسرائيل من فتح خارج ولايتي حلب والشام ، أما حكومة رومية المسيحية فأنها وان كانت قد حاربت إمبراطورية إيران في واديي الدجلة والفرات ولكن لم تغلب أحدهما الأخرى(*) .
فما هو الدين الذي أسمع من السموات ففزع منه أهل الأرض ؟ هل كان الإنجيل والصليب ؟ هل كان (توديتا) أو (درك) هل كان مدافع وبنادق المسيحيين ؟ هل كان الكنيسة (وريليجيو ؟) لا لا . لم يكن أحد ما ذكر قط ، لم يكن إلا (الدين) فكلمة الدين هذه هي الديوان المهيب ومحكمة الملكوت المراد بها الإسلام فقط ، الإسلام وحده ، الله اكبر ، ما اكبر هذه الحقيقة الناصعة غير القابلة الانكسار ، أليس كذلك ؟
حضرة النبي دانيال عليه السلام الذي يخبر في أماكن كثيرة من كتابه عن دين الإسلام ، يشعر على الأخص بأنه شاهد وقوع المعراج المحمدي علناً وبشر بتأسيس الدين ، يشبه الحكومات الأربعة المتعاقبة (بابل وفارس واليونان والروم) بالحيوانات الأربعة ، وان الحيوان الرابع الذي له عشرة قرون يحارب مقدسي الله ويغلبهم ، وفي النهاية ( دينايتب)(1) أي نصب الديوان(**) .
يقدم إلى حضرة الأزلي الأبدي الجالس على كرسي الديوان ( ) أي عرش الدين إنساناً (أحد أفراد بني آدم) وينال هذا الشرف الأعظم ، واحد من كل بني الإنسان (بارناشا) في حضور العرش ، وفي حال وجود الملايين من الملائكة ، ينعم على ابن الإنسان الملكوت والعزة والسلطنة ، وينال عنوان سلطان ( شلطان) بضم الشين وفتح النون ، تقع حروبه وتمحى الحيوانات .
ثم بعد بارناشا الذي هو من البشر يمحو المؤمنون المقدسون تلك الحكومات المعدودة من الحيوانات الوحشية بسيوفهم وقواتهم .
فاذا كانت رؤيا(1) دانيال صحيحه - وبالطبع انها صحيحة ولكنها محرفة - فابن الإنسان؟ ليس إلا محمداً صلى الله عليه وسلم والذي يهلك الحيوانات يجب أن يكون ابن آدم لان الحيوانات الأربعة كانوا بني آدم ، ولكنهم شبهوا بالحيوانات المهيبة لأنهم وحشيون ظالمون ملحدون ، وان الذات الذي يكسرهم ويمحوهم هو إنسان تام ، أي انه يظهر ابن إنسان مستحق لإقامة دين الله على الأرض ، وينعم عليه بالملكوت والسلطان وها هو ذا حائر على عنوان سلطان الأنبياء وخلفاءه حائزون على عنوان (السلطان) فان لم يكن هذا الذات محمداً صلى الله عليه وسلم فمن هو إذن ؟ حتى انه لو لم يكن المخبر عنه عيسى لكنتم مضطرين أن تقبلوا أنه محمد عليهما الصلاة والسلام على كل حال .
ان نبوة دانيال عليه السلام ظهرت في بابل في العصر السادس قبل الميلاد وأما محمد صلى الله عليه وسلم فقد أرسل وأمر من قبل الله تعالى بتأسيس دين الإسلام في مكة والمدينة في العصر السادس بعد الميلاد .
ولم يكن في زمن دانيال حرف واحد حول وجود المسيح ولا محمد عليهما الصلاة والسلام(*) أي أن كتب التوراة لم تخبر قبله بشيء يتعلق بخلق وحي المسيح ومحمد عليهما السلام ، ولكن كتب الكنائس تدعي دائماً أن ورح المسيح كانت موجودة عند الله .
وأما موضوع بحثنا الآن فهو هذه المسئلة : من يمكن أن يكون ابن الإنسان الذي رآه دانيال عليه السلام ، ونوه عنه بقوله : ( رأيت في خيالات الليل واحداً يشبه ابن الإنسان كان يأتي مع سحب السماء وجاء إلى القديمة أيامه ، فقربوه إلى حضرته ، وأعطى له حكماً وعزة وملكوتاً ، لتخدمه كل الأقوام والأمم والألسنة ، حكمه حكم ابدي أن يفنى وملكوته لا يزول (دانيال 7 : 13 : 14) , ترجمة شركة بايبل بالتركية(**) .
فلو سئل الآن من هو الواحد الذي يشبه ابن الإنسان والذي جاء إلى (القديمة أيامه) وأحضروه أمامه ، سيجيبون بغير تردد قائلين :
هو عيسى المسيح والحال لم يكن عيسى المسيح حينئذ يشبه ابن الإنسان ، بل كان حملاً مذبوحاً منذ تأسيس العالم (رؤيا يوحنا 8:13) .
(1) .
اضطرت على تحويل المضاف إلى مبتدأ في الآية المذكورة اليونانية العبارة في ترجمتي لها حسب اللزوم ، لان الحمل كان قد ذبح وقطع قبل أن توجد الدنيا (كزوموس ) أي عالم الهيولي ، وبناء عليه كيف يكون (بارانش ) - بالألف والنون المكسورة والشين الساكنة الذي رآه دانيال هو حمل الكنائس في حين أن الحمل لم يكن قد تجسد ولا ولد حينئذ !
سنأتي إلى تدقيق من هو ابن آدم الذي عرج إلى عرش الله وتقرب ، هناك شيء واحد يجب أن نعرفه وهو (قديم الأيام ) لدى الموسويين الذي رآه دانيال وعبر عنه بقوله :
(كنت أرى أنه نصبت عروش وجلس القديم الأيام لباسه ابيض كالثلج وشعر رأسه كالصوف النقي ، ومن قدامه نهر نار خرج من قدامه وجرى ، ألوف الألوف تخدمه في حضرته وريات ربوات وقوف قدامه ،ونصب الديوان ( جلس الدين) وفتحت الأسفار (دانيال 7 : 9-10) .
أود أن اعلم من هو المعني بوصف القديم الأيام ؟ أين درست جمعية بايبل وتعلمت قواعد الترجمة ؟ من أي لسان وبناء على أي قاعدة ترجموا عبارة (القديم الأيام) ؟ انتم تصورون الله في شكل إنسان (حاشا لله) ، هو يقول (عتيق يومياً) وفي الكلدانية (عتيق) يفيد انه هكذا قديم بحيث لا يتمكن أحد أن يجد تاريخه بناء على (عتيق الأيام) على الاصطلاح الكلداني بمعنى (أزلي ابدي) .
والمقصود من هذا لفظ (الدين) وقد ذكر لفظ الدين في ثلاثة أماكن من الباب المذكور ، (دانيال 7 : 10 و 22 و 26) .
والآية الحادية والعشرون من الباب المذكور قد ترجمتها جمعية بايبل هكذا (هذا القرن يحارب القديسين فغلبهم) .
وها أنا أبين ترجمة الآية المذكورة على الوجه الآتي :
(إلى أن يأتي القديم الأيام وأعطي الدين لمقدسي المتعال ويملك القديسون الملكوت).
أسألكم بالله أيها القراء الكرام ثم أرجوكم أن تقابلوا كلا من الترجمتين مع الأصل ثم أفتوني : هل يجوز وقوع مثل هذه الرذالات ! وكأني بالقوم يدافعون بقولهم : أن اللغة التركية كذا ولهجتها كذا ، أقول لا باس فهلموا أقراوا (على الأقل) الكتب المقدسة كحبكم عيسى عليه السلام باللغات الأصلية التي كتبت بها ، أفلا يكون قد أحترمتموها أكثر ؟ ولكن هل لأحد واعظي الإنجليز أو الأمريكان فم مستعد للتلفظ بالعبرانية أو الكلدانية كما يجب ؟ على حين أنكم لو فتشتم كل الأرض لا تجدون في أي مكان كان عالماً أو إماماً أو مفتياً أو اخونديا أو ملأ يقرأ القرآن بلسان أمه ، لأن العامل في توحيد المسلمين وجعلهم أمة واحدة هو القرآن(*) لذ لك فهم يقرأون القرآن بالعربية التي هي لغته الأصلية .
الآية التي هي موضوع بحثنا مكتوبة بأسلوب الكلدانية اكثر من العبرانية

حين مجيء الأزلي أعطى الدين المقدسي المتعال .
من هم هؤلاء المقدسون ؟ هل كانوا هم النيقياويين (أعضاء مجمع نيقية العام) أم مجلس الفاتيكان الأخير ؟ أم اللوتريين أم الزوينفيين أم الكالوينستيين أم الصليبيين ؟
هيهات ، المقدسون إنما هم الذين محوا الحيوانات وأخذوا الدين من الله ، هل تزعمون أنهم كانوا التامبيين أم الجزويتيين أم جيش النجاة جيش جرح ؟ هل تعددون كل هؤلاء أم بعضهم ؟ ثم ما هذا الدين المعطى ؟ كم من مرة أعطي للكنائس ؟ بكم صورة من قبل كم من الرجال أعطي ؟ وكيف هو اليوم وفي أي شكل ؟ من الذي يحافظ عليه في هذا اليوم ؟ أكلهم أم الروح القدس ؟ الإنجيل أم الصليب ؟ البابا أم البطريرك ؟ الراهب أم المسيونر (المبشرون) ؟ الدعاء أم الأسرار السبعة ؟
بما أن المسيحيين ليس لهم شيء من جميع معنى كلمة ( دين) فمن الطبيعي أن يتفرقوا إلى مئات الريليجيونات .
إذا دققنا هاتين الآيتين السادسة والعشرين والسابعة والعشرين من الباب السابع الذي هو تحت مطالعتنا يتبين بصورة لنا مقنعة أن الإسلام بالحقيقة هو الذي أوجد ديوان ملكوت الله وحكومته وهذه ترجمتها(*) :
(أسس الدين وسيمحون ويخربون أبدياً آخذين سلطنته وسيعطى الملكوت والسلطنة وعظمة كل الملكوتات الكائنة تحت ظل السماء شرقها وغربها للقوم الذين هم مقدسوا المتعال، ملكوته ملكوت ابدي وكل السلاطين يطيعونه ويخدمونه) (الترجمة للمؤلف) .
(والدين جلس أي تشكلت وتقررت حكومة الديوان وسيعطى الملكوت والسلطنة وعظمة كل الملكوتات إلى القوم الذين مقدسو حضرة المتعال .
كل السلطات ( شلطانيا) سيخدمونه ويطيعونه (يطيعون) الله ، مقدسوا الله ليسوا خمسمائة قوم ، بل هم أمة واحدة وملة واحدة ، هي الإسلامية ومع أنها ملة واحدة هي سلطنة ، كل ملكوت إسلامي مربوط ، بالسلطنة والخلافة لأن الخلافة الإسلامية مقر الدين والديوان .
ثم تعطى عظمة الحكومات الأخرى (ربوتا ) كلها إلى القوم المقدسين .
كل السلاطين العظام خدام الله المطيعون ، يعرفونه ويعبدونه ، يرى النبي دانيال عليه السلام في الرؤيا أن الله قد أسس تحت كل السماء ديناً (ديواناً) واحداً فقط ، وقد وعد قطعياً بان تؤخذ الحكومات غير المرتبطة بذلك الدين وتعطي المقدسين .
كلمة ديان ( ) أيضاً بمعنى قاض وحاكم (عزرا 25:7) الخ ودين ( ) بالنون المفتوحة اسم مفعول بمعنى محكوم و (بيت دين ) بمعنى محكمة وبيت الديوان cour tribunal وبعضاً تكون كلمة (دين) بمعنى دعوى ، حقوق (بعل دينا ) بعل بكسر العين فقط وتسكين الياء واللام ، بمعنى مدعي ، صاحب الدعوى صاحب العريضة .
وبما أني أحاذر من أن يسأم القراء الكرام من تتبع مواد هذا التعبير كلها ، ارجع عاجلاً إلى موضوعنا فأقول : كان من الملتزم دين واحد لائق بملكوت الله ، وكان يجب أن يكون مناسباً لحضرة الأزلي الأبدي صاحب الملكوت : إله واحد ، وملكوت واحد ، ودين واحد ، أرجو دقة النظر جيداً ليعلم أن لست متشبثاً بإيجاد تثليث في هذا الباب .
تلاميذ القرآن يفهمون - على ما أظن - أن القرآن شيء والإيمان شيء والدين شيء آخر ، يجب أن يفرق بين هذه الكلمات الثلاثة ، القرآن وحي الهي والإيمان والتصديق بالوحي المذكور ،ولكن الدين ! كم هو مقدس وذو معنى ، ذلك اللفظ السماوي ، فان ما يربط الملكوتات الإسلامية بعضها ببعض وبملجاء الخلافة هو الدين المؤمنون يحاكمون في ديوان أمير المؤمنين ومحكمته ودار فتواه حسب أوامر الكلام القديم .
وكما أن الدين يفيد معنى الحكم (بضم الحاء) والحقوق والدعوة والنزاع والديوان والحكومة والأمر والإجراء (التنفيذ) فمقر الدين كرسي الحكومة المحكمة النبوية أو المدنية.
لنتذكر ونتأمل في كلمتي (دين) و (مدينة) ( ) أو ( ) لا أريد البحث عن اسم المدينة المنورة القديم ، هل من علاقة بين الكلمتين أم لا ؟ لنقارن بين حكميات القرآن وخرافات الكنيسة .
المدينة بمعنى البلدة ، والمدني هو البلدي ، والمتشبث بأن يكون بلديا يقال له أنه يتمدين وعندما يوفق يقول أنه تمدن أو تمدين بالفعل !
لماذا ؟ إن بلدة يثرب بعد أن تشرفت بالوجود المحمدي سميت (المدينة ) ذلك الآن حضرة نبي آخر الزمان وضع في تلك البلدة مقر حكومته ومجلس ديوانه كرسي الحكم الديوان سرير السلطنة الإسلامية ، ماذا يمكن أن يكون السبب غير هذا الجواب ؟!
إذا لم يكن المدينة مقر المدينة ، فلماذا لطفت بهذا العنوان العالي ؟ فانظروا إذن كلمة (دين) أساس بينان البشرية الاجتماعي المدني وأساس اتجاهه .
ما هي المدنية ؟ بالطبع ليس لها معنى غير أهل المدينة ، ما هي المدينة ، مقر الحاكم والديوان والمكان الذي يفصل النزاع فيه وتبت فيه الدعوى رسمياً ، أي محكمة العدل والقانون الحكومة ، ومجلس الديوان .
المسلمون وضعوا اسم المدينة بالترجمة من لغة اللاتين الوثنيين Civilisatio civis وكان أهل رومية القديمة يسمون روما urbis أي بلدة .
أني لأدري أنكم لا تتذوقون طعم التعمق في معاني هذه الكلمات اللاتينية ، فأقول: أن كلمة (مدينة) تعبير مغاير للعربية ، وعلى كل حال فمدينة هي الأصح، والكلدانيون وهم شرذمة من أحفاد بابل الساكنين في إيران ، والذين بقوا أحط درجة من الترك والعرب يكتبون في جرائدهم الكلدانية الجديدة اليوم ( دينا و مدينيوتا) غير ناسين كلمتي الدين والمدنية ، عوضاً عن Civilisation المدنية .
وإذا كان لساننا قد تعود التعبير بكلمة (مدينة) فمن الطبيعي انه لا مجال لتبديله وتغييره ، ولكن لفظ (مدينة) لا يمكن أن يكون جذرها الفعل الأجوف اليائي (ذبن) بل ربما يكون الفعل الناقص (دني) وحينئذ تفيد معنى معكوساً ، لان (دني) بفتحتين بمعنى منحط أو صار وضيعاً أو تأخر ، وحينئذ يجب أن كون معنى (المدنية) هو الانتساب إلى المكان المنخفض الدون السفلي ، والحال أن المدنية عبارة عن الانتساب إلى محل الحكومة ، إلى محل العدل والعدالة ، إلى ديوان لله ، إلى مقر الدين(*) .
والآن على تعليم الإنجيل الشريف ، قد أسس الله ملكوته على الأرض ، وهذا الملكوت أيضاً عبارة عن أمة واحدة متشكلة من أمم وعروق عديدة ، فانظروا بأي واسطة يتأتى جمع الأقوام المنتسبين إلى هذا العدد من الألسنة والأقاليم والطبائع المختلفة وتوحيدهم ؟ وقد جعل الله لأجل إدارة سلطنته ديواناً تحت رئاسة حاكم ، وذاتاً أن معنى كلمة الحكومة هو الحكم .
ولكن بماذا يحكم الحاكم والحكومة ؟ بماذا يجري حكمه أي دينه وديوانه ؟ هل يحكم كيفما يشاء وهل يصدر إرادته كما يشتهي ؟ وهل يكون العامل في رسم خطة حركته ، رغبة نفسه ومشتهى هواه ؟
إذن فبأي واسطة يقدر الفضائل ويقبح الرذائل ؟ وبأي طريقة يتمكن من إجراء المثوبة والعقاب ؟ وعلى أي قانون يحكم على الناس بالإعدام ؟ أو يأمر بالإكرام ؟
مهما كان الإنسان عالماً وعادلاً بالفطرة ، لا يتمكن أن يبقى خلوا من الانفعال والتأثر بالمؤثرات الخارجية والداخلية ، يريد دائماً أن يكرم وينعم على الذين يحبهم ، ولا يؤمن عليه ارتكاب الجور والظلم والخطأ في غير محله بسائق الغضب والغيظ .
قد يضله الوجهاء وأصحاب المداهنات من أرباب الحرص على الحياه من مصاحبيه وحيل أرباب الطمع ودسائسهم ، لذلك لا يسلم الله ملكوته إلى أهواء أو هوس أحد من الناس ولا يضحي مصالح عباده لأجل ذوق أحد أو مآربه ، كل أبناء الملكوت متساوون ومعززون عنده (أي في حكمه وعدله) .
لا تكفي تدابير الفرد الذاتية لتامين حرية الأفراد والعائلات وإسعادهما فالمجالس والشورى والبارلمانتو ليست قادرة على إيجاد قوانين قويمة وثابتة ، وهؤلاء يلقون الأمم في شقاق ونفاق ، فالشورى والمجالس لا تتمكن من إدامة الدين ولا الدولة إلى زمن طويل(*) .
فلا الصليب يصلح الناس ولا التعميد ولا بشارة المسيح ولا ضيافة قربان القديس تقدر أن تسوس الأشرار ، ولا دم الحمل المذبوح ولا غفران الراهب المحترم يبرئ الجناة والمجرمين من الخطيئة ، ولا رؤيا يوحنا ولا التماس المسيوتر (المبشرين) مما يؤثر في إصلاح العصاة المتمردين .
قميص المسيح الذي لم تشقه عساكر الرومانيين قد مزقته مجامع فلورانس ومجامع ترانت قطعاً قطعاً ، أن ثوب روح الله المشبه بالكنيسة أصيب بالتمزيق إلى ما يتجاوز الخمسمائة قطعة ، فمن الذي سيخيط هذه القطع الشقوق ، من ذا الذي يداوي جروح الكنيسة؟ أما الرؤساء فهم الذين أحدثوا الجراح في جسم الكنيسة ، فهيهات أن يعدو الدواء الشافي للجسد الذي هو جريحهم !
والروح القدس الذي يقول الكاثوليك انه يخرج دائماً من الأب والابن على الدوام ، يقول للأرثوذكس ، لا أنا اخرج من الآب وحده ، الروح القدس يعلم البروتستانت الكلفوينيين أن العماد لا يؤثر قطعياً في الذنب المغروس ، ويقول للبروتستانت اللوتيرينيين : اجل اجل أن الإنسان الخارج من ماء الاعتماد يشابه تماماً جسد آدم قبل الخطيئة !
وهؤلاء المسيحيون يعتقدون أن الروح القدس هو دليلهم ومرشدهم ولكن البروتستانت وحدهم يغمضون أعينهم ويسألون الله مباشرة - كما يخطر ببالهم - ويدعونه منتظرين نفخ الروح القدس !
وفي الوقت الذي يقتضي أن يلهم الروح القدس قراء الكتب المقدسة أي يعلمهم جميعاً الحقيقة عينها ، نراه يسوقهم إلى الافتراقات والافتراءات !
ومن الروايات المتواترة التي سمعتها في رومية وفي لندن أن الكاردينال ما ننغ card Maning الشهير لما كان قسيس الانكليكان ، وكان في رفاقة غلادستون مثيله في الشهرة في إحدى كنائس رومية ، أثناء الرسم الروحاني وعند منح البركة Benedictio التي هي في المعنى بدون معنى أي العبادة الجارية في (لحم المسيح) عرض له حالة مؤثرة جداً ، إذ نهيج إلى أن قال مخاطباً رفيقه غلادستون (لا أتحمل بعد ، سأصير كاثوليكياً) .
ذلك بان ترانيم الإلهيات التي تغني والألحان النفيسة الآخذة بالقلب ، والأصوات الموسيقية في هذه العبادة - عبادة البركة أو التبريك ( ) الخاصة بمذهب الكاثوليك تؤثر في كل قلب ، والحال أن كل بروتستانتي فضلاً عن المسلم اليهودي ، فكل بروتستنتي يرفض العبادة المذكورة مدعياً أنها لا تؤدي لله بل للشياطين ! لماذا يا ترى ؟
لان الكاثوليك يسجدون في أثناء العبادة المذكورة للخبز سجودهم لله بعينه ، هذا الوقت الذي ترتفع فيه اللقمة بيد الراهب تكون معبود كل الساجدين ، وفي عين الزمن ينشدون نشيد :
(Adromus in eternum sanctissimum saeramentum)
(نسجد لقربان القديس إلى الأبد) وكل واحد يعبد تلك الرقاق بكمال التعظيم ، فحضرة الروح القدس أمر للكاثوليك بهذا ! ثم أن كانت كل هذه المنكرات والفظائع من اللقاءات روح القدس فكيف إذن تكون تسويلات ؟ ولماذا لا يقدر أن يأمر الذين في معابد الأمريكان التي في القسطنطينية بهذه الأوامر ؟
قارنوا بين التعليمات الدينية في مدرسة القرير التي في (قاضي كوي) وبين التعليمات التي في (كوللج روبرت) تجدون الفرق بقدر ما بين السماء والأرض !
هذه هي المظاهرات والإلهامات المعزوة إلى الروح القدس ، فهل أكون قد افترقت إذا قلت : يجب أن تعد أمثال هذه المدعيات ، كلها من اعبث الأباطيل ؟ أبداً وإصلاً ! لا يتعب الله روح قدسه قطعياً بمثل هذه الأشغال بل السفاسف ؟
لتتخانق الكنائس وليضرب بعضها بعضاً بقدر ما يريد ، فان الروح القدس لا يتدخل ، وليرتبوا لمجامع والمؤتمرات والعقائد بقدر ما يريدون ، فان الروح القدس لا يحضر بينهم ، ولو كان الدليل والهادي الوحيد هو الروح القدس لوحد جميع الأديان والمذاهب العيسوية وألف بينها ، وهذا أيضاً مفقود ، ثم لو أن الله هو الذي يدبر ويرشد الكنائس بواسطة الروح قدسه ، لكان قد ابطل الإرادة الجزئية التي وهبها للناس: وألغى المسئولية ، فأين يبقى قانون التكامل ؟ ماذا يبقى من المزية للبشر إذا تدخل الله وروحه في كل عمل من أعمالهم ، وهل يكون الإنسان حينئذ مستحقاً للثواب على الحسنات أو العقاب على السيئات ، أليس من الممكن صرف النظر عن هذه العقيدة القديمة المتفسخة ؟
أظن أن كل الوسائط العيسوية التي عددتها وكتبتها والتي اجتهدت في تفصيلها قد ظهر أنها لا تتفق وملكوت الله .
اعرض هذه الحقيقة وانتم مجبورون وجداناً على قبولها : أن الله عادل لا يعمد في إجراء عدله إلى أصول الاستبداد ، ولا يتدخل فعلاً وبالذات من بعد أن بين للعباد طريقي الخير والشر ، وهذا دستور ديني ، لان الله إذا أحال ملكوته إلى الحكام المستبدين ، والحكومات المطلقة ، يكون قد فتح الطريق وجوز بنفسه إجراء المظالم ، وإذا هو تدخل بنفسه أو بواسطته روح قدسه أو ملائكته فحينئذ يفقد العدل .
لنأت إلى الصدد والموضوع من غير توسيع هذه المحاكمات : لا يترك الله الملكوت من غير محافظة وحماية ، هذا صحيح ولكن كيف ؟ قد انعم الله بأحكام ونظامات تامة كاملة لإدارة ملكوته ، ومن الكلمات الجامعة للمعاني والأسرار (الشريعة) الاحمدية الغراء ، وسأقول إحدى الحقائق فقط مما تحتويه كلمة (الشريعة) الشريعة بمعنى الطريق والدرب ، أليس اسم (الشارع العام) بمعنى الطريق العام أو الطريق السلطاني ، فالشريعة الإلهية أيضاً مرآة أو بوصلة(*) أو دليل يهدي أبناء الملكوت خط الحركة والطريق التي يجب أن يتعقبوها والملك الذي يجب أن يسلكوه بصورة واضحة وصريحة .
صحائف القرآن، كالمرآة مشتملة على الأحكام والقوانين الشرعية ، والسالكون عليها لا يقعون في الضلالة والاثيما والافروزو الارتداد ، ولا الشقاق والافتراق ، شريعة الله باهرة بسيطة ، وضاحة كالنور ، موافقة للعقل والفن والقواعد الطبيعية ، الشريعة المحمدية هي وحدها التي تكفل السعادة الحقيقية للبشر ، هي شريعة تنظر إلى كافة أبناء الملكوت على حد سواء وتؤدبهم أو تلطفهم جميعاً طبق العدل والمساواة بدون تفريق أو محاباة .
لم يبق اليوم في الوسط شيء غير كامل أو في غير محله ، مما يفرق أو يميز بين أفكار البشر وأقوالهم وأفعالهم ، هي الشريعة تهدي إلى الصراط المستقيم ، الطريق الصحيحة وعليه فلا حاجة لتكليف الروح القدس ولا للتوسل بعبادات الرهبان العديمة الفائدة .
الدين وديوان المتعال الذي رآه دانيال عليه السلام - بعيني النبوة - في الرؤيا يؤيد دين الإسلام وينطبق عليه نقطة فنقطة .
لقد افتتح الديوان ، وحضرة الله الأزلي الأبدي على كرسي سلطنته ، محكمة السموات مزدحمة بصفوف الملائكة ، يقدم ذات يشبه البشر والإنسان إلى حضور الحاكم المطلق ، وسيعطي الحكم الإلهي في شان الوحوش ، وسيجازي الوحوش التي أوقعت المظالم في مقدسي الله على الأرض !
أليس في المحكمة حاكم وموظفون وخدام ومدعون ومدعى عليهم ؟ ألم يكمل الديوان بعد والذات المأمور بتنفيذ ما أمر به الديان وهو (الله) حاضر ؟
هل من شيء ناقص؟ لا لا ينقص ديوان الله شيء ، تفتح الأسفار(1) لاستنطاق واستجواب المدعي والمدعى عليه على أمر به الديان !
( ) نصب الديوان (الدين) وفتحت الكتب في المحاكم الإسلامية لا تزال المحكمة ناقصة غير مشروعة حتى يوجد المصحف الشريف ، الكتاب من جهة يوطد العدالة من حيث الأحكام الشرعية الصريحة الحاوية أحكام إحقاق الحق ، ومن الجهة الأخرى يحلف المشتكون والمشتكي عليهم بالكتاب الذي يؤمنون به بأنهم سيقولون الصحيح والحقيقة في حضور الحاكم ، وكذلك يحلف الذات المأمور بإجراء الحكم على عين الصورة ، ها هو ذا دين وديوان مكي ، هل في الكنائس هكذا دين الله ؟ استغفر الله ؟
الديوان الذي تصوره النبي دانيال عليه السلام ليس في صورة حمل ولا أثر صليب ! لا عيسى ولا رسمه وهيكله ! لا كتاب الإنجيل ولا اسمه ! لا مداخلة ابن الله ولا الروح القدس ! لا أب جالس على العرش ولا ابن على يمينه ولا الروح القدس ! بل الله وحده جل جلاله ، وكل ما عدا ذات واجب الوجود جل شانه هم عبيده ومخلوقاته !
من قدام عرش اللاهوت يجري نهر مملوء بالنور ! هو النور والضوء الذي يمثل العدل والحكمة الإلهية !
هل من مشابهة بين هذه وبين محاكم (الانكيزيسيون) التفتيش ، هل المجامع الروحانية التي حكمت على آريوس ونسطوريوس ولوتر وآلاف من أمثالهم وجعلتهم اناثيما ، تشابه هذه المحكمة السماوية ؟ حاشا ثم حاشا !
هل يبحث المسيح عليه السلام عن (دين) ديوان هكذا ؟ هل نصب ديواناً ؟ أبداً واصلاً ! لم يأت المسيح عليه السلام بدين ولا كتاب ، ولهذا يمنع حلف اليمن منعاً باتاً بان يوصي تلاميذه باجتناب المحاكم والدواوين لماذا ؟ لان ملكوت الله وكلام الملكوت لم يكن قد تأسس على الأرض بعد (متى 5 :21-26 و33-36 و23: 16 الخ) .

الاثنين، 23 يوليو 2018

ملكوت الله ليس النصرانية

ملكوت الله ليس النصرانية
هل تستطيع الكنيسة تعيين ما هو (ملكوت الله) ؟ هل تتمكن أن تعين أي دين هو من الأديان المؤسسة على وجه الأرض على هذه الصفة (بانيه وشارعه هو الله ، وشريعته كلام الله) هيا فلتبين لما الكنائس متحدة كلها ديناً هو كذلك (بانيه الله وكتابه كلام الله) كالذي بشر به وأوضحه مجملاً حضرة المسيح عليه السلام على ما تفهمه من مضمون أناجيلكم المقدسة ، ارونا إذاً ما تشاؤن من هذه الأديان الموجودة ، اطرحوا في الميدان أيا ما تختارون من أديانكم ومذاهبكم ومدارس الأفكار التي لكم على حين أنها تنيف على الخمسمائة - من المسيحية التي انتم بها معجبون ، هل هذا الدين الذي هو موضوع بحثنا وتحرينا دين الكاثوليك ؟ فها أناذا انتظر من جميع الكنائس ما عدا الكاثوليك جواباً إيجابياً يقول نعم انه هو ، هل من قائل يقول هو مذهب الأرثوذكس ، ما عدا الأرثوذكس أنفسهم كالفاتيكان وشركات بايبل الإنجليزية والأمريكان ؟ أم انتم إذاً مالكون ما ينيف على الخمسمائة ملكوت الله ؟
ليت شعري أي جواب لكم نقبل ، وتعريف أي ملة نعتبر ؟ أنا أعلم أن قسما منكم سيجيبني قائلاً أن ملكوت الله عبارة عن المعمدين باسم الآب والابن والروح القدس . والحال ان جوابكم هذا ليس له مغزى غير تجويز الظلم والاعتساف إذ كلما قويت كنيسة الكاثوليك تعلن في الحال أن كل المعمدين يعتبرون كاثوليكيين ، وتعمد إلى القوة وتجعلهم كاثوليكاً بالإكراه ، وكذلك الأرثوذكس في البلقان أيضاً تقتفي هذا المنهج نفسه ، أليس الذين في بلاد اليونان والصرب والبلغار متشبعين بهذه الأفكار عينها ؟ فكنيسة الصرب لا تريد أن تعترف بالبلغار ، ولا كنيسة اليونان تعترف بالصرب .

والقسم الآخر منكم يقول نعم ، المعمدون ، ولكنه يدعي انه لا يعني عماد الأطفال والصبيان ، وإنما يخص به المعمدين برضائهم ورغبتهم بعد سن البلوغ وحسب عقيدة هؤلاء أن كل الواصلين إلى سن البلوغ ليسوا مسيحين ما لم يعتمدوا برضائهم مرة ثانية فبقدر ما يجب ويفرض الاعتماد على عابد الصنم وعابد النار أو اللاديني الراغب في دخول مذهب الباتيست ، يجب ويفترض على البسقبوس والبطريرك ان يعتمدا مرة ثانية .
فبينما انتم مختلفون بينكم في مئات من مثل هذه الدعاوي الأساسية يجب عليكم ان تفكروا في أنفسكم كيف تدعون الصلاحية في تعريف أو تعيين أو اراءة ملكوت الله من بين هذه المذاهب .
أيها المسيحيون انظروا إلى عقيدتكم وتصوراتكم ، لابد ان يكون ملكوت الله أحد هذه الفرضيات الثلاث : ملكوت الله على تعريف المسيح عليه السلام ، ملكوت الله على تعريف بولص ، ملكوت الله على ما لا يتناهى من تعريفات الكنائس ، وليس وراء هذه الثلاث ما يمكن تصوره ، فأي هذه التعريفات يجب أن ندقق فيه ؟ أتعريف المسيح أم تعريف بولص أم تعاريفكم؟ ليعذب القولنج أحشاءكم ما شاء أن يعذب ، فنحن مضطرون إلى قبول وترجيح تعريف المسيح عليه السلام وتفسيره خاصة ، ولكن ليكن وعداً عليناً أنا ثمر تفاسير بولص والكنائس أيضاً من نظر التدقيق والإمعان .
ان المعلومات التامة التي أعطاها المسيح عليه السلام تدل دلالة قطعية على انه لا يمكن أن تكون الكنائس والنصرانية هي المراد من كلمة (ملكوت الله) .

- 28 -
(بما أن العيسوية ليس بانيها وشارعها هو الله وحده فمن المحقق أن لا نكون ملكوت الله)

اني أدعوكم إلى مطالعة موعظة المسيح عليه السلام البليغة على الجبل الممتدة من الباب الخامس إلى نهاية الباب السابع من أنجيل متى ، والى مطالعة الباب الثالث منه أيضاً مع إمعان النظر فيها . ثم بعد ذلك ليمعن النظر في مباحثاتنا السابقة في صفات ملكوت الله وخصائصه(1).
المخاطب في الدعاء وفي الصلاة دائماً هو الله الواحد الفرد الأحد ، وأبناء الملكوت كعيسى عليه السلام هم عبيده ، وبناء عليه نبرهن على أن المسيحية ليست ملكوت الله على الوجه الآتي :
1- العيسوية التي تعترف بتأسيسها من قبل ثلاثة بانين مستقلين يجب أن تكون غير ملكوت الله الأحد الذي بشر به المسيح عليه السلام(*)
المخاطب في الصلاة وفي الدعاء الله هو الواحد ، الصدقة تعطى لوجه الله الواحد ، الصوم يلتزم ابتغاء مرضاة الله الواحد ، صاحب الحقل ، زارع الحنطة ومربيها ، مرسل الحاصدين ، جامعها في مخزنه ، حارق الزوان ، كل هذا هو الله الواحد ، الفاعل هو فرد واحد رامي الشبكة في البحر ، ومفرق السمك من الحشرات المضرة والنجسة ، ومعيد الرديء منها إلى البحر ، فاعل واحد ، في هذه الأمثال كان عيسى عليه السلام دائماً يعرف الله ويعرف بوحدانيته ، ومن حسن الحظ أن الإنجيل يطلق على الله لفظ الآب ، وإلا فأني عالم بما يقوله المسيحيون السوفسطائيون يقولون (نحن أيضاً نريد بعنوان التثليث أن نقول أن الله واحد) حسن جداً ، كم (أب) لديكم ؟ بالطبع ستقولون آب واحد ، هل الآب هو الابن؟ بالطبع تجيبون أن الأب ليس هو الابن . هل الآب هو ورح القدس ؟ كذلك ستجيبوني بالنفي وتقولون لا ، وهو الجواب الذي اعرفه .

والآن أتصور أن الحكمة في أن المسيح عليه السلام سمى الله بعنوان (الآب) هي تخجيل وتبكيت المثلثين الناشئين أخيراً ، عباد تعدد الآلهة ، وما دام البشر قد سموا خالقهم بأسماء عديدة فلنكن متمايلين إلى قبول عنوان الآب الذي أضافته أناجيلكم ، إذاً فكل من الإلهين الآخرين ليس بالأب ، وإذ كانت الحالة كذلك فلماذا لا تقدرون أن تفهموا أنكم تكونون قد اعترفتم بأنهما ليسا الله مثله ؟ فالآلهان (الأم(1) والابن) الآخران اللذان لم يقدرا على أن يبلغا درجة الله درجة الأبوية إلى الآن (ومن المحقق انهما لن ينالاها فيما بعد أيضاً) بينما يجب أن يكون الله قادراً على كل شيء لأنه القادر المطلق ، إذا فمن الضروري للإلهين غير الواصلين إلى مقام الله الذي هو الأبوية أن يكونا متصفين بالعجز والجهل حسب اعتقاد النصارى .
ألا أنني لأستحي من إخواني المسلمين عند استعمال مثل هذه التعبيرات غير المعقولة التي لم تألفها إسماعهم بل لا يستطيعون سماعها ، لان محل استعمال مثل هذه التعبيرات ليس الفلسفة والعلوم الدينية بل الأساطير وحدها .
جاء في كتاب العقائد الدينية المرتب على طريقة السؤال والجواب : يجيب كل مسيحي عن الأسئلة الثلاثة أدناه هكذا :
السؤال - من خلقك ؟ الجواب - خلقني الله الآب .
س- من خلصك ؟ ج - خلصني الله الابن .
س- من أحياك ؟ ج- أحياني الله روح القدس .

أما الموحد فيجيب على كل سؤال من الأسئلة المذكورة أعلاه قائلاً (هو الله) يقول أن الذي خلقني وخلصني وأحياني هو الله تعالى .
ان الذي يعمل اجل الأعمال في تثليث المسيحيين هو الروح القدس لأنه هو الذي يهب الحياة للأجساد المخلوقة والمخلصة معاً ، فالآب قد خلق الجسد فقط ، وأما الابن فقد خلص الجسد ! من أي شيء خلصه يا ترى !؟ أمن الخطيئة أمن من جهنم ؟ فالأمر هنا صعب ! من أي شيء خلص الجثة الهامدة ؟ وممن ؟ أمن الوحش أم من التفسخ ؟ أسئلة لا جواب لها! والحال يبقي الروح القدس دائماً في الصف الثالث من الخطاب ، ولنفرض أن أحد السامعين على رأس ذلك الجبل قول الواعظ المسيح عليه السلام سأله قائلاً (يا معلم من هو خالق ملكوت الله الذي أنت تبشر به ومن هو منجيه ومن هو محييه ؟) فكيف كان يجيب ذلك المعلم ؟ كما أن المعلم كان موحداً فالجمع أيضاً كانوا موحدين ، فلا شبهة في أن المعلم كان يجيب من أورد مثل هذا السؤال بما يأتي ,,
الغالب انك أصبت بمس من الجنون ، أيسال يهودي عاقل مثل هذا السؤال كالأحمق الجهول ؟ هل من اله غير الله إلهنا ؟ هل سمعت مني كلاماً يوهم مثل هذا المعنى ؟ هل من شك في أن خالق ملكوت الله الآتي هو الله وحده ، وان الذي يحفظه من كل هلكة ، ويصونه من كل ضلالة هو الله الأحد ؟ وان الذي يحييه ويربيه ويديمه أيضاً هو الله تعالى؟ إن الله واحد ليس له ند ولا شبيه ولا شريك ، واشهد أن لا إله الا الله(*).
وهل كان من الممكن أن يقدم المسيح عليه السلام على إعطاء جواب بخلاف هذا ؟ أم هل كان يمكن فرضاً أن يقول (لي مئات من الملكوت : ملكوت الأرثوذكس وملكوت الكاثوليك ، ولي جيش نجاة(1) ولي .. ولي ... ولي ....) الخ .

- 29 -
(ملكوت الله على تفسير بولص)

الفرق بين عيسى الواعظ على الجبل عليه السلام ، وبين عيسى بطل موعظة الرسول بولص - عظيم كالجبال ، فبولص لم يكن قد رأى المسيح ، ولا علم شيئاً من ترجمة حاله ، ولا كلمة من تعاليمه ، وان جهله بوجود الأناجيل الأربعة حقيقة لا تنكر بقول بولص في رسالته الأولى إلى ( تيموثاوس 13:6) (المسيح يسوع(**) الذي شهد بإقرار حسن لدى بيلاطس النبطي (بونطيوس بيلاطوس) ولكن يفهم من الآية 20 من الباب المذكور وهي (باتيموثاوس احفظ الوديعة معرضاً عن الكلام الباطل الدنس ومخالفات العلم الكاذب الاسم).
ان رسالة (مخلفات العلم) المذكورة من تأليفات العصر الثاني للميلاد ، إذ كان في العصر الثاني (ماركيون) عدو الرهبانية قد كتب كتاباً باسم ( ) أي اختلافات العلم لإثبات أن التعليمات المعزوة إلى عيسى مغايرة ومخالفة لتعليمات الله في التوراة وبما أن الكتاب المذكور المدعو (اختلاف العلم) زلزل موقع الرهبان ، فيفهم بصورة قطعية أن الآية المذكورة أضيفت وعزيت إلى بولص على وجه التحريف(*) .
وعلى كل حال فان بولص يبجل ويعظم رجلاً اسمه عيسى أميت ومات وحيي فقط ، وان خمس عشرة رسالة من كتب العهد الجديد تحمل اسم المشار إليه (بولص) فلا محل للحيرة إذا قلت أن المؤسس الحقيقي للمسيحية (الحاضرة) هو هذا الذات (بولص) فان شخص شاؤل الشاب الطرسوسي من سبط بنيامين ومن مذهب الفريسيين وتلميذ أحد علماء الدهر عضو مجلس صنهدرين المدعو جملثيل(1) الحائز لحياة نقية حسب شريعة موسى الذي كان في البداءة يجتهد في رفع اسم عيسى وأتباعه من على وجه الأرض والذي رأى أخيراً عدوه الناصري في السماء لامعاً داخل الأنوار وقت الظهر أمام دمشق اهتدى وسماه باسم بولص ، هو الذي وضع أساس (هذه) العيسوية ، والقسم الأعظم من (أعمال الرسل) يبحث عن سياحات بولص الطويلة وعن مجاهداتــه ومشــقاته (أعمــال 8 : 30 و 22 و 1-22 و26: 9 -23 إلى الفيليبيين 5:3-7).
ان عشق المسيح الذي أشغل كل قلبه وعقله وخياله ، لم يدع راحة لهذا الرجل الممتاز ليلاً ولا نهاراً ، في البحار والسجون والكنيس المعابد ، في حضور الحكام والولاة ، في سوط جمعيات الفلاسفة ، في أثنية وفي آريوياغاوص ، وفي روما بحضور القيصر ، من حين اهتدائه إلى أن فصل سيف الجلاد رأسه الأشيب من جسده ، لم يفتر طرفة عين عن نشر اسم مسيحه وعن التلذذ والتعزي باسمه !!!
وبما ان علاقتنا بتعليم بولص دون شخصيته ، فعلينا ان نتتبع ونطالع (سفر الأعمال) والخمس عشرة رسالة الأخرى لبولص لأجل تعيين بولص في هذه الساحة ، وكما ان الأناجيل الأربعة تصور المسيح في صور متخالفة ، فكذلك للرسائل وأعمال الرسل أيضاً تصور بولص بصورة متنوعة ومتضادة .
فإثباتاً لصداقته وتمسكه بحبل الشريعة الموسوية ينذر بولص ويحلق رأسه على ذلك الوجه
(أعمال 18:18 و 21 : 24 : 26) .

إن قانون النذر مكتوب في الباب السادس من الكتاب الرابع من التوراة المسمى (سفر العدد) فاذا تأملنا في بولص المكلف في أيام نذره بعدم أكل الزبيب وعدم قص شعره بالمقراض أو حلقه بالموس ، وبالتباعد عن الجنازة فضلاً عن الشراب والمسكرات ، المجبور على أن يربي خصل شعر رأسه إلى ان يأتي وتحت إبطه سلة ملموءة من الفطير رقاقاً وأقراصاً ملتونة بزيت، وبثلاث خراف حولية صحيحة على أن يكون أحدها للمحرقة والآخر للخطيئة والثالث للسلامة ، وبيرميل من الخمر يقدمها للكاهن فيحلق شعره على نار المحرقة ، وبعد أن يطيع كل أوامر الكاهن ذي الصلاحية بإجراء المراسم الأخرى - نفهم انه لا يمكن ان يكون بولص أرثوذكسياً ولا كاثوليكياً ولكن كان يهودياً موسوياً فقط !!!
ولما كان بولص يتجول في معبد آثينة ورأى هذه العبارة ( الله غير المعلوم) المكتوبة على أحد المذابح ، كان موحداً يعظ بكل طلاقة وبلاغة وشجاعة عن (الله غير المعلوم) الذي يعرفه حكماء اليونان في آريوياغوص ولكننا نجده في الأماكن الأخرى لا يعرف الشريعة ولا يخاف من أن بعد المسيح مساوياً لله نجد أن مؤلف الرسائل المرسلة إلى الرومانيين والغلاطيين والعبرانيين ينسخ شريعة موسى .
ربما نكون قد ارتكبنا ظلماً في انتقاد بولص ، لأننا إذا نظرنا بدقة إلى عبدالله المرتحل إلى دار البقاء منذ تسعة عشر قرناً ، والى تلك الأيدي التي اختلفت على رسائله التي خلفها يجب علينا على كل حال أن نفتش عن مسئولية التعاليم المخالفة للحقيقة والمعزوة إليه في مواضع أخرى ، فبناء على هذا نحن مضطرون رغم الاحترام الفائق الذي في أنفسنا لشخص بولص إلى نقد تعاليم بولص وجرحها فيما يخص ملكوت الله.

- 30 -
(مذهب بولص : لا شريعة ولا خطيئة في ملكوت الله)

قبل أثني عشر عاماً كنت في إنجلترا وكان لدي كتاب مخطوط يبحث عن تعاليم بولص فأنا الخص منه هنا المسائل المتعلقة بموضوعنا فقط .
بولص لا يعرف ملكوت الله ، ولكنه يبحث عن ملكوت الله المسيح فقط ، أليس هذا أمرا طبيعياً ؟ والملكوت في نظر بولص هو الكنيسة ، ولكن أي كنيسة ؟ أنا أيضاً لا اقدر أن اعرفها.
يمكن تلخيص تعليم بولص على هذا الوجه الآتي :
(ما دامت الشريعة قائمة فالخطيئة ترتكب ، ولكن المسيح أبطل الشريعة فبطل أرتكاب الخطيئة)
القضية الكبرى صحيحة ، فان الشريعة عبارة عن الأوامر والنواهي التي تبين للناس حكم الآمر المطلق ومشيئته ، وان الذي يعين الوظيفة والحقوق هو القانون والقانون نفسه هو الذي يعين المسئولية والجزاء أيضاً ، وكما ان الطاعة للشريعة تعد صلاحاً ، فمخالفة الشريعة تحسب خطيئة ، فبولص يسوق نتائج اقيسته كلها في هذا المركز (من أول الباب الثاني إلى نهاية الباب الحادي عشر من رسالته إلى الرومانيين وكذا للغلاطيين) .

(وما دام الأمر باقياً فالوظيفة بالطبع ثابتة ، وحينما يرتفع الأمر تلغى الوظيفة) وبناء عليه فالمسئولية أي الصلاح والخطيئة موقوفان على وجود الشريعة وباعتبار النتيجة ، كما أن الصلاح أي طاعة الشريعة يوجب النجاة ، فالخطيئة أي تعدي للشريعة ينتج الهلاك ، إذن فالشريعة هي التي تعرف الخطيئة وتميزها وتفرقها ، لأنه أن لم تكن الشريعة ، فبأي واسطة أمكن من معرفة الحلال من الحرام ، والخير من الشر ، والفضيلة من الرذيلة ؟ والخلاصة كيف اعرف الخطيئة والسيئة والمعصية ؟
بولص يقرر هذا فيقول (بالشريعة تعرف الخطيئة) (إلى أهل رومية 20:3) .
وكذلك يروي عن حضرة بولص قوله (فماذا نقول الآن هل الشريعة خطيئة ؟ حاشا ، بل لم أعرف الخطيئة إلا بالشريعة ، فأنني لم أعرف الشهوة لو لم تقل الشريعة لا تشته ، ولكن الخطيئة وهي متخذة فرصة بالوصية أنشأت في كل شهوة ، لان بدون الشريعة الخطيئة ميتة أما أنا فكنت بدون الشريعة ، عائشاً قبلاً ، ولكن لما جاءت الوصية عاشت الخطيئة فمت أنا فوجدت الوصية التي للحياة هي نفسها لي للموت ، لان الخطيئة وهي متخذة فرصة بالوصية خدعتـني بها وقتلتـني ، إذن الشــريعة مقدسة والوصية مقدسة وعادلة وصالحة (روميـة 7 : 7-12) .
أدرج الآيات التي مرت آنفاً من الكتاب المقدس المطبوع في مطبعة بوياجيان آغوب في القسطنطينية ، بنفقة شركة بايبل الإنجليز والاميركان على المعتاد ، وبناء عليه فالشركة المذكورة هي المسئولة عن الترجمة بقولها (بالترجمة عن اللغات العبرانية والكلدانية واليونانية)(*) .
فعلى وجهة محاكمة بولص الشريعة قاتلة ومميتة ، لأنه نفسه يعترف قائلاً (أما أنا لما كنت قبلاً بغير شريعة كنت حياً ، ولكن لما جاء الأمر حييت الخطيئة ومت أنا ، وذلك الأمر الذي صار سبباً للحياة صار سبباً لي للموت) وها هو منشأ ضلالة المسيحية - حسب فكري القاصر- متمركز في تعاليم بولص هذه على ما اعتقد فهل كانت شريعة الله هي السبب لأحياء الخطيئة وموت الإنسان ؟ إن عيسى الأناجيل لم يخطر بباله مثل هذه الخيالات ، وأما بولص فمن جهة يعترف بأن الشريعة مقدسة وعادلة وصالحة ، ومن الجهة الأخرى يدعي ان الشريعة أحيت الخطيئة وهي القاتلة للإنسان (لأنه بأعمال الشريعة كل ذي جسد لا يتبرر أمامه) (رومية 20:3) (فانه يصير إبطال الوصية السابقة من أجل ضعفها وعدم نفعها إذ الشريعة لم تكمل شيئاً) (إلى العبرانيين 19:7) (المسيح افتدانا من لعنة الناموس إذ صار لعنة لأجلنا) (إلى الغلاطيين 13:3) .
فالآن يفهم ان قصد بولص من تفسيره المقدمة الكبرى من القياس على هذا الوجه هو عبارة عن تمهيد طريق لإثبات المقدمة الصغرى ، والحال أن ظنيات بولص ومحاكمته ومعيار تفكره ليس بأكثر من مغالطة ، أما الحقيقة فهي على الوجه الذي اعترف به بولص نفسه أولاً - إن الإنسان باعتباره موجوداً ناطقاً خلوقاً تابع لثلاث شرائع ، الشريعة غير المكتوبة وهي الضمير والوجدان الذي يسوق للإنسان إلى جب الخير والاستقامة (والثانية) هي القانون البشري الحيواني الطبيعي الذي يسوق الإنسان إلى الأهواء النفسية والمنفعة الشخصية (والثالثة) شريعة الله وهي رضاؤه وإرادته التي بينها على ألسنة الأنبياء بالوحي والإلهام ، إذن فهادي الوجدان ومديره هو الشريعة سواء أكانت الشريعة مكتوبة أم غير مكتوبة ، ويتمكن الإنسان من أن يميز الخير من الشر على قدر ما يدرك وجدانه حتى ان الولد الصغير يخاف من أمه إذا سرق شيئاً من السكر ، أي ان عقله يصل إلى إدراك ما ارتكبه من الذنب بواسطة وجدانه الصغير ، وعليه فقد غلط بولص في قوله ان الشريعة أحيت الخطيئة وأماتت الإنسان ، الخير والشر كلاهما من الله ، ولو لم يكن هذان لا تعرف الإنسانية قدر العافية ولا مزية الرقي ، الخير والشر هما الواسطتان اللتان تميز ان الإنسان من نوع الحيوان ، وترفعان عالم الأخلاق إلى العلاء .
الشريعة ليست مولدة الخطيئة ومسببتها ، ولكن معيارها المعين لها ، علة الخطيئة الفاعلة هي إرادة الإنسان الجزئية .
ولكن قوله (لا يتبرر أحد في نظر الله بواسطة أعمال الشريعة) وقوله (لم تكمل الشريعة شيئاً) كلاهما خلاف الحقيقة على خط مستقيم ، بل الأمر بالضد أو النقيض فالشريعة تكمل كل شيء ، فان من يلتزم ما أمرت به الشريعة ويسلك حسب أوامرها فهو الإنسان الكامل الذي يعد باراً وصالحاً عند الله ، وان شريعة الله تجري على ناموس التكامل ، كل أنبياء بني إسرائيل وأبرارهم نجوا وخلصوا لأنهم سلكوا وفق شريعة الله .
وفي هذا الخصوص لما فهم بولص أنه سيجعل نفسه عرضة للتهمة بالإضلال ، قال ان إبراهيم وكل الصالحين تبرؤا بالإيمان ، أي انه يقول لا يخلص أحد بواسطة أعمال الشريعة لكنهم وجدوا الخلاص بالإيمان فقط ، والحال أن مثل هذا الاستدلال لا يثبت شيئاً فهذا بمعني (أساس التسؤل) petitie perneipli من ذا الذي يهتم بالشريعة وليس له إيمان ؟ وإذا لم يكن الإنسان مؤمناً فهو لا يطيع شريعة الله ، ولكن هل يكفي الإيمان وحده ؟ كلا إن الشيطان أيضاً مؤمن بالله ، حتى انه ليرتجف خوفاً منه ، ولكن كيف يبرهن على وجود الإيمان إذا لم يكن العمل ؟
قارنوا بين تعاليم بولص هذه وبين تعبيرات المدح التي أوردها الزبور في هذا الباب ، فان داود عليه السلام يترضى عن حال ذلك الذي :
(يجد مسرته في شريعة الرب ويطالع في شريعته ليلاً ونهاراً) (مزامير 2:1).
(اسلكني في طريق وصاياك لأني وجدت مسرة فيها) (مزامير 35:119) .
(وأتلذذ بوصاياك التي أحببت) (مزامير أيضاً 47) .
(تذكرت أحكامك من القديم يا رب فتعزيت) (أيضاً 52) .
(ذكرت في الليل اسمك يا رب وحفظت شريعتك) (أيضاً 55)
(في منتصف الليل أقوم لأحمدك لأجل أحكامك العادلة) (أيضاً 62) .
(لو لم تكن شريعتك مسرتي لهلكت حينئذ في مشقتي) (أيضاً 92) .
(سبع مرات في النهار أحمدك لأجل أحكامك العادلة) (أيضاً 164) .

فإذا لم يكن افتراء بولص وبهتانه تقولاً وطعناً على شريعة الله التي هي مدار افتخار كل الأنبياء ، وسند الصالحين ، ومسلية المضطربين ، ودليل رجاء الخاطئين ، وأنشودة السيناغوغ إذن فما هي ؟ كيف تميت الإنسان شريعة موسى وهي التي بعث بها 124000 مائة وأربعة وعشرون ألفاً من النبيين ؟ لكل سبط من بني إسرائيل أثنى عشر ألفا ؟ (كلمة 7 : 1-8)(*) هي لا تميته بل هي التي تحييه ، تلك حقيقة يجب أن يخجل لها بولص ، أليس هؤلاء الأنبياء لم يبيضوا بدم الحمل قطعياً ؟
هل كان أولئك الرجال المقدسون الذين أنجبتهم شريعة موسى ، دون عزة الكنيسة طالبي الجدال ؟ فلنعدد عشرة من مقدسي المسيحية : آثاناثيوس ،قسطوريوس ، آبو طيكوس ، قورللوس الاسكندري ، لوتر ،جان ويكليف ، كلوين ، ايفناتيوس لبولا ، وهلي ، جنرال بوث ! فضلاً عن أني لا أتصدى للطعن بقلمي على أشخاص هؤلاء الذوات ، لا اقدر أن اكتب في حق هؤلاء الناس الراحلين شيئاً عن إبداعهم إلى رحمة الله ، ولكن بطولة هؤلاء وشهرتهم لم تنشأ إلا من شدة عداوة بعضهم لبعض ، وإدخال الشقاق والنفاق على أبناء دينهم .
وإذا ما أتينا إلى القضية الثانية فهناك تكتسب دعوى بولص وخامتها ، وذاتاً لم يكن سبب ذكره الشريعة بالألفاظ الذميمة (مثل عديمة الفائدة ومميتة الإنسان ومحييه الخطيئة، واللاعنة، واللاشيء) إلا بقصد إدخال الحمل في الوسط .
يقول (لكن المسيح الغي الشريعة) ...!...!
ثم ان تعاليم بولص الآتية تؤيد المقدمة الصغرى :
(الآن ... تحررنا من الشريعة) (إلى أهل رومية 6:7) .
( ) والكلمة اليونانية فاتير غيثيمن) تفيد معنى (عتقنا من قيد الأسر والسلاسل ، أي أننا كنا إلى الآن تحت أسر الشريعة أما الآن فقد خلصنا رقابنا من أسرها) .
(فان الخطيئة لن تسود لأنكم لستم تحت الشريعة بل انتم تحت العناية) (رومية 14:6) .
(المسيح صار لعنة لأجلنا إذ خلصنا من لعنة الشريعة) (غلاطيه 13:3) .
(أنا مت للشريعة بالشريعة) (غلاطيه 19:2) .

إن التعليم الوحيد لبولص عبارة عن أن دم المسيح صار كفارة أعتق العالم وخلصه من لعنة الشريعة ومن أسرها .
انهم حتى في هذا العصر الرابع عشر للملكوت(1) لا يزالون يجرحون قلوب عارفي الله الحق بتكريرهم الكلام عن الدماء واللحوم وذبح الذبائح ، وعن إحراق المحارق ، وعن الكاهن والأسرار ، وعن الصليب والشفعاء ،وعن الإنجيل والسيونرتير (الدعاة المبشرين) وعن الناقوس والكنيسة ، وعما إذا كان الرب ثلاثة أو واحداً ، فأنا بعد أن عرفت خالقي وأحببته ، وأردت أن أسلك الطريق إليه ، مقدماً التوكل عليه والصلوات على جمع أنبيائه إذا لم أجد الطريق مفتوحة رأساً إلى صاحب الملكوت الخالق الأحد من غير واسطة فلا اقدر أن اذهب إليه ، فأنا المذنب الفقير المحروم من الفضل والفيض والنوال .
نريد ديناً صافياً وبسيطاً ، ليتمكن الناس من أن يأتوا فيقدموا تعظيمهم وتضرعهم بكل حرية إلى حضرة الله تعالى ملك الناس من غير واسطة ما ، وان إله ملكوتنا الأزلي الأبدي ليس كأحد القياصرة (الإمبراطورين) يتعب من كثرة الاشتغال ،بحيث لا يسوغ لأحد التقرب منه بل يكتفي منه بنيل السلام من جانب عظمته وذلك أيضاً على البعد ويبلغ بالواسطة(*).
فيا أيها النصارى أليس من الممكن أن نجعل كل محبتنا وطاعتنا في التعبد لله وحده ، فلا نقيم الصلوات ولا نوجه الدعوات إلى المخلوقات ، ولا نذل لهم فنهبط إلى دركة عبادتهم ونحن نرى البشر حتى الشعوب والطبقات المنحطة منهم قد قاموا يريدون حقهم من حرية الرأي ومن التساوي في الحياة ، ويحكمون لكماتهم في نواصي الاوردات ،ويجاهدون في سبيل التفلت من تحكم المستبدين ، والظلمة القاهرين ، ألم يأن لكم أن تحاولوا فك رقابكم من هذا الاستبداد الدينين لسلطان جيوش الرهبان ؟ انظروا إلى تعاليم حوارييكم الكبار الآتية وبعده ليرجع أصحاب العلاقة إلى رسائل بولص الثلاثة (إلى رومية ، إلى غلاطية ، إلى العبرانيين) وليقرءوها بدقة وإمعان حسب تحريره واستنتاجه ، ولا حاجة إلى نقل شيء من أبوابها أو آياتها هنا .
فنتيجة حكم بولص التي نوه بها هي :
إن المسيح آمات الشريعة لقتله ، وفي إيصال الشريعة التي أحيت الخطيئة صارت الخطيئة لا تتسلط على المسيحي مرة أخرى ، ثم أقام العناية والتوفيق بدلا من الشريعة، المسيحيون كلهم من أعضاء المسيح وعظامه ، وهم في جملتهم يشكلون عائلة واحدة تعيش تحت العناية(*) فان المسيح سينزل من السماء منقضاً بسرعة كالصاعقة ، وليس الوقت الآن بوقت الأكل والشرب ، ولا وقت الزواج وتشكيل العائلة ، فليكن المتزوجون أصحاب الأهل كالعزاب .
(أقول هذا أيها الاخوة ، ان الوقت منذ الآن قصير فليكن الذين لهم زوجات كأن ليس لهـم) (1-كورانثـوس 29:7) وهذه الآيـة حريـة بالدقـة ، ففــي اليونانية يقول الذين لهم زوجات ( ) وهي إشارة إلى جواز تعدد الزوجات .
ومهما كان الأمر فان وصية بولص لكنيسة (كورانثوس) بأن يتركوا الزوجات وان يعتبروهن غير موجودات ، وبان لا يفعلوا شيئاً غير انتظار مجيء المسيح السريع ، لا يكتبه إلى البولصيين(1) الذين في رومية وغلاطية ، ولكن المسيحيين سيعيشون تحت العناية ، وان الخطيئة لن تتسلط عليهم ، فعناية عيسى المسيح حلت محل الشريعة ! لكن ما هذه العناية ؟ ليس من السهل تعريف هذه الكلمة المستعملة في عداد ألفاظ عطية ، هبة ، توفيق ، بل هي العناية التي خلفت شريعة الله التي هي عبارة عن وثيقة وسند مقدس ، المشتملة على الفرائض والأحكام والقوانين المعينة ، العناية وهي كجبل قاف أو العنقاء ، موجودة بالاسم مفقودة المسمى! العناية ليست بسند ولا وثيقة ولا ملك من الملائكة الكرويين ! هي رحمة المسيح لا غير(*) .
فملكوت الله الذي يفسره بولص على انه يجمع أبناء البشر كلهم سواء ويشكل منهم عائلة واحدة ، ويترك كل من له زوجات وأولاد وأملاك بينهم فيعيشون بالوحدة وكمال المحبة تحت ظل (العناية) ومهما يفعلوا فلا يعد لهم ذنباً ولكن بولص أدرك وخامة نتيجة محاكمته هذه فانثنى يقول مكرراً :
ومها كان من العناية فانه مع ذلك يجب أن لا نخطئ ، لأنه ما من حكومة تجوز أن تعيش جمعية بشرية بغير ما شريعة وقانون مشترك ، ولهذا كان بولص شأنه كشأن السريين الذين يقولون لمريديهم (ازاينجا) أي من هنا ، وللمبتدئين (ازانجا) أي من هناك وأما تعليم بولص في شأن الذبح العظيم فسيأتي البحث عنه وتمحيصه في الفصل التاسع .

- 31 -
ملكوت الله في تفسير الكنائس

كل من الكنائس التي لا تحصى عدداً ، تدعى أن المسيح أسس كنيسة ، وكل واحدة منها تعرض هيكلها قائلة (أنا تلك الكنيسة) .
لنقسم هذه الكنائس بحسب اتساعها إلى ثلاثة أقسام : القسم الأول : الرهبانيون أو الكهنوتيون ، والقسم الثاني : الإنجيليون ، وأما القسم الثالث : فهم الموحدون .
هل من الممكن تفريق عباد الكهنوت من عباد الإنجيل ؟ لنعبر عن الكنائس التي تلتزم الكهنوت بعنوان (كاثوليك) وعن الإنجيليين بعنوان (بروتستانت) فان مقدم الكهنوتيين هو الكنيسة الباباوية ، لأنه من المسلم والمصدق حسب التاريخ وحسب عقيدة الكنيسة أن أتباع كل الكنائس - ما عدا نصارى إيران - كانوا بعد مجمع نيقية العام خاضعين لبابا رومية ومرتبطين به ، حتى ان نصب بطاركة الروم وعزلهم كان في السابق من حقوق البابا .
وأما أحزاب جمعية البروتستانت فلا يمكن اندراجهم كلهم تحت كلية واحدة أو مقولة (قاطيغوريا) واحدة ، ولكن كل هؤلاء مع الحيرة والاستغراب لم ينظروا ولا ينظرون إلى ملكوت الله بصورة مغايرة للكنيسة ! ولم اسمع إلى هذا اليوم بأحد يدعي ان ملكوت الله ليس الكنيسة أو يقول لعله دين آخر ، نعم يوجد من يذم ويقبح الكنيسة ويلتزم امتثال ملكوت الله ، أي أنه يقول (ان الكنيسة باعتبارها ملكوت الله يجب أن تكون كذا وكذا على ما جاء في الأناجيل - حتى أن المسيح الخيالي (ليدياليست) الكونت تلستوي الذي كان دأبه أن ينكس الكنائس بالمرة ويجعل عاليها سافلها ، يعتقد أيضاً ان عيسى رئيس ملكوت الله ، ولكن هذا الفيلسوف الروسي لا يفهم من لفظي (ابن الله ، وابن الإنسان) سوى الإنسان المطلق أي كل آدمي الا ان ابن الله هو الإنسان المؤمن ، وأما الكنائس فترد هذه الفكرة المذكورة ، وليس في علم الكلام الخاص بالكنائس نص صريح قطعي جدي في شان ملكوت الله ، وان مفسري النصارى الذي قد شغل تصور الإنجيل والصليب ذهنهم يفكرون في أن ملكوت السموات لا يمكن أن يكون غير الكنيسة ، لذلك لم يتمكنوا من التفريق بينهما (أي بين ملكوت الله وبين الكنيسة) وهم يعتبرون تعريف ملكوت الله أيضاً يشتمل على الكنيسة عينها ، وكلمة كنيسة معربة واصلها (ايقليسيا) اليونانية على أن جميع النصارى الساميين يستعملون كلمة (عيدتا) ( ) التي هي بمعنى الجماعة .
يقولون ان تاج حضرة البابا المثلث ذا الثلاث الزوايا (Tiara - تياراً) هو علامة ورمز للكهنوت والنبوة والملكوت ، لان من مدعيات الحواريين قولهم ان الذين يؤمنون بالمسيح سيكونون كلهم يوم القيامة كهنة وأنبياء وملوكاً(*) .
والأمر ظاهر من الأناجل الأربعة فان المسيح عليه السلام استعمل كلمة (كنيسة) بمعنى وكلمــة (ملكوت الســماوات) بمعنـى آخـر ، عبر عن المعتقــدين ببشــارته بكلمة ( عدتا) أو ( قهلة) بسكون القاف وكسر الهاء ، وهذه كلمة (عدتا ، اكليصيا) أطلقها على تلاميذه وعلى الموظفين بتبشير كلامه وبملكوت الله وعلى المؤمنين العيسويين ، بقصد التفريق بنيها وبين كنيس (كنشت ) اليهود ، مثلاً هناك آيتان لمتى هما عديمتا المثال في كل كتب العهد الجديد والجالبتان للشبهة في صحتهما لهذا السبب هما اللتان فيهما بعد عيسى بأنه سيبني كنيسته على شمعون بطرس وانه سيعطيه مفاتيح ملكوت السماوات (متى 16 : 18و19) .
وكان المسيح إذ ذاك قد لقب شمعون الباز بلقب (بن) بمعنى حجر التي هي في اليونانية (بطروس) وليست بمعنى (صخرة) التي هي في الكلدانية ( كيفا) فالمسيح يقول لشمعون :
(أنا أيضاً أقول لك انك (كيفا) صخرة وعلى هذه الصخرة سأبني جماعتي ، وسأعطيك مفاتيح ملكوت السماوات) الترجمة للمؤلف .
ليس في هاتين الآيتين من سر لا يمكن فهمه ، يبين المسيح عليه السلام إحدى الحقائق العظيمة بإقادة بسيطة ساذجة جداً ، هكذا :
سيؤسس الله على الأرض في هذه الدنيا (ملكوتاً) ديناً عاماً ، وسينزل الله الكلام القديم بطريقة الوحي لأجل هداية أبناء الملكوت ، وأما أنا فقد بينت وأوضحت لكم أجمالاً ما هو ملكوت السموات وعلى أي الأسس سيعطي لكم كتاب الله ، ليس لي كتاب اعطيكموه ، ولا ملكوت أدخلكم فيه ، انتم واظبوا على العمل حسب شريعة موسى غير منفكين عن كتاب التوراة قطعاً ، ولكن لا محل للفكر والقلق ، لا تتمسكوا بالشريعة والوصايا الإلهية حرفياً وبالظاهر فقط كالفريسيين وسائر جماعات اليهود ، بل تمسكوا بهما روحاً ومعنى أيضاً ، وكونوا بين اليهودية زمرة نيرة ، وصفوة مرشدة ، أنيروها وأرشدوها تدريجياً إلى أسس الدين المبين الذي تقرر تأسيسه ، فان انتم فعلتم ذلك يجازيكم الله ويقبلكم بصفة أبناء الملكوت ، وقد عينت خليفتي (شمعون كيفا) ليكون رئيسكم وها أنا ذا مسلم له مفاتيح ملكوت السماوات ، أي أني أعطيه الصلاحية الواسعة ، وكل من يدخله في جماعتي في كنيستي فسيكون الله قد ادخله في ملكوته .
(أقول) أن المقصود من ذلك كله التعبير عن الحياة الأبدية في السماوات بعد الموت في حضرة الله تعالى (أي عنده) .
فهذه الآيات الصريحة البسيطة إلى هذه المرتبة صارت سبباً للاختلافات الكبيرة والحروب الدموية بين الكنائس .
البابا كاهن رومية الأعظم يدعي الربانية المطلقة على عالم العيسوية مستنداً على هذه الآيات .
وأما الكنائس والمذاهب المسيحية الأخرى فيدعون أن المشبه بالصخرة ليس شخص بطرس بل اعتقاده ، وأما مذاهب البروتستانتية فيدعون أن بطرس لم يذهب إلى رومية قط ، وأما الآخرون فيقولون أن عيسى أراد بقوله (على هذه الصخرة) شخصه نفسه ، لان بطرس في اليونانية اسم خاص مذكر (علم شخص) والحال أن (بطره ) اسم عام مؤنث (علم جنس) وبناء على هذا فان الحجرة التي سيبني عليها ليست (حجراً) بل (حجرة) أي غير بطرس وهي المسيح نفسه ، المسيح عبر في العبارتين بلفظ (كيفا) و (كيفا) أيضاً اسم مؤنث .
إن جهة تعلق الآيات المذكورة بموضوعنا هو كون الكنيسة غير ملكوت الله ، والكنيسة كانت ممثل ملكوت الله وشاهده بصورة مؤقتة ، وبشارة الإنجيل أيضاً كانت بمثابة المنادي تهتف بالدعوة إلى الكلام القديم (القرآن) وكل الكنيسة والإنجيل لم يكونا حائزين على ماهية غير تمثال وظل لدين الإسلام والقرآن العظيم الشأن .
لو كان المسيح صاحب ملكوت الله لاقتضى ان يقول (سأبني ملكوتي على هذه الصخرة).
والسبب في انه لم يكن لجماعة المسيح إلى حين مجمع نيقية من كتاب ملهم رسمي غير الكتب المقدسة العبرانية - أي غير التوراة - انما هو انتظار كلام ملكوت الله ، أليس صلوات الكنائس ودعاؤهم في صلواتهم (آيات ملكوتك ، لتكن إرادتك كما في السماوات كذلك على الأرض) دليل باهر على انهم خارجون عن ملكوت الله ، وانهم غير مؤمنين بكلامه ؟

إذن تحقق جلياً انه لا يتفق تعليم بولص وتفسيره ولا مدعيات الكنائس مع ملكوت السماوات الذي كان المسيح عليه السلام مأموراً بالتبشير به .

الأربعاء، 18 يوليو 2018

ملكوت الله يكمل اليهودية

ملكوت الله يكمل اليهودية

ليس لأحد أن يذهب إلى أننا غمطنا شيئاً من حق سيدنا عيسى عليه السلام أو لم نقدره حق قدره بقولنا انه لم يؤسس ديناً وملكوتاً ، فانه ليس من حدنا أن نحدد سمو درجات أنبياء الله أو نفرق بين رتبهم ، بل نؤمن أن كلا منهم رسول الله وحبيبه ، وعليه فأننا نحبهم ونعظمهم ونحترمهم جمعياً ، إلا أنه نظراً إلى أهمية الرسالة التي بلغوها والخدمة التي أدوها ، قد عرف بعضهم اكثر من بعض ، مثال ذلك أن النبي حبقوق الذي ليس له غير كتاب واحد هو عبارة عن باب واحد(*) بالطبع لم يكن معروفاً ولم يكتب شهرة بقدر النبي داود صاحب الزبور ، ولهذا لم يبق اليوم اثر في التاريخ لألوف الأنبياء ، ومع ذلك إذا تأملنا جيداً رأينا أن روح الله لم تكن وظيفته قليلة في خصوص ملكوت الله ، فان مئات الألوف من الناس آمنوا بملكوت الله وكلامه الذي بشر به ، وارتحلوا إلى دار البقاء مؤمنين موحدين منتظرين للملكوت مخلصين له وعند ظهور الملكوت وتأسيسه وإعلانه دخل في حظيرته مئات الألوف من الموحدين المسيحيين ، وكان بين المسلمين في زمن الخلفاء الراشدين ما يعد بالملايين من الموحدين الذين اسلموا لبشارة المسيح عليه السلام ، على أن كل العيسويين الموحدين الذين كانوا في قارتي آسيا وأفريقيا قد اعتنقوا الإسلامية ، ولكن الأقلية منهم أصحاب التثليث لم يؤمنوا بالدين إلى يومنا هذا .
ولذلك لا نبتعد عن الحقيقة إذا قلنا أن عيسى ومحمد عليهما السلام أسسا الإسلام متحدين ولكن هيهات لنا أن نتمكن من تفهيم ذلك للنصارى وإقناعهم بهذه الحقيقة .

- 25 -
ملكوت الله ليس اليهودية
(يتبارك في نسلك جميع أمم الأرض تكوين 18:22)
أخبر الله تعالى إبراهيم عليه السلام بأن سيتبارك بنسله كل أمم الدنيا (نسل بصيغة المفرد) وذلك قبل موسى والتوراة بأربعة أو خمسة عصور ، نسل إبراهيم حسب اللغة العائدة له كما في العربية بمعنى (الزرع) و (البذر) وبولص الرسول يبحث عن وعد الله هذا قائلاً : (لا يقول انسال) أي بصيغة الجمع ولكنه يقول (نسل) مفرد ، وذلك هو المسيح 
(الى الغلاطيين 18:3)(*) 

لقد عهد الله إلى إبراهيم بصورة ميثاق أن النسل (الزرع) النازل من صلبه يكون (رحمة للعالمين) ولست باحثاً هنا عن (هذا النسل) الذي هو رحمة للعالمين) ولكن لا شبهة في انه سيتيسر لجميع أمم الأرض التبرك بدخول ملكوت الله والاهتداء وإدارة الأمور بكتاب ملكوت الله ، وعلى كل حال فان الله قد وعد بأن يرسل من سلالة إبراهيم الطاهرة ذاتا قدسية يكون رحمة وبركة لكل الأمم التي على وجه الأرض .
ان نبوة إبراهيم عليه السلام انتقلت إلى إسماعيل وإسحاق عليهما السلام ، فكانت من إسماعيل العرب ، ومن إسحاق بمناسبة أن لولده يعقوب أثنى عشر ولداً - أسباط إسرائيل ، فكتب العهد القديم أي كتب بني إسرائيل المقدسة ليست بذات علاقة بوضعية أمم العرب الدينية الذين ظهروا من إسماعيل عليه السلام ، فالتوراة والزبور وسائر كتب الأنبياء كلها نزلت إلى بني إسرائيل .
ان من الحقائق المعترف بها في تاريخ الأديان أن اليهودية دين وبهذا الاعتبار تكون التوراة كتبا الله . وكلاهما متفردان وعديمي المثيل ، فليس من ملة نالت انعم الله كالملة اليهودية باعتبارها منفردة ، كما أنه لم يثبت في الأدوار القديمة كهذا الدين المقدس ، ولا كتاب يحتوي على حقائق إلهية كالتوراة ، والصينيون واليونانيون كان لهم كتب في الحكمة والأخلاق وكان لهم حكماء ومرشدون ملهمون ، ولكن كل ذلك كان دقيقاً ومحكوماً عليه بالاضمحلال ، سقراط وأفلاطون(1) واريسطوطاليس وبقية حكماء اليونان الملهمين لم يوفقوا إلى تأسيس دين ، فاليونان انقادوا إلى آلهة الأساطير ، والصينيون أيضا كان لهم المرشدون الدينيون (فوهي) و (لاعوتس) و (كونفوشيوس) و (الكتب الست) المسماة (كينغ Kings) ولكنهم لا يساوون اليهودية وأنبياءها ، اليهودية حائزة على صفة الدين ، والأنبياء كانوا يبلغون ما يأمر به الله بصورة الوحي والإلهام ، والحال أن كتب الملل الأخرى ومرشديهم بقيت عبارة عن الحكميات والحكماء ليس غير(*) .
اليهودية دين مليء خاص ، وكل الأنبياء (فيها) أرسلوا إلى هذا الشعب نفسه وعملوا على تأييد ذلك الدين ، نحن مضطرون إلى احترام شعب أحبه الله وأنعم عليه بهذا القدر ، وعلى تعظيم شريعة موسى التي أنتجت وأنجبت هذا المقدار من الأنبياء الصالحين .
كل أنبياء بني إسرائيل كانوا قد أخبروا بان سيظهر (ملكوت الله) و (الدين العام) ومهما كانوا يدعون ، طول مدة بقاء شريعة موسى ، أن (يهوه : الله) اله إسرائيل فحسب ، فانهم كانوا يشعرون بأنه سيأتي يوم فيه يتعرف الله إلى جميع الأمم ، وانه سيجمعهم ويجعلهم ملة واحدة .
وها هم أولاء لا يزالون ينتظرون أن يأتي شخص من نسل إبراهيم ليشكل ذلك الملكوت واليهود لما لم يجدوا الصفات التي ينتظرونها في المسيح عليه السلام ، لم يقتنعوا بأنه هو المسيح الحقيقي المبشر به ولذلك رفضوه ، لاعتقادهم أن شريعته التي ستكون ملكوت الله هي شريعة موسى مع قليل من التحوير ، وأن مركزه أورشليم (القدس) وأن يومه المقدس يوم السبت ، ولعدم وجود إحدى صفات ملكوت الله وخصائصه التي مر ذكرها في الفقرة (26) على ما ذكره وعدده المسيح عليه السلام وصل دين موسى إلى الانقلاب الثالث ونسخ في جملته وهيئته العامة ، فعيسى بن مريم عليهما السلام آخر أنبياء اليهود لم يقبلوه والنبي يوحنا المعمدان(1) المبعوث في ذلك الوقت قتلوه من قبل أن يقبلوه ، وفي تلك الحال كانت اليهودية في انتظار المسيح الذي سيأتي ، منذ خمسة إعصار قبل الميلاد ، وليس من مقتضى تاريخ الدين المذكور ، أن يكون الانتظار لمدة طويلة بهذا المقدار ، لأننا نعلم من أسفار التوراة انه كان في كل عصر مئات من الأنبياء ، وعلى الأخص في زمن الياس واليشع ، ولما لم تتمكن اليهودية من أداء فرائضها الدينية أضاعت دينها باعتباره ديناً ، ولم يكن الهيكل(2) الذي هو فرض للعبادة موجوداً، وكانت سلالة هارون الكهنوتية قد فقدت ، وكانت السكينة(3) أوريم توميم(4) وألواح الوصايا العشرة وغيرها كلها قد رفعت من الوسط وزالت ،وأي دين زال تنفيذ أحكامه وفرائضه بأجمعها ، فان ذلك يعد نسخاً وإلغاء له .

- 26 -
السلام عليكم يا أخواني اليهود
انتم يا شعب الله المحترم بما أنكم أولاد إبراهيم عليه السلام وبانتساب ذلك النبي العلي الشان إلى أمة الكلدان(1) تكونون إخواني ، ولكني أود أن أخاطبكم بعنوان إخواني المعنويين انتم من القديم موحدون قد اعترفتم وأقررتم بوحدانية الله ولم تزالوا قائمين بها وثابتين عليها وقد مضى عليكم خمسة آلاف سنة . النور والنجاة إنما وهبا للدنيا من نسل جدكم الأعظم حضرة إبراهيم عليه السلام ذلك النسل النجيب لصالح وارث النبوة ، وسواء أكان النسل من صلب إسحاق أم من صلب إسماعيل ، حسبكم فخراً أن تكونوا من نسل إبراهيم ، ان أجدادكم خالفوا الحق بعدم إيمانهم لعيسى عليه السلام . ولكن لا شبهة في أنه لم يكن آخر نبي عام ولا آخر مسيح ، على أن كل أنبيائكم وملوككم ورؤساء كهنتكم كانوا مسحاه ، لأنهم كانوا يمسحون جمعياً بالزيت ، ولكن النبي العام لم يمسح بالزيت على مراسم الكهنوت بل تعين وتقوى بقدرة الله وبروحه ، أنا افهم أن عيونكم باقية دائماً في أورشليم ، ولكن ما العمل وقد خرب معبدكم بإذن الله وخربت بلدتكم المقدسة مراراً وصارت قاعاً صفصفاً ؟ ولكن بيتكم المقدس باق يعبد الله فيه الموحدون ويسجدون فيه للوحدة الإلهية ، ويذكرون اسم الله وأسماء الأنبياء الذين تعرفونهم ، فهذا البيت هو الآن مفتوح لكم وهو لم يزل بيتكم.
لا أرى بينكم وبين المسلمين فرقاً أساسياً ، كلكم تؤمنون باله إبراهيم . كل أنبيائكم وكتبكم مصدقة ومقبولة لدى المسلمين ، ولا أظن أنكم تصرون على الخلاف في مادة أو مادتين .
ان كان المسيحيون لا ينفكون يقدســون (قربان القديــس) ايوخاريســـطيا( ) فانتم أيضاً لا تنفكون تقدسون يوم السبت ، والحال أن قربان القديس في نظركم ليس له أصل ولا فائدة وانه من وضع الرهبانية ، وكذلك لا أساس ليوم سبتكم لأنكم صرتم ملة ذات تجارب وتربية دينية منذ خمسة آلاف سنة ، ويجب أن تعلموا أن الله منزه عن الجسم والزمان والمكان وانه تعالى لا ينفعل ولا يعرض له عكس العمل ، ولا توجد قوة ولا عمل يجعله تعالى متأثراً أو منفعلاً ، وعلى ذلك لا يعقل ولا يصدق العقول بان الله قدس يوم السبت لأنه عمل ستة أيام واستراح في اليوم السابع(*) ؟ لله أن يقدس أو يخصص أي يوم شاء لأجل الاستراحة العامة لا راحة عباده(**) ولكن السبب الذي به ذلك تعللون لا يمكن أن يكون صحيحاً ، فان الله لا يمسه تعب ولا لغوب كما انه لا تأخذه سنة ولا نوم ، فهو إذاً لا يحتاج إلى الاستراحة ، لأنه لا يكابد العمل بكفيه ، أو يحمل على كتفيه ، (إنما أمره إذا أراد شيئاً أن يقول له كن فيكون) وتعلمون أن الأنبياء من قبل موسى كإبراهيم وسائر الأنبياء عليهم السلام لم يكونوا على خبر من قداسة يوم السبت .
البابليون قبلكم كانوا يلتزمون يوم السبت في الشهر مرتين ، ومن المحتمل أن أجدادكم اقتبسوا يوم الأسبوع هذا منهم في زمن سبي البابليين لهم ، ولنفرض أن الله خصص اليوم المذكور للعبادة والراحة لكم كل أسبوع فما هي أهميته ؟ سواء كانت الاستراحة يوم الجمعة أو يوم السبت فكلاهما سيان ، وكما أن مليونا من القسيسين ولو اتحدوا لا يقدرون على تحويل درهم واحد من الماء إلى دم ، فكذلك الشمس أيضاً لا تعطي كرة الأرض ضياءها وحرارتها في أربع وعشرين ساعة قدسية ولا روحانية ليوم من الأيام .
أذكر أن عمر الخيام في المشهور يقول في إحدى رباعياته : الجمعة والسبت كلاهما واحد ويجب أن يكون الإنسان عابد الحقيقة لا عابد الأيام .
وانه عند افتتاح ملكوت الله أي إعلان الرسالة المحمدية كان بنوا إسرائيل قد منحوا بعض الامتيازات كالقبلة والصوم والسبت ، أي أنها كانت ستجري على ما في اليهودية . ولكنها نسخت لفرط ما أعطيت من الماهية الروحانية ، بمعنى أن ملكوت الله لا يعير أهمية لمثل هذه الظواهر بقدر ما للأمور الحقيقية الوطنية ، الصوم فرض وسواء أكان ثلاثة وعشرين يوماً أو ثلاثين يوماً كما عند اليهود أو كان في رمضان يكفي أن لا يكون أبناء الملكوت محرومين من بركة الصيام ، كذلك يجب تخصيص يوم للعبادة والراحة ، وأي يوم كان فليكن من غير إجبار ، والحكمة في أن المسيحية حولت يوم السبت إلى يوم الأحد على زعمهم حياة المسيح وقيامه من القبر يوم الأحد، والإسلامية ألغت كلا اليومين لان السبب الذي علل به في الملتين كان باطلاً وفاسداً ، وبذلك عملت ما هو المعقول وطبق المصلحة .
ثم أن هناك مسائل أخرى وهي الذبائح والكهنوت التي يحبها اليهود حبهم إنسان عينهم ، ولكن مع انه يستحيل أحياء مثل هذه الأمور من جديد ، فمن البديهي أيضاً أن لا حاجة إليها في الدين العام حتى أن البحث عنها عبث .
والذي أراه حسب فكري العاجز ، أنه إن كانت أمة تعيسة الحظ على وجه الأرض اليوم فهي أمتكم يا أحفاد إسرائيل ، أما تدرون أن أسوا أفراد الناس حظاً في الدنيا هم الأيتام والأرامل.
آه يا ليتني كنت اقدر على الدخول إلى قلوب هؤلاء لا شاهد ما فيها من اليأس والآلام ! ما اعمق حزن ذلك اليتيم الباكي لإدراكه انه فقد أباه فقداً أبدياً ، وتلك الأرملة البائسة التي تحولت حلاوة فمها علقماً بفقدها زوجها الذي تحبه اكثر من نفسها ، وتنظر بعينها اللتين تفيضان من الدمع إلى أطفالها مفكرة في أمرهم ، أولئك الأطفال الذين يأتوا فقراء ما لهم من ولي ولا ظهير .
فاليهود اليوم هم في مثل هذه الحالة ، لا يملكون وطناً ولا ولياً ، اليهود غرباء وممقوتون في كل مكان ، وقد أصيبوا بمظالم قلت أو كثرت ، لا يجدون أمة يستندون إليها ولا وطناً يدركون السعادة فيه ، فهم مشردون في أربعة أقطار الأرض ، هلكى كالماشية السائمة أشتاتاً أشتاتاً ، ان فيكم أيها القوم كثيراً من الرجال الأغنياء والعلماء المفكرين فليتوسلوا بما أوتوا من العلم والثروة لمعالجة حالتكم هذه ، انتم لا تكونون مسيحيين ، ولكم الحق في ذلك لأنكم ستبقون دائماً موحدين .
عدوكم المبين وخصكم اللدود ليس الإسلامية بل النصرانية ، ويمكنكم الاتحاد مع الإسلامية على أهون الشروط وأسهلها فهي تمد لكم يد الود والاتحاد من غير مساس بسبتكم ولا يضومكم ، حتى أنها توافق على تشكيل حكومة محلية ملية لكم ، وها هي ذي الحكمة الشريعة لعمر الخيام :
(در مذهب ما شنبه وادينه بكى أست جبار برست باش نه روز يرست)
وعربها النجفي نظماً فقال :
السبت والجمعة عندي استويا لا تعبــد الأيـــام واعبـد ربــها
تفكروا جيداً وأمعنوا النظر في تفحص المسئلة عريضاً وعميقاً انتم والمسلمون كلاكما تعبدون إلهاً واحداً وهو الله الحق ، فأنتما في هذا الباب وهو الباب الأساسي متحدون تماماً سوى مسألة واحدة وتلك أيضاً تبقى بينكما تتمكنون من الفصل فيها .
انتم تقرون بان حبقوق وحزاقيل من أولاد إبراهيم ، فلماذا لا تقبلون خاتم الأنبياء محمد صلى الله عليه وسلم وهو أيضاً مثلهما من أولاد إبراهيم ؟ تالله لا أرى لكم عذراً في هذا ، بل ولا مانعاً مبرراً يخل بحقيقة ديانتكم ، كلا أني لا أرى لكم علاجاً للحياة ، ولا تدبيراً ناجحاً للبقاء إلا الالتجاء إلى الإسلامية ، وبعد أن تقبلوا الإسلام تكون فلسطين ملككم ، وهناك العرب يحتضنونكم ، وهم أولاد إبراهيم إخوانكم في الجنس والنسب ، هاأنا ذا أخاطبكم قائلاً : السلام عليكم ، فإذا انتم أجبتم تحيتي بقولكم وعليكم السلام ، فالمسئلة تنتهي.

- 27 -
هل أتى زمن دخول اليهود (ملكوت الله)
لا أفكر في إحداث مسئلة سياسية في هذا الخصوص لأنه لا فرق بين الطرائق والوسائط التي تتخذها السياسة وبين طرق الحيل والخداع التي يسلكها المقامرون .
ما أدهش هذه المدينة الحاضرة ! والعجب العجاب أن الكنائس تبجل هؤلاء السياسيين المقمرين الكذابين الغاضبين وتناولهم (قربان القديس) !
إني عالم بشدة عداوة الكنيسة للإسلام ، ترى كل ما يفعل بالمسلمين جائزاً ولائقاً . لماذا؟ لكي ينتصر الصليب ويهلك الهلال ويمحى ، وهنالك تنشرح صدرو كل المعتمدين بماء المعمودية بضحك وسرور . ولكن ليت شعري ألا يفكرون في أن الهلال ليس بعدو للصليب ولا رقيبه ؟ ليس للهلال من قدسية أو معنوية في الإسلام ، وإنما هو محض علامة للأثوريين أو الكلدانيين أو أي قوم آخرين لا ادري أيهم ، الهلال لم يصلب عليه جني ولا ابن إبليس وإنما الهلال قمر الله الذي جعله يستفيد منه كل سكان الأرض والنباتات على سواء .
لكن لما صار الهلال في إعلام العثمانيين صار يعتبر كأنه عدو لصليب يسوع كلا وحاشا وبينما كان المأمول من وعاظ وبسقبوسي الإنجليز والاميركان أن ينهوا عن مثل هذه العداوة التي لا صحة لها ولا أساس دينياً ويعلنوا هذه الغلط بصوت رفيع ، نراهم يسكتون عليه ويقرونه لأنهم ...!
إن منشأ النزاع بين الإنجيل والقرآن هو التوراة ، فللموسوية حق أو مجال للكلام في هذا الباب .
إذن فلتصدع الموسوية بقولها من غير ما خشية ولا جبن بحيث يقول الصديق والعدو أحسنت أحسنت أحسنت ! وأما إذا هي أظهرت العداوة الديينة للملتين المسيحية والإسلام كليتهما معاً - كما في السابق - فبالطبع لا يكون الخاسر غيرها .
قلت اني لا أفكر في إحداث مسئلة سياسية لأنه إذا ظهر تشبث جدي بإيجاد اتحاد ديني بين اليهود والمسلمين فلا شك ولا شبهة في أن ديبلومات أوروبا ومجالس وزاراتها تقيم القيامة في الحال ولهذا سنواظب على مطالعتنا في المسئلة المذكورة من غير إعطائها مسحة الساسة .
أريد ان أسأل هذا السؤال من الموسويين : ألا يوجد من أساس أو سبيل إلى الائتلاف أو الاتفاق بين اليهودية والإسلامية ؟ ألقي هذا السؤال وأكرره ليكون لإعطاء الجواب بتأن وإمعان النظر فرصة واسعة ، ليجب متفكروا اليهود على سؤالي هذا ، لكن بعد أن يراجعوا وجدانهم ويستحضروا صفاء قلوبهم .
لو كان عيسى بن مريم قد جاء بقدرة محمد عليهما السلام ، وبقوته التنفيذية المعلومة ، وطرد الرومانيين ووسع الفتوحات الإسرائيلية في القارات الثلاث من كرة الأرض كما فعل محمد صلى الله عليه وسلم وأضاف القرآن المجيد في آخر أسفار التوراة ، فهل كانوا يصرون على رفضه ؟ لا أظن ذلك . كذلك لو كان محمد من سلالة داود عليهما السلام لم يكن من شبهة في أن اليهود كان يقدسون حضرة فخر الكائنات ويسمونه سلطان الأنبياء ، ولجعلوا القرآن تاج راس التوراة ، لا اقدر أن أتصور أن اليهود يتمكنون من أن يجدوا عيباً حقيقياً في حضرة النبي صلى الله عليه وسلم وإذا فرضنا انهم ذكروا ما يزعمون انه قصور كبير وتمكنوا في هذا اليوم من إسناده إلى حضرة نبي آخر الزمان ، فحينئذ أدعوهم إلى التدقيق في ترجمة الأنبياء المبعوثين من أمتهم على حسب ما هو مكتوب في كتب العهد القديم لديهم ، أي إني أقول ان ليس لديهم من تاريخهم ما يبرر لهم الاعتراض على محمد صلى الله عليه وسلم.
فإذا قايسنا حياة الأنبياء المرسلين إليهم وسيرتهم بحياة محمد صلوات الله عليهم وسيرته فلابد أن يذعن اليهود ويسلموا من نتيجة هذه المقايسة بان الحق لسيد المرسلين صلى الله عليه وسلم ، وإلا فأنكم سوف تضطروني إلى كتابة كتاب آخر باسم (التوراة والسبت) بعد أن كتبت كتابي هذا الذي سميته (الإنجيل والصليب) .
والخلاصة لو كان محمد صلى الله عليه وسلم منسوباً إلى سلالة داود أو هارون ولم يكن من صلب إسماعيل لجعلتموه قرة لا عينكم على كل حال ، نعم لم يكن محمد صلى الله عليه وسلم يهودياً إسرائيلياً ، هكذا أراد الله ، ولكنه هو الزرع ( ) النسل المقدس الموعود به في الميثاق إلى إبراهيم ، ولا يمكنكم أن تقولوا شيئاً بحق على شخص النبي صلى الله عليه وسلم وعلى تعاليمه أو على قرآنه لان كل ما تقولونه في هذا الباب سأقول لكم تجاهه:
(أنت أيضاً هكذا) بموجب القانون المنطقي .
وأرجو من فضلكم الأذن لي بان أذكركم بأنكم ما نسيتم ولن تنسوا أبداً في تاريخكم الملي والديني كم من مرة مالت أمتكم إلى عبادة الأصنام والتماثيل الباطلة بالرغم من كثرة كتبكم السماوية والأنبياء حتى ارتبطت بشريعة الله بعد سبي بابل ولكن بعد ماذا ؟ بعد أن محي الكثير من مقدساتكم الدينية . على أنكم اليوم أيضاً في حالة هي ادهي وأمر من تلك الحالة السالفة .
فلو فرضنا ان شريعة موسى مع هيكل سليمان (للعبد ، المسجد الأقصى) وغيرهما أعيدت لكم ، فمن الذي يتعهد بأنكم لا تصدون بوجوهكم ، وترجمون كالسابق غير راضين بها؟ أقول ما مضى مضى والماضي لا يعاد ، ولكن الواجب عليكم الآن الرجوع إلى طاعة الله .
وهناك سياسة يهودية وجمعية دينية باسم (الصيهونيين) ولا يتصور موسوي هو خارج عن هذه الجمعية .
(صهيون ) هي كعبة اليهود وبمثابة (لغة اليونانيين) .
انتم ستسمعون وتجتهدون لتشكيل حكومة صغيرة في فلسطين في القدس الشريف تسهيلاً لمجيء ( ) مسيح .
والدولة العثمانية بالطبع لا تساعد على ذلك ، أما إن كنتم تنتظرون انقراضها للحصول على هذه البغية فذلك شيء معناه محوكم في ذلك الوقت لو تتفكرون(*) .
الآن بعض أوروبا القديم من كاثوليك و أرثوذكس باق كما كان إلى درجة كنسكم من على وجه الأرض لأنكم أنتم ، أنتم الذين تمهدون السبيل لمجيء مسيح عوضاً عن مسيحهم ! يحتمل أنكم تفكرون بان الله يبيدهم في آن واحد ، وان (مشيّح) سيثبت كرسي داود في القدس وعليه يحكم ! ويفتح الفتوحات ، أنا لا أستطيع أن أتعرض لفكرتكم هذه لأني لا أريد الاعتداء على عقيدتكم ، فهاأنتم أولاء تنتظرون في تلك الحال معجزات كبيرة ، وخوارق فوق العادة ! فانتم وشانكم ! ولكن قدروا وفكروا بان (العصا قد زالت وانه عند زوال العصا يأتي (شيلوح ) .
لا أفكر في المباحثة مع الموسويين في هذا الباب ، لان الزمان والصدد لا يتفقان وموضوعنا ، ولكن خلاصة ما أريد أن أقول هو :
ربما كان من الممكن تصور موضوع للاتفاق والائتلاف بين اليهود والمسلمين وعلى تقدير ذلك أسارع لعرض بيانات العاجز الآتية ، بسائق حب الخير لا غير ، ومن اللازم الضروري حسب فكري تأسيس هيئة مؤلفة من علماء المسلمين واليهود ، لتتذكر تلك الهيئة المختلطة هذه المواد ,,
أ - ان يتذكروا ويتداولوا البحث عن المساعدات المذهبية التي يمكن إعطاؤها لليهود ) :
أولاً - عن كيفية إبقاء كتب التوراة عيناً ، ويقتضي إبقاء القسم الأعظم من هذه الكتب ، لأنها تاريخ الملة اليهودية وأدبهم وأمثال ذلك من آثارهم الخاصة ، وأما الأقسام الأخرى من الكتب المذكورة ، فلو أمعن النظر فيها بحسن النية لا يتصور ان تكون مخلة بنقطة من أصول الإسلامية ، ولكن كما يقتضي إعطاء الغذاء والتربية للأولاد لإيصالهم من الطفولة إلى سن البلوغ فكذلك إذا أمعن النظر في حياة بني إسرائيل الدينية في ظرف ثلاثة الآف سنة فستكتسب كتب التوراة براءة في كثير من جهاتها المستوجبة للاعتراض ، وها هي النصرانية لم تمس كتب العهد القديم حتى أنها تقرأها اليوم في الكنائس .
ثانياً - ربما يريد اليهود التزام يوم السبت ، فلا بأس بالاذن والسماح لهم بذلك لأنه لا فرق بينه وبين نوروز العجم الملتزم إلى هذا اليوم .
ثالثاً - أن تترك لهم الأماكن المقدسة بالعبرانية كالقدس وحبرون .
( ب - ما تتعهد اليهود ) :
1- إلحاق القرآن الكريم بكتب العهد القديم بصفته كلام ملكوت الله المتمم والمكمل للتوراة .
2- إلقاء الأذان المحمدي في الأوقات الخمس .
3- الارتباط القطعي بخليفة المسلمين .
وعلى مثل هذه الأسس أظن ان الجمع بين الدينين ليس خارجاً عن الإمكان ، وإلا فيما ان اليهودية لا تملك صفة تمثل الملل الأخرى ولا هي تتمثل فيها ، فمن المشكوك فيه جداً ان تحافظ على كيانها وسط هذا التيار المدهش في التنازع بين الإسلامية والمسيحية ، أن آفة اليهودية هو انفرادها ، وان الشقاق العظيم الكائن بين العيسويين جعل الموسويين يأخذون لهم نفساً وخلصهم مما كانوا فيه من الاضطهاد بصورة مؤقتة ، ولكن أليس لأخذ هذا النفس من نهاية ؟ إلا انه لابد له من نهاية .
فهذا العالم المسيحي المتلاطم الأمواج لابد أن يحالوا إغراق قارب الموسوية الصغير ، إن ملل الأرثوذكس والكاثوليك والبروتستانت ودولهم تستنكف بدرجة ما من إيذاء اليهود وإيصال الجور إليهم لخوف بعضها من بعض لوجود الرقابة التي فيما بينهم أو لأسباب أخرى ، ولكن هل من شبهة في أن كل واحدة من هذه الدول عندما تطمئن وتعتمد على قوتها ستقضي في أول فرصة وتختم على أنفاس اليهود ؟ إن كلاً من هؤلاء الدول لا يتأخر ولا يتوقف يوماً من الجري على خطة إبادة بعضهم لبعض على حين انهم أبناء دين واحد ، فماذا يكون حال اليهود إذا ما ظهرت مثلاً حكومة روسية ذات قوة لا يبقى معها خوف ولا مبالاة من الرأي العام لأوروبا وأمريكا ؟ ان مجلس مذهب الكاثوليك ذاك الشهير باسم مجلس التدقيقات(1) هو اليوم أيضاً ، موجود ، وإذا تقوى البابا مرة ثانية ، فإلي أي (سلانيك) لمسلمي العثمانيين يذهب اليهود ؟ من يضمن لنا ان دعاة مذهب البروتستان الذين يزعجون راحة الموسويين ليلاً ونهاراً كلما تقووا أن لا ينفذ صبرهم فيتوسلوا التدابير الزجرية القاسية إلى إبادة اليهود ؟ ألا إن هذا هو مستقبل اليتيم الضعيف المنزوي المنفرد ، والملة التي لا وطن لها ولا نصير ، وبناء على ذلك ليتفكر الصهيونيون(2) في مستقبل أمتهم وسلامتها ، آخذين مطالعاتي المعروضة أعلاه نصب أعينهم ودقة أنظارهم ، ولاشك ان أخذهم موقعاً ممتازاً في الإسلام أولى وارجح ألف ضعف من اضمحلالهم في النصرانية(*) .

المسانل المسكتات المسالة الأولى من المسكتات

 المسانل المسكتات المسالة الأولى من المسكتات وأول المسائل المسكتات أنا نسأل النصارى عن هذ ا التوحيد ) 1 ( الذي شرحته والإيمان الذي وصفته ، ه...