ملكوت الله ليس
النصرانية
ليت شعري أي جواب لكم نقبل ، وتعريف أي ملة نعتبر ؟ أنا أعلم أن قسما منكم سيجيبني قائلاً أن ملكوت الله عبارة عن المعمدين باسم الآب والابن والروح القدس . والحال ان جوابكم هذا ليس له مغزى غير تجويز الظلم والاعتساف إذ كلما قويت كنيسة الكاثوليك تعلن في الحال أن كل المعمدين يعتبرون كاثوليكيين ، وتعمد إلى القوة وتجعلهم كاثوليكاً بالإكراه ، وكذلك الأرثوذكس في البلقان أيضاً تقتفي هذا المنهج نفسه ، أليس الذين في بلاد اليونان والصرب والبلغار متشبعين بهذه الأفكار عينها ؟ فكنيسة الصرب لا تريد أن تعترف بالبلغار ، ولا كنيسة اليونان تعترف بالصرب .
والقسم الآخر منكم يقول نعم ، المعمدون ، ولكنه يدعي انه لا يعني عماد الأطفال والصبيان ، وإنما يخص به المعمدين برضائهم ورغبتهم بعد سن البلوغ وحسب عقيدة هؤلاء أن كل الواصلين إلى سن البلوغ ليسوا مسيحين ما لم يعتمدوا برضائهم مرة ثانية فبقدر ما يجب ويفرض الاعتماد على عابد الصنم وعابد النار أو اللاديني الراغب في دخول مذهب الباتيست ، يجب ويفترض على البسقبوس والبطريرك ان يعتمدا مرة ثانية .
فبينما انتم مختلفون بينكم في مئات من مثل هذه الدعاوي الأساسية يجب عليكم ان تفكروا في أنفسكم كيف تدعون الصلاحية في تعريف أو تعيين أو اراءة ملكوت الله من بين هذه المذاهب .
أيها المسيحيون انظروا إلى عقيدتكم وتصوراتكم ، لابد ان يكون ملكوت الله أحد هذه الفرضيات الثلاث : ملكوت الله على تعريف المسيح عليه السلام ، ملكوت الله على تعريف بولص ، ملكوت الله على ما لا يتناهى من تعريفات الكنائس ، وليس وراء هذه الثلاث ما يمكن تصوره ، فأي هذه التعريفات يجب أن ندقق فيه ؟ أتعريف المسيح أم تعريف بولص أم تعاريفكم؟ ليعذب القولنج أحشاءكم ما شاء أن يعذب ، فنحن مضطرون إلى قبول وترجيح تعريف المسيح عليه السلام وتفسيره خاصة ، ولكن ليكن وعداً عليناً أنا ثمر تفاسير بولص والكنائس أيضاً من نظر التدقيق والإمعان .
ان المعلومات التامة التي أعطاها المسيح عليه السلام تدل دلالة قطعية على انه لا يمكن أن تكون الكنائس والنصرانية هي المراد من كلمة (ملكوت الله) .
- 28 -
(بما أن العيسوية ليس بانيها وشارعها هو الله وحده فمن المحقق أن لا نكون ملكوت الله)
اني أدعوكم إلى مطالعة موعظة المسيح عليه السلام البليغة على الجبل الممتدة من الباب الخامس إلى نهاية الباب السابع من أنجيل متى ، والى مطالعة الباب الثالث منه أيضاً مع إمعان النظر فيها . ثم بعد ذلك ليمعن النظر في مباحثاتنا السابقة في صفات ملكوت الله وخصائصه(1).
المخاطب في الدعاء وفي الصلاة دائماً هو الله الواحد الفرد الأحد ، وأبناء الملكوت كعيسى عليه السلام هم عبيده ، وبناء عليه نبرهن على أن المسيحية ليست ملكوت الله على الوجه الآتي :
1- العيسوية التي تعترف بتأسيسها من قبل ثلاثة بانين مستقلين يجب أن تكون غير ملكوت الله الأحد الذي بشر به المسيح عليه السلام(*)
المخاطب في الصلاة وفي الدعاء الله هو الواحد ، الصدقة تعطى لوجه الله الواحد ، الصوم يلتزم ابتغاء مرضاة الله الواحد ، صاحب الحقل ، زارع الحنطة ومربيها ، مرسل الحاصدين ، جامعها في مخزنه ، حارق الزوان ، كل هذا هو الله الواحد ، الفاعل هو فرد واحد رامي الشبكة في البحر ، ومفرق السمك من الحشرات المضرة والنجسة ، ومعيد الرديء منها إلى البحر ، فاعل واحد ، في هذه الأمثال كان عيسى عليه السلام دائماً يعرف الله ويعرف بوحدانيته ، ومن حسن الحظ أن الإنجيل يطلق على الله لفظ الآب ، وإلا فأني عالم بما يقوله المسيحيون السوفسطائيون يقولون (نحن أيضاً نريد بعنوان التثليث أن نقول أن الله واحد) حسن جداً ، كم (أب) لديكم ؟ بالطبع ستقولون آب واحد ، هل الآب هو الابن؟ بالطبع تجيبون أن الأب ليس هو الابن . هل الآب هو ورح القدس ؟ كذلك ستجيبوني بالنفي وتقولون لا ، وهو الجواب الذي اعرفه .
والآن أتصور أن الحكمة في أن المسيح عليه السلام سمى الله بعنوان (الآب) هي تخجيل وتبكيت المثلثين الناشئين أخيراً ، عباد تعدد الآلهة ، وما دام البشر قد سموا خالقهم بأسماء عديدة فلنكن متمايلين إلى قبول عنوان الآب الذي أضافته أناجيلكم ، إذاً فكل من الإلهين الآخرين ليس بالأب ، وإذ كانت الحالة كذلك فلماذا لا تقدرون أن تفهموا أنكم تكونون قد اعترفتم بأنهما ليسا الله مثله ؟ فالآلهان (الأم(1) والابن) الآخران اللذان لم يقدرا على أن يبلغا درجة الله درجة الأبوية إلى الآن (ومن المحقق انهما لن ينالاها فيما بعد أيضاً) بينما يجب أن يكون الله قادراً على كل شيء لأنه القادر المطلق ، إذا فمن الضروري للإلهين غير الواصلين إلى مقام الله الذي هو الأبوية أن يكونا متصفين بالعجز والجهل حسب اعتقاد النصارى .
ألا أنني لأستحي من إخواني المسلمين عند استعمال مثل هذه التعبيرات غير المعقولة التي لم تألفها إسماعهم بل لا يستطيعون سماعها ، لان محل استعمال مثل هذه التعبيرات ليس الفلسفة والعلوم الدينية بل الأساطير وحدها .
جاء في كتاب العقائد الدينية المرتب على طريقة السؤال والجواب : يجيب كل مسيحي عن الأسئلة الثلاثة أدناه هكذا :
السؤال - من خلقك ؟ الجواب - خلقني الله الآب .
س- من خلصك ؟ ج - خلصني الله الابن .
س- من أحياك ؟ ج- أحياني الله روح القدس .
أما الموحد فيجيب على كل سؤال من الأسئلة المذكورة أعلاه قائلاً (هو الله) يقول أن الذي خلقني وخلصني وأحياني هو الله تعالى .
ان الذي يعمل اجل الأعمال في تثليث المسيحيين هو الروح القدس لأنه هو الذي يهب الحياة للأجساد المخلوقة والمخلصة معاً ، فالآب قد خلق الجسد فقط ، وأما الابن فقد خلص الجسد ! من أي شيء خلصه يا ترى !؟ أمن الخطيئة أمن من جهنم ؟ فالأمر هنا صعب ! من أي شيء خلص الجثة الهامدة ؟ وممن ؟ أمن الوحش أم من التفسخ ؟ أسئلة لا جواب لها! والحال يبقي الروح القدس دائماً في الصف الثالث من الخطاب ، ولنفرض أن أحد السامعين على رأس ذلك الجبل قول الواعظ المسيح عليه السلام سأله قائلاً (يا معلم من هو خالق ملكوت الله الذي أنت تبشر به ومن هو منجيه ومن هو محييه ؟) فكيف كان يجيب ذلك المعلم ؟ كما أن المعلم كان موحداً فالجمع أيضاً كانوا موحدين ، فلا شبهة في أن المعلم كان يجيب من أورد مثل هذا السؤال بما يأتي ,,
الغالب انك أصبت بمس من الجنون ، أيسال يهودي عاقل مثل هذا السؤال كالأحمق الجهول ؟ هل من اله غير الله إلهنا ؟ هل سمعت مني كلاماً يوهم مثل هذا المعنى ؟ هل من شك في أن خالق ملكوت الله الآتي هو الله وحده ، وان الذي يحفظه من كل هلكة ، ويصونه من كل ضلالة هو الله الأحد ؟ وان الذي يحييه ويربيه ويديمه أيضاً هو الله تعالى؟ إن الله واحد ليس له ند ولا شبيه ولا شريك ، واشهد أن لا إله الا الله(*).
وهل كان من الممكن أن يقدم المسيح عليه السلام على إعطاء جواب بخلاف هذا ؟ أم هل كان يمكن فرضاً أن يقول (لي مئات من الملكوت : ملكوت الأرثوذكس وملكوت الكاثوليك ، ولي جيش نجاة(1) ولي .. ولي ... ولي ....) الخ .
- 29 -
(ملكوت الله على تفسير بولص)
الفرق بين عيسى الواعظ على الجبل عليه السلام ، وبين عيسى بطل موعظة الرسول بولص - عظيم كالجبال ، فبولص لم يكن قد رأى المسيح ، ولا علم شيئاً من ترجمة حاله ، ولا كلمة من تعاليمه ، وان جهله بوجود الأناجيل الأربعة حقيقة لا تنكر بقول بولص في رسالته الأولى إلى ( تيموثاوس 13:6) (المسيح يسوع(**) الذي شهد بإقرار حسن لدى بيلاطس النبطي (بونطيوس بيلاطوس) ولكن يفهم من الآية 20 من الباب المذكور وهي (باتيموثاوس احفظ الوديعة معرضاً عن الكلام الباطل الدنس ومخالفات العلم الكاذب الاسم).
ان رسالة (مخلفات العلم) المذكورة من تأليفات العصر الثاني للميلاد ، إذ كان في العصر الثاني (ماركيون) عدو الرهبانية قد كتب كتاباً باسم ( ) أي اختلافات العلم لإثبات أن التعليمات المعزوة إلى عيسى مغايرة ومخالفة لتعليمات الله في التوراة وبما أن الكتاب المذكور المدعو (اختلاف العلم) زلزل موقع الرهبان ، فيفهم بصورة قطعية أن الآية المذكورة أضيفت وعزيت إلى بولص على وجه التحريف(*) .
وعلى كل حال فان بولص يبجل ويعظم رجلاً اسمه عيسى أميت ومات وحيي فقط ، وان خمس عشرة رسالة من كتب العهد الجديد تحمل اسم المشار إليه (بولص) فلا محل للحيرة إذا قلت أن المؤسس الحقيقي للمسيحية (الحاضرة) هو هذا الذات (بولص) فان شخص شاؤل الشاب الطرسوسي من سبط بنيامين ومن مذهب الفريسيين وتلميذ أحد علماء الدهر عضو مجلس صنهدرين المدعو جملثيل(1) الحائز لحياة نقية حسب شريعة موسى الذي كان في البداءة يجتهد في رفع اسم عيسى وأتباعه من على وجه الأرض والذي رأى أخيراً عدوه الناصري في السماء لامعاً داخل الأنوار وقت الظهر أمام دمشق اهتدى وسماه باسم بولص ، هو الذي وضع أساس (هذه) العيسوية ، والقسم الأعظم من (أعمال الرسل) يبحث عن سياحات بولص الطويلة وعن مجاهداتــه ومشــقاته (أعمــال 8 : 30 و 22 و 1-22 و26: 9 -23 إلى الفيليبيين 5:3-7).
ان عشق المسيح الذي أشغل كل قلبه وعقله وخياله ، لم يدع راحة لهذا الرجل الممتاز ليلاً ولا نهاراً ، في البحار والسجون والكنيس المعابد ، في حضور الحكام والولاة ، في سوط جمعيات الفلاسفة ، في أثنية وفي آريوياغاوص ، وفي روما بحضور القيصر ، من حين اهتدائه إلى أن فصل سيف الجلاد رأسه الأشيب من جسده ، لم يفتر طرفة عين عن نشر اسم مسيحه وعن التلذذ والتعزي باسمه !!!
وبما ان علاقتنا بتعليم بولص دون شخصيته ، فعلينا ان نتتبع ونطالع (سفر الأعمال) والخمس عشرة رسالة الأخرى لبولص لأجل تعيين بولص في هذه الساحة ، وكما ان الأناجيل الأربعة تصور المسيح في صور متخالفة ، فكذلك للرسائل وأعمال الرسل أيضاً تصور بولص بصورة متنوعة ومتضادة .
فإثباتاً لصداقته وتمسكه بحبل الشريعة الموسوية ينذر بولص ويحلق رأسه على ذلك الوجه (أعمال 18:18 و 21 : 24 : 26) .
إن قانون النذر مكتوب في الباب السادس من الكتاب الرابع من التوراة المسمى (سفر العدد) فاذا تأملنا في بولص المكلف في أيام نذره بعدم أكل الزبيب وعدم قص شعره بالمقراض أو حلقه بالموس ، وبالتباعد عن الجنازة فضلاً عن الشراب والمسكرات ، المجبور على أن يربي خصل شعر رأسه إلى ان يأتي وتحت إبطه سلة ملموءة من الفطير رقاقاً وأقراصاً ملتونة بزيت، وبثلاث خراف حولية صحيحة على أن يكون أحدها للمحرقة والآخر للخطيئة والثالث للسلامة ، وبيرميل من الخمر يقدمها للكاهن فيحلق شعره على نار المحرقة ، وبعد أن يطيع كل أوامر الكاهن ذي الصلاحية بإجراء المراسم الأخرى - نفهم انه لا يمكن ان يكون بولص أرثوذكسياً ولا كاثوليكياً ولكن كان يهودياً موسوياً فقط !!!
ولما كان بولص يتجول في معبد آثينة ورأى هذه العبارة ( الله غير المعلوم) المكتوبة على أحد المذابح ، كان موحداً يعظ بكل طلاقة وبلاغة وشجاعة عن (الله غير المعلوم) الذي يعرفه حكماء اليونان في آريوياغوص ولكننا نجده في الأماكن الأخرى لا يعرف الشريعة ولا يخاف من أن بعد المسيح مساوياً لله نجد أن مؤلف الرسائل المرسلة إلى الرومانيين والغلاطيين والعبرانيين ينسخ شريعة موسى .
ربما نكون قد ارتكبنا ظلماً في انتقاد بولص ، لأننا إذا نظرنا بدقة إلى عبدالله المرتحل إلى دار البقاء منذ تسعة عشر قرناً ، والى تلك الأيدي التي اختلفت على رسائله التي خلفها يجب علينا على كل حال أن نفتش عن مسئولية التعاليم المخالفة للحقيقة والمعزوة إليه في مواضع أخرى ، فبناء على هذا نحن مضطرون رغم الاحترام الفائق الذي في أنفسنا لشخص بولص إلى نقد تعاليم بولص وجرحها فيما يخص ملكوت الله.
- 30 -
(مذهب بولص : لا شريعة ولا خطيئة في ملكوت الله)
قبل أثني عشر عاماً كنت في إنجلترا وكان لدي كتاب مخطوط يبحث عن تعاليم بولص فأنا الخص منه هنا المسائل المتعلقة بموضوعنا فقط .
بولص لا يعرف ملكوت الله ، ولكنه يبحث عن ملكوت الله المسيح فقط ، أليس هذا أمرا طبيعياً ؟ والملكوت في نظر بولص هو الكنيسة ، ولكن أي كنيسة ؟ أنا أيضاً لا اقدر أن اعرفها.
يمكن تلخيص تعليم بولص على هذا الوجه الآتي :
(ما دامت الشريعة قائمة فالخطيئة ترتكب ، ولكن المسيح أبطل الشريعة فبطل أرتكاب الخطيئة)
القضية الكبرى صحيحة ، فان الشريعة عبارة عن الأوامر والنواهي التي تبين للناس حكم الآمر المطلق ومشيئته ، وان الذي يعين الوظيفة والحقوق هو القانون والقانون نفسه هو الذي يعين المسئولية والجزاء أيضاً ، وكما ان الطاعة للشريعة تعد صلاحاً ، فمخالفة الشريعة تحسب خطيئة ، فبولص يسوق نتائج اقيسته كلها في هذا المركز (من أول الباب الثاني إلى نهاية الباب الحادي عشر من رسالته إلى الرومانيين وكذا للغلاطيين) .
(وما دام الأمر باقياً فالوظيفة بالطبع ثابتة ، وحينما يرتفع الأمر تلغى الوظيفة) وبناء عليه فالمسئولية أي الصلاح والخطيئة موقوفان على وجود الشريعة وباعتبار النتيجة ، كما أن الصلاح أي طاعة الشريعة يوجب النجاة ، فالخطيئة أي تعدي للشريعة ينتج الهلاك ، إذن فالشريعة هي التي تعرف الخطيئة وتميزها وتفرقها ، لأنه أن لم تكن الشريعة ، فبأي واسطة أمكن من معرفة الحلال من الحرام ، والخير من الشر ، والفضيلة من الرذيلة ؟ والخلاصة كيف اعرف الخطيئة والسيئة والمعصية ؟
بولص يقرر هذا فيقول (بالشريعة تعرف الخطيئة) (إلى أهل رومية 20:3) .
وكذلك يروي عن حضرة بولص قوله (فماذا نقول الآن هل الشريعة خطيئة ؟ حاشا ، بل لم أعرف الخطيئة إلا بالشريعة ، فأنني لم أعرف الشهوة لو لم تقل الشريعة لا تشته ، ولكن الخطيئة وهي متخذة فرصة بالوصية أنشأت في كل شهوة ، لان بدون الشريعة الخطيئة ميتة أما أنا فكنت بدون الشريعة ، عائشاً قبلاً ، ولكن لما جاءت الوصية عاشت الخطيئة فمت أنا فوجدت الوصية التي للحياة هي نفسها لي للموت ، لان الخطيئة وهي متخذة فرصة بالوصية خدعتـني بها وقتلتـني ، إذن الشــريعة مقدسة والوصية مقدسة وعادلة وصالحة (روميـة 7 : 7-12) .
أدرج الآيات التي مرت آنفاً من الكتاب المقدس المطبوع في مطبعة بوياجيان آغوب في القسطنطينية ، بنفقة شركة بايبل الإنجليز والاميركان على المعتاد ، وبناء عليه فالشركة المذكورة هي المسئولة عن الترجمة بقولها (بالترجمة عن اللغات العبرانية والكلدانية واليونانية)(*) .
فعلى وجهة محاكمة بولص الشريعة قاتلة ومميتة ، لأنه نفسه يعترف قائلاً (أما أنا لما كنت قبلاً بغير شريعة كنت حياً ، ولكن لما جاء الأمر حييت الخطيئة ومت أنا ، وذلك الأمر الذي صار سبباً للحياة صار سبباً لي للموت) وها هو منشأ ضلالة المسيحية - حسب فكري القاصر- متمركز في تعاليم بولص هذه على ما اعتقد فهل كانت شريعة الله هي السبب لأحياء الخطيئة وموت الإنسان ؟ إن عيسى الأناجيل لم يخطر بباله مثل هذه الخيالات ، وأما بولص فمن جهة يعترف بأن الشريعة مقدسة وعادلة وصالحة ، ومن الجهة الأخرى يدعي ان الشريعة أحيت الخطيئة وهي القاتلة للإنسان (لأنه بأعمال الشريعة كل ذي جسد لا يتبرر أمامه) (رومية 20:3) (فانه يصير إبطال الوصية السابقة من أجل ضعفها وعدم نفعها إذ الشريعة لم تكمل شيئاً) (إلى العبرانيين 19:7) (المسيح افتدانا من لعنة الناموس إذ صار لعنة لأجلنا) (إلى الغلاطيين 13:3) .
فالآن يفهم ان قصد بولص من تفسيره المقدمة الكبرى من القياس على هذا الوجه هو عبارة عن تمهيد طريق لإثبات المقدمة الصغرى ، والحال أن ظنيات بولص ومحاكمته ومعيار تفكره ليس بأكثر من مغالطة ، أما الحقيقة فهي على الوجه الذي اعترف به بولص نفسه أولاً - إن الإنسان باعتباره موجوداً ناطقاً خلوقاً تابع لثلاث شرائع ، الشريعة غير المكتوبة وهي الضمير والوجدان الذي يسوق للإنسان إلى جب الخير والاستقامة (والثانية) هي القانون البشري الحيواني الطبيعي الذي يسوق الإنسان إلى الأهواء النفسية والمنفعة الشخصية (والثالثة) شريعة الله وهي رضاؤه وإرادته التي بينها على ألسنة الأنبياء بالوحي والإلهام ، إذن فهادي الوجدان ومديره هو الشريعة سواء أكانت الشريعة مكتوبة أم غير مكتوبة ، ويتمكن الإنسان من أن يميز الخير من الشر على قدر ما يدرك وجدانه حتى ان الولد الصغير يخاف من أمه إذا سرق شيئاً من السكر ، أي ان عقله يصل إلى إدراك ما ارتكبه من الذنب بواسطة وجدانه الصغير ، وعليه فقد غلط بولص في قوله ان الشريعة أحيت الخطيئة وأماتت الإنسان ، الخير والشر كلاهما من الله ، ولو لم يكن هذان لا تعرف الإنسانية قدر العافية ولا مزية الرقي ، الخير والشر هما الواسطتان اللتان تميز ان الإنسان من نوع الحيوان ، وترفعان عالم الأخلاق إلى العلاء .
الشريعة ليست مولدة الخطيئة ومسببتها ، ولكن معيارها المعين لها ، علة الخطيئة الفاعلة هي إرادة الإنسان الجزئية .
ولكن قوله (لا يتبرر أحد في نظر الله بواسطة أعمال الشريعة) وقوله (لم تكمل الشريعة شيئاً) كلاهما خلاف الحقيقة على خط مستقيم ، بل الأمر بالضد أو النقيض فالشريعة تكمل كل شيء ، فان من يلتزم ما أمرت به الشريعة ويسلك حسب أوامرها فهو الإنسان الكامل الذي يعد باراً وصالحاً عند الله ، وان شريعة الله تجري على ناموس التكامل ، كل أنبياء بني إسرائيل وأبرارهم نجوا وخلصوا لأنهم سلكوا وفق شريعة الله .
وفي هذا الخصوص لما فهم بولص أنه سيجعل نفسه عرضة للتهمة بالإضلال ، قال ان إبراهيم وكل الصالحين تبرؤا بالإيمان ، أي انه يقول لا يخلص أحد بواسطة أعمال الشريعة لكنهم وجدوا الخلاص بالإيمان فقط ، والحال أن مثل هذا الاستدلال لا يثبت شيئاً فهذا بمعني (أساس التسؤل) petitie perneipli من ذا الذي يهتم بالشريعة وليس له إيمان ؟ وإذا لم يكن الإنسان مؤمناً فهو لا يطيع شريعة الله ، ولكن هل يكفي الإيمان وحده ؟ كلا إن الشيطان أيضاً مؤمن بالله ، حتى انه ليرتجف خوفاً منه ، ولكن كيف يبرهن على وجود الإيمان إذا لم يكن العمل ؟
قارنوا بين تعاليم بولص هذه وبين تعبيرات المدح التي أوردها الزبور في هذا الباب ، فان داود عليه السلام يترضى عن حال ذلك الذي :
(يجد مسرته في شريعة الرب ويطالع في شريعته ليلاً ونهاراً) (مزامير 2:1).
(اسلكني في طريق وصاياك لأني وجدت مسرة فيها) (مزامير 35:119) .
(وأتلذذ بوصاياك التي أحببت) (مزامير أيضاً 47) .
(تذكرت أحكامك من القديم يا رب فتعزيت) (أيضاً 52) .
(ذكرت في الليل اسمك يا رب وحفظت شريعتك) (أيضاً 55)
(في منتصف الليل أقوم لأحمدك لأجل أحكامك العادلة) (أيضاً 62) .
(لو لم تكن شريعتك مسرتي لهلكت حينئذ في مشقتي) (أيضاً 92) .
(سبع مرات في النهار أحمدك لأجل أحكامك العادلة) (أيضاً 164) .
فإذا لم يكن افتراء بولص وبهتانه تقولاً وطعناً على شريعة الله التي هي مدار افتخار كل الأنبياء ، وسند الصالحين ، ومسلية المضطربين ، ودليل رجاء الخاطئين ، وأنشودة السيناغوغ إذن فما هي ؟ كيف تميت الإنسان شريعة موسى وهي التي بعث بها 124000 مائة وأربعة وعشرون ألفاً من النبيين ؟ لكل سبط من بني إسرائيل أثنى عشر ألفا ؟ (كلمة 7 : 1-8)(*) هي لا تميته بل هي التي تحييه ، تلك حقيقة يجب أن يخجل لها بولص ، أليس هؤلاء الأنبياء لم يبيضوا بدم الحمل قطعياً ؟
هل كان أولئك الرجال المقدسون الذين أنجبتهم شريعة موسى ، دون عزة الكنيسة طالبي الجدال ؟ فلنعدد عشرة من مقدسي المسيحية : آثاناثيوس ،قسطوريوس ، آبو طيكوس ، قورللوس الاسكندري ، لوتر ،جان ويكليف ، كلوين ، ايفناتيوس لبولا ، وهلي ، جنرال بوث ! فضلاً عن أني لا أتصدى للطعن بقلمي على أشخاص هؤلاء الذوات ، لا اقدر أن اكتب في حق هؤلاء الناس الراحلين شيئاً عن إبداعهم إلى رحمة الله ، ولكن بطولة هؤلاء وشهرتهم لم تنشأ إلا من شدة عداوة بعضهم لبعض ، وإدخال الشقاق والنفاق على أبناء دينهم .
وإذا ما أتينا إلى القضية الثانية فهناك تكتسب دعوى بولص وخامتها ، وذاتاً لم يكن سبب ذكره الشريعة بالألفاظ الذميمة (مثل عديمة الفائدة ومميتة الإنسان ومحييه الخطيئة، واللاعنة، واللاشيء) إلا بقصد إدخال الحمل في الوسط .
يقول (لكن المسيح الغي الشريعة) ...!...!
ثم ان تعاليم بولص الآتية تؤيد المقدمة الصغرى :
(الآن ... تحررنا من الشريعة) (إلى أهل رومية 6:7) .
( ) والكلمة اليونانية فاتير غيثيمن) تفيد معنى (عتقنا من قيد الأسر والسلاسل ، أي أننا كنا إلى الآن تحت أسر الشريعة أما الآن فقد خلصنا رقابنا من أسرها) .
(فان الخطيئة لن تسود لأنكم لستم تحت الشريعة بل انتم تحت العناية) (رومية 14:6) .
(المسيح صار لعنة لأجلنا إذ خلصنا من لعنة الشريعة) (غلاطيه 13:3) .
(أنا مت للشريعة بالشريعة) (غلاطيه 19:2) .
إن التعليم الوحيد لبولص عبارة عن أن دم المسيح صار كفارة أعتق العالم وخلصه من لعنة الشريعة ومن أسرها .
انهم حتى في هذا العصر الرابع عشر للملكوت(1) لا يزالون يجرحون قلوب عارفي الله الحق بتكريرهم الكلام عن الدماء واللحوم وذبح الذبائح ، وعن إحراق المحارق ، وعن الكاهن والأسرار ، وعن الصليب والشفعاء ،وعن الإنجيل والسيونرتير (الدعاة المبشرين) وعن الناقوس والكنيسة ، وعما إذا كان الرب ثلاثة أو واحداً ، فأنا بعد أن عرفت خالقي وأحببته ، وأردت أن أسلك الطريق إليه ، مقدماً التوكل عليه والصلوات على جمع أنبيائه إذا لم أجد الطريق مفتوحة رأساً إلى صاحب الملكوت الخالق الأحد من غير واسطة فلا اقدر أن اذهب إليه ، فأنا المذنب الفقير المحروم من الفضل والفيض والنوال .
نريد ديناً صافياً وبسيطاً ، ليتمكن الناس من أن يأتوا فيقدموا تعظيمهم وتضرعهم بكل حرية إلى حضرة الله تعالى ملك الناس من غير واسطة ما ، وان إله ملكوتنا الأزلي الأبدي ليس كأحد القياصرة (الإمبراطورين) يتعب من كثرة الاشتغال ،بحيث لا يسوغ لأحد التقرب منه بل يكتفي منه بنيل السلام من جانب عظمته وذلك أيضاً على البعد ويبلغ بالواسطة(*).
فيا أيها النصارى أليس من الممكن أن نجعل كل محبتنا وطاعتنا في التعبد لله وحده ، فلا نقيم الصلوات ولا نوجه الدعوات إلى المخلوقات ، ولا نذل لهم فنهبط إلى دركة عبادتهم ونحن نرى البشر حتى الشعوب والطبقات المنحطة منهم قد قاموا يريدون حقهم من حرية الرأي ومن التساوي في الحياة ، ويحكمون لكماتهم في نواصي الاوردات ،ويجاهدون في سبيل التفلت من تحكم المستبدين ، والظلمة القاهرين ، ألم يأن لكم أن تحاولوا فك رقابكم من هذا الاستبداد الدينين لسلطان جيوش الرهبان ؟ انظروا إلى تعاليم حوارييكم الكبار الآتية وبعده ليرجع أصحاب العلاقة إلى رسائل بولص الثلاثة (إلى رومية ، إلى غلاطية ، إلى العبرانيين) وليقرءوها بدقة وإمعان حسب تحريره واستنتاجه ، ولا حاجة إلى نقل شيء من أبوابها أو آياتها هنا .
فنتيجة حكم بولص التي نوه بها هي :
إن المسيح آمات الشريعة لقتله ، وفي إيصال الشريعة التي أحيت الخطيئة صارت الخطيئة لا تتسلط على المسيحي مرة أخرى ، ثم أقام العناية والتوفيق بدلا من الشريعة، المسيحيون كلهم من أعضاء المسيح وعظامه ، وهم في جملتهم يشكلون عائلة واحدة تعيش تحت العناية(*) فان المسيح سينزل من السماء منقضاً بسرعة كالصاعقة ، وليس الوقت الآن بوقت الأكل والشرب ، ولا وقت الزواج وتشكيل العائلة ، فليكن المتزوجون أصحاب الأهل كالعزاب .
(أقول هذا أيها الاخوة ، ان الوقت منذ الآن قصير فليكن الذين لهم زوجات كأن ليس لهـم) (1-كورانثـوس 29:7) وهذه الآيـة حريـة بالدقـة ، ففــي اليونانية يقول الذين لهم زوجات ( ) وهي إشارة إلى جواز تعدد الزوجات .
ومهما كان الأمر فان وصية بولص لكنيسة (كورانثوس) بأن يتركوا الزوجات وان يعتبروهن غير موجودات ، وبان لا يفعلوا شيئاً غير انتظار مجيء المسيح السريع ، لا يكتبه إلى البولصيين(1) الذين في رومية وغلاطية ، ولكن المسيحيين سيعيشون تحت العناية ، وان الخطيئة لن تتسلط عليهم ، فعناية عيسى المسيح حلت محل الشريعة ! لكن ما هذه العناية ؟ ليس من السهل تعريف هذه الكلمة المستعملة في عداد ألفاظ عطية ، هبة ، توفيق ، بل هي العناية التي خلفت شريعة الله التي هي عبارة عن وثيقة وسند مقدس ، المشتملة على الفرائض والأحكام والقوانين المعينة ، العناية وهي كجبل قاف أو العنقاء ، موجودة بالاسم مفقودة المسمى! العناية ليست بسند ولا وثيقة ولا ملك من الملائكة الكرويين ! هي رحمة المسيح لا غير(*) .
فملكوت الله الذي يفسره بولص على انه يجمع أبناء البشر كلهم سواء ويشكل منهم عائلة واحدة ، ويترك كل من له زوجات وأولاد وأملاك بينهم فيعيشون بالوحدة وكمال المحبة تحت ظل (العناية) ومهما يفعلوا فلا يعد لهم ذنباً ولكن بولص أدرك وخامة نتيجة محاكمته هذه فانثنى يقول مكرراً :
ومها كان من العناية فانه مع ذلك يجب أن لا نخطئ ، لأنه ما من حكومة تجوز أن تعيش جمعية بشرية بغير ما شريعة وقانون مشترك ، ولهذا كان بولص شأنه كشأن السريين الذين يقولون لمريديهم (ازاينجا) أي من هنا ، وللمبتدئين (ازانجا) أي من هناك وأما تعليم بولص في شأن الذبح العظيم فسيأتي البحث عنه وتمحيصه في الفصل التاسع .
- 31 -
ملكوت الله في تفسير الكنائس
كل من الكنائس التي لا تحصى عدداً ، تدعى أن المسيح أسس كنيسة ، وكل واحدة منها تعرض هيكلها قائلة (أنا تلك الكنيسة) .
لنقسم هذه الكنائس بحسب اتساعها إلى ثلاثة أقسام : القسم الأول : الرهبانيون أو الكهنوتيون ، والقسم الثاني : الإنجيليون ، وأما القسم الثالث : فهم الموحدون .
هل من الممكن تفريق عباد الكهنوت من عباد الإنجيل ؟ لنعبر عن الكنائس التي تلتزم الكهنوت بعنوان (كاثوليك) وعن الإنجيليين بعنوان (بروتستانت) فان مقدم الكهنوتيين هو الكنيسة الباباوية ، لأنه من المسلم والمصدق حسب التاريخ وحسب عقيدة الكنيسة أن أتباع كل الكنائس - ما عدا نصارى إيران - كانوا بعد مجمع نيقية العام خاضعين لبابا رومية ومرتبطين به ، حتى ان نصب بطاركة الروم وعزلهم كان في السابق من حقوق البابا .
وأما أحزاب جمعية البروتستانت فلا يمكن اندراجهم كلهم تحت كلية واحدة أو مقولة (قاطيغوريا) واحدة ، ولكن كل هؤلاء مع الحيرة والاستغراب لم ينظروا ولا ينظرون إلى ملكوت الله بصورة مغايرة للكنيسة ! ولم اسمع إلى هذا اليوم بأحد يدعي ان ملكوت الله ليس الكنيسة أو يقول لعله دين آخر ، نعم يوجد من يذم ويقبح الكنيسة ويلتزم امتثال ملكوت الله ، أي أنه يقول (ان الكنيسة باعتبارها ملكوت الله يجب أن تكون كذا وكذا على ما جاء في الأناجيل - حتى أن المسيح الخيالي (ليدياليست) الكونت تلستوي الذي كان دأبه أن ينكس الكنائس بالمرة ويجعل عاليها سافلها ، يعتقد أيضاً ان عيسى رئيس ملكوت الله ، ولكن هذا الفيلسوف الروسي لا يفهم من لفظي (ابن الله ، وابن الإنسان) سوى الإنسان المطلق أي كل آدمي الا ان ابن الله هو الإنسان المؤمن ، وأما الكنائس فترد هذه الفكرة المذكورة ، وليس في علم الكلام الخاص بالكنائس نص صريح قطعي جدي في شان ملكوت الله ، وان مفسري النصارى الذي قد شغل تصور الإنجيل والصليب ذهنهم يفكرون في أن ملكوت السموات لا يمكن أن يكون غير الكنيسة ، لذلك لم يتمكنوا من التفريق بينهما (أي بين ملكوت الله وبين الكنيسة) وهم يعتبرون تعريف ملكوت الله أيضاً يشتمل على الكنيسة عينها ، وكلمة كنيسة معربة واصلها (ايقليسيا) اليونانية على أن جميع النصارى الساميين يستعملون كلمة (عيدتا) ( ) التي هي بمعنى الجماعة .
يقولون ان تاج حضرة البابا المثلث ذا الثلاث الزوايا (Tiara - تياراً) هو علامة ورمز للكهنوت والنبوة والملكوت ، لان من مدعيات الحواريين قولهم ان الذين يؤمنون بالمسيح سيكونون كلهم يوم القيامة كهنة وأنبياء وملوكاً(*) .
والأمر ظاهر من الأناجل الأربعة فان المسيح عليه السلام استعمل كلمة (كنيسة) بمعنى وكلمــة (ملكوت الســماوات) بمعنـى آخـر ، عبر عن المعتقــدين ببشــارته بكلمة ( عدتا) أو ( قهلة) بسكون القاف وكسر الهاء ، وهذه كلمة (عدتا ، اكليصيا) أطلقها على تلاميذه وعلى الموظفين بتبشير كلامه وبملكوت الله وعلى المؤمنين العيسويين ، بقصد التفريق بنيها وبين كنيس (كنشت ) اليهود ، مثلاً هناك آيتان لمتى هما عديمتا المثال في كل كتب العهد الجديد والجالبتان للشبهة في صحتهما لهذا السبب هما اللتان فيهما بعد عيسى بأنه سيبني كنيسته على شمعون بطرس وانه سيعطيه مفاتيح ملكوت السماوات (متى 16 : 18و19) .
وكان المسيح إذ ذاك قد لقب شمعون الباز بلقب (بن) بمعنى حجر التي هي في اليونانية (بطروس) وليست بمعنى (صخرة) التي هي في الكلدانية ( كيفا) فالمسيح يقول لشمعون :
(أنا أيضاً أقول لك انك (كيفا) صخرة وعلى هذه الصخرة سأبني جماعتي ، وسأعطيك مفاتيح ملكوت السماوات) الترجمة للمؤلف .
ليس في هاتين الآيتين من سر لا يمكن فهمه ، يبين المسيح عليه السلام إحدى الحقائق العظيمة بإقادة بسيطة ساذجة جداً ، هكذا :
سيؤسس الله على الأرض في هذه الدنيا (ملكوتاً) ديناً عاماً ، وسينزل الله الكلام القديم بطريقة الوحي لأجل هداية أبناء الملكوت ، وأما أنا فقد بينت وأوضحت لكم أجمالاً ما هو ملكوت السموات وعلى أي الأسس سيعطي لكم كتاب الله ، ليس لي كتاب اعطيكموه ، ولا ملكوت أدخلكم فيه ، انتم واظبوا على العمل حسب شريعة موسى غير منفكين عن كتاب التوراة قطعاً ، ولكن لا محل للفكر والقلق ، لا تتمسكوا بالشريعة والوصايا الإلهية حرفياً وبالظاهر فقط كالفريسيين وسائر جماعات اليهود ، بل تمسكوا بهما روحاً ومعنى أيضاً ، وكونوا بين اليهودية زمرة نيرة ، وصفوة مرشدة ، أنيروها وأرشدوها تدريجياً إلى أسس الدين المبين الذي تقرر تأسيسه ، فان انتم فعلتم ذلك يجازيكم الله ويقبلكم بصفة أبناء الملكوت ، وقد عينت خليفتي (شمعون كيفا) ليكون رئيسكم وها أنا ذا مسلم له مفاتيح ملكوت السماوات ، أي أني أعطيه الصلاحية الواسعة ، وكل من يدخله في جماعتي في كنيستي فسيكون الله قد ادخله في ملكوته .
(أقول) أن المقصود من ذلك كله التعبير عن الحياة الأبدية في السماوات بعد الموت في حضرة الله تعالى (أي عنده) .
فهذه الآيات الصريحة البسيطة إلى هذه المرتبة صارت سبباً للاختلافات الكبيرة والحروب الدموية بين الكنائس .
البابا كاهن رومية الأعظم يدعي الربانية المطلقة على عالم العيسوية مستنداً على هذه الآيات .
وأما الكنائس والمذاهب المسيحية الأخرى فيدعون أن المشبه بالصخرة ليس شخص بطرس بل اعتقاده ، وأما مذاهب البروتستانتية فيدعون أن بطرس لم يذهب إلى رومية قط ، وأما الآخرون فيقولون أن عيسى أراد بقوله (على هذه الصخرة) شخصه نفسه ، لان بطرس في اليونانية اسم خاص مذكر (علم شخص) والحال أن (بطره ) اسم عام مؤنث (علم جنس) وبناء على هذا فان الحجرة التي سيبني عليها ليست (حجراً) بل (حجرة) أي غير بطرس وهي المسيح نفسه ، المسيح عبر في العبارتين بلفظ (كيفا) و (كيفا) أيضاً اسم مؤنث .
إن جهة تعلق الآيات المذكورة بموضوعنا هو كون الكنيسة غير ملكوت الله ، والكنيسة كانت ممثل ملكوت الله وشاهده بصورة مؤقتة ، وبشارة الإنجيل أيضاً كانت بمثابة المنادي تهتف بالدعوة إلى الكلام القديم (القرآن) وكل الكنيسة والإنجيل لم يكونا حائزين على ماهية غير تمثال وظل لدين الإسلام والقرآن العظيم الشأن .
لو كان المسيح صاحب ملكوت الله لاقتضى ان يقول (سأبني ملكوتي على هذه الصخرة).
والسبب في انه لم يكن لجماعة المسيح إلى حين مجمع نيقية من كتاب ملهم رسمي غير الكتب المقدسة العبرانية - أي غير التوراة - انما هو انتظار كلام ملكوت الله ، أليس صلوات الكنائس ودعاؤهم في صلواتهم (آيات ملكوتك ، لتكن إرادتك كما في السماوات كذلك على الأرض) دليل باهر على انهم خارجون عن ملكوت الله ، وانهم غير مؤمنين بكلامه ؟
إذن تحقق جلياً انه لا يتفق تعليم بولص وتفسيره ولا مدعيات الكنائس مع ملكوت السماوات الذي كان المسيح عليه السلام مأموراً بالتبشير به .