الأحد، 29 أبريل 2018

غــايــة الإنـجـيــل1

غــايــة الإنـجـيــل

موضوع الإنجيل شيء وغايته شيء آخر ، وليس الموضوع إلا وسيلة يعمد إلى استعمالها لأجل الوصول إلى الغاية ، وبقدر أهمية الغاية يجب أن تكون الموضوعات واضحة ومرتبطة بالصدد ، وعلى تقدير العكس تبقى الغاية مبهمة غير مفهومة ، مثلاً يقدم لي أحد الأصدقاء بعض تآليفه ، فأقراه من أوله إلى آخره بكل شوق ، أراه يبحث عن أشياء كثيرة ، فإذن تلك (الأشياء الكثيرة) هي مواضيع الكتاب .
وعندما أقرا المواضيع أفكر في شيء آخر ، أقول في نفسي حسن جداً ، فهمت علمت ، ولكن هناك شيء واحد لم افهمه ولم اعلمه ، وهو ماذا يريد أن يقول المؤلف الذي يبحث عن كل هذه المواضيع ؟ ومعنى ذلك أني أفتش عن الغاية ، فاهم شيء لأجل فهم الكتاب تماماً هو إدراك المواضيع وبعد ذلك تظهر الغاية نفسها ، ليس من السهل تعيين كتاب ليكون مثالاً جيداً ، يتوارد على خاطري كثير من المؤلفات التي طالعتها قبلاً في لغات مختلفة ، واتذكر منها أحد النماذج وهو كتاب الشيخ سعدي الشيرازي المسمى (كاستان) هذا الكتاب النفيس يبحث عن كثير من المواضيع المختلفة ، ولكن إذا سأل سائل ماذا كانت غاية المؤلف المعظم ؟ فلا ريب أن يأتي من خمسة مطالعين خمسة أجوبة ، ومن الصعب جداً كشف غاية سعدي ، ذلك لان مواضيع الكتاب المذكور ليست على نسق واحد فيصعب تعيين الغاية منها ، وكذلك تعيين غاية الإنجيل فإنه من قبيل هذه المشكلات .
أن في الأناجيل الأربعة تيارين مختلفين ، الأول من قبيل الرجوع إلى الأصل ، وفيه يصور سيرة عيسى الحقيقي التاريخي ابن الإنسان وأعماله ، ويعرف تعاليمه الأصلية الصحيحة وسعيه وإقدامه في وظيفته التي كان مكلفاً أن يؤديها .
أن الأناجيل الثلاثة لمتى ومرقس ولوقا في الطبيعة الأصلية منها التي هي عبارة عن الطابق (أو الدور) التحتاني قد صورت عيسى وتعاليمه على الوجه المذكور ، وهناك يذكر المؤلف - في أول طبع كتابه ونشره - حضرة المسيح بلقب (المعلم) و (الأستاذ) وبعضاً (بالسيد) و (الاغا) (مرقس 9 : 17 : 38 و14:12 : 19 : 32 الخ ومتى 17 : 15 : 18 21 ولوقا 39:9 الخ) .
على ان أحد الأغنياء إذ كان يسأل عيسى عليه السلام مخاطباً إياه (أيها المعلم الصالح(1)) ماذا أعمل لأرث الحياة الأبدية ؟ أجابه لماذا تدعوني صالحاً ؟ ليس أحد صالحاً إلا واحد وهو الله)(*) (مرقس 10 : 17 - 18) (لوقا 18:18) (متى 16:19) ان ذلك المعلم المطلق كان معلم شريعة ، يعلم الشريعة للاهلين ويفهمهم القواعد الدينية متنقلاً من قرية إلى أخرى ، يدخل سيناغوغ كل قرية وقصبة يفتح كتب العهد القديم ويقرأها ، ويفهم الاهلين معناها ، وينير أفكارهم ، يعمل الخير في كل مكان ، يفعل كل ذلك مجاناً لوجه الله وهو راض ومقتنع بالعنوان البسيط المجرد (المعلم) لا يقرهم على أن يقولوا له (كريم) أو (صالح) إذ لا كريم ولا صالح إلا الله ، فها نحن أولاء نصادف في أول طبع الكتاب ونشره عيسى المعلم عيسى الأستاذ (الخوجه).
ولكن في الطبعة الثانية والثالثة وما بعدهما على التوالي نجد أن المعلم قد صار رباً وإلهاً والخوجه عيسى قد صار نازلاً من السماء إلى الأرض ، راكباً على السحاب ، محاط بالملائكة قاضي يوم المحشر ، وحاكمه ، جامعاً كل بني جنسه إلى محكمة العالم الكبرى وكل ذلك صار وتم في ظرف سنة واحدة(1) .
فالمأمور بالتبشير بكلام ملكوت الله هو عيسى الأول عليه السلام ، كأن ملك الملكوت وصاحبه ، ليس لله ، وكأن الكلام ليس لله والملكوت ، بل كل ذلك لعيسى الثاني ، ومن العبث أن يبحث عن الإنجيل الرابع حتى الآن ، فليس هناك بحث عن ولادة المسيح وطفولته ، بل انه يومئ إلى أن (كلمة الله) و (ابن الله) تجسد وصار أنسانا .

فهلموا بنا نبحث الآن لنجد الغاية المقصودة بالذات من تلك الكتب المحرفة إلى هذه الدرجة ولنبرهن عليها ، وإن كان من الصعوبة بمكان فإنما مثل الأناجيل الأربعة وغايتها كمثل الماس يلمع بين الرمال ، والحقيقة كاللآليء مشعشعة مرصعة بكل حسنها وجمالها بين تلك السطور والصحائف ، فلا آيات المرذولين الموضوعة ولا مداد المحرفين يستطيعان إخفاء تلك الأشعة الساطعة الحقيقية وتلويثها ، وكما ان معاول المنقبين تمكنت من فتح ثغرة في هرم مصر الكبير فكشفت عن موميات الفراعنة المطمورة في رحمه ، ونقضت حفرت أسس نينوا وبابل وتسنى لها إخراج مكتبات آثوريا القديمة إلى الميدان ، فكذلك قلم هذا الكاتب الصغير أيضاً سيتمكن من كشف الغاية الحقيقية للإنجيل الشريف ووضعها أمام أنظار خيرة كل العالم بعون الله تعالى .

الاثنين، 23 أبريل 2018

حضرة المسيح لم يحرز التوفيق

حضرة المسيح لم يحرز التوفيق

تحقق أن المسيح عليه السلام لم يقصر في وظيفته التي أمر بإيفائها ، ولكن الملا من علماء القوم وأشرافهم لم يقدروا عيسى عليه السلام حق قدره إذ كان يجوب قرى ارض كنعان بالفقر والفاقة ماشياً على قدميه ، يشفي المرضى ويدعو الخطاة إلى الصلاح . ولا شيء اصعب من تفهيم الكلام وبيان الحقيقة وتثبيت قواعد الإصلاح في قوم لم يكونوا على شيء من الثقافة ولا التربية الأولية ليكون لهم نصيب من الأفكار العامة على الأقل ، وإذا ما اظهر علماء الملة وكبارها المخالفة لفكرة التجديد ، فمن الطبيعي أن يقلدهم جهالها ضعفاء الفكر والشعور ، وان الذين أحرزوا المقامات العالية والمنافع الشخصية وهم الفريسيون المراءون المتعصبون الذين كانوا يحذرون استنارة العامة قد اسروا الحسد واظهروا العداوة والبغضاء لذلك الشاب مرشد الملة إلى الانتباه والى مخافة الله .
لنقايس بين فقر المسيح عبد الله المجدد وزهده وبين الثروة والشرف والجاه الذي كان لرؤساء الكنيس الروحانيين الذين يدعون أن المعاني المخالفة لتفسير العلماء المتقدمين تضر بالأمة(**) فبقدر ذلك الفرق العظيم بينهما كان عمق جهل الأمة العاجزة عن إدراك ذلك .
لابد لمن يريد أن يؤسس ديناً أو دولة من اتخاذ كل الوسائل المشروعة لذلك وتطبيقها على اكمل صورة لإدراك الظفر والفوز بمطلوبه ، وأما المسيح عليه السلام فقد توسل بفكره معنوية فقط هي عبارة عن إنجيل وبشارة بأمر عظيم ، على أن الفكرة والعقيدة بغير سلاح ولا قوة لا تؤثر في قوم قلوبهم كالحجارة أو اشد قسوة .
قوم كانوا منقادين إلى رؤسائهم الروحانيين والجسمانيين المتغلبين فقط ، بل لا تؤثر ولا تنفذ العقيدة في ورقة وردة ! وبينما كان المسيح عليه السلام يجتهد في إصلاح انفس القوم وتهذيب أخلاقهم من جهة ، كان من الجهة الآخر يحارب المتغلبين . فمن الطبيعي في المسيح الذي يستقيم على هذه الطريقة إلا ينال كل مقاصده إذ لابد من القوة لتقوية الفكرة ، وإن المجدد الذي لا يملك القوة لا يكون التوفيق رفيقه مهما يظهر على يديه من الخوارق والمعجزات .
ولو كان المسيح عليه السلام مأموراً بتأسيس شريعة أو دين ناسخ لدين موسى ، لتوسل بكل التدابير والوسائل الموصلة إلى تلك الغاية . أي لكان شرع بوضع أساس الدين بعد إكمال التشكيلات الجديدة على منهج يعين على المسلك وخط الحركة ، لأنه لابد لمن يريد إحداث انقلاب ديني من شدة التحفظ والاحتياط في البداءة ومن السير التدريجي ، وما لم يمكن الحصول على عدد من علماء الدين المتقدم وعلى قسم من رؤساء الملة واكتساب النفوذ والقوة بدرجة كافية ، فان محاولة التجديد تبقى عقيمة ، ولا يتسنى لأي مجدد أو نبي أن يحصل على الانقلاب فجأة ، فان هناك قوة مدهشة ارتجاعية تهلكه في الحال ، وان الأمة لا تقبل قانون التكامل(*) والترقي عن تفهم تستوحش من المشروعات الفجائية وتخشى عواقبها فتعصي أمر مرشدها . وكذلك كل الأعمال الطبيعية والصناعية والفكرية لا تتكامل إلا بالتدرج , وان الله هو الذي وضع قانون التكامل هذا ويدبر الكائنات بموجبه ، وان الحكمة التي تمنع المجدد من إعلان الانقلاب فجأة عقب تلقي الوحي إنما هي حذره من عدم الحصول على المقصد المطلوب ، لا حذر الموت .
وبناء على ما تقدم لو كان المسيح عليه السلام مأموراً بتأسيس دين لسار فيه على منهج واضح وخطة منتظمة ، وكان الزمان والحال مساعدين وموافقين لمثل هذه الحركة إذ كان اليهود قد سئموا اختلاف الفرق الثلاثة ، وكانوا في انتظار ظهور المسيح ، ولكن المسيح عليه السلام لم يعمل هذا ، فلم يتخذ صديقاً حميماً من المجلس الملي (سنهدرين) ولا أحداً من كبار القوم فكيف أمكنه أن يحصل على انقلاب ديني بواسطة أثنى عشر رجلاً من الصيادين والعشارين ؟ ماذا كان يتمكن أن يصنع بشرذمة من الناس الأميين الجاهلين ما لم يحصل على مظاهرة من الخواص ؟ ولا يوجد في شيء من الأناجيل الأربعة نباء صريح عما إذا كان للمسيح منهج معين أم لا . بل كلها تبحث عن قرب ملكوت الله , ولا نبين بالصراحة ما هذا الملكوت ، وهل يريد به تأسيس دين جديد أو دولة دنيوية مادية ؟ ولكنها تؤميء لي أن غايتها ونتيجتها أن الملكوت المنتظر يوحد الدين والدولة معاً ، ويوجد بين الملل كتلة عظيمة تنقلب بها الأمم فتكون ملة واحدة ، ومن ذلك قوله (ما جئت من نفسي لكن هو أرسلني لماذا لا تفهمون) (كلام) ي ؟ لأنكم لا تقدرون أن تسمعوا قولي (يوحنا 8 : 42و43) وأخص من هذا أنه في الباب السابع عشر من إنجيل يوحنا يوصي المسيح عليه السلام في دعائه الأخير المهم بما يحيل الذين يناجون الله دائماً والمؤمنين بكلامه إلى إلا ألطاف الإلهية .
ولكن مع الأسف لم تعلم حيئنذ ما هذه (البشارة) (الأمل) (الكلام) الذي يريده ، يقول ( يوحنا 29:16 ) أن المسيح إلى آخر ليلة كان يكلم تلاميذه بالأمثال . ووعد أن ( ) المرسل من طرف الله والذي سيأتي بعده سيفسرون ويبين كلامه وإنجيله الحقيقي ونحن لا نريد أن نبحث هنا عن تفسير لفظ (فار اقليط) اليوناني بل نقتصر على أن نفهم من الآيات الإنجيلية آلاتية (يوحنا 26:14 و7:16) و (لوقا 49:24)
ما يأتي مما استنتج من تلك الآيات :
1- أن المسيح لم يعط الحواريين إنجيلاً مرقوماً في كتاب .
2- أن العقيدة والكلام الإنجيلي الذي علم به شفهياً لم يفهمه الحواريين ، بل بقي من قبيل المعميات والألغاز .
3- لم يتسن للمسيح أن يفهم إنجيله وكلامه لتلاميذه في ثلاث أو أربع سنين لذلك اخبر وبشر بمجيء واحد آخر .
4- لا يحتمل أن يكون الذي وعد المسيح بمجيئه بعده قد جاء في زمن الحواريين .
لأنه لو كان قد جاء في زمنهم لكان ملكوت الله قد أتى ، ولما دامت الاستغاثة والدعاء إلى هذا اليوم (ليأت ملكوتك) ولما أمكن إطلاق ( كنيسة) عوضاً عن الاسم المبجل (ملكوت الله) ثم أن الأمر الذي ينقض هذه الفكرة ، قول المسيح للحواريين ها أنا معكم دائم الأوقات إلى انقضاء العالم) (متى 20:28) .
ارتحل كل الحواريين إلى دار البقاء في العصر الأول من الميلاد فكيف كان يقدر أن يبقى على الأرض (إلى انقضاء الدنيا) ؟! ولكن كيف يمكن التأليف بين وعده هذا(*) وبين وعده بأنه سيأتي الباراقيطوس؟ يستبان من تينكم الروايتين أن اثنين من الرهبان الكرام أحدهما كتب في كتاب متى ، والثاني في موعظة يوحنا من غير أن يعلم أحدهما بما كتب الآخر ، أما الراهب متى الذي لا يعترف بالباراقليطوس فيعتقد أن المسيح سيبقى دائماً مع الرسل إلى الأبد ، وأما الراهب يوحنا القائل بالباراقليطوس فلا يرى لزوماً لبقاء المسيح على الأرض ، على انهما يحملان عين الفكرة والاعتقاد في مخيلتهما ، كأن المسيح سواء أكان بذاته أو بواسطة الروح القدس سيوجد مع الباباوات والبطارقة متحداً بهم على الدوام أن خليفة يوحنا(1) الذي لم يؤد الصلاة الربانية يحتمل أن يكون معذوراً في الخيال الذي تلقاه ولكن ماذا نقول عن خليفة متى ، البابا العظيم الذي نسي دعاء (أبانا) من حيث يجب أن يكون قد صلى به آلاف المرات كما هو مسطور في الباب السادس ؟!
لا شبهة في أن المسيح عليه السلام أدى وظيفته على اكمل وجه ، بدعوة بني إسرائيل إلى تهذيب الأخلاق والتوبة والصراط المستقيم على منهج نجهل صفته ومع ذلك وبخ الفريسيين بشدة العلماء على الوجه الذي استحقوه (متى الباب 23) (مرقس 12: 38-40) (لوقا 20: 45-47) .


ولكن لا قوم إسرائيل اصطلحوا ، ولا تلاميذه استطاعوا أن يفهموا (أسرار الملكوت) على الوجه الحقيقي ، وأنا لنصادف بين جميع مؤسسي الأديان نبياً واحداً لم تقدره حق قدره أمته الكنود المنكرة للجميل التي أرسل لاصلاحها ومن الجهة الأخرى فالنصارى الذين غلوا فيه واصعدوه إلى درجة الألوهية ، لم يعرفوه حق المعرفة ، ولكن الإسلام والقرآن الذي اخبر المسيح بظهوره قبل ستة عصور ونيف هو الذي قدره قدره وعرف حقيقته وقدس شأنه الحقيقي هذه المعاملات التي لقيها المسيح عليه السلام من الأديان الثلاثة

المسانل المسكتات المسالة الأولى من المسكتات

 المسانل المسكتات المسالة الأولى من المسكتات وأول المسائل المسكتات أنا نسأل النصارى عن هذ ا التوحيد ) 1 ( الذي شرحته والإيمان الذي وصفته ، ه...