الإيضاح القطعي للمعنى الحقيقي للإنجيل
- 20 -
(كان الإنجيل عبارة عن التبشير بملكوت الله)
إذا سألتم راهباً مسيحياً ما هو
الملكوت ؟ يجبيكم فوراً هو الكنيسة ، وان لم يكن قد تشكل في زمن المسيح مثل هذه
الكنيسة ومثل هذه الملة والجماعة ، فالمسيح وتلاميذه كانوا يدخلون (السيناغوغا)
المسمى (كنشت كنيس) كسائر اليهود ويصلون ويتعبدون ، ولم يخطر على باله أحداث مذهب
جديد أو جماعة جديدة وبناء على ذلك لم يتشكل ملكوت الله في زمن عيسى عليه السلام
.
علم المسيح تلاميذه صلاة بشكل
الفاتحة وهي - بالرغم من وقوع تحريف أو تحريفين فيها - صلاة بليغة مهمة جداً من
جهتين ، أما أولاً فلأنها تبين عقيدة التوحيد بكل احترام وبكمال العزة ، وأما
ثانياً فلأنها تحتوي على عبارة (ليأت ملكوتك) خطاباً لله تعالى ، لان كل صلاة
حقيقية تحتوي على مادتين : الأولى أداء فرض التحية والكلمات الناطقة بالتعظيم
والعبودية للخالق والسجود له ، والأخرى عبارة عن طلبنا الإسعاف ورجالنا قضاء الحاجة
من الله تعالى . فالكنيسة المتخشمة الصارخة بضع مرات في كل يوم (ليأت ملكوتك) منذ
اكثر من ألف وتسعمائة سنة لم تكن غير الجماعة العيسوية ، يا للتضاد ، يا للعناد
والعصيان ! لقد مضى تسعة عشر عصراً ، أإلى الآن ننتظر قائلين (ليأت ملكوتك)
.
فان كان ملكوتك الله هو الكنيسة
، فما بال الكنيسة تكرر بفهما ولسانها كل يوم هذا الدعاء وتطلب من الله أن يبعث لهم
ملكوته ؟ الحق أقول يجب عليهم الإنصاف والحياد . فما دام الله لم يستجب لهم ، ولا
أسعف لهم هذا الطلب حتى الآن ، أما ان لهم أن يكفوا عن هذه المراجعة المستمرة في
هذا الشأن ؟ القطط العديمة التجربة ، عندما ترى بائع الكبود ، ترقص بين يديه
وحواليه وتصيح وتطلب بلسانها لقمة من ذلك الإنسان . أما القطط الأخرى ذوات التجربة
فأنها تجلس أمام الباب وتنظر عن بعد ولا تتحرك من مكانها ، لأنها قد علمت بالتجربة
أن بائع الكبود لا يعطي قطعة من الكبد ما لم يأخذ قطعة من النقوذ ، وانتم منذ تسعة
عشر عصراً تنادون (ليأت ملكوتك) ومع أنكم تعلمون أنه لم يأت ولن يأتي ، لا تزالون
تكررون (ليأت ليأت) ! هل من الممكن عدم التعجب والحيرة ؟ إذا كان ملكوت الله هو
الكنيسة كما تزعمون ، فقد جاءت الكنيسة واستولت على الدنيا ، فأي ملكوت أذن تطلبون
؟ أم أفلا تخافون - إذا ما جاء ملكوت الله - أن يلحق المقامات الروحانية مع
البطاركة والبابا بالعدم والزوال؟ أم ماذا يكون حال الملوك والعساكر العيسوية
القديرة حينئذ؟ أفلا ترون إذا ما جاء ملكوت الله ، انه لا يختم ويقضي على كنائس
المذاهب المختلفة التي يتجاوز عددها الخمسمائة ؟
المسيح عليه السلام لخص صلاة
اليهود الزبورية وكل صلواتهم الطويلة بهذا الدعاء (أبانا الذي ... الخ)(1) كما لخص
شريعة موسى بوصيتين ، فالوصيتان اللتان هما عبارة عن (حب الله وحب الجار) تبينان لب
الشريعة الموسوية وروحها . ومما هو حرى بالدقة أن المسيح عليه السلام لم يتعد حدود
الشريعة المذكورة أبداً ، وقد اتصف الله تكراراً في كتب التوراة بلفظ (الله ، الآب)
على أن كلمة (أب) هذه لا من حيث أن الله ابنا وحيداً كما تزعم الكنيسة ، بل لأنه
موجد كافة الموجودات ومكون كل الكائنات(*) على أن معنى (أب) اللغوي الحقيقي هو
إعطاء الثمر كما تقدم بيانه ، وان مادة (أب) المؤلفة من ألف مفتوحة وباء هي في جميع
اللغات السامية بمعنى (الوالد) و (المثمر) وبالألف المكسورة بمعنى (الثمر) وفي
العربية (اباب) بمعنى طراوة وخضرة ، وبهذا القصد والمعنى كانوا يخاطبون خالق
الكائنات موجدها بكلمة (أب) وبالطبع لم يكن بأس في هذا التعبير ، ولكن لما أساءت
الكنيسة استعماله في كتب العهد الجديد التي أوجدتها ، صار لا يجوز لأبناء ملكوت
الله أن يخاطبوا الله اليوم بهذا الاسم .
وان ملكوت السماوات لما رأى
مخالفة الكنيسة واعتداءها على تعاليم المسيح في تعبيرها (باسم الآب والابن والروح
القدس) أظهر خطأ الكنيسة بالآية القرآنية الجليلة { بسم الله الرحمن الرحيم }
.
فالمسيح عليه السلام يؤيد الأمر
الأول لشريعة التوراة التي لخصها(1) في صلاته هذه (ليتقدس اسمك) ( يا إلهنا الذي في السماء ليتقدس اسمك لان لك الملكوت
والقدرة والعزة إلى الأبد آمين ) (متى 6 :9-13) .
وأما الوصية الثانية من شريعة
موسى فهي (حب الجار) .
سأل فريسي عارف بالشريعة من
المسيح عليه السلام طلباً للشر(*) أي يريد أن يأخذ كلاماً من فم المسيح عليه السلام
حتى يأخذه عليه حجة بقصد إيقاعه في فخ (أي
وصية هي العظمى في الشريعة ؟) فقال له عيسى
عليه السلام ، هي التي لله (لتحب الرب إلهك
من كل قلبك ومن كل روحك ومن كل فكرك ) ، هذه
الوصية الأولى والعظمى الثانية مثلها (لتحـب
جـارك كنفـسك ، بهاتين الوصيتـين تتعلـق الشـريعة كلها والأنبياء) (متى 22 : 34-40)
.
فبعد أن رأينا هذا التفسير من
المسيح لشريعة موسى وتصديقه تعاليم جميع أنبياء بني إسرائيل بصراحة على الوجه
المبين أعلاه ، أقوال للأرثوذكس والكاثوليك والبروتستانت والنصارى المنسوبين إلى
المذاهب المختلفة الأخرى التي يربوا عددها على الخمسمائة مذهباً : راجعوا أيها
القوم ضميركم واحساساتكم التي هي محبة للحقائق ، وإذا اقتضى الأمر راجعوا روح قدسكم
بكل دقة ، وتفكروا خدمة للحقيقة في هذه الآيات المذكورة .
لمن أعطيت الشريعة ؟ طبعاً
لليهود ، إلى أي ملة كانت تنتسب الأنبياء والى من أرسلوا؟ طبعاً إلى اليهود ، لان
المسيحيين متفقون على الاعتقاد بان الله لم يرسل نبياً من غير اليهود . حسن جداً :
من أي ملة كان السائل ؟ بالطبع كان يهودياً ، ماذا كان المسيح ؟ طبعاً هو كان
يهودياً أيضاً ، من كان يمكن أن قد كان جارهما ؟ بالطبع لا يكون جار اليهودي إلا
يهودياً أيضاً، والجار الذي لا يكون يهودياً يجب أن يكون أما أسيره أو ظالمه ، وعلى
كلتا الحالتين فهو مكلف بان لا يحبه كنفسه .
أذن فانظروا المسيح عليه السلام
وان كان يبحث عن الصديق والعدو في موعظته المشهورة (متى 5 إلى نهاية الباب السابع)
فانه كان دائماً يخص اليهود بكلامه هذا وقد بين أن اليهودي ليس مكلفاً يحب جاره
اليهودي فحسب ، بل يقول يجب أن يحب عدوه اليهودي أيضاً، وليس هناك من إشارة قطعاً
حول كون (الأمم) أصدقاءهم أم أعداء .
فها أنذا أقول لهؤلاء المسيحيين
الذين يبلغ عددهم الملايين وهم ليسوا من الإسرائيليين : انظروا . ان مسيحكم لم
يعرفكم قطعاً . ولم ينقل عنه انه قال عنكم حرفاً واحداً بل انه سمى غير
الإسرائيليين كلاباً . فمن انتم ؟ ثم من هم أبناء الملكوت؟ أتعلمون ماذا انتم حسب
شريعة موسى ؟ أن الذين لم يختتنوا إنما يعدون ملوثين (نجساً) حتى أن المسيح نفسه
ختن في اليوم الثامن من ولادته ، وهو إلى يوم غيبوبته كان على مسلك اليهودية تماماً
، أذن فارجعوا إلى الإنصاف ولا تعودا تبحثون عن الإنجيل وعن عيسى والصليب
.
أليست هذه هي أناجيلكم الأربعة ،
كونوا واثقين إنها بسبب تصوير المسيح يهودياً تاماً وملياً (ناسيوناليست) شديد
التعصب لقوميته بدرجة مفرطة ، صارت قسوس البلغار يحملون الصلبان ويتلون آيات
التمجيد والثناء للذين ارتكبوا أشنع الفظائع في أعدائهم في الحرب . أذن فهم ولا شك
معذورون في هذه الشناعات ، هذه هي آثار الملية المفرطة ، فأنى للمسيح أن يؤسس كنيسة
أو ملكوتاً وان اليهودي إذا لم يختن في لحم غرلته كان يحكم عليه بالإعدام؟ (تكوين
14:7 وخروج 24:4) فكيف كان للمسيح أن يأخذ النصارى القلف أي الذين لم يختتنوا إلى
ملكوت الله ؟! وأمر الله في التوراة صريح بأنه واجب على اليهودي ختان ذريته حتى انه
قد أوجب عليه أن يختن عبده والأجنبي الذي اشتراه بفضته أيضاً ، ولا يباح لأي ذكر
غير مختون أن يسكن في بيت يهودي وليس ذلك من شعائر اليهودية فحسب ، بل مما أطلق
الله عليه اسم العهد والميثاق .
وإذا أمعنا النظر في عدم تجويز
الشريعة دخول الاغلف (أي الذي لم يختن) معابد الموسويين ، فهل نرى من الممكن أن
يدخل المسيح معابد الكنائس التي ألغت رسم الختان وأقامت مكانه المعمودية أو يجالسهم
أو يساكنهم ؟!
يقول المسيح (احب ألهك اكثر من
نفسك ، واحب جارك كنفسك) ولكنه لا يقول: احب أن جنسك كنفسك . حسن جداً ، ماذا كان
المحذور لو قال احب ابن دينك كنفسك ؟ لم يتمكن من أن يقول هذا أيضاً ، لان ابن دبن
اليهودي يجب أن يكون يهودياً أيضاً .
اتضح جلياً وبصورة مقعنة أن عيسى
المسيح لم يكن ليفدي أحداً بحياته بل لم يكن يسمح بتقديم قلامة من أظفاره هدية
للعالم فضلاً عن انه لم يتعهد للروس والإنجليز والاميركيين بالنجاة لانه لم يعرفهم
، ولا بإراقة قطرة من دمه في سبيل جعل الروم واليونان الأجانب ، والسوريين الساكنين
في سورية - مسيحيين بواسطة المعمودية ، لإعطائهم الحياة الأبدية ، بل لم يكن ليعطي
رطلاً من النجارة التي أمام منضدة (محل تجارته) لأجل ذلك .
لا ريب في ان القسم الثاني من محتويات الدعاء المذكور المبهمة عبارة عن تأسيس اخوة صحيحة وتوطيد المعاملة الفدائية بين الإسرائيليين ، وتأمين مقتضيات الخلاص من شر أعدائهم وغوايتهم وهو : (خبزنا كفافنا اعطنا اليوم ، واغفر لنا خطاينا كما نغفر نحن أيضاً للمخطئين ألينا ، ونجنا من الشرير الذي يذهب بنا إلى الإغواء(1)) متى 6،10-13 .
لا ريب في ان القسم الثاني من محتويات الدعاء المذكور المبهمة عبارة عن تأسيس اخوة صحيحة وتوطيد المعاملة الفدائية بين الإسرائيليين ، وتأمين مقتضيات الخلاص من شر أعدائهم وغوايتهم وهو : (خبزنا كفافنا اعطنا اليوم ، واغفر لنا خطاينا كما نغفر نحن أيضاً للمخطئين ألينا ، ونجنا من الشرير الذي يذهب بنا إلى الإغواء(1)) متى 6،10-13 .
هل كان من حد الأمم غير
الإسرائيليين أن يجترءوا على مثل هذه المطالب من حضرة (يهوه) الرب الذي يحسبونه
أباهم(*) (فلو سألنا اليوم الإسرائيليين : من هم الأشرار وذووا الغولية الشيطانية
الذين يغوونهم ؟ هل من شبهة في الجواب الذي يعطونه ؟ آه هم المسيحيون ، آه انهم
المبشرون) .
بقي اكبر ما يتعلق ببحثنا من
الصلاة الإنجيلية وهو المادة التي في شان ملكوت الله (ليأت ملكوتك لتكن إرادتك كما
في السموات أيضاً على الأرض) .
هنا يعد المسيح بان سيأتي ملكوت سماوي ، وبأن ستعطى الإرادة والكلام الخاص بالملكوت المذكور .
هنا يعد المسيح بان سيأتي ملكوت سماوي ، وبأن ستعطى الإرادة والكلام الخاص بالملكوت المذكور .
عجباً ، ماذا يمكن أن يكون القصد
من ملكوت الله هذا ؟ هل هو عبارة عن ان شرطتنا تتألف من الملائكة ، وعساكرنا من
الكرويين ، وهيئة وزرائنا من السرافيين ؟! المسيحيون يعتقدون أن المسيح سيأتي ويحكم
قبل يوم الجزاء على وجه الأرض ألف سنة ، أما نحن المسلمين فنتمنى ان لو جاء المسيح
وأسس سلطتنه العظيمة على هذا النمط - وعلى الأخص بمناسبة إصلاحاتنا الداخلية هذه -
ساعة اقدم ، (لان مجيء المسيح يخلصنا من مكايد أهل الكيد ودسائس الاغيار)
.
نعم نحن نتمنى ذلك لان مجيء
المسيح الوحيدين هم المسلمون ! أما اليهود فقد رفضوه ، وأما المسيحيون فقد نسبوا
المسيح التاريخي الحقيقي وأقاموا محله يسوعاً خيالياً متألهاً .
إن المعنى المراد من كلمة
(الملكوت) إنما هو على الوجه الذي ذكره المسيح تكراراً (بكلام الملكوت) أو (كلام
الله) عبارة عن إرادة ورضاء صاحب الملكوت جل جلاله وفي الصلاة المذكورة أعلاه قد
استعمل لفظ ثيليما اليونانية ورضا العبرانية ، ولا حث عن (أيودوكيا) بعد ، لماذا لا
يبحث عن أيودوكيا (حمد) ؟ بالطبع أن للبشرية شيئين دائمين هم (الإسلام) وهو يقيم
ديناً حقيقياً وملكوت الله على الأرض ، و (القرآن) وهو اقدس كتاب في العالم يحتوي
على إرادة الله ورضائه في تحقيق وتسهيل إدارة ملكوت الله وبعد أن اكمل محمد صلى
الله عليه وسلم الملكوت والكتاب القديم المحتوي على رضاء الله بصورة رسمية أرتحل
إلى دار النعيم . وان دين الإسلام والقرآن الكريم سيبقى دائماً وثابتاً إلى يوم
القيامة .
وسيأتي في الفصل العاشر أن كل
تفسير أو تأويل يباين هذا التفسير فهو باطل ولا معنى له ، فستراه مفصلاً تفصيلاً
.