المزمور السابع والثلاثون :
وفيه : (( بعد قليل لا يكون الشرير . تطلع في مكانه فلا يكون 11 أما الودعاء فيرثون الأرض ويتلذذون في كثرة السلامة 12الشِّرِّيرُ يَتَفَكَّرُ ضِدَّ الصِّدِّيقِ وَيُحَرِّقُ عَلَيْهِ أَسْنَانَهُ. 13الرَّبُّ يَضْحَكُ بِهِ لأَنَّهُ رَأَى أَنَّ يَوْمَهُ آتٍ! 14الأَشْرَارُ قَدْ سَلُّوا السَّيْفَ وَمَدُّوا قَوْسَهُمْ لِرَمْيِ الْمِسْكِينِ وَالْفَقِيرِ لِقَتْلِ الْمُسْتَقِيمِ طَرِيقُهُمْ. 15سَيْفُهُمْ يَدْخُلُ فِي قَلْبِهِمْ وَقِسِيُّهُمْ تَنْكَسِرُ. 16اَلْقَلِيلُ الَّذِي لِلصِّدِّيقِ خَيْرٌ مِنْ ثَرْوَةِ أَشْرَارٍ كَثِيرِينَ. 17لأَنَّ سَوَاعِدَ الأَشْرَارِ تَنْكَسِرُ وَعَاضِدُ الصِّدِّيقِينَ الرَّبُّ. ......
32الشِّرِّيرُ يُرَاقِبُ الصِّدِّيقَ مُحَاوِلاً أَنْ يُمِيتَهُ. 33الرَّبُّ لاَ يَتْرُكُهُ فِي يَدِهِ وَلاَ يَحْكُمُ عَلَيْهِ عِنْدَ مُحَاكَمَتِهِ. 34انْتَظِرِ الرَّبَّ وَاحْفَظْ طَرِيقَهُ فَيَرْفَعَكَ لِتَرِثَ الأَرْضَ. إِلَى انْقِرَاضِ الأَشْرَارِ تَنْظُرُ. 35قَدْ رَأَيْتُ الشِّرِّيرَ عَاتِياً وَارِفاً مِثْلَ شَجَرَةٍ شَارِقَةٍ نَاضِرَةٍ. 36عَبَرَ فَإِذَا هُوَ لَيْسَ بِمَوْجُودٍ وَالْتَمَسْتُهُ فَلَمْ يُوجَدْ. 37لاَحِظِ الْكَامِلَ وَانْظُرِ الْمُسْتَقِيمَ فَإِنَّ الْعَقِبَ لإِنْسَانِ السَّلاَمَةِ. 38أَمَّا الأَشْرَارُ فَيُبَادُونَ جَمِيعاً. عَقِبُ الأَشْرَارِ يَنْقَطِعُ. 39أَمَّا خَلاَصُ الصِّدِّيقِينَ فَمِنْ قِبَلِ الرَّبِّ حِصْنِهُمْ فِي زَمَانِ الضِّيقِ. 40وَيُعِينُهُمُ الرَّبُّ وَيُنَجِّيهِمْ. يُنْقِذُهُمْ مِنَ الأَشْرَارِ وَيُخَلِّصُهُمْ لأَنَّهُمُ احْتَمُوا بِهِ. ))
يعتبر هذا المزمور الذي ألمح إليه متى في 5 : 5 - من أوضح المزامير التي تتنبأ بهلاك يهوذا الشرير صلباً بعد نجاة المسيح من المؤامرة التي تزعمها ضده :
فبحسب تفكير الشرير يهوذا بالشر على المسيح الصديق ( العدد 12 ) سخر منه الرب لأن تلك المؤامرة ستعجل بيوم يهوذا .
ولقد بدأ يهوذا مؤامرته بمراقبة تحركات المسيح (( محاولاً أن يميته )) وذلك لتمكين قوة الظلم من القبض عليه ، وتلفيق التهم إليه ثم ادانته وقتله - وإذا بهذا الشر كله ينقلب على يهوذا ( العدد 14 ) - لقد ارتد السيف الذي أراد به يهوذا أن يقتل المسيح إلى صدر يهوذا نفسه ، وتحطمت الأقواس التي صوبت تجاه المسيح .
إن السيف وسيلة القتل ، ولما كانت وسيلة قتل المجرمين تحت حكم الرومان آنذاك تتركز في الصليب فإن معنى هذا أن الصليب الذي أراده يهوذا للمسيح سيكون من نصيبه هو ، وأن ذلك المقبوض عليه الذي أجمعت الأناجيل على قتله معلقاً فوق خشبة الصليب إنما كان الخائن يهوذا الذي حفر حفرة لأخيه .
وبعد أن قرر العدد 12 من المزمور فشل المؤامرة ، وأوضح العدد 14 أن ما كان متوقعاً من صلب المسيح سيكون من نصيب الشرير ، فإن ابتداء الاعداد من 34 أكدت هذه المفاهيم جميعاً ، تلك التي تتمثل في نجاة المسيح في زمن الضيق إذ يرفعه الله سبحانه : (( إِلَى انْقِرَاضِ الأَشْرَارِ تَنْظُرُ. )) .
بالاضافة إلى ذلك - فإن العدد 33 يقول قولاً يستوقف النظر ، فهو يقرر أن الرب لا يتركه في يده : (( الرَّبُّ لاَ يَتْرُكُهُ فِي يَدِهِ وَلاَ يَحْكُمُ عَلَيْهِ عِنْدَ مُحَاكَمَتِهِ. )) .
ان الشطر الأول من هذا القول يعني فشل عملية القبض على الصديق ، فتلك هي الحالة الوحيدة التي يتقرر فيها أن الله لم يترك المسيح في يد يهوذا وعصابته .
وأما شطره الثاني الذي يقرر أن الله لا يحكم على المسيح عند محاكمته ، فإنه لا يمكن أن يتفق مع ما ترويه الأناجيل عن المحاكمة إلا في حالة واحدة فقط وهي : أن يكون ذلك الشخص الذي تعرض لتلك المحاكمات ثم حكم عليه وقتل ، إنما كان في الحقيقة شخصاً آخر غير المسيح .
بلى أن تلك هي الحالة الوحيدة التي تسمح بتحقيق تنبؤات المزامير عن المحاكمة . فلقد رأينا في المزمور 109 يتنبأ بالحكم على يهوذا الشرير فيقول : (( إذا حوكم فليخرج مذنباً )) ، وها هو المزمور 37 يتنبأ بعدم الحكم على المسيح في المحاكمة التي تعقد ضده فيقول : (( وَلاَ يَحْكُمُ عَلَيْهِ عِنْدَ مُحَاكَمَتِهِ. )) .
والحكم هنا يعني الإدانة مشفوعة بالتنفيذ ، فهو حكم يعني القتل ، إذ أن ذلك ما يقوله الإنجيل .
فعندما جاءوا بالمقبوض عليه من عند قيافا رئيس الكهنة إلى دار الولاية : (( خرج بيلاطس اليهم وقال أية شكاية تقدمون على هذا الإنسان ؟ أجابوا وقالوا له لو لم يكن فاعل شر لما كنا سلمناه إليك . فقال لهم بيطلاس خذوه أنتم وأحكموا عليه حسب ناموسكم . فقال له اليهود لا يجوز لنا أن نقتل أحداً )) يوحنا 18 : 29 - 31
أن الحكم يعني القتل ما في ذلك شك ، وأن هذه النتيجة - بالاضافة إلى ما سبق - تحتم نجاة المسيح من القتل ، كما تحتم في الوقت نفسه ادانة الشرير وقتله .
( كتبه اللواء أحمد عبد الوهاب )