هل شهد القرآن بصحة العقيدة المسيحيّة؟ الحمد لله الواحد الأحد، الفرد الصمد، الذي لم يلد ولم يولد، ولم يكن له كفواً أحد، ولم يكن له شريك في الملك, و خلق كلَّ شيء فقدره تقديراً. الرد على الباب الأول: هل شهد القرآن بصحة العقيدة المسيحيّة؟ :
قبل أن نبدأ في الرد على شبهات القمص سندرس العقيدة المسيحية وسنقوم بعرض موقف القرآن الكريم منها بإذن الله.
1. المسيح هو الله :
يؤمن بعض النصارى بألوهية المسيح. ويقول القرآن الكريم في ذلك
﴿ لَّقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَآلُواْ إِنَّ اللّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ قُلْ فَمَن يَمْلِكُ مِنَ اللّهِ شَيْئاً إِنْ أَرَادَ أَن يُهْلِكَ الْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ وَمَن فِي الأَرْضِ جَمِيعاً وَلِلّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَاللّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾ المائدة17
التفسير الميسر : لقد كفر النصارى القائلون بأن الله هو المسيح ابن مريم, قل -أيها الرسول- لهؤلاء الجهلة من النصارى: لو كان المسيح إلهًا كما يدَّعون لقَدرَ أن يدفع قضاء الله إذا جاءه بإهلاكه وإهلاك أُمِّه ومَن في الأرض جميعًا, وقد ماتت أم عيسى فلم يدفع عنها الموت, كذلك لا يستطيع أن يدفع عن نفسه; لأنهما عبدان من عباد الله لا يقدران على دفع الهلاك عنهما, فهذا دليلٌ على أنه بشر كسائر بني آدم. وجميع الموجودات في السموات والأرض ملك لله, يخلق ما يشاء ويوجده, وهو على كل شيء قدير. فحقيقة التوحيد توجب تفرُّد الله تعالى بصفات الربوبية والألوهية, فلا يشاركه أحد من خلقه في ذلك, وكثيرًا ما يقع الناس في الشرك والضلال بغلوهم في الأنبياء والصالحين, كما غلا النصارى في المسيح, فالكون كله لله, والخلق بيده وحده, وما يظهر من خوارق وآيات مَرَدُّه إلى الله. يخلق سبحانه ما يشاء, ويفعل ما يريد.
وورد في الآية 82 من نفس السورة
﴿ لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُواْ إِنَّ اللّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ وَقَالَ الْمَسِيحُ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اعْبُدُواْ اللّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ إِنَّهُ مَن يُشْرِكْ بِاللّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللّهُ عَلَيهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنصَارٍ﴾ المائدة72
التفسير الميسر : يقسم الله تعالى بأن الذين قالوا: إن الله هو المسيح ابن مريم, قد كفروا بمقالتهم هذه, وأخبر تعالى أن المسيح قال لبني إسرائيل: اعبدوا الله وحده لا شريك له, فأنا وأنتم في العبودية سواء. إنه من يعبد مع الله غيره فقد حرَّم الله عليه الجنة, وجعل النار مُستَقَرَّه, وليس له ناصرٌ يُنقذُه منها.
2. المسيح هو إبن الله : كما يؤمن البعض الآخر بأن المسيح هو ابن الله. ويقول القرآن الكريم في ذلك ﴿ وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللّهِ وَقَالَتْ النَّصَارَى الْمَسِيحُ ابْنُ اللّهِ ذَلِكَ قَوْلُهُم بِأَفْوَاهِهِمْ يُضَاهِؤُونَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِن قَبْلُ قَاتَلَهُمُ اللّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ﴾ التوبة30
التفسير الميسر : لقد أشرك اليهود بالله عندما زعموا أن عزيرًا ابن الله. وأشرك النصارى بالله عندما ادَّعوا أن المسيح ابن الله. وهذا القول اختلقوه من عند أنفسهم, وهم بذلك لا يشابهون قول المشركين من قبلهم. قَاتَلَ الله المشركين جميعًا كيف يعدلون عن الحق إلى الباطل؟
كما يقول الله تعالى.
﴿أَلَا إِنَّهُم مِّنْ إِفْكِهِمْ لَيَقُولُونَ {151} وَلَدَ اللَّهُ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ {152} ﴾ سورة الصافات
التفسير الميسر للآيات : وإنَّ مِن كذبهم قولهم: ولَد الله, وإنهم لكاذبون; لأنهم يقولون ما لا يعلمون.
3. الله هو ثالوث : ومن أهم عقائد النصارى قولهم بالثالوث.
العهد الجديد يقول ان الإله هو الآب فقط . وليس هناك إله سواه , وأن الآب هو إله الإبن , والآب هو يهوه العهد القديم , وهو إله الارواح أيضاً . وأدلة ذلك من كتب النصارى :
Joh 17:1 تَكَلَّمَ يَسُوعُ بِهَذَا وَرَفَعَ عَيْنَيْهِ نَحْوَ السَّمَاءِ وَقَالَ: «أَيُّهَا الآبُ قَدْ أَتَتِ السَّاعَةُ. مَجِّدِ ابْنَكَ لِيُمَجِّدَكَ ابْنُكَ أَيْضاً
Joh 17:2 إِذْ أَعْطَيْتَهُ سُلْطَاناً عَلَى كُلِّ جَسَدٍ لِيُعْطِيَ حَيَاةً أَبَدِيَّةً لِكُلِّ مَنْ أَعْطَيْتَهُ.
Joh 17:3 وَهَذِهِ هِيَ الْحَيَاةُ الأَبَدِيَّةُ: أَنْ يَعْرِفُوكَ أَنْتَ الإِلَهَ الْحَقِيقِيَّ وَحْدَكَ وَيَسُوعَ الْمَسِيحَ الَّذِي أَرْسَلْتَهُ.
الإِلَهَ الْحَقِيقِيَّ وَحْدَكَ = الآب
يقول بولس:1Co 8:6 لَكِنْ لَنَا إِلَهٌ وَاحِدٌ: الآبُ الَّذِي مِنْهُ جَمِيعُ الأَشْيَاءِ وَنَحْنُ لَهُ. وَرَبٌّ وَاحِدٌ: يَسُوعُ الْمَسِيحُ الَّذِي بِهِ جَمِيعُ الأَشْيَاءِ وَنَحْنُ بِهِ. Eph 1:17 كَيْ يُعْطِيَكُمْ إِلَهُ رَبِّنَا يَسُوعَ الْمَسِيحِ، أَبُو الْمَجْدِ، رُوحَ الْحِكْمَةِ وَالإِعْلاَنِ فِي مَعْرِفَتِهِ،
يقول يسوعهم بنفسه ان الآب هو إلهه :Joh 20:17 قَالَ لَهَا يَسُوعُ: «لاَ تَلْمِسِينِي لأَنِّي لَمْ أَصْعَدْ بَعْدُ إِلَى أَبِي. وَلَكِنِ اذْهَبِي إِلَى إِخْوَتِي وَقُولِي لَهُمْ: إِنِّي أَصْعَدُ إِلَى أَبِي وَأَبِيكُمْ وَإِلَهِي وَإِلَهِكُمْ». Rev 3:12 مَنْ يَغْلِبُ فَسَأَجْعَلُهُ عَمُوداً فِي هَيْكَلِ إِلَهِي، وَلاَ يَعُودُ يَخْرُجُ إِلَى خَارِجٍ، وَأَكْتُبُ عَلَيْهِ اسْمَ إِلَهِي، وَاسْمَ مَدِينَةِ إِلَهِي أُورُشَلِيمَ الْجَدِيدَةِ النَّازِلَةِ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ عِنْدِ إِلَهِي، وَاسْمِي الْجَدِيدَ.
الآب هو يهوه العهد القديم :Joh 8:54 أَجَابَ يَسُوعُ: «إِنْ كُنْتُ أُمَجِّدُ نَفْسِي فَلَيْسَ مَجْدِي شَيْئاً. أَبِي هُوَ الَّذِي يُمَجِّدُنِي الَّذِي تَقُولُونَ أَنْتُمْ إِنَّهُ إِلَهُكُمْ الآب هو إله الارواح أيضاً :Num 16:22 فَخَرَّا عَلى وَجْهَيْهِمَا وَقَالا: «اللهُمَّ إِلهَ أَرْوَاحِ جَمِيعِ البَشَرِ هَل يُخْطِئُ رَجُلٌ وَاحِدٌ فَتَسْخَطَ عَلى كُلِّ الجَمَاعَةِ؟»
Num 27:16 «لِيُوَكِّلِ الرَّبُّ إِلهُ أَرْوَاحِ جَمِيعِ البَشَرِ رَجُلاً عَلى الجَمَاعَةِ
لو افترضنا بأن الآب (بغض النظر عن التسمية) هو الإله الوحيد الحقيقي فمن الطبيعي اذا الا يشاركه أحد في صفاته ولكننا نجد أن الآب يشترك في بعض الصفات مع غيره كما يبينه كتابهم الذي يقدسون.
3 هذا الإيمان الجامع هو أن تعبد إلهاً واحداً في ثالوث ,وثالوثاً في توحيد.
4 لا نمزج الأقانيم ولا نفصل الجوهر.
5 إن للآب أقنوماً ,وللابن أقنوماً ,وللروح القدس أقنوماً.
6 ولكن الآب والابن والروح القدس لاهوت واحد ومجد متساوٍ ,وجلال أبدي معاً.
7 كما هو الآب ,كذلك الابن ,كذلك الروح القدس.
8 الآب غير مخلوق ,والابن غير مخلوق ,والروح القدس غير مخلوق.
9 الآب غير محدود ,والابن غير محدود ,والروح القدس غير محدود.
10 الآب سرمد ,والابن سرمد ,والروح القدس سرمد.
11 ولكن ليسوا ثلاثة سرمديين ,بل سرمد واحد.
12 وكذلك ليس ثلاثة غير مخلوقين ,ولا ثلاثة غير محدودين ,بل واحد غير مخلوق وواحد غير محدود.
13 وكذلك الآب ضابط الكل ,والابن ضابط الكل ,والروح ضابط الكل.
14 ولكن ليسوا ثلاثة ضابطي الكل ,بل واحد ضابط الكل.
15 وهكذا الآب إله ,والابن إله ,والروح القدس إله.
16 ولكن ليسوا ثلاثة آلهة ,بل إله واحد.
17 وهكذا الآب رب ,والابن رب ,والروح القدس رب.
18 ولكن ليسوا ثلاثة أرباب ,بل رب واحد.
19 وكما أن الحق المسيحي يكلّفنا أن نعترف بأن كلاً من هذه الأقانيم بذاته إله ورب.
20 كذلك الدين الجامع ,ينهانا عن أن نقول بوجود ثلاثة آلهة وثلاثة أرباب.
21 فالآب غير مصنوع من أحد ,ولا مخلوق ,ولا مولود.
22 والابن من الآب وحده ,غير مصنوع ,ولا مخلوق ,بل مولود.
23 والروح القدس من الآب والابن ,ليس مخلوق ولا مولود بل منبثق.
24 فإذاً آب واحد لا ثلاثة آباء ,وابن واحد لا ثلاثة أبناء ,وروح قدس واحد لا ثلاثة أرواح قدس.
25 ليس في هذا الثالوث من هو قبل غيره أو بعده ولا من هو أكبر ولا أصغر منه.
26 ولكن جميع الأقانيم سرمديون معاً ومتساوون.
27 ولذلك في جميع ما ذُكر ,يجب أن نعبد الوحدانية في ثالوث ,والثالوث في وحدانية.
28 إذاً من شاء أن يَخْلُص عليه أن يتأكد هكذا في الثالوث. |
ولكننا نجد بأن النصارى يؤمنون بأن الله هو ثالث ثلاثة (الآب،الابن،الروح القدس) يشتركون في أشياء تجعل منهم يشركون في عبادة الله الواحد إلهين ما أنزمل الله بهما من سلطان. ويكون النصارى بذلك قد خالفوا جوهر التوحيد الذي أرسل من أجله كل الرسل.
يقول الله تعالى
﴿ لَّقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُواْ إِنَّ اللّهَ ثَالِثُ ثَلاَثَةٍ وَمَا مِنْ إِلَـهٍ إِلاَّ إِلَـهٌ وَاحِدٌ وَإِن لَّمْ يَنتَهُواْ عَمَّا يَقُولُونَ لَيَمَسَّنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِنْهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ﴾ المائدة73
التفسير الميسر : لقد كفر من النصارى من قال: إنَّ الله مجموع ثلاثة أشياء: هي الأب, والابن, وروح القدس. أما عَلِمَ هؤلاء النصارى أنه ليس للناس سوى معبود واحد, لم يلد ولم يولد, وإن لم ينته أصحاب هذه المقالة عن افترائهم وكذبهم ليُصِيبَنَّهم عذاب مؤلم موجع بسبب كفرهم بالله.
ومما تقدّم يظهر لنا بأن القرآن الكريم قد وصف النصارى بأشنع الصفات فهم باختصار مدلسون، مشركون، منافقون كذبة، غير موحدين. ويؤمن النصارى بعقائد كفرية أخرى قد نرد على بعضها في كتابنا هذا. بعد كل ما تقدم لم يعد هناك داع للنقاش في أطروحة القمص (القرآن يشهد بصحة العقيدة النصرانية) ولكننا سنبين المزالق التي وقع فيها ونردّ تفصيليا على شبهه بإذن الله.
يقول القمص إبراهيم لوقا
أولاً: شهد القرآن للنصارى بالتوحيد والإيمان الحق. ففي المائدة 5: 69إِنَّ الّذينَ آمَنُوا وَالّذينَ هَادُوا وَالصَّابِئُونَ وَالنَّصَارَى مَنْ آمَنَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحاً فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ .ويقول البيضاوي: من آمن بالله واليوم الآخر وعمل صالحاً من كان منهم في دينه قبل أن ينسخ (سنتكلم عن النسخ في الباب الثاني) مصدقاً بقلبه بالمبدأ والمعاد عاملاً بمقتضى شرعه . |
﴿ إِنَّ الَّذِينَ آمَنُواْ وَالَّذِينَ هَادُواْ وَالصَّابِؤُونَ وَالنَّصَارَى مَنْ آمَنَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وعَمِلَ صَالِحاً فَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ﴾ المائدة69
التفسير الميسر : إن الذين آمنوا (وهم المسلمون) واليهود, والصابئين (وهم قوم باقون على فطرتهم, ولا دين مقرر لهم يتبعونه) والنصارى (وهم أتباع المسيح) من آمن منهم بالله الإيمان الكامل, وهو توحيد الله والتصديق بمحمد صلى الله عليه وسلم وبما جاء به, وآمن باليوم الآخر, وعمل العمل الصالح, فلا خوف عليهم من أهوال يوم القيامة, ولا هم يحزنون على ما تركوه وراءهم في الدنيا.
تفسير البيضاوي
﴿مَنْ ءامَنَ بالله واليوم الآخر وَعَمِلَ صالحا ﴾ من كان منهم في دينه قبل أن ينسخ مصدقاً بقلبه بالمبدأ والمعاد ، عاملاً بمقتضى شرعه . وقيل من آمن من هؤلاء الكفرة إيماناً خالصاً ، ودخل في الإسلام دخولاً صادقاً.
والردّ على ذلك · القمص يأخذ من كلام البيضاوي رحمه الله ما يخدم قضيته فيجتث الجمل من سياقها كما تُجتث النبتة من حديقتها، فالبيضاوي يقول من كان منهم في دينه قبل أن ينسخ مصدقاً بقلبه بالمبدأ والمعاد ، عاملاً بمقتضى شرعه . وقيل من آمن من هؤلاء الكفرة إيماناً خالصاً ، ودخل في الإسلام دخولاً صادقاً.
فالبيضاوي يقول. النصارى الذين تتحدث عنهم الآية هم الذين آمنوا بعيسى ابن مريم وعملوا بتعاليمه كما أنزلت قبل تحريفها وقبل أن ينسخ الله جميع الأديان السابقة بالإسلام، فمن مات قبل نزول الإسلام حوسب حسب دينه السابق ومن بلغ الإسلام كان لزاما عليه أن يدخل في الإسلام الذي نزل به سيد الخلق محمد همصداقا لقول الله عز وجل.﴿وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلاَمِ دِيناً فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ ﴾آل عمران85
التفسير الميسر : ومن يطلب دينًا غير دين الإسلام الذي هو الاستسلام لله بالتوحيد والانقياد له بالطاعة, والعبودية, ولرسوله النبي الخاتم محمد صلى الله عليه وسلم بالإيمان به وبمتابعته ومحبته ظاهرًا وباطنًا, فلن يُقبل منه ذلك, وهو في الآخرة من الخاسرين الذين بخسوا أنفسهم حظوظها.
ونحن نسأل القمص. لماذا تخفي قول البيضاوي وقيل من آمن من هؤلاء الكفرة إيماناً خالصاً ، ودخل في الإسلام دخولاً صادقاً. ثم يقول
وبحكم هذه الآية وتفسيرها يكون المسيحيون - في نظر الإسلام - موحّدين غير مشركين، محقين في إيمانهم غير ضالين، مؤمنين غير كافرين، لأنّ لهم أجرهم عند ربهم، ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون. إنّ الآية بخروجها من التخصيص: الذين آمنوا والذين هادوا...الخ إلى التعميم: من آمن بالله واليوم الآخر قد شملت بالأجر والثواب كل من عمل صالحاً من الذين آمنوا بالله واليوم الآخر دون شرط الإيمان بالإسلام ورسالته, |
والرد على ذلك الهراء
· لقد بين المفسرون بأن الآية تتحدث عن الذين ماتوا قبل أن يبعث محمد صلى الله عليه وسلم. · إن كان المقصود بالنصارى (وغيرهم ممن ذكرتهم الآية) هنا هم الذين ماتوا قبل أن يبعث صلى الله عليه وسلم كان من الغباء والهرطقة أن نوحّدهم في الأحكام والمصير مع الذين شهدوا مبعث النبي صلى الله عليه وسلم أو الذين ولدوا بعد ذلك. · إن الذين ماتوا قبل الرسالة المحمدية على صاحبها أتم الصلاة والسلام ينضوون تحت أحد الاحتمالين التاليين الأول: لا يتبعون رسولا مرسلا من الله فهم غير موحدين لم يخبر عنهم الله في الآية السابقة. الثاني : يتبعون شريعة سماوية فهم غير مسلمين اصطلاحا (إن عبرنا عن الإسلام عن الدين الذي هدانا إليه محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم) ولكنهم مسلمون لأنهم سلموا أمرهم لله واتبعوا الإسلام الذي جاء به رسولهم. · والاحتمال الثاني هو الذي يتحدث عنه الله تعالى في الآية. وطبيعي أن يرضى الله عن الذين يوحدونه ويعبدونه حسب ما أمرهم فهم يشتركون مع أتباع محمد صلى الله عليه وسلم في اغلتوحيد لأن كل الرسالات السماوية أنن بالتوحيد واشتركت في جوهر العقيدة.
﴿ لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُواْ إِنَّ اللّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ وَقَالَ الْمَسِيحُ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اعْبُدُواْ اللّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ إِنَّهُ مَن يُشْرِكْ بِاللّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللّهُ عَلَيهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنصَارٍ﴾ المائدة72
التفسير الميسر : يقسم الله تعالى بأن الذين قالوا: إن الله هو المسيح ابن مريم, قد كفروا بمقالتهم هذه, وأخبر تعالى أن المسيح قال لبني إسرائيل: اعبدوا الله وحده لا شريك له, فأنا وأنتم في العبودية سواء. إنه من يعبد مع الله غيره فقد حرَّم الله عليه الجنة, وجعل النار مُستَقَرَّه, وليس له ناصرٌ يُنقذُه منها. لذلك فإن الالنصراني الذي يؤمن بالثالوث لا يمكن أن يدخل في الآية ولا يمكن أن يدخل في الأمن من الخوف والحزن المُخبر عنهما في الآية. ﴿ إِنَّ الَّذِينَ آمَنُواْ وَالَّذِينَ هَادُواْ وَالصَّابِؤُونَ وَالنَّصَارَى مَنْ آمَنَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وعَمِلَ صَالِحاً فَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ﴾ المائدة69 · ومثال ذلك. الحواريون. يقول تعالى ﴿ فَلَمَّا أَحَسَّ عِيسَى مِنْهُمُ الْكُفْرَ قَالَ مَنْ أَنصَارِي إِلَى اللّهِ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنصَارُ اللّهِ آمَنَّا بِاللّهِ وَاشْهَدْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ ﴾ آل عمران52
التفسير الميسر : فلما استشعر عيسى منهم التصميم على الكفر نادى في أصحابه الخُلَّص: مَن يكون معي في نصرة دين الله؟ قال أصفياء عيسى: نحن أنصار دين الله والداعون إليه, صدَّقنا بالله واتبعناك, واشهد أنت يا عيسى بأنا مستسلمون لله بالتوحيد والطاعة.
ومما تقدم فإن كل شخص يؤمن بعقيدة الفداء أو يركع لصنم أكان صنم قديس أو قديسة ويؤمن بالثالوث كافر مشرك بالله بلا شك أو ريب في كفره وهو ما ينطبق على المسيحيين اليوم وكثير من المسيحيين عاشوا وماتوا على كفرهم بين البعثة العيسوية على صاحبها السلام والبعثة المحمدية صلى الله على صاحبها وسلم أو بعد ذلك إلى اليوم. أما في يوم الناس هذا فأنت أيها القمص وغيرك مهما علا أو دنا في المجد والسمعة أمام طريقين لا ثالث لهما. إيمان بدخول الإسلام وكفر بترك الإسلام فلينظر كلّ منا أي طريق يختار.
يقول القمص
وفي القرآن آيات عديدة تحمل تصريحاً قاطعاً بالتفريق بين المسيحية والوثنية |
والردّ على ذلك
· ما أجمل ما قالته العرب "يكاد المريب يقول خذوني" فمن الذي تحدث عن الوثنية في هذا الباب. لولا شعور القمص بالتشابه الكبير بين الطقوس الوثنية والعقيدة المسيحية لما قال الكاتب ما قال. · إن اللذين فرق الله بينهم هم النصارى والمشركين، ولكن من هم النصارى الذين يؤمنون بالله؟ إنهم أتباع المسيح عيسى ابن مريم عليه السلام، إنهم النصارى ولكن هل يرضى المسيحيون اليوم بأن نناديهم بالنصارى؟ إنهم يعتبرون ذلك مسبة وشتما. ثم وإن تركنا التسميات جانبا فهل يؤمن المسيحيون اليوم بإله واحد يوحدونه في ألوهيته وربوبيته؟ كلا فهم يؤمنون بالثالوث المقدس ويؤمنون بعقيدة الصلب والفداء وعقيدة البنوة لله وعقيدة الأفخاريستا . وبذلك يتبين لنا أن القرآن فرق بين النصرانية بما هي دين عيسى ابن مريم وبين باقي الشركيات ومن بينها ما عليه المسيحيون الذين أعرضوا عن الشرائع السماوية. يقول الله تعالى ﴿ إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئِينَ وَالنَّصَارَى وَالْمَجُوسَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا إِنَّ اللَّهَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ﴾ الحج17
التفسير الميسر : إن الذين آمنوا بالله ورسوله محمدٍ صلى الله عليه وسلم واليهود والصابئين وهم: (قوم باقون على فطرتهم ولا دين مقرر لهم يتبعونه) والنصارى والمجوس (وهم عبدة النار) والذين أشركوا وهم: عبدة الأوثان، إنَّ الله يفصل بينهم جميعًا يوم القيامة فيدخل المؤمنين الجنة، ويدخل الكافرين النار، إن الله على كل شيء شهيد، شهد أعمال العباد كلَّها، وأحصاها وحفظها، وسيجازي كلا بما يستحق جزاء وفاقًا للأعمال التي عملوها. ثم يقول القمص.
ولكن نأتي هنا - على سبيل المثال - بواحدة منها وهي التوبة 9: 5فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلّمرْصَدٍ فإذا تأملنا هذه الآية تأكد لدينا - ولدى كل مفكر - أنّ النصارى هم غير المشركين الذين أمر الإسلام بقتلهم |
﴿ فَإِذَا انسَلَخَ الأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُواْ الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدتُّمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُواْ لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ فَإِن تَابُواْ وَأَقَامُواْ الصَّلاَةَ وَآتَوُاْ الزَّكَاةَ فَخَلُّواْ سَبِيلَهُمْ إِنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ﴾ التوبة5
التفسير الميسر : فإذا انقضت الأشهر الأربعة التي أمَّنتم فيها المشركين, فأعلنوا الحرب على أعداء الله حيث كانوا, واقصدوهم بالحصار في معاقلهم, وترصدوا لهم في طرقهم, فإن رجعوا عن كفرهم ودخلوا الإسلام والتزموا شرائعه من إقام الصلاة وإخراج الزكاة, فاتركوهم, فقد أصبحوا إخوانكم في الإسلام, إن الله غفور لمن تاب وأناب, رحيم بهم.
الكاتب يريد أمرا بالقتال حتى يتأكد من شركه. إليك الدليل أيها القمص ومن نفس السورة.
﴿قَاتِلُواْ الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَلاَ بِالْيَوْمِ الآخِرِ وَلاَ يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَلاَ يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُواْ الْجِزْيَةَ عَن يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ﴾التوبة29
التفسير الميسر : أيها المسلمون قاتلوا الكفار الذين لا يؤمنون بالله, ولا يؤمنون بالبعث والجزاء, ولا يجتنبون ما نهى الله عنه ورسوله, ولا يلتزمون أحكام شريعة الإسلام من اليهود والنصارى, حتى يدفعوا الجزية التي تفرضونها عليهم بأيديهم خاضعين أذلاء.
ثم يقول القمص بعد أن تحدث عن الجزية
ومن غير المعقول أنّ هذه الجزية تؤخذ عوض البقاء على الكفر، وبدل الإستمرار على الشرك، وإلا أضحى آخذوها - وهم المسلمون - شركاء في هذا الكفر والإشراك بالله، لما يكون في عملهم هذا من التجاوز عما لا يجوز فيه من حرام ومحظور. والكفر لا يُشرى والإيمان لا يُباع. |
والرد على ذلك
· المسيحيون لا يفهمون الحكمة من الجزية. فليست الجزية ضريبة يدفعها أهل الكتاب للمسلمين ثمنا لهزيمتهم وخضوعهم لنا لأن المسلمين لو أرادوا لأخذوا أرواح أهل الكتاب الذين في حكمهم فضلا عن أموالهم ولكن الجزية هي ثمن حماية المسلمين لأهل الكتاب الذين يعيشون في الدولة المسلمة فهي بمثابة عقد يلتزم كل طرف بواجباته نحو الآخر. ولم تكن الجزية إلزامية في كل الأحوال فقد أعفي منها الفقراء كما أعفي منها المقاتلة من أهل الذمة إن شاركوا في الجيش الإسلامي ويعترف جمع لا بأس به من المؤرخين بأن قيمة الجزية كانت لا تبلغ عشر ما كان أهل الكتاب يدفعونه للرومان والبيزنطيين قبل الفتح الإسلامي. · ذهب الكاتب إلى أن الإسلام يأخذ من أهل الكتاب المال ليسمح لهم بالبقاء على دينهم ونحن هنا أمام فرضيتين. الأولى: أن يكون دينهم شركيا فيكون الإسلام تبعا لذلك يبيع الإيمان بدراهم معدودات. الثانية: أن يكون دينهم (أهل الكتاب) صحيحا فيكون دين القمص دينا صحيحا وجب الاعتراف به. ولكن القمص حكم بهواه وبتحكم عقدة الإسقاط لديه. إن كان النصارى قد أجبروا مسلمي الأندلس على اعتناق دينهم فإن المسلمين لا يفعلونها، إن كان المبشرون النصارى قد أجبروا هنود أمريكا الجنوبية على اعتناق النصرانية بالقوة فإن الإسلام يضمن لكل شخص اعتناق الدين الذي يريد. فلا إكراه في الدين. · والرد على الفرضية الأولى يكمن في كون الإسلام قد جعل تلك الجزية بين الإنسان والإنسان فهي أمر تنظيمي في الدولة وترك الإنسان على الخيار في علاقته بربه إن شاء فليؤمن وإن شاء فليكفر ولكن كفره وإيمانه لا يجعله يتنصل من حقوق واجبة عليه إزاء المجتمع الذي يعيش فيه فالذي يعيش في مجتمع مسلم عليه أن يحترم أحكام المسلمين وكذلك الأمر لمن يعيش في مجتمع كافر ما دام قد رضي بالعيش داخل ذلك المجتمع. · أما الرد على الفرضية الثانية: لقد أثبتنا فساد دين المسيحية ويكفي لذلك أن نتذكر إيمانههم ب 3 آلهة. · يحتج القمص بدفع أهل الكتاب للجزية والحال أن المسلم أيضا يدفع الزكاة فهل نقول بأن الإسلام جاء ليبتز الناس. والمسلم أيضا عليه بدفع الكفارات إن وقع في بعض المحرمات فهل نقول بأن الإسلام يبيع المحرمات بدراهم معدودات؟ إنها أمور إيمانية تنظيمية والإسلام بشموليته ما كان ليترك أمر المال وتنظيم المعاملات بين الناس أتريد أيها القمص أن يفعل المسلمون ما يريدون بأهل الكتاب دون الرجوع إلى شرع الله؟ أنت أيها القمص وأنت أيها المسيحي كيف استطعت أن تصل إلى القرن العشرين تحت ظل دولة مسلمة؟ كن متأكدا بأن الذي حماكم من العرب وبطشهم هو الإسلام.
ثانياً: شهد القرآن للنصارى بحسن الأخلاق، مما يدل على تأثير المسيحية في أخلاق تابعيها. فقد جاء في المائدة 5: 82: لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً للّذِينَ آمَنُوا الْيَهُودَ وَالّذينَ أَشْرَكُوا وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَوَدَّةً للّذِينَ آمَنُوا الّذينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَى ذَلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْبَاناً وَأَنَّهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ |
يبدو أن القمص يكتب متبعا هواه دون العودة إلى أي تفسير. فالذين قالوا إنا نصارى يشترط أن يكونوا معاصرين للرسول صلى الله عليه وسلم كما يشترط أن يدخلوا الإسلام هذا هو معنى الآية. قال تعالى﴿ لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِّلَّذِينَ آمَنُواْ الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُواْ وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَّوَدَّةً لِّلَّذِينَ آمَنُواْ الَّذِينَ قَالُوَاْ إِنَّا نَصَارَى ذَلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْبَاناً وَأَنَّهُمْ لاَ يَسْتَكْبِرُونَ {82} وَإِذَا سَمِعُواْ مَا أُنزِلَ إِلَى الرَّسُولِ تَرَى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ مِمَّا عَرَفُواْ مِنَ الْحَقِّ يَقُولُونَ رَبَّنَا آمَنَّا فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ{83} وَمَا لَنَا لاَ نُؤْمِنُ بِاللّهِ وَمَا جَاءنَا مِنَ الْحَقِّ وَنَطْمَعُ أَن يُدْخِلَنَا رَبَّنَا مَعَ الْقَوْمِ الصَّالِحِينَ {84} فَأَثَابَهُمُ اللّهُ بِمَا قَالُواْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ جَزَاء الْمُحْسِنِينَ {85} ﴾ سورة المائدة
التفسير الميسر : لتجدنَّ -أيها الرسول- أشدَّ الناس عداوة للذين صدَّقوك وآمنوا بك واتبعوك, اليهودَ; لعنادهم, وجحودهم, وغمطهم الحق, والذين أشركوا مع الله غيره, كعبدة الأوثان وغيرهم, ولتجدنَّ أقربهم مودة للمسلمين الذين قالوا: إنا نصارى, ذلك بأن منهم علماء بدينهم متزهدين وعبَّادًا في الصوامع متنسكين, وأنهم متواضعون لا يستكبرون عن قَبول الحق, وهؤلاء هم الذين قبلوا رسالة محمد صلى الله عليه وسلم, وآمنوا بها.ومما يدل على قرب مودتهم للمسلمين أن فريقًا منهم (وهم وفد الحبشة لما سمعوا القرآن) فاضت أعينهم من الدمع فأيقنوا أنه حقٌّ منزل من عند الله تعالى, وصدَّقوا بالله واتبعوا رسوله, وتضرعوا إلى الله أن يكرمهم بشرف الشهادة مع أمَّة محمد عليه السلام على الأمم يوم القيامة.وقالوا: وأيُّ لوم علينا في إيماننا بالله, وتصديقنا بالحق الذي جاءنا به محمد صلى الله عليه وسلم من عند الله, واتباعنا له, ونرجو أن يدخلنا ربنا مع أهل طاعته في جنته يوم القيامة, فجزاهم الله بما قالوا من الاعتزاز بإيمانهم بالإسلام, وطلبهم أن يكونوا مع القوم الصالحين, جنات تجري من تحت أشجارها الأنهار, ماكثين فيها لا يخرجون منها, ولا يُحوَّلون عنها, وذلك جزاء إحسانهم في القول والعمل.
كما جاء في الحديد 57: 27ثُمَّ قَفَّيْنَا عَلَى آثَارِهِمْ بِرُسُلِنَا وَقَفَّيْنَا بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ وَآتَيْنَاهُ الْإِنْجِيلَ وَجَعَلْنَا فِي قُلُوبِ الّذينَ اتَّبَعُوهُ رَأْفَةً وَرَحْمَةً. |
تسقط هذه الشبهة بمجرد ذكر بقية الآيات التي تأتي بعدها.
قال الله تعالى﴿ ثُمَّ قَفَّيْنَا عَلَى آثَارِهِم بِرُسُلِنَا وَقَفَّيْنَا بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ وَآتَيْنَاهُ الْإِنجِيلَ وَجَعَلْنَا فِي قُلُوبِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ رَأْفَةً وَرَحْمَةً وَرَهْبَانِيَّةً ابْتَدَعُوهَا مَا كَتَبْنَاهَا عَلَيْهِمْ إِلَّا ابْتِغَاء رِضْوَانِ اللَّهِ فَمَا رَعَوْهَا حَقَّ رِعَايَتِهَا فَآتَيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا مِنْهُمْ أَجْرَهُمْ وَكَثِيرٌ مِّنْهُمْ فَاسِقُونَ ﴾ الحديد27
التفسير الميسر : ثم أتبعنا على آثار نوح وإبراهيم برسلنا الذين أرسلناهم بالبينات, وقفَّينا بعيسى بن مريم, وآتيناه الإنجيل, وجعلنا في قلوب الذين اتبعوه على دينه لينًا وشفقة, فكانوا متوادِّين فيما بينهم, وابتدعوا رهبانية بالغلوِّ في العبادة ما فرضناها عليهم, بل هم الذين التزموا بها من تلقاء أنفسهم, قَصْدُهم بذلك رضا الله, فما قاموا بها حق القيام، فآتينا الذين آمنوا منهم بالله ورسله أجرهم حسب إيمانهم, وكثير منهم خارجون عن طاعة الله مكذبون بنيه محمد صلى الله عليه وسلم.
كما جاء في آل عمران 3: 113 ، 114لَيْسُوا سَوَاءً مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ أُمَّةٌ قَائِمَةٌ يَتْلُونَ آيَاتِ اللّهِ آنَاءَ اللّيْلِ وَهُمْ يَسْجُدُونَ يُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَأُولَئِكَ مِنَ الصَّالِحِينَ . |
يقول تعالى﴿ لَيْسُواْ سَوَاء مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ أُمَّةٌ قَآئِمَةٌ يَتْلُونَ آيَاتِ اللّهِ آنَاء اللَّيْلِ وَهُمْ يَسْجُدُونَ {113} يُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَأُوْلَـئِكَ مِنَ الصَّالِحِينَ {114} ﴾ سورة آل عمران
التفسير الميسر للآيات : ليس أهل الكتاب متساوين: فمنهم جماعة مستقيمة على أمر الله مؤمنة برسوله محمد صلى الله عليه وسلم, يقومون الليل مرتلين آيات القرآن الكريم, مقبلين على مناجاة الله في صلواتهم.يؤمنون بالله واليوم الآخر, ويأمرون بالخير كله, وينهون عن الشر كلِّه, ويبادرون إلى فعل الخيرات, وأولئك مِن عباد الله الصالحين.
تفسير البيضاوي للآيات﴿لَيْسُواْ سَوَاء﴾ في المساوي والضمير لأهل الكتاب ﴿مّنْ أَهْلِ الكتاب أُمَّةٌ قَائِمَةٌ﴾ استئناف لبيان نفي الاستواء ، والقائمة المستقيمة العادلة من أقمت العود فقام وهم الذين أسلموا منهم .﴿يَتْلُونَ ءايات الله ءَانَاء اليل وَهُمْ يَسْجُدُونَ﴾ يتلون القرآن في تهجدهم . عَبَّر عنه بالتلاوة في ساعات الليل مع السجود ليكون أبين وأبلغ في المدح . وقيل المراد صلاة العشاء لأن أهل الكتاب لا يصلونها لما روي ( أنه عليه الصلاة والسلام أخرها ثم خرج فإذا الناس ينتظرون الصلاة فقال : " أما أنه ليس من أهل الأديان أحد يذكر الله هذه الساعة غيركم ﴿يُؤْمِنُونَ بالله واليوم الأخر وَيَأْمُرُونَ بالمعروف وَيَنْهَوْنَ عَنِ المنكر ويسارعون فِي الخيرات ﴾ صفات أخر لأمة وصفهم بخصائص ما كانت في اليهود ، فإنهم منحرفون عن الحق غير متعبدين في الليل مشركون بالله ملحدون في صفاته ، واصفون اليوم الآخر بخلاف صفته ، مداهنون في الاحتساب متباطئون عن الخيرات ﴿وَأُوْلَئِكَ مِنَ الصالحين ﴾ أي الموصوفون بتلك الصفات ممن صلحت أحوالهم عند الله واستحقوا رضاه وثناءه .
ثالثاً: شهد القرآن برفعة المسيحيين على الكافرين بالمسيحية، فقد جاء في آل عمران 3: 55: إِذْ قَالَ اللّهُ يَا عِيسَى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ وَمُطَهِّرُكَ مِنَ الّذينَ كَفَرُوا وَجَاعِلُ الّذينَ اتَّبَعُوكَ فَوْقَ الّذينَ كَفَرُوا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ . |
يقول الله عز وجل
﴿إِذْ قَالَ اللّهُ يَا عِيسَى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ وَمُطَهِّرُكَ مِنَ الَّذِينَ كَفَرُواْ وَجَاعِلُ الَّذِينَ اتَّبَعُوكَ فَوْقَ الَّذِينَ كَفَرُواْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأَحْكُمُ بَيْنَكُمْ فِيمَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ﴾ آل عمران55
التفسير الميسر : ومكر الله بهم حين قال الله لعيسى: إني قابضك من الأرض من غير أن ينالك سوء, ورافعك إليَّ ببدنك وروحك, ومخلصك من الذين كفروا بك, وجاعل الذين اتبعوك أي على دينك وما جئت به عن الله من الدين والبشارة بمحمد صلى الله عليه وسلم وآمَنوا بمحمد صلى الله عليه وسلم, بعد بعثنه, والتزموا شريعته ظاهرين على الذين جحدوا نبوتك إلى يوم القيامة, ثم إليّ مصيركم جميعًا يوم الحساب, فأفصِل بينكم فيما كنتم فيه تختلفون من أمر عيسى عليه السلام.
أشباه شبهات ولا شبهات، أغلب شبهات القمص تدل على أنه مدلس أو جاهل لأن الرد عليها لا يتجاوز مجرد النقل من أحد التفاسير. يقول القمص
رابعاً: حكم الإسلام بالفسق على من لم يُقِم أحكام الإنجيل. فقد جاء في المائدة 5: 47وَلْيَحْكُمْ أَهْلُ الْإِنْجِيلِ بِمَا أَنْزَلَ اللّهُ فِيهِ وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ. وقد ذكر البيضاوي في تفسيره: فأولئك هم الفاسقون عن حكمه أو عن الإيمان إن كان مستهيناً به ... والآية تدل على أنّ الإنجيل مشتمل على الأحكام وأنّ اليهودية منسوخة ببعثة عيسى. |
يقول الله عز وجل﴿ وَقَفَّيْنَا عَلَى آثَارِهِم بِعَيسَى ابْنِ مَرْيَمَ مُصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التَّوْرَاةِ وَآتَيْنَاهُ الإِنجِيلَ فِيهِ هُدًى وَنُورٌ وَمُصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التَّوْرَاةِ وَهُدًى وَمَوْعِظَةً لِّلْمُتَّقِينَ ( 46 ) وَلْيَحْكُمْ أَهْلُ الإِنجِيلِ بِمَا أَنزَلَ اللّهُ فِيهِ وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ فَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ ( 47 ) وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِناً عَلَيْهِ فَاحْكُم بَيْنَهُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَاءهُمْ عَمَّا جَاءكَ مِنَ الْحَقِّ لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجاً وَلَوْ شَاء اللّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَـكِن لِّيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُم فَاسْتَبِقُوا الخَيْرَاتِ إِلَى الله مَرْجِعُكُمْ جَمِيعاً فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ﴾ سورة المائدة
التفسير الميسر : وأتبعنا أنبياء بني إسرائيل عيسى ابن مريم مؤمنًا بما في التوراة, عاملا بما فيها مما لم ينسخه كتابه, وأنزلنا إليه الإنجيل هاديا إلى الحق, ومبيِّنًا لما جهله الناس مِن حكم الله, وشاهدًا على صدق التوراة بما اشتمل عليه من أحكامها, وقد جعلناه بيانًا للذين يخافون الله وزاجرًا لهم عن ارتكاب المحرَّمات. وليحكم أهل الإنجيل الذين أُرسِل إليهم عيسى بما أنزل الله فيه. ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الخارجون عن أمره, العاصون له. وأنزلنا إليك -أيها الرسول- القرآن, وكل ما فيه حقّ يشهد على صدق الكتب قبله, وأنها من عند الله, مصدقًا لما فيها من صحة، ومبيِّنًا لما فيها من تحريف، ناسخًا لبعض شرائعها, فاحكم بين المحتكمين إليك من اليهود بما أنزل الله إليك في هذا القرآن, ولا تنصرف عن الحق الذي أمرك الله به إلى أهوائهم وما اعتادوه, فقد جعلنا لكل أمة شريعة, وطريقة واضحة يعملون بها. ولو شاء الله لجعل شرائعكم واحدة, ولكنه تعالى خالف بينها ليختبركم, فيظهر المطيع من العاصي, فسارعوا إلى ما هو خير لكم في الدارين بالعمل بما في القرآن, فإن مصيركم إلى الله, فيخبركم بما كنتم فيه تختلفون, ويجزي كلا بعمله.
تفسير البيضاوي للآيات ﴿وَقَفَّيْنَا على ءاثارهم ﴾ أي وأتبعناهم على آثارهم ، فحذف المفعول لدلالة الجار والمجرور عليه ، والضمير للنبيون ﴿ بِعَيسَى ابن مَرْيَمَ ﴾ مفعول ثان عدي إليه الفعل بالباء ﴿ مُصَدّقاً لّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التوراة وءاتيناه الإنجيل﴾ وقرىء بفتح الهمزة﴿ فِيهِ هُدًى وَنُورٌ﴾ في موضع النصب بالحال ﴿ وَمُصَدّقاً لّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التوراة﴾ عطف عليه وكذا قوله﴿ وَهُدًى وَمَوْعِظَةً لّلْمُتَّقِينَ ﴾ ويجوز نصبهما على المفعول له عطفاً على محذوف أو تعلقاً به وعطف ﴿ وَلْيَحْكُمْ أَهْلُ الإنجيل بِمَا أَنزَلَ الله فِيهِ ﴾عليه» في قراءة حمزة ، وعلى الأول اللام متعلقة بمحذوف أي وآتيناه ليحكم ، وقرىء : «وأن ليحكم» على أَنَّ أَنْ موصولة بالأمر كقولك : أمرتك بأن قم أي وأمرنا بأن ليحكم ﴿ وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ الله فأولئك هُمُ الفاسقون﴾ عن حكمه ، أو عن الإِيمان إن كان مستهيناً به ، والآية تدل على أن الإِنجيل مشتمل على الأحكام وأن اليهودية منسوخة ببعثة عيسى عليه الصلاة والسلام ، وأنه كان مستقلاً بالشرع وحملها على وليحكموا بما أنزل الله فيه من إيجاب العمل بأحكام التوراة خلاف الظاهر.﴿ وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الكتاب بالحق ﴾ أي القرآن ﴿ مُصَدِّقاً لّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الكتاب﴾ من جنس الكتب المنزلة ، فاللام الأولى للعهد والثانية للجنس﴿وَمُهَيْمِناً عَلَيْهِ﴾ ورقيباً على سائر الكتب يحفظه عن التغيير ويشهد له بالصحة والثبات ، وقرىء على بنية المفعول أي هومن عليه وحوفظ من التحريف والحافظ له هو الله سبحانه وتعالى ، أو الحفاظ في كل عصر ﴿ فاحكم بَيْنَهُم بِمَا أَنزَلَ الله﴾ أي بما أنزل الله إليك ﴿ وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ عَمَّا جَاءكَ مِنَ الحق﴾ بالانحراف عنه إلى ما يشتهونه فعن صلة للاتتبع لتضمنه معنى لا تنحرف ، أو حال من فاعله أي لا تتبع أهواءهم مائلاً عما جاءك ﴿لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنكُمْ﴾ أيها الناس ﴿شِرْعَةً﴾ شريعة وهي الطريق إلى الماء شبه بها الدين لأنه طريق إلى ما هو سبب الحياة الأبدية .
تخبر الأيات عن أحداث متسلسلة زمنيا نعرضها كما يلي: 1 / حرف اليهود التوراة وانحرفوا عن الطريق المستقيم. 1 / مبعث سيدنا عيسى عليه السلام وتكريم الله له بالإنجيل وضرورة العمل بما جاء فيه بالنسبة لليهود. 2 / مرور الزمان ومبعث محمد صلى الله عليه وسلم وتشريف الله له بالقرآن وضرورة العمل به بالنسبة لمن بلغه الإسلام. كما هيمن الإنجيل على التوراة هيمن القرآن على الإنجيل والتوراة وكما نسخت شريعة عيسى عليه السلام شريعة موسى عليه السلام فقد نسخ الإسلام كل الشرائع التي قبله. ومن الطبيعي أن يصف الله كتابه الذي أنزله بالهدى والنور لأنه من عند الله تعالى وكل الكتب السماوية السالمة من التحريف تدخل في تلك الصفة ولم يسلم من التحريف سوى القرآن.
خامساً: أقرَّ الإسلام بحقيقة تعاليم المسيحية، وحضَّ على الإيمان بها، فقد جاء في العنكبوت 29: 46وَلاَ تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلاَّ بِالّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلاَّ الّذينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ وَقُولُوا آمَنَّا بِالّذي أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَأُنْزِلَ إِلَيْكُمْ وَإِلَهُنَا وَإِلَهُكُمْ وَاحِدٌ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ . |
لقد أصبح القمص مفسرا. فهو يأتي بالتفسير من عند نفسه وهذا حيف كبير. يقول تعالى :﴿ وَلَا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ وَقُولُوا آمَنَّا بِالَّذِي أُنزِلَ إِلَيْنَا وَأُنزِلَ إِلَيْكُمْ وَإِلَهُنَا وَإِلَهُكُمْ وَاحِدٌ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ﴾ العنكبوت46
التفسير الميسر : ولا تجادلوا -أيها المؤمنون- اليهودَ والنصارى إلا بالأسلوب الحسن, والقول الجميل, والدعوة إلى الحق بأيسر طريق موصل لذلك, إلا الذين حادوا عن وجه الحق وعاندوا وكابروا وأعلنوا الحرب عليكم فجالدوهم بالسيف حتى يؤمنوا, أو يعطوا الجزية عن يدٍ وهم صاغرون, وقولوا: آمنا بالقرآن الذي أُنزل إلينا, وآمنا بالتوراة والإنجيل اللذَيْن أُنزلا إليكم, وإلهنا وإلهكم واحد لا شريك له في ألوهيته, ولا في ربوبيته, ولا في أسمائه وصفاته, ونحن له خاضعون متذللون بالطاعة فيما أمرنا به, ونهانا عنه.
تفسير البيضاوي ﴿وَلاَ تجادلوا أَهْلَ الكتاب إِلاَّ بالتي هِىَ أَحْسَنُ﴾ إلا بالخصلة التي هي أحسن كعارضة الخشونة باللين والغضب بالكظم والمشاغبة بالنصح ، وقيل هو منسوخ بآية السيف إذ لا مجادلة أشد منه وجوابه أنه آخر الدواء ، وقيل المراد به ذو العهد منهم﴿إِلاَّ الذين ظَلَمُواْ مِنْهُمْ ﴾ بالإِفراط في الاعتداء والعناد أو بإثبات الولد وقولهم﴿ يَدُ الله مَغْلُولَةٌ﴾ أو بنبذ العهد ومنع الجزية ﴿ وَقُولُواْ ءَامَنَّا بالذي أُنزِلَ إِلَيْنَا وَأُنزِلَ إِلَيْكُمْ ﴾ هو من المجادلة بالتي هي أحسن . وعن النبي صلى الله عليه وسلم « لا تصدقوا أهل الكتاب ولا تكذبوهم وقولوا آمنا بالله وبكتبه ورسله فإن قالوا باطلاً لم تصدقوهم وإن قالوا حقاً لم تكذبوهم ﴿ وإلهنا وإلهكم وَاحِدٌ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ ﴾ مطيعون له خاصة وفيه تعريض باتخاذهم أحبارهم ورهبانهم أرباباً من دون الله .
التفسير يحمل جواب الشبهة.
سادساً: دعا إلى الإيمان بالتعاليم الواردة في التوراة والإنجيل، فقد جاء في النساء 4: 136يَا أَيُّهَا الّذينَ آمَنُوا آمِنُوا بِاللّهِ وَرَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الّذي نَزَّلَ عَلَى رَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الّذي أَنْزَلَ مِنْ قَبْلُ وَمَنْ يَكْفُرْ بِاللّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَقَدْ ضَلّ ضَلَالاً بَعِيداً وأيضاً آل عمران 3: 84: قُلْ آمَنَّا بِاللّهِ وَمَا أُنْزِلَ عَلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَالنَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ , |
والرد على ذلك.
· الآيات لا تأمرنا بأن نؤمن بما بين أيدي اليهود والنصارى من كتب ولكنها تأمرنا بأن نعتقد بأن الله تعالى أرسل رسلا قبل حبيبنا صلى الله عليه وسلم وأعطاهم كتبا فيها هدى ونور. والتفسير بوضح الأمر
التفسير الميسر : يا أيها الذين صدَّقوا الله ورسوله وعملوا بشرعه داوموا على ما أنتم عليه من التصديق الجازم بالله تعالى وبرسوله محمد صلى الله عليه وسلم, ومن طاعتهما, وبالقرآن الذي نزله عليه, وبجميع الكتب التي أنزلها الله على الرسل. ومن يكفر بالله تعالى, وملائكته المكرمين, وكتبه التي أنزلها لهداية خلقه, ورسله الذين اصطفاهم لتبليغ رسالته, واليوم الآخر الذي يقوم الناس فيه بعد موتهم للعرض والحساب, فقد خرج من الدين, وبَعُدَ بعدًا كبيرًا عن طريق الحق.
تفسير البيضاوي﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ﴾ خطاب للمسلمين ، أو للمنافقين ، أو لمؤمني أهل الكتاب إذ روي : أن ابن سلام وأصحابه قالوا يا رسول الله : إنا نؤمن بك وبكتابك وبموسى والتوراة وعزير ونكفر بما سواه . فنزلت ﴿آمِنُوا بالله وَرَسُولِهِ والكتاب الذي نَزَّلَ على رَسُولِهِ والكتاب الذى أَنَزلَ مِن قَبْلُ ﴾ اثبتوا على الإِيمان بذلك وداوموا عليه ، أو آمنوا به بقلوبكم كما آمنتم بألسنتكم ، أو آمنوا إيماناً عاماً يعم الكتب والرسل ، فإن الإِيمان بالبعض كلا إيمان والكتاب الأول القرآن والثاني الجنس . وقرأ نافع والكوفيون﴿الذي نَزَّلَ ﴾ و﴿الذي أَنزَلَ ﴾ بفتح النون والهمزة والزاي ، والباقون بضم النون والهمزة وكسر الزاي ﴿وَمَن يَكْفُرْ بالله وَمَلَئِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ واليوم الآخر ﴾ أي ومن يكفر بشيء من ذلك ﴿ فَقَدْ ضَلَّ ضلالا بَعِيداً ﴾ عن المقصد بحيث لا يكاد يعود إلى طريقه . يقول الله تعالى
﴿قُلْ آمَنَّا بِاللّهِ وَمَا أُنزِلَ عَلَيْنَا وَمَا أُنزِلَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَالنَّبِيُّونَ مِن رَّبِّهِمْ لاَ نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ ﴾ آل عمران84
التفسير الميسر : قل لهم -أيها الرسول- : صدَّقنا بالله وأطعنا, فلا رب لنا غيره, ولا معبود لنا سواه, وآمنَّا بالوحي الذي أنزله الله علينا, والذي أنزله على إبراهيم خليل الله, وابنيه إسماعبل وإسحاق, وابن ابنه يعقوب بن إسحاق, والذي أنزله على الأسباط -وهم الأنبياء الذين كانوا في قبائل بني إسرائيل الاثنتي عشرة مِن ولد يعقوب- وما أوتي موسى وعيسى من التوراة والإنجيل, وما أنزله الله على أنبيائه, نؤمن بذلك كله, ولا نفرق بين أحد منهم, ونحن لله وحده منقادون بالطاعة, مُقِرُّون له بالربوبية والألوهية والعبادة.
تفسير البيضاوي﴿قُلْ ءامَنَّا بالله وَمَا أُنزِلَ عَلَيْنَا وَمَا أُنزِلَ على إبراهيم وإسماعيل وإسحاق وَيَعْقُوبَ والأسباط وَمَا أُوتِيَ موسى وعيسى والنبيون مِن رَّبّهِمْ ﴾ أمر للرسول صلى الله عليه وسلم بأن يخبر عن نفسه ومتابعيه بالإِيمان ، والقرآن كما هو منزل عليه بتوسط تبليغه إليهم وأيضاً المنسوب إلى واحد من الجمع قد ينسب إليهم ، أو بأن يتكلم عن نفسه على طريقة الملوك إجلالاً له ، والنزول كما يعدى بإلى لأنه ينتهي إلى الرسل يعدى بعلى لأنه من فوق ، وإنما قدم المنزل عليه السلام على المنزل على سائر الرسل لأنه المعرف له والعيار عليه﴿لاَ نُفَرّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مّنْهُمْ ﴾ بالتصديق والتكذيب﴿وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ ﴾ منقادون أو مخلصون في عبادته .
نتبين بعد الرد على الباب الأول من كتاب القمص إبراهيم لوقا أن هذا القمص لم يأت بجديد في ميدانه ولم يفلح في هضم القديم بل ولم يحسن سبك حيله فلو اطلع المسيحيون على كتابه لناله منهم لوم كبير. المصدر الرد علي كتاب المسيحية في الإسلام لقمص إبراهيم لوقا |