فريتيوف شوْوُن
ترجمة:
نهاد خياطة
مراجعة: ديمتري
أفييرينوس
المسيحية والبوذية
تُبديان عن أوْجُه شَبَهٍ شديدة من بعض النواحي، بمقدار ما تُبديان عن أوْجُه
اختلاف من نواحٍ أخرى – إلى حدٍّ أتاح للبعض وصف البوذية بـ"ديانة ملحدة": تعريف
سخيف، لكنْ يفهمه من جعلوا الله فكرة مُؤنْسَنَة على نحو شبه حصري. وفي الحقيقة،
نجد الألوهة مجسَّدة في البوذا، مثلما نجدها في شخص المسيح. وهما تبدوان، إحداهما
كما الأخرى، تحت مظهر فوقبشري، بيِّن، مفارق، إلهي. إنَّ مملكة البوذا، مثلما هي
مملكة المسيح، "ليست من هذا العالم"[1]. وخلافًا لما كان عليه
الـأفاتارا[2] الآخرون، لم يكن المسيح ولا البوذا
مشرِّعين ولا محاربين، بل داعيتان جوَّالان. كان المسيح يختلف إلى "الصيادين"، وكان
البوذا يغشى "الملوك"، وكانا يفعلان ذلك في بلاد الغربة، ولا يختلطان عضويًّا بحياة
الناس. وتتصف تعاليم كلٍّ منهما بالزهد والرهبنة والتنسك، وهي، بمعنى ما، غير
اجتماعية asocial – إلا إذا
استثنينا المحبة charité التي تبدو هنا
تحلُّ محلَّ الشريعة، لكنْ لا يمكن لها عمليًّا أن تعوِّض عن تشريع بالمعنى المخصوص
للكلمة. بكلمة واحدة، لا تلحظ هاتان العقيدتان أبدًا هذا العالم الدنيوي، الذي
يمكنه أن يكون سندًا إيجابيًّا للطريق الروحي، بل تنبذانه باعتباره عقبة في هذا
الطريق. أي أنهما لا تلحظانه من حيث علاقة رمزيته التي تربط كلَّ شيء، جوهريًّا أو
نوعيًّا أو عموديًّا، بالنموذج الأول الإلهي، بل حصرًا من حيث علاقة صفته كتجلٍّ
وخلق، وبالتالي صفته اللاإلهية، صفة النقص والفساد والألم والموت.
وهناك وجه شبه
بيِّن آخر: كلٌّ من الديانتين نجمت عن ديانة أخرى أبطلتْها لحساب نفسها، وسوف تبدو
بالتالي "زندقة" بالنسبة إلى الديانة الأصلية التي صدرتْ عنها[3]؛ لكن هذا
لا يمنع أن تكون كلُّ منهما مستقيمة من وجهة نظر حقيقتها الجَوَّانية. بالنسبة
للمسيحية، مثلما هو الحال بالنسبة للبوذية، تقوم الديانة السابقة بوظيفة "الحرف
الميت" – من هنا جاء في الأولى رفضُ الشريعة الموسوية، وفي الثانية نبذُ
الفيدا[4]. والصفة الذاتية التي اتَّسم بها هذا
النفي وذاك تجد تفسيرها في المناسبة البيِّنة والضرورية لكلِّ منظور مُسارَريٍّ
تخصيصًا، ومنهجي قبل كلِّ شيء. في المسيحية كان النفي ذا طابع صوفي، بينما ارتدى في
البوذية مظهرًا عقليًّا rationnelle؛ لكن هذا لا
ينطوي بأيِّ حال على أدنى جانب عقلاني rationaliste، بل، على
العكس، يحمل، على طريقته، علامة العفوية واستقلال العقل intellect بالنسبة إلى
الصور؛ الـأفاتارا الجديد [البوذا]، دون أن يمضي من غير أن تلمحه
الحضارة–الأم، ترك فيها أثرًا عميقًا، لكنه خارجي نوعًا ما. أما في الحضارة
اليهودية، فكانت البصمة التي تركها المسيح هامة بصفة خاصة، لأن اليهودية فقدتْ من
بعدُ مركزَها، وبالتالي جانبًا أساسيًّا من تماسكها. كذلك كان مجيء البوذا
منعطفًا في تاريخ الحضارة الهندوسية، على الرغم من أنه لم يكن أبدًا على حساب
الاستمرارية النقلية أو الروحية.
لكن وجه الشبه
الأعمق بين هاتين الصورتين من الوحي الشمولي يكمن في أنهما تمتلكان كلتاهما – من
حيث المبدأ وعلى وجه الإجمال – صفة مُسارَريَّة initiatique كجزء لا يتجزأ
منهما، وليس ظاهرية–باطنية بَدَريًّا a priori ، كما هو الحال في اليهودية والإسلام؛ لكن مع ذلك، في شيء من
التناقض الذي قد يبدو، لأول وهلة، أن في هذه الصفة المشتركة يكمن أيضًا التبايُن
الأكبر بين الديانتين المسيحية والبوذية[5] – بمعنى أنه إنْ كانت طبيعتهما
الجَوَّانية متشابهتين من حيث الخاصية التي لحظناها فيما تقدَّم، فإن الآثار
البرَّانية لهذه الطبيعة تختلف اختلافًا كبيرًا، بمثل ما تختلف الحلولُ للمشكلة
نفسها تبعًا لاختلاف الظروف. تكمن المشكلة هنا في أن البوذية والمسيحية، من حيث إن
كلاً منهما ديانة مُسارَريَّة، يتعيَّن عليها ألا تواجه الاحتياجات الروحية للنخبة
وحسب، وإنما الاحتياجات الكثيرة التي تتطلَّبها جماعةٌ بشرية برمَّتها، وبالتالي
مجتمعٌ يتألف من الروحيين ومن أكثر الاستعدادات تفاوتًا.[6] إنْ كان في
هذا تناقض فهو أمر لا مناص منه، وهو ما يكوِّن خصوصية هاتين الديانتين تحديدًا.
وهذا يرتِّب عليهما أن تكيِّفا كلتاهما صفتَها القائمة على سلوك الطريق الروحي مع
متطلَّبات يفرضها التوازنُ في الجماعة: المسيحية، من جانبها، لم تستطع أن تفعل
شيئًا سوى أن تحجب الصفة الباطنية التي تتصف بها عقائدُها الدغماتية وأسرارُها
بإعلان هذه العقائد والأسرار "أمورًا لا يُسبَر غورُها"، مُضْفيةً عليها صفة
"الأسرار" Mystères. لكن المشكلة
لم تُحَلَّ إلا في الظاهر، إذ لم تفعل شيئًا سوى تقليص حدودها. وكان لا بدَّ لرَجْع
"الخنازير" و"الكلاب"[7] من أن يُنتِج، عاجلاً أو آجلاً، "الحكمة
بحسب الجسد"، التي انتهت إلى الاستيلاء على كلِّ شيء والظفر في هيئة هذه الوثنية
التي أُسمِيَتْ "عصر النهضة"، لكي تؤدي، عبر سلسلة من أعمال التخريب الثانوي، إلى
النفي النهائي لكلِّ "سر".[8] أما البوذية فقد استطاعت أن تتجنب مثل
هذا المصير بفضل المظهر العقلي – وغير الصوفي – الذي اتصفتْ به عقيدتُها. لقد كان
هذا المظهر مناسبًا لكي يُحيِّد، بَدَريًّا،
وبنوعٍ ما في الصميم، هذا الرَّجْعَ الذي كان من الممكن أن يحدث لولا هذه الحيطة،
بالنظر إلى أن البوذية لا تمتلك وجهًا ظاهرًا بالمعنى المخصوص للكلمة. قلنا "مظهر
عقلي"، ذلك أن المحاكمة العقلية البوذية هي بالضبط مثل "السرِّ المسيحي": ليست
بحدِّ ذاتها من قبيل الصياغة العقلية، بل هي رمز هدفه تحريض حكمة "بحسب الروح". مثل
هذه الحكمة لا تخضع أبدًا لطوارئ الذهن البشري، بل تتجاوزها إلى المطلق الممتلئ
بالحقيقة الصافية.
قلنا إن
المسيحية والبوذية اضطرتا إلى رفض الديانتين اللتين انبثقتا عنهما، لكنهما جعلتا
الوديعة الروحية التي فيهما في متناول الكثير من الأقوام الأجنبية، وهذا بفضل هذا
الرفض نفسه – إنْ كان لنا أن نعبِّر على هذا النحو الذي ينطوي على شيء من التناقض.
إن الذي أقفل باب التوحيد على البشرية غير اليهودية – لن نتكلَّم إلا على البشرية
التي كان مقدَّرًا لها أن تتخذ من التوحيد عقيدة لها – إنما هو الشريعة
المقدسة التي، إذا أُعِدَّتْ حسب حاجات الشعب اليهودي، تفقد سبب وجودها في أوساط
عرقية أخرى، ولا يمكنها لهذا السبب تحريك عربة التوحيد الشمولي. والحال أنه لا
التوحيد ولا المسيائية ["المخلِّصية"] تستطيعان أن تبقيا مرتبطتين بشعب واحد هو شعب
إسرائيل.[9] كذلك لا فكرة التحرر بواسطة العرفان،
ولا فكرة التناسخ التي هي ضمان لها، يمكنهما أن تبقيا حُكْرًا على العالم الهندوسي
وحده، لأنهما كانتا تستجيبان لاحتياجات أقوام غريبة عن الهند؛ وكانت هذه الأقوام،
في المقابل، لا حاجة لها إلى نظام الطبقات الذي يتفق مع شروط خاصة بالبشرية
الهندوسية.[10] فقد كان هذا النظام غير مفيد لدى
الشعوب الصفراء وغير قابل للتطبيق لديها، بل وحتى كان أمرًا فائضًا عن الحاجة لدى
الجماعة البوذية البدائية نفسها التي كانت صفتها المميزة مُسارَريَّة وليست
اجتماعية.
قد يقول معترض
إن هذه الوظيفة التي نقلتْ من الخصوصية إلى الشمولية فكرةً كانت، حتى حينها، محصورة
في قالب غير قابل للامتداد، لا تقتصر على البوذية والمسيحية، بل تنطبق بصفة خاصة
على الإسلام أيضًا. رغم أن الحالة هنا مختلفة، لأنه إنْ كان صحيحًا أن الإسلام أخرج
إلى العالمية فكرةً ما كانت لِتَعْرِفَ بدون تدخُّله ذلك الاتساعَ الذي هو في
مقدورها،
إلا أنه، في
المقابل، لم يطرح نفسه أبدًا خلاصةً مُسارَريَّة عن الأديان التي تجمعها به صلة
قربى، بل كان بالأحرى جَمْعًا synthèse
ظاهريًّا–باطنيًّا، أو نوعًا من "إبراهيمية مسيحية"، إنْ صحَّ التعبير. يتميز
الإسلام، بالتالي، عن المسيحية والبوذية – عدا الفروق الأخرى التي لا مجال للتعرض
لها هنا – بأنه يتمتع بظاهرية موحى بها بهذه الصفة، وليس بظاهرية تكيَّفتْ لاحقًا.
ثم إنه يتميز أيضًا بأنه أُوحِيَ به بالتوازي مع الصيغ التي ركَّبها أو أدْمَجَها
على طريقته، وليس خارج هذه الصيغ، كما هو الحال في المسيحية والبوذية اللتين كان
مؤسَّساهما يهوديًّا وهندوسيًّا، على التعاقب.
يقودنا هذا
إلى الكشف عن وجه شبه آخر، وهو أن المسيحية والبوذية ليست لهما لغة مقدسة، وبالتالي
وحيدة؛ وهو ما يترتب أيضًا على الصفة الخصوصية والاستثنائية، نوعًا ما، التي تتصف
بهما هاتان الديانتان. في الحقيقة، هما تقومان على كتاب موحى أقل بكثير مما تقومان
على حال أو نموذج أكثر مباشرة أو أكثر ملموسية أو أكثر حسِّية: جسد الإنسان–الإله
الذي يتيح مشاركة جوهرية في الكلمة، إنْ صحَّ التعبير. هذا الجسد المقدس
اتخذ له في المسيحية شكل الإفخاريستيا [سر الشكر أو "المناولة"]؛ وفي البوذية اتخذ
له الصورة السرِّية للمغبوطين، وهي الصورة المستمدة من ظلِّ البوذا نفسه،[11] الذي تركها "ذكرى" لذرِّيته الروحية،[12] وبالتالي سببًا للُّطف [= النعمة].
ويقال إن المظهر الجسماني للبوذا هو تعليم له قوة العقيدة نفسها.[13]
إن هذا يفسِّر
لنا الموقع المركزي الذي تحتله الصورة المقدسة في النظام البوذي. ومشاهدة صورة
البوذا الموحاة هي، في الحقيقة، مثل المشاركة المسيحية (الإفخارستيا)، امتصاص الجسد
المقدس، جسد الله المتجلِّي.[14] يجب ألا نتوقف، طبعًا، عند وجه الشبه
الشديد بين هذه الصورة والإفخاريستيا، لأن وجهتي النظر تبقيان، رغم
كلِّ شيء، مختلفتين جدًّا، من حيث إن جانب الحضور في الإفخاريستيا يتغلَّب على جانب
الرمز، بينما في صورة البوذا يتم إيصال الحضور الحقيقي جوهريًّا عبر الصيغة
الرمزية. لكنْ، لنعد إلى اللغة الليتورجية لدى الديانتين: الذي يهم، تقريبًا على
وجه الحصر، في النصوص البوذية والمسيحية، إنما هو معنى النصِّ، لا اللغة التي
تُترجِم عنه، من حيث إن اللغة ليست هي التي تشكل "المادية المقدسة" matérialité sacrée
للـوحي. لكن الدور الذي تلعبه في المسيحية "هبةُ اللغات" تسمح لنا أن
نتبيَّن اختلاف اللغات الليتورجية التي تؤكدها الكتابات الثلاث على الصليب – وكانت
باللغات العبرية واليونانية واللاتينية – وما تنطوي عليه من معنى إيجابي في دلالته
على شمولية الميثاق أو العهد الجديد. في جميع الصيغ النقلية الأخرى، ما عدا
البوذية، نجد، في المقابل، أن لغة الوحي لهي بمثابة الجسد المقدس للـكلمة
الإلهية Parole
divine؛ فهي، بالتالي، "جسد البوذا"، مثلما هي "الكلمة الذي صار جسدًا"[15]. ولئن كان كتابٌ كالقرآن لا يُقرَأ
بلغة غير لغة الوحي، لقد كان ذلك لسبب مماثل للسبب الذي يمنع أن تُصنَع موادُ
الإفخاريستيا [الخبز والخمر] من مواد غير التي تُعِدُّها الكنيسة، أو تُصنَع صورُ
البوذا السرِّية على خلاف القواعد التي وضعها النقل.
الهبات الأربع
التي خلَّفها البوذا لأتباعه هي: عقيدة الخلاص، الرمز المرْئي للمغبوطين، قوته
الروحية أو بركته، الحاضرة أبدًا، ثم اسمه المخلِّص. وإننا لسوف نعود فنجد هذه
الهبات لدى المسيح تحت الصيغ التالية: عقيدة الفداء والمحبة، الإفخارستيا،
الفارقليط ["المعزِّي"، الروح القدس]، ثم الاسم المخلِّص، وهو اسم يسوع، كما
يتوجَّه إليه بالدعاء مذهبُ "السكينية"[16] hésychasme. هذه الهبات
الأربع تصدر، بحسب التعليم البوذي، عن "جميع البوذاوات"، ويجب أن يعودوا فيجدوها
تحت صيغ مناسبة لدى جميع رسل الله.
ختامًا، نوجز
وظيفة البوذية والمسيحية أو دورهما بالعبارات التالية: لقد تعيَّن على كلتا
الديانتين أن تنبذ ظاهريًّا الصيغة التي انبثقت عنها من حيث التعبير الصوري أو
الشكلي، لا من حيث الوحي.[17] كلتاهما ترى نفسها أنها الجوهر الروحي
أو المُسارَريَّ تخصيصًا للديانة التي سبقتْها، التي أصبحت نوعًا حَرْفانية أو
فرِّيسانية[18]، على الأقل بصفة عابرة، ولكنها تظل
إلهية. أخيرًا، كلتاهما كيَّفتْ الجوهر المذكور وفق احتياجات الوجود المستقل،
وبالتالي الاكتمالي، بما يتيح للكنوز الروحية اتساعًا وإشعاعًا يتجاوز كثيرًا من
الإطارات البدائية.
_____________________________________________________________
[1] إشارة إلى
قول المسيح لبلاطُس في إنجيل يوحنا 18: 36. (المحرِّر)
[2] أفاتارا مصطلح سنسكريتي يتضمن معنى
"النزول" ويشير إلى التجسُّدات الإلهية "النازلة" إلى العالم، إعادةً للتوازن
الكوني إلى نصابه كلما اختلَّ؛ ونذكِّر هنا بأن "التنزيل" هو من أسماء الوحي
(المحرِّر). نذكر، بهذه
المناسبة، شري راما وشري كرشنا: فالاثنان محاربان كبيران، عاشا خارجيًّا حياة هذا
العالم. وفي العالم الإسلامي نذكر إبراهيم وموسى ومحمدًا. شمولية القداسة تنطوي على
أن في إمكانها أن ترتدي من الأنماط أكثرها تباينًا.
[3] شنكرا الأكبر
لا يرى في البوذية غير جانبها المخالِف ظاهريًّا. فبوصفه ناطقًا باسم العناية
الإلهية وصاحب وحي في الهندوسية، لم يكن عليه أبدًا أن يأخذ في حسبانه الاستقامة
الباطنية لعقيدة لم تكن له بها حاجة أبدًا، ولا العقيدة الهندوسية نفسها. بصفة
عامة، من غير المنطقي دائمًا أن يُطلَب من مرجعية نقلية معرفة علمية موضوعية عن
ديانة غريبة، من حيث إن هذه لا ترتدي، في هذه الحالة، سوى قيمة رمزية؛ لذلك كان
أمرًا مشروعًا أن نعطي الحقَّ لشنكرا في موقفه من البوذية في نفس الوقت الذي نسلِّم
فيه بصحتها.
[4] أسفار الحكمة
في الهندوسية. (المحرِّر)
[5] نستثني هنا
التباين العقائدي الذي ينجم عن المفهومات المختلفة حول "المطلق"، الذي تفهمه
المسيحية "كائنًا"، والبوذية "حالة". هذان الاصطلاحان ليس لهما هنا – وهذا بيِّن
بذاته – سوى معنى وقتي تمامًا. ذلك أن الله – بالمعنى سلب الصفات عنه – هو وراء
"الكائن"، والـبَرينرفانا لا يعود له معنى "الحالة"، من حيث إنه لا تعود
توجد له حالة فردية.
[6] وإنه لهذا
السبب كان بوسع البوذا أن يقول: "ثلاثة تضيء علنًا، الشمس والقمر وعقيدة الكامل."
هذه الكلمة ترجع أيضًا إلى الصياغة العقلية التي تكلَّمنا عنها في أعلاه.
[7] إشارة إلى
"البرَّانيين"، الدنيويين، الذين لا يجوز لهم الاطلاع على "الأسرار"، بحسب ما جاء
في قول المسيح في إنجيل متى 7: 6: "لا تعطوا الكلاب ما هو مقدس، ولا تلقوا
لؤلؤكم إلى الخنازير، لئلا تدوسه بأرجلها، ثم ترتدَّ إليكم فتمزقكم."
(المحرِّر)
[8] ثمة تصور
مسبَّق (نبوءة) عن مصير المسيحية يتمثل في إعطاء المسيح نفسه إلى يهوذا قطعة الخبز
التي عيَّنتْ مَن هو الخائن. فهذه تشير إلى الصفة الضرورية والإلهية لما قد يظهر في
المسيحية من عجز عَرَضي.
[9] نعلم ما قاله
القديس بولس عن الختان "في الروح" الذي عارض به الختان "في الجسد". إن نبذ البوذا
للطبقات "في الجسد" والاستعاضة عنها بالطبقات "في الروح" ليس له غير هذا المعنى.
كذلك استعاض الإسلام عن "معمودية البشر" بـ"معمودية الله" [صبغة الله]. وغالبًا ما
يتخذ المخالِفون موقفًا مماثلاً، تعويضًا أو نفاقًا، لكنْ دون أن يستطيعوا تبريره
بالاعتماد على حقيقة أو قوة روحية أو جَوَّانية. والواقع أن الزندقات تعتمد دائمًا
اعتمادًا سلبيًّا على الحقائق التي تتنكَّر لها. الخطأ ليس إلا ظلاً، والظلُّ ليس
له وجود مستقل.
[10] وُجِدَتْ
حضارات أخرى كان لها نظام طبقات، لكن لا يعنينا هنا سوى طبقات الهندوسية.
[11] الـتشِـتْـرالاكْشانا، وهو قانون فنِّ
التصوير الهندتيبتي، يُرجِع أصل الرسم إلى البوذا؛ وهذا له مغزى عميق. نتذكر هنا أن
الفنَّ المقدس في المسيحية، فنَّ الأيقونات، يرجع إلى القديس لوقا وإلى الملائكة.
والعقيدة البوذية تتكلَّم هنا أيضًا عن تمثال من خشب الصندل أمَرَ الملك براسناجيت
الشراواستي (أو أودايانا الكوشامبي) بصنعه عندما كان البوذا حيًّا يُرزَق، وهو ذلك
التمثال الذي قد تكون التماثيل الإغريقية، أعني تماثيل غهندارا، نسخًا سطحية
ومتدنِّية عنه. مهما يكن من أمر، فإن المصدر الروحي للتماثيل الأسرارية التي تمثل
المغبوطين هو نفسه مصدر الرسوم الزيتية. وعلى كلِّ حال، إن القوة الرمزية للصور
ولأجزاء من النحت البوذي المقدس تستبعد فرضية أصل إغريقي لهذا الفن، رغم أنه ليس من
المستحيل أن يكون الإغريق قد زوَّدوه ببعض العناصر الصورية الثانوية.
[12] نذكر هنا
كلمات المسيح في أثناء تأسيسه لسرِّ الإفخارستيا: "اذهبوا واصنعوا هذا لذكري"
[إنجيل لوقا 22: 20]. وفي التصوف الإسلامي، يُسمَّى التوسل "الإفخارستي" باسم من
أسماء الله، بأية صيغة كان، "ذِكرًا". وفي البوذية، أيضًا، التوسل بالبوذا يُسمَّى
"تذكر البوذا" (بوذا نُسْمريتي).
[13] تاو–تش أو،
في كتابه المُعَنْون إن–لي–تسُه ("كتاب السلام والسعادة")، وهو أحد المصادر
الرئيسية لعقيدة "الأرض الطاهرة"، يقول في أحد الفصول: "جميع البوذاوات يخلِّصون
الكائنات بأربع طرق: 1. بتلقين البوذية شفويًّا كما انتقلت إلينا شفويًّا في
المقولات الاثنتي عشرة من الأسفار البوذية؛ 2. بقَسَماتهم الجسمانية ذات الجمال
الفائق الطبيعة؛ 3. بقدراتهم العجيبة وفضائلهم وتحويلاتهم؛ 4. بأسمائهم عندما تنطق
بها الكائنات."
[14] الـ
دَرْشَن الهندوسي – مشاهدة الشخوص المقدسة – هو من نفس الصعيد.
[15] إنجيل يوحنا
1: 14. (المحرِّر)
[16] منهج روحي
يقع في القلب من الرياضات الروحية للرهبنات الباطنية الأرثوذكسية، قوامه "ذكر" اسم
يسوع على إيقاع القلب والتنفس، مازال يمارسه رهبان جبل آثوس في اليونان.
(المحرِّر)
[17] الوحي لا
يأتي، بهذه الصفة، إلا من الله: ومع ذلك، كما أن الإنسان، مع أنه ليس من خلق أبويه،
يستعير منهما العناصر المكوِّنة لهيئته الأرضية، كذلك الدين، مع أنه ليس أبدًا من
خلق المحيط البشري، ينبغي له، مع ذلك، أن يستعير من هذه الطبيعة عناصر معينة من
الصعيد الصُّوري.
[18] إشارة إلى
مذهب فقهاء الشريعة اليهودية من "الفريسيين" الذين كان همُّهم العمل بظاهر الشريعة
وحرفها قبل باطنها وروحها؛ وهؤلاء هم الذين "انقلب" عليهم يسوع.
(المحرِّر)