السلا معليكم ورحمة الله وبركاته:
قال المسيح عليه السلام لم يدع ألوهية نفسه قط، بل إنه يبرأ يوم القيامة من كل المشركين الزاعمين ألوهيته، وذلك حين يسأله الله على رؤوس الأشهاد:
{أأنت قلت للناس اتخذوني وأمي إلهين من دون الله قال سبحانك ما يكون لي أن أقول ما ليس لي بحق إن كنت قلته فقد علمته تعلم ما في نفسي ولا أعلم ما في نفسك إنك أنت علام الغيوب - ما قلت لهم إلا ما أمرتني به أن اعبدوا الله ربي وربكم} (المائدة: 116 - 117)، فتنكس الرؤوس حينئذ ولا تنفع الحسرات، ولا تنقطع التأوهات.
هذه هي الحقيقة فحسب، وما لذا فإن مذاهب النصارى فيه زور وافتراء :
{ذلك عيسى ابن مريم قول الحق الذي فيه يمترون} (مريم: 34)،
عقائد الفرق النصرانية المعاصرة
تجمع الفرق النصرانية المثلثة اليوم على القول بأن الله إله واحد في جوهره، لكنه مثلث من جهة أقانيمه، وتجمع أيضاً على أن أول هذه الأقانيم هو الآب، وثانيها هو الابن (الكلمة)، وثالثها هو روح القدس. وتعتقد أن الثلاثة إله واحد.
لكن هذه الفرق تختلف اختلافاً بيناً في تحديد طبيعة المسيح، فلقد صدر عن مجمع نيقية تأليهه، ثم حار النصارى في تحديد طبيعة هذا الاتحاد ومصدر هذا الانبثاق الذي أثمر معتقد الألوهية.
ونتوقف بعض الشيء مع الفرق النصرانية الكبرى، ونذكر أوجه الاختلاف بينها وظروف نشأة كل منها.
أولاً: الأرثوذكس
وهم أتباع الكنائس الشرقية (اليونانية)، وكلمة "أرثوذكس" كلمة لاتينية معناها: "صحيح أو مستقيم العقيدة" أو "مذهب الحق".
وينتشر أتباع الكنيسة الأرثوذكسية في روسيا وعموم آسيا وصربيا ومصر والحبشة، ويتبعون أربع كنائس رئيسة لكل منها بطريريك (القسطنطينية ثم الإسكندرية وأنطاكيا وأورشليم).
وقد انقسمت الكنيسة الأرثوذكسية في أعقاب مجمع القسطنطينية الخامس 879م إلى قسمين كبيرين (الكنيسة المصرية أو القبطية أو المرقسية، وكنيسة القسطنطينية، المسماة بالرومية أو اليونانية).
وترى الكنائس الأرثوذكسية في معتقداتها امتداداً صادقاً لما جرى في مجمع نيقية، إذ تتفق معتقداتهم مع مجمل ما جاء في رسائل أثناسيوس الذي ولي البابوية في الإسكندرية بعد مجمع نيقية.
الأقانيم عند الأرثوذكس
يرى الأرثوذكس الأقانيم مراحل لإله واحد في الجوهر، فالأب هو الابن، وهو روح القدس، يقول القس القبطي الأنبا غريغورس ملخصاً معتقدهم بالثالوث: "المسيحيون يؤمنون بإله واحد، أحدي الذات، مثلث الأقانيم والخاصيات، فالتوحيد للذات الإلهية، وأما التثليث فللأقانيم، وللأقانيم خاصيات وصفات ذاتية، أي بها تقوم الذات الإلهية، فالله الواحد هو أصل الوجود، لذلك فهو الآب - والآب كلمة ساميّة بمعنى الأصل - .. والله الواحد هو العقل الأعظم .. تجلى في المسيح .. لذلك كان المسيح هو الكلمة .. والكلمة تجسيد العقل، فإن العقل غير منظور، ولكنه ظهر في الكلمة، وهو أيضاً الابن- لا بمعنى الولادة في عالم الإنسان -، بل لأنه صورة الله غير المنظور، والله هو الروح الأعظم، وهو آب جميع الأرواح، ولهذا فهو الروح القدس، لأن الله قدوس". (1)
ويقول الأسقف سابليوس عن الله في هرطقته التي تقترب كثيراً من مذهب الأرثوذكس: "ظهر في العهد القديم بصفته آب، وفي العهد الجديد بصفته ابن، وفي تأسيس الكنيسة بصفته روح القدس".
وإذا تساءلنا عن سبب اختلاف الأسماء في هذه المراحل للجوهر الواحد فإن القس توفيق جيد يجيب: "إن تسمية الثالوث باسم الآب والابن والروح القدس تعتبر أعماقاً إلهية وأسراراً سماوية لا يجوز لنا أن نفلسف في تفكيكها وتحليلها، أو نلحق بها أفكاراً من عندياتنا .. ".
وما دامت هذا الأقانيم مراحل للجوهر الواحد، فإن ياسين منصور يقول عنها
بأنها "ثلاث شخصيات متميزة غير منفصلة، متساوية فائقة عن التصور"، ويقول أثناسيوس بالتساوي بين الأقانيم "فلا أكبر ولا أصغر، ولا أول ولا آخر، فهم متساوون في الذات الإلهية والقوة والعظمة". (2)
_________
(1) اللقاء بين الإسلام والنصرانية، أحمد حجازي السقا، ص (69).
(2) انظر: الله واحد أم ثالوث، محمد مجدي مرجان، ص (45 - 47)، اليهودية والمسيحية، محمد ضياء الرحمن الأعظمي، ص (420 - 424)، العقائد المسيحية بين القرآن والعقل، هاشم جودة، ص (132 - 133).
قال المسيح عليه السلام لم يدع ألوهية نفسه قط، بل إنه يبرأ يوم القيامة من كل المشركين الزاعمين ألوهيته، وذلك حين يسأله الله على رؤوس الأشهاد:
{أأنت قلت للناس اتخذوني وأمي إلهين من دون الله قال سبحانك ما يكون لي أن أقول ما ليس لي بحق إن كنت قلته فقد علمته تعلم ما في نفسي ولا أعلم ما في نفسك إنك أنت علام الغيوب - ما قلت لهم إلا ما أمرتني به أن اعبدوا الله ربي وربكم} (المائدة: 116 - 117)، فتنكس الرؤوس حينئذ ولا تنفع الحسرات، ولا تنقطع التأوهات.
هذه هي الحقيقة فحسب، وما لذا فإن مذاهب النصارى فيه زور وافتراء :
{ذلك عيسى ابن مريم قول الحق الذي فيه يمترون} (مريم: 34)،
عقائد الفرق النصرانية المعاصرة
تجمع الفرق النصرانية المثلثة اليوم على القول بأن الله إله واحد في جوهره، لكنه مثلث من جهة أقانيمه، وتجمع أيضاً على أن أول هذه الأقانيم هو الآب، وثانيها هو الابن (الكلمة)، وثالثها هو روح القدس. وتعتقد أن الثلاثة إله واحد.
لكن هذه الفرق تختلف اختلافاً بيناً في تحديد طبيعة المسيح، فلقد صدر عن مجمع نيقية تأليهه، ثم حار النصارى في تحديد طبيعة هذا الاتحاد ومصدر هذا الانبثاق الذي أثمر معتقد الألوهية.
ونتوقف بعض الشيء مع الفرق النصرانية الكبرى، ونذكر أوجه الاختلاف بينها وظروف نشأة كل منها.
أولاً: الأرثوذكس
وهم أتباع الكنائس الشرقية (اليونانية)، وكلمة "أرثوذكس" كلمة لاتينية معناها: "صحيح أو مستقيم العقيدة" أو "مذهب الحق".
وينتشر أتباع الكنيسة الأرثوذكسية في روسيا وعموم آسيا وصربيا ومصر والحبشة، ويتبعون أربع كنائس رئيسة لكل منها بطريريك (القسطنطينية ثم الإسكندرية وأنطاكيا وأورشليم).
وقد انقسمت الكنيسة الأرثوذكسية في أعقاب مجمع القسطنطينية الخامس 879م إلى قسمين كبيرين (الكنيسة المصرية أو القبطية أو المرقسية، وكنيسة القسطنطينية، المسماة بالرومية أو اليونانية).
وترى الكنائس الأرثوذكسية في معتقداتها امتداداً صادقاً لما جرى في مجمع نيقية، إذ تتفق معتقداتهم مع مجمل ما جاء في رسائل أثناسيوس الذي ولي البابوية في الإسكندرية بعد مجمع نيقية.
الأقانيم عند الأرثوذكس
يرى الأرثوذكس الأقانيم مراحل لإله واحد في الجوهر، فالأب هو الابن، وهو روح القدس، يقول القس القبطي الأنبا غريغورس ملخصاً معتقدهم بالثالوث: "المسيحيون يؤمنون بإله واحد، أحدي الذات، مثلث الأقانيم والخاصيات، فالتوحيد للذات الإلهية، وأما التثليث فللأقانيم، وللأقانيم خاصيات وصفات ذاتية، أي بها تقوم الذات الإلهية، فالله الواحد هو أصل الوجود، لذلك فهو الآب - والآب كلمة ساميّة بمعنى الأصل - .. والله الواحد هو العقل الأعظم .. تجلى في المسيح .. لذلك كان المسيح هو الكلمة .. والكلمة تجسيد العقل، فإن العقل غير منظور، ولكنه ظهر في الكلمة، وهو أيضاً الابن- لا بمعنى الولادة في عالم الإنسان -، بل لأنه صورة الله غير المنظور، والله هو الروح الأعظم، وهو آب جميع الأرواح، ولهذا فهو الروح القدس، لأن الله قدوس". (1)
ويقول الأسقف سابليوس عن الله في هرطقته التي تقترب كثيراً من مذهب الأرثوذكس: "ظهر في العهد القديم بصفته آب، وفي العهد الجديد بصفته ابن، وفي تأسيس الكنيسة بصفته روح القدس".
وإذا تساءلنا عن سبب اختلاف الأسماء في هذه المراحل للجوهر الواحد فإن القس توفيق جيد يجيب: "إن تسمية الثالوث باسم الآب والابن والروح القدس تعتبر أعماقاً إلهية وأسراراً سماوية لا يجوز لنا أن نفلسف في تفكيكها وتحليلها، أو نلحق بها أفكاراً من عندياتنا .. ".
وما دامت هذا الأقانيم مراحل للجوهر الواحد، فإن ياسين منصور يقول عنها
بأنها "ثلاث شخصيات متميزة غير منفصلة، متساوية فائقة عن التصور"، ويقول أثناسيوس بالتساوي بين الأقانيم "فلا أكبر ولا أصغر، ولا أول ولا آخر، فهم متساوون في الذات الإلهية والقوة والعظمة". (2)
_________
(1) اللقاء بين الإسلام والنصرانية، أحمد حجازي السقا، ص (69).
(2) انظر: الله واحد أم ثالوث، محمد مجدي مرجان، ص (45 - 47)، اليهودية والمسيحية، محمد ضياء الرحمن الأعظمي، ص (420 - 424)، العقائد المسيحية بين القرآن والعقل، هاشم جودة، ص (132 - 133).