مصادر عقيدة الفداء والخلاص
ويذكر مكس مولر في كتابه " تاريخ الآداب السنسكريتية " أن " البوذيون يزعمون أن بوذا قال: دعوا الآثام التي ارتكبت في هذا العالم تقع عليّ، كي يخلص العالم ".
ويرى البوذيون أن الإنسان شرير بطبعه، ولا حيلة في إصلاحه إلا بمخلص ومنقذ إلهي.
وكذلك فإن المصريين يعتبرون أوزوريس إلهاً، ويقول المؤرخ بونويك في كتابه " عقيدة المصريين": "يعد المصريون أوزوريس أحد مخلصي الناس، وأنه بسبب جده لعمل الصلاح يلاقي اضطهاداً، وبمقاومته للخطايا يقهر ويقتل ".
ويوافقه العلامة دوان في كتابه " خرافات التوراة والإنجيل وما يماثلها من الديانات الأخرى".
كما تحدث المؤرخون عن قول المصريين بقيامة مخلصهم بعد الموت، وأنه سيكون ديان الأموات يوم القيامة، فإنهم يذكرون في أساطيرهم أن أوزوريس حكم بالعدل، فاحتال عليه أخوه وقتله، ووزع أجزاء جسمه على محافظات مصر، فذهبت أرملته أيزيس فجمعت أوصاله من هنا وهناك، وهي تملأ الدنيا نحيباً وبكاءً، فانبعث نور إلى السماء، والتحمت أوصال الجسد الميت، وقام إلى السماء يمسك بميزان العدل والرحمة.
وكذلك اعتقد الهنود في معبودهم كرشنا أنه مخلص وفادي. يقول القس جورج كوكس: "يصفون كرشنا بالبطل الوديع المملوء لاهوتاً، لأنه قدم شخصه ذبيحة "، ويعتقدون أن عمله لا يقدر عليه أحد.
ويقول المؤرخ دوان في كتابه " خرافات التوراة والإنجيل": "يعتقد الهنود بأن كرشنا المولود البكر الذي هو نفس الإله فشنو، والذي لا ابتداء ولا انتهاء له - وفق رأيهم - تحرك حنواً كي يخلص الأرض من ثقل حملها، فأتاها وخلص الإنسان بتقديم نفسه ذبيحة عنه "، ومثله يقوله العلامة هوك.
ويصف الهنود أشكالاً متعددة لموت كرشنا أهمها أنه مات معلقاً بشجرة سُمِّر بها بحربة. وتصوره كتبهم مصلوباً، وعلى رأسه إكليل من الذهب، ويقول دوان: " إن تصور الخلاص بواسطة تقديم أحد الآلهة ذبيحة فداء عن الخطيئة قديم العهد جداً عند الهنود والوثنيين.
وكذلك اعتقد أهل النيبال بمعبودهم أندرا، ويصورونه وقد سفك دمه بالصلب، وثقب بالمسامير، كي يخلص البشر من ذنوبهم كما وصف ذلك المؤرخ هيجين في كتابه: "الانكلو سكسنس".
وحتى لا نطيل نكتفي بهذه الصور التي اعتقد أصحابها بسفك دم الآلهة قرباناً وفداء عن الخطايا ومثلها في الوثنيات القديمة كثير.
الدم المسفوح سبيل الكفارة
وليست مسألة المخلص فقط هي التي نقلها بولس عن الوثنيات، فقد تحدث أيضاً عن دم المسيح المسفوح فقال: " يسوع الذي قدمه الله كفارة بالإيمان بدمه " ( رومية 3/25 )، ويقول: " ونحن الآن متبررون بدمه " ( رومية 5/9 )، ويواصل: " أليست هي شركة دم المسيح " ( كورنثوس (1) 10/16 ).
ويقول: " أنعم بها علينا في المحبوب الذي فيه لنا الفداء، بدمه غفران الخطايا " ( أفسس 1/7).
وفي موضع آخر يتحدث عن ذبح المسيح الفادي " لأن فصحنا أيضاً المسيح قد ذبح لأجلنا " (كورنثوس (1) (5/7).
ومثل هذه النصوص تكثر في رسائل بولس، وهي فكرة جِدُ غريبة، فإن المسيح لم يذبح، فالأناجيل تتحدث عن موت المسيح صلباً، لا ذبحاً، والموت صلباً لا يريق الدماء، ولم يرد في الأناجيل أن المسيح نزلت منه الدماء سوى ما قاله يوحنا، وجعله بعد وفاة المسيح حيث قال: " وأما يسوع فلما جاءوا إليه لم يكسروا ساقيه، لأنهم رأوه قد مات، لكن واحداً من العسكر طعن جنبه بحربة، وللوقت خرج دم وماء " ( يوحنا 19/23 - 24 ). وهو ليس ذبحاً بكل حال.
يقول المحقق ولز: " إنه لزام علينا أن نتذكر أن الموت صلباً لا يكاد يهرق من الدم أكثر مما يريقه الشنق، فتصوير يسوع في صورة المراق دمه من أجل البشرية إنما هو في الحقيقة من أشد العبارات بعداً عن الدقة ".
والنظرة إلى الله بأنه لا يرضى إلا بأن يسيل دم الكفارة أو الضحية نظرة قديمة موجودة عند اليهود وعند الوثنيين قبلهم، ففي التوراة تجد ذلك واضحاً في مثل قولها: " بنى نوح مذبحاً لله.. وأصعد محرقات على المذبح، فتنسم الرب رائحة الرضا، وقال الرب في قلبه: لا أعود ألعن الأرض أيضاً من أجل الإنسان " (التكوين 8/20 - 21 ).
وكذا صنع داود " وبنى داود هناك مذبحاً للرب، وأصعد محرقات وذبائح سلامة، ودعا الرب، فأجابه بنار من السماء على مذبحة المحرقة " (الأيام (1) 21/26 ).
وهكذا فإن التصور اليهودي للإله مشبع برائحة الدم ، وهي تصور الإله ساخطاً لا يرضيه إلا الدم والمحرقات، وحينها فقط يتنسم رائحة الرضا، ويرضى عن عباده، يقول آرثر ويجال: "نحن لا نقدر أطول من ذلك قبول المبدأ اللاهوتي المفزع الذي من أجل بعض البواعث الغامضة وجوب تضحية استرضائية، إن هذا انتهاك إما لتصوراتنا عن الله بأنه الكلي القدرة، وإلا ما نتصوره عنه ككلي المحبة ".
وللحديث بقية إن شاء الله وقدر