مصادر عقيدة الفداء والخلاص
ويرى كامل سعفان أيضاً " أن ادعاء إهراق دم المسيح مأخوذ من الديانة المثراسية حيث كانوا يذبحون العجل، ويأخذون دمه، فيتلطخ به الآثم، ليولد من جديد، بعد أن سال عليه دم العجل الفدية.
نزول الآلهة إلى الجحيم لتخليص الموتى
وتشابهت العقائد النصرانية مع الوثنيات القديمة مرة أخرى عندما زعم النصارى أن المسيح نزل إلى الجحيم لإخراج الأرواح المعذبة فيها وتخليصها من العذاب، ففي أعمال الرسل يقول بطرس: "سبق فرأى وتكلم عن قيامة المسيح أنه، ولم تترك نفسه في الهاوية، ولا رأى جسده فساداً " (أعمال 2/31 )، ويقول بطرس في رسالته عن المسيح: " ذهب ليكرز للأرواح التي في السجن " (بطرس (1) 3/19).
وقد أضحت هذه الفكرة الغريبة معتقداً نصرانياً يقول عنه القديس كريستوم 347م: " لا ينكر نزول المسيح إلى الجحيم إلا الكافر ".
ويقول القديس كليمندوس السكندري: " قد بشر يسوع في الإنجيل أهل الجحيم، كما بشر به وعلمه لأهل الأرض، كي يؤمنوا به ويخلصوا "، وبمثله قال أوريجن وغيره من قديسي النصارى.
وهذا المعتقد وثني قديم قال به عابدو كرشنا، فقالوا بنزوله إلى الجحيم لتخليص الأرواح التي في السجن، وقاله عابد وزورستر وأدونيس وهرقل وعطارد وكوتز لكوتل وغيرهم.
ولما وصل النصارى إلى أمريكا الوسطى، وجدوا فيها أدياناً شتى، فخفّ القسس لدعوتهم للمسيحية، فأدهشهم بعد دراستهم لهذه الأديان أن لها شعائراً تشبه شعائر المسيحية، وخاصة في مسائل الخطيئة والخلاص .
فكيف يفسر النصارى هذا التطابق بين معتقداتهم والوثنيات القديمة والذي جعل من النصرانية نسخة معدلة عن هذه الأديان ؟
يقول الأب جيمس تد المحاضر في جامعة أكسفورد: " سر لاهوتي فوق عقول البشر، وليس من الممكن تفسيره حسب تفسير وتصور هؤلاء البشر".
وقد صدق الله تبارك وتعالى، فأخبر أن ذلك الذي يقوله النصارى إنما هو مضاهاة لأقوال الأمم الوثنية وانتحال للساقط من أفكارهم ( ذلك قولهم بأفواههم يضاهئون قول الذين كفروا من قبل قاتلهم اللّه أنّى يؤفكون ( (التوبة: 30)، وهو ما حذرهم الله من الوقوع فيه ( قل يا أهل الكتاب لا تغلوا في دينكم غير الحقّ ولا تتّبعوا أهواء قوم قد ضلّوا من قبل وأضلّوا كثيراً وضلّوا عن سواء السّبيل( (المائدة: 77).
خاتمة
وبعد: وصلنا في نهاية مطافنا إلى إجابة سؤالنا ، حيث أجبنا بموضوعية ومنهجية علمية محايدة عن سؤالنا في هذه الحلقة: هل افتدانا المسيح على الصليب؟
لقد كشفت لنا الدراسة الموثقة عن جملة حقائق لا يسع الباحث عن الحقيقة إلا أن ينحني لها، فقد ثبت لدينا نجاة المسيح عليه السلام من الصلب كما أنبأنا بذلك أسفار العهد القديم، وكما وعد المسيح أتباعه في العهد الجديد، ورأينا مكر الله يحيق بالتلميذ الخائن الذي خان سيده، فانتشبت أرجله في الشبكة التي أخفاها، ووقع في الحفرة التي حفرها.
ورأينا ما يثبت صحة ما توصلنا إليه، فقد سجلته الدلائل المتناثرة في زوايا الكتاب المقدس، ورأينا ظلاله في تاريخ النصرانية، حيث تواصل إنكار النصارى لهذا الصلب المزعوم عبر تاريخ النصرانية القديم.
كما ثبت لدينا عند دراسة فلسفة الفداء والكفارة أن البشر بريئون مما صنعه آدم في القديم، وأن خطيئته لا تتجاوزه إلى غيره.
ووضح لنا بالأدلة المتكاثرة أن ما يزعمه النصارى من توارث الخطيئة الأولى ولزوم الفداء بكائن إلهي، إنما هو هراء تمجه العقول وتزدريه الفطر، وهو ظلم يتنزه الله عنه، وقد نقله بولس والمجتمعون بعده في مجمع نيقية من قصص الوثنيات السابقة للنصرانية.
ولا يسعني وأنا أشكر القارئ الكريم على قراءته لهذه السطور إلا أن أتوجه إليه بدعوة مخلصة لقراءة الحلقة التالية من حلقات سلسلة الهدى والنور، وهي بعنوان: هل بشر الكتاب المقدس بمحمد صلى الله عليه وسلم؟
-------------
راجع كتاب هل افتدانا المسيح على الصليب؟
د. منقذ بن محمود السقار