الإيضاح القطعي للمعنى الحقيقي للإنجيل
- 19 -
إصلاح قوم بني إسرائيل
- 19 -
إصلاح قوم بني إسرائيل
انا لا اقدر ان اكتب عن
الموسويين غير الاحترام وما تقتضيه الرقة والمجاملة رغم انتسابي بالجنس إلى أمة
الأثوريين الكلدانيين الذين أساءوا جداً إلى اليهود ، وكيفية إصلاح بني إسرائيل
المتعلق ببحثنا مرتبط بالأناجيل الأربعة .
أي ان الأناجيل الأربعة
تعلمنا كيف كانت أخلاق اليهود الذين كانوا في زمن المسيح عليه السلام ، وكم كانت
أحوالهم الروحية قد فسدت وتلوثت بالسيئات ، فنظراً إلى الأناجيل الأربعة كان اليهود
في زمن المسيح يريدون أن يتمسكوا بأوامر الكتاب الذي في أيديهم في جميع المعاملات
الشرعية بصورة حرفية ، ليس بحكمة الشريعة وروحها ، بل بمادتها وحروفها وبما ان يوم
السبت يوم مقدس حسب الحكم الرابع من الوصايا العشر ، كانوا يأمرون بتعطيل كافة
الأشغال والأعمال البدنية . ولم يكن اليهودي مأذوناً بإجراء أي عمل عدا العبادة
والاستراحة ، وليس هذا قاصراً على اليهودي وحده بل هو مجبور على إراحة عبده وخادمه
وجاريته وحماره وكل حيواناته الداجنة في يوم السبت (كل من يعمـل فيـه عمـلاً يقتـل)
( لا تشـعلوا ناراً في جميـع مساكنكم يوم السبت ) خروج 35 : 2 - 3 .
وكان جزاء كل من يعمل بما
نهى الله عنه الموت والإعدام ، لاشك أن شريعة موسى الشديدة كانت معتبرة ونافعة لقوم
بني إسرائيل البدو (؟) الذين نجوا حديثاً من نير استعباد المصريين ، وان رعاية
القانون تحصل أما من الخوف أو من خلق الحياء من العار ، أما الأمة المتمدينة فكما
أنها تقيم العدالة بروح حكم القانون ، فكذلك تلطف وتعدل بعض مواد القانون نظراً
لمقتضيات الحال والزمان : وأما تطبيق الشريعة وإجراء أحكامها حرفياً فليس بضروري
إلا في الأقوام الوحشية أو التي في حال البداوة فقط ، ولابد من تربية ملية تسوق
أخلاق العامة إلى الصلاح والمدنية والرقي والسعادة الحقيقية كما يجب التأديب
والعقاب على كل فعل وحركة مخالفة لآداب معاشرة القوم وأخلاقهم السائدة ، على أن
تكون مرتبطة بالعدالة وبقوانين معقولة ومشروعة ونافعة
(ولما كان بنو إسرائيل في البرية وجدوا رجلاً
يحتطب حطباً يوم السبت فقدمه الذين وجدوه يحتطب حطباً إلى موسى وهارون وكل الجماعة
فوضعوه في المحرس لأنه لم يعلن ماذا يفعل به . فقال الرب (يهوه) لموسى قتلا يقتل
الرجل ، يرجمه بحجارة كل الجماعة خارج المحلة ، فأخرجه كل الجماعة خارج المحلة
ورجموه بحجارة فمات كما أمر يهوه موسى) عدد 15: 32 - 36 .
نعم يمكنني أن أتصور رجم
فاعل الذنب البسيط عديم الأهيمة من قبل أمة عدد أفرادها لا يبلغ المليونين أو
الثلاثة بهذه الصورة المدهشة في الصحراء ، ولكن لا أتصور إمكان إجرائه في (بارك
هايد) لندن ، أو في (شانزه ليزه) باريس . فالشريعة المذكورة استمرت على الحكم بكل
دهشتها مدة تزيد على الثلاثة آلاف سنة ، وأصيب بنو إسرائيل بالانحطاط والأسر ،
وعلماء اليهود وفقهاؤهم وضعوا كتباً كثيرة تحتوي على قوانين مغلقة وتعاليم عديمة
الفائدة ، تركت الملة في حالة الحيرة والاضمحلال ، وبينما كانت هذه الأمة البيئية
تستحق من قبل لينيونات(1) القيصر الجديد مادة ، ومن قبل زمرة العلماء المرائين
عديمي الأخلاق معنا ، ظهر حضرة المسيح عليه السلا م ودعا الملة المذكورة إلى
الإصلاح .
أول من خاصم النبي الكريم
هم العلماء والخواص - دون العوام - أولئك العلماء الذين اعتادوا على امتصاص دماء
الأمة . مثال ذلك انهم لما قبضوا على زانية جاؤا بها إلى المسيح وسألوه
(وجدنا هذه المرأة في فعل الزنا ، ومعلوم أن موسى أمرنا برجم أمثالها ، فالآن ماذا
تقول أنت ؟ ) فأجابهم قائلاً لهم
(من كان منكم بلا خطيئة فليرمها أولاً بحجر) (يوحنا 7:8) .
وبما أنهم لم يكونوا
سالمين من الذنب تسللوا من عنده واحداً بعد واحد ، فقال المسيح للخاطئة المسكينة
الباقية وحدها (اذهبي ولا تخطيء أيضاً)
يوحنا 11:8 , وهذه خطة نبي مأمور بعمل
الإصلاح .
(موسى
أمركم في شريعته قائلاً لا تزن(*) وأما أنا فأقول لكم أن كل من ينظر إلى امرأة بنظر
الشهوة يكون قد زنى بها في قلبه . موسى قال لا نقتل وأما أنا فأقول لكم أن كل من
يبغض ويعادي أحداً يكون قد قتله ) (متى 5 : 21-26) .
فالمسيح عليه السلام فسر
روح الشريعة وشرح حكمها بإفاداته المجددة ، فان منبع فعل الزنا هو الشهوة وان منشأ
القتل هو البغض ، وكذلك فان نهي الشريعة عن أن يعمل عمل في يوم السبت لم يكن لمنع
الاشتغال بالأمور الحسنة وفعل الخير في اليوم المذكور . وان الشريعة التي نجزم
الأمر بغسل الأيدي والأواني وعلى الأخص بالطهارة لا تأمر بترك القلب والفم ملوثين
بالرجس من الأفكار والأقوال ، وان الإنسان يمكنه أن يتطهر بحفنة من الماء ، ولكنه
لا يمكنه أن يطهر قلبه بكل مياه البحر المحيط الكبير .
قام مسبح فقير تارك للدنيا
يعظ بقلب مشتعل بحب الإنسانية ، ملتهب بالعشق الإلهي ، يوصي شديداً بالتزام أسس
الدين كالصدق والرحمة والعفو والحب الإلهي تجاه العلماء ذوي الطمع اللاتهاتي في
حطام الدنيا ، اكثر الناس التزاماً لرسوم الذبائح ولا عشار ، مرتكبي أنواع الرياء
والتزوير لأجل الحصول على مديح العامة ، ظهر يسوع ناصري لا يعير أهمية لمثل مسائل
نقل الميت وتغيير القبور ، يعلم بان كرامة الإنسان ليست بالجسد الذي هو عبارة العظم
واللحم ، بل هي قائمة بالروح الساكنة في ذلك الجسد ، تجاه الكهنة الجادين في تعظيم
الأموات وتزيين القبور ، الماهرين في فنون خداع الأحياء وتسليبهم .
الفريسيون أولئك الذين إذا
وقع خروفهم في البئر يركضون بأربع أرجل لأجل إخراجه يوم السبت ، يؤاخذون المسيح
عليه السلام ، ويتهمونه بعدم التزام يوم السبت لأنه يبرئ فيه المرضى والمجانين .
الحاخامون أولئك البطالون
، ذوو الجبب الطويلة ، عابسو الوجوه أثناء الصوم ، آكلوا أموال الأرامل واليتامى
ومحرقوا أكبادهم ، يفترون على تلاميذ المسيح بعدم الصوم ، أولئك المنافقون الذين
يجولون البر والبحر ليتلقفوا مهتدياً تائباً بقصد أن يسلبوه حتى ثيابه ، أصروا على
البغضاء للمسيح المتواضع الحليم الذي يدعو الاهلين المساكين أشباه الغنم الضالة إلى
التوبة وإصلاح النفس ، وهكذا رموا المسيح عليه السلام بالكفر واللؤم ، حينما كان
يلقي فكرة التجديد أو الولادة من جديد ، ويعلم طريق الحقيقة ويبشر به ، وبعدما حارب
ابن مريم عليهما السلام أولئك الرجعيين المرائين في الدين خادمي الأجسام ، أنذرهم
بان أهالي سدوم وطمورا سيكونون احسن حالاً منهم يوم الجزاء ، ثم انه أخيراً غاب ولن
يروه بعد ، من غير أن يصلح القوم المذكورون .
فإذا كانت المواعظ الأربعة
تبين هذه الحقائق بكل تفصيل وتمثيل ، فكيف وبأي صلاحية يمكن الادعاء بان المسيح نبي
عام ؟ والتلاميذ الذين لبثوا ثلاث سنين بصفة مرداء المسيح ، الذين بقوا إلى آخر
دقيقة أجهل مما كانوا قبلاً ، بأي علم وبأي قوة يتمكنون من إقناع الأمم بقولهم :
كان رجل يسمى يسوع قتل على الصليب وكان هو الله ؟ (استغفر الله ثم استغفر الله)
وللحديث بقية ان شاء الله وقدر.