مفاهيم مغلوطة حول الإسلام:
يثير أعداء الإسلام من وقت لآخر شبهاً ومغالطات، يقصدون من خلالها إثارة الشكوك عند الشباب المسلم حتى يزعزعوا من قلبه اعتقاده ودينه. ومن هذه الشبهات: 1. الجهاد: فقد أثار أعداء الدين أن الجهاد الذي يدعو إليه الإسلام همجية، وأن الإسلام يحب سفك الدماء والحرب، ويعادي السلم والأمن. والجواب عن ذلك: أن الجهاد في الإسلام إنما شُرع لنشر الحق وإقامة العدل، ولتأسيس نظام عادل ليقوم الناس بالقسط، حتى تتم سعادة البشر وفلاحهم. وإقامة الجهاد الإسلامي ليس من أجل أن تستبد أمة بالخيرات، أو ينفرد شعب بالثروات كما فعله الاستعمار الغربي بالأمم المستضعفة في مشارق الأرض ومغاربها، حيث جاسوا الديار عبثاً وفساداً، واستبدوا بمنابع الثروات دون أصحابها الأصليين. وإنما هو لهدف سام وغاية نبيلة وهي إزالة العقبات التي تعترض نشر دعوة الإسلام، وتحرير الناس من العبودية للعباد، وتركهم أحراراً وما يختارون. ولابد لكل دولة تريد أن تحفظ مهابتها ودينها أن تكون قوية مستعدة لكل المخاطر التي تهددها وتتربص بها، وما فتئت أمم الدنيا تعدّ لنفسها القوة بمختلف الأساليب والأنواع وحسب الظروف.. كل ذلك حتى تحمي نفسها وتدافع عن حقها؛ فإن الحق لا يقوم مالم تسانده قوة وتحيط به. يقول ابن تيمية رحمه الله: "لابد للناس من كتاب هاد، وحديد ناصر ". وها نحن ترى العالم الإسلامي لما ترك الجهاد وإعداد العدة التي أمر الله بها كيف أصبح فريسة في يد أعدائه، ينهبون خيراته ويسلبونه ثرواته. 2. المرأة: (ثامناً: المرأة ومكانتها في الإسلام ). سيأتي الحديث عنها. 3. الرق: أثار أعداء الإسلام أن الدين الإسلامي دعا إلى تحقير الأرقاء، وشرع قضية الرق حتى يظل بعض الناس عبيداً لبعض، فيتسلط الحر على العبد ويستذله. والجواب: أن الإسلام وقف من مسألة الرقيق موقفاً لم يقفه غيره من الملل والنحل.. فقد كانت مصادر الرق ومنابعه عند ظهور الإسلام كثيرة جداً، بينما طرق التحرر ووسائله تكاد تكون معدومة، فقلب الإسلام في تشريعاته النظرة، وسن التشريعات التي تساعد على إزالة الرق من المجتمع والتحرر، وسدّ مسالك الاسترقاق الناتجة عن طريق الخطف والغصب والاستيلاء بالقوة، قال صلى الله عليه وسلم: (ثلاثة أنا خصمهم يوم القيامة، ومن كنت خصمه خصمته: رجل أعطى بي ثم غدر ورجل باع حرّاً فأكل ثمنه، ورجل استأجر أجيراً فاستوفى منه العمل ولم يعطه أجره ) رواه البخاري. وما انتشر الرق ذلك الانتشار الرهيب في قارات الدنيا إلا عن طريق الاختطاف، بل كان المصدر الأعظم في أوربا وأمريكا في القرون الأخيرة. ثم إنك حين تقلب عينيك في نصوص القرآن والسنة لا تجد نصاً يأمر بالاسترقاق، بينما تحفل آيات القرآن وأحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم بالمئات من النصوص الداعية إلى العتق والتحرير، فقد فرض الله نصيباً في الزكاة لتحرير العبيد، وكذا وردت نصوص شرعية في كفارات القتل الخطأ والظهار والأيمان والفطر في رمضان تساعد على تحرير العبيد، إضافة إلى إثارة عواطف المسلمين من أجل العتق والتحرير ابتغاء وجه الله. 4. قضية الحدود: أثار الأعداء أيضاً شبهات حول الحدود، وأنها أحكام همجية غير متحضرة، وليس فيها رفق ورحمة.. والجواب: إن تشريع الحدود والعقوبات في الإسلام في أعلى درجات الرأفة والرحمة ليس للمجرم فحسب، بل للمجتمع بأكمله. ولئن كانت تلك العقوبات تبدو قاسية وفظة عند النظر إليها نظرة سطحية بلا تمعن ولا تفكير، ولكن نجد حين إيقاع العقوبات آثار الأمن والسلام في المجتمع، وردع وزجر المجرمين. ثم إن تلك الحدود والعقوبات لا تطبق حتى يتأكد بأن الفرد الذي ارتكبها ليس له مبرر ولا شبهة اضطرار. فالشرع حين قرر قطع يد السارق اشترط أن لا تكون هناك شبهة بأن السرقة نشأت عن ألم الجوع، ولذلك لم ينفذ عمر بن الخطاب رضي الله عنه حد السرقة في عام الرمادة، حيث كانت الشبهة قائمة في اضطرار بعض الناس للسرقة. ولننظر في حال المجتمعات التي لم تطبق الحدود الشرعية على المجرمين، واستعاضوا عن ذلك بالسجون، كيف ازداد الإجرام واستفحل، وكيف أصبح السجن مدرسة يتعلم فيها المجرم أساليب شيطانية أخرى من زملائه الآخرين، فانتشرت الجرائم وتطورت وسائلها وتشكلت عصابات تفوق إمكاناتها ووسائلها، وتجهيزاتها بعض الدول والحكومات. 5. قضية الحرية: ومما أثاره أعداء الدين أن الإسلام يكبت الحريات ويمنعها، ويضيق الخناق على الرأي الآخر، والجواب: أن الإسلام جاء ليضمن الحرية للإنسان وجعلها من أهم قيمه ؛لأنها فطرة الله التي فطر الإنسان عليها، ولأنها إحدى مقومات الشخصية الرئيسة للإنسان، وسواء في ذلك الحرية الدينية، أو حرية الرأي والتعبير. فقد أعلن الإسلام الحرية الدينية وكفلها للناس بصورة لم تعهدها الإنسانية قديماً أو حديثاً، ولم يحدث في تاريخ الإسلام أن أكره إنسان على ترك دينه واتباع الإسلام، ولا منع إنسان من ممارسة عبادته في محل عبادته وعلى الطريقة التي يفرضها دينه، ولم يعرف أن حاكماً مسلماً هدم كنيسة أو أقفل بيعة أو حولها إلى مسجد، بينما هُدّمت المساجد في الأندلس كلها وحوّلت إلى كنائس، عندما استولى الصليبون على الأندلس. ومنع المسلمون في بلاد كثيرة من الجهر بإسلامهم. كذلك الإسلام دعا إلى استعمال الفكر والعقل في الكون دون حدود، فإذا كان قد أطلق حرية التفكير فإنه من الطبيعي أن يتبعها بحرية التعبير عن هذا الفكر بشتى أنواع التعبير، سواء كان باللسان أو القلم، وهذا يسمى بحرية الرأي. ولكن ضمن حدود الشرع والأدب. ولقد حضّ رسول الله صلى الله عليه وسلم أصحابه على أن يقولوا الحق مهما كانت الظروف، وأن لا تأخذهم في التعبير عما يعتقدونه من الصواب لومة لائم، قال أبو علي الدقاق: (من سكت عن الحق فهو شيطان أخرس ) وقال صلى الله عليه وسلم: (سيد الشهداء حمزة بن عبدالمطلب ورجل قام إلى إمام جائر فأمره ونهاه فقتله ) رواه الطبراني، وقال الهيثمي: فيه ضعف. والشيء الوحيد الذي منعه الإسلام وضيق الخناق عليه هو: الدعوة إلى إضعاف الدين والخُلُق، أو الترويج للإلحاد والزندقة باسم الحرية، وهذه دعوة خبيثة يجب مصادرتها والحجز عليها ومنعها بشتى الطرق.