فلسفة النصارى لمسألة الخطيئة والكفارة
تشهد الكتب المقدسة عند النصارى لكثيرين بالخيرية، وتثني عليهم، ولو كانوا مسربلين بالخطيئة الأصلية لما استحقوا هذا الثناء، ومن هؤلاء الأطفال الذين قال فيهم المسيح في إحدى وصاياه: "الحق أقول لكم، إن لم ترجعوا وتصيروا مثل الأولاد فلن تدخلوا ملكوت السماوات، فمن وضع نفسه مثل هذا الولد، فهو الأعظم في ملكوت السماوات " ( متى 18/3 - 4 )، (وانظر مرقس 10/13/16 ).
وعندها نهر تلاميذه أطفالاً قال: "دعوا الأولاد يأتون إليّ ولا تمنعوهم، لأن لمثل هؤلاء ملكوت السماوات " ( متى 19/13 - 14 ) فيفهم من هذين النصين طهرة الأطفال من الخطيئة الأصلية، لذلك جعلهم مثلاً للأبرار الذين يدخلون الجنة.
لكن القديس أوغسطينوس كان يحكم بالهلاك على جميع الأطفال غير المعمدين، وكان يفتي بأنهم يحرقون في نار جهنم، ولن يتمتعوا برؤية ملكوت الرب.
والأبرار أيضاً لم يحملوا هذه الخطيئة، فهؤلاء الأبرار ذكرتهم نصوص التوراة وأثنت عليهم ولم تتحدث عن هلاكهم أو تأثرهم بالخطيئة الموروثة "كان كلام الرب إليّ قائلاً: ما لكم أنتم تضربون هذا المثل على أرض إسرائيل قائلين: الآباء أكلوا الحصرم، وأسنان الأبناء ضرست، حي يقول السيد الرب ... الإنسان الذي كان باراً وفعل حقاً وعدلاً، لم يأكل على الجبال، ولم يرفع عينيه إلى أصنام بيت إسرائيل، ولم ينجس امرأة قريبه، ولم يقرب طامثاً، ولم يظلم إنساناً ... فهو بار، حياة يحيا يقول السيد الرب" ( حزقيال 18/19 - 23)، فكل من يعمل الصالحات يكون باراً، ولا تؤثر فيه خطية آدم أو غيره.
ومن هؤلاء الأبرار الذين لم تكبلهم الخطيئة، وأثنت عليهم التوراة، الأنبياء، ولو كانوا حاملين للخطيئة لما كانوا أهلاً لهداية الناس، فإن قيل عفي عنهم، فلم تراه لم يُعفَ عن بقية العالمين - من غير دم - كما عفي عن الأنبياء الذين اختار الله منهم كليماً وخليلاً.
ومن الأنبياء الذين أثنت عليهم التوراة أخنوخ " وسار أخنوخ مع الله، ولم يوجد لأن الله أخذه" ( التكوين 5/24 )، وقد قال عنه بولس: " بالإيمان نقل أخنوخ لكي لا يرى الموت، ولم يوجد لأن الله نقله، إذ قبل نقله شهد له بأنه قد أرضى الله" (عبرانيين 11/5).
وأيضاً نوح عليه السلام تقول عنه التوراة: " وكان نوح رجلاً باراً كاملاً في أجياله، وسار نوح مع الله " ( التكوين 6/9).
وأيضاً إبراهيم فقد قيل له: " لا تخف يا إبرام أنا ترس لك، أجرك كثير جداً " ( التكوين 11/1)، وقيل عنه: " بارك الرب إبراهيم في كل شيء " ( التكوين 24/1).
ومن هؤلاء الأبرار أيوب، وقد أخبر عن نفسه أنه بريء من كل ذنب وإثم، وأنه كان باراً مطيعاً لأقوال الله: "قد قلتَ في مسامعي، وصوت أقوالك سمعتُ. قلت: أنا بريء بلا ذنب، زكي أنا ولا إثم لي" (أيوب 33/8-9).
ورغم هذه المزايا الفريدة لأيوب، فإن يوحنا المعمدان أعظم منه، كما قال المسيح: " الحق أقول لكم: لم يقم بين المولودين من النساء أعظم من يوحنا المعمدان " ( متى 11/11)، ويقول عنه لوقا: "لأنه يكون عظيماً أمام الرب، وخمراً ومسكراً لا يشرب" (لوقا 1/15)، فهؤلاء جميعاً لم يرثوا الخطيئة، ولم تؤثر فيهم مع أنهم من ذرية آدم، والكتاب يعلن صلاحهم وعدم احتياجهم إلى الخلاص بدم المسيح أو غيره..
كما أثنت التوراة على أشخاص من غير الأنبياء ووصفتهم بالصلاح والبر، فدل ذلك على عدم حملهم للخطيئة الأصلية.
منهم هابيل بن آدم الذي تقبل الله منه ذبيحته لصلاحه، ولم يقبلها من أخيه، فلم تمنعه خطيئة أبيه من أن يكون عند الله مقبولاً ( انظر التكوين 4/4)، وقد قال عنه الكاتب المجهول لرسالة العبرانيين: "بالإيمان قدم هابيل للّه ذبيحة أفضل من قايين، فبه شهد له أنه بار، إذ شهد الله لقرابينه" (عبرانيين 11/4).
وكذلك الناجون مع نوح كانوا جميعاً أبراراً، فأنجاهم الله من الطوفان " ورأى الله الأرض، فإذا هي فسدت، إذ كان كل بشر قد أفسد طريقه على الأرض فقال الله لنوح: نهاية كل بشر أتت أمامي ... وتبقى نوح والذين معه في الفلك فقط" ( التكوين 6/12- 7/23 ). ولو كانت الخطيئة موروثة لكان الجميع خاطئين، ولما كان ثمة مبرر لهذا التفريق بين الناجين والمغرقين.
ومن الأبرار أيضاً لاوي بن يعقوب، والذي اختص وسبطه بالكهانة، حيث قال الله عنه: "عهدي معه للحياة والسلام، وأعطيته إياهما للتقوى، فاتقاني، ومن اسمي ارتاع هو، شريعة الحق كانت في فِيه، وإثم لم يوجد في شفتيه، سلك معي في السلام والاستقامة، وأرجع كثيرين عن الإثم، لأن شفتي الكاهن تحفظان معرفة، ومن فمه يطلبون الشريعة، لأنه رسول رب الجنود" (ملاخي 2/5-7).
كذا خاطب الرب أورشليم محدثاً إياها عن البقية المؤمنة في بني إسرائيل، فقال: "وأبقي في وسطكِ شعباً بائساً ومسكيناً، فيتوكلون على اسم الرب، بقيةُ إسرائيل لا يفعلون إثماً، ولا يتكلمون بالكذب، ولا يوجد في أفواههم لسان غش، لأنهم يرعون ويربضون " (صفنيا 3/12-13)، فهؤلاء اليهود الباقون في أورشليم منزهون عن الإثم والخطية.
وأيضاً شهد المسيح بنجاة لعازر، وقد مات قبل الصلب المزعوم للمسيح " فمات المسكين وحملته الملائكة إلى حضن إبراهيم، ومات الفتى أيضاً، ودفن، فرفع عينيه في الهاوية وهو في العذاب ورأى إبراهيم من بعيد ولعازر في حضنه، فنادى وقال: يا أبي إبراهيم، ارحمني .... " ( لوقا 16/21 -24)، فلعازر نجا وقد مات قبل الصلب المزعوم للمسيح.
ويجزم المسيح بخلاص العشار زكا الذي أنفق نصف ماله في سبيل الله من غير أن يحتاج لدم يخلصه أو فادٍ يصلب عنه " فوقف زكا وقال للرب: ها أنا يا رب أعطي نصف أموالي للمساكين، وإن كنت قد وشيت بأحد أرد أربعة أضعاف. فقال له يسوع: اليوم حصل خلاص لهذا البيت، إذ هو أيضاً ابن إبراهيم" (لوقا 19/8-9)، لقد نال الخلاص بالبر والعمل الصالح.
إبطال نظرية الذنب الموروث بشهادات النصارى
ومما يبطل نظرية وراثة الخطيئة الأصلية الإنكار الذي صدر عن النصارى قديماً وحديثاً، فعبروا عن رفضهم لهذا الظلم وعن تحمل تبعات خطيئة لم يرتكبوها ولم يستشاروا فيها، بل ولم يشهدوها، ومن ذلك :
- أن مخطوطات نجع حمادي المكتشفة بعد الحرب العالمية الثانية خلت من الحديث عن الخطيئة والغفران الذي يتحدث عنه آباء الكنيسة.
- أن ثمة منكرون لهذه العقيدة في النصارى، ومنهم الراهبان في روما في مطلع القرن الخامس بيلاجوس وسليتوس وأصحابهما، فقد أنكروا سريان الخطيئة الأصلية إلى ذرية آدم، واعتبروه مما يمنع السعادة الأبدية، وقالوا بأن الإنسان موكول بأعماله.
ومنهم كوائيليس شيس الذي نقلت عنه دائرة المعارف البريطانية أنه قال: " ذنب آدم لم يضر إلا آدم، ولم يكن له أي تأثير على بني النوع البشري، والأطفال الرضعاء حين تضعهم أمهاتهم يكونون كما كان آدم قبل الذنب ".
ويقول الميجور جيمس براون عن فكرة وراثة الذنب الأول: "فكرة فاحشة مستقذرة، لا توجد قبيلة اعتقدت سخافة كهذه ".(1)
ويقول الدكتور نظمي لوقا حيث تحدث عن الآثار السلبية التي تتركها هذه العقيدة فيقول: "الحق أنه لا يمكن أن يقدر قيمة عقيدة خالية من أعباء الخطيئة الأولى الموروثة إلا من نشأ في ظل تلك الفكرة القاتمة التي تصبغ بصبغة الخجل والتأثم كل أفعال الفرد، فيمضي حياته مضي المريب المتردد، ولا يقبل عليها إقبال الواثق بسبب ما أنقض ظهره من الوزر الموروث.
إن تلك الفكرة القاسية تسمم ينابيع الحياة كلها، ورفعها عن كاهل الإنسان منّة عظمى، بمثابة نفخ نسمة حياة جديدة فيه، بل هو ولادة جديدة حقاً...".
ويقول: "وإن أنسى لا أنسى ما ركبني صغيراً من الفزع والهول من جراء تلك الخطيئة الأولى، وما سيقت فيه من سياق مروع يقترن بوصف جهنم ... جزاء وفاقاً على خطيئة آدم بإيعاز من حواء ... وإن أنسى لا أنسى القلق الذي ساورني وشغل خاطري على ملايين البشر قبل المسيح أين هم، وما ذنبهم حتى يهلكوا بغير فرصة للنجاة".(2)
وهكذا بطل القول بسريان الخطيئة إلى ذرية آدم، من خلال النصوص الصريحة في الكتب المقدسة وبشهادة العقلاء من أبناء النصرانية.
كتاب هل افتدانا
المسيح على الصليب ؟
د. منقذ بن محمود السقار
__________
(1) انظر مخطوطات البحر الميت، أحمد عثمان، ص (154)، ما هي النصرانية محمد تقي العثماني، ص (88 - 90)، المسيح إنسان أم إله، محمد مجدي مرجان، ص (139)، الخطيئة الأولى بين اليهودية والمسيحية والإسلام، أميمة شاهين، ص (270).
(2) محمد الرسالة والرسول، نظمي لوقا ، ص (75-78).
تشهد الكتب المقدسة عند النصارى لكثيرين بالخيرية، وتثني عليهم، ولو كانوا مسربلين بالخطيئة الأصلية لما استحقوا هذا الثناء، ومن هؤلاء الأطفال الذين قال فيهم المسيح في إحدى وصاياه: "الحق أقول لكم، إن لم ترجعوا وتصيروا مثل الأولاد فلن تدخلوا ملكوت السماوات، فمن وضع نفسه مثل هذا الولد، فهو الأعظم في ملكوت السماوات " ( متى 18/3 - 4 )، (وانظر مرقس 10/13/16 ).
وعندها نهر تلاميذه أطفالاً قال: "دعوا الأولاد يأتون إليّ ولا تمنعوهم، لأن لمثل هؤلاء ملكوت السماوات " ( متى 19/13 - 14 ) فيفهم من هذين النصين طهرة الأطفال من الخطيئة الأصلية، لذلك جعلهم مثلاً للأبرار الذين يدخلون الجنة.
لكن القديس أوغسطينوس كان يحكم بالهلاك على جميع الأطفال غير المعمدين، وكان يفتي بأنهم يحرقون في نار جهنم، ولن يتمتعوا برؤية ملكوت الرب.
والأبرار أيضاً لم يحملوا هذه الخطيئة، فهؤلاء الأبرار ذكرتهم نصوص التوراة وأثنت عليهم ولم تتحدث عن هلاكهم أو تأثرهم بالخطيئة الموروثة "كان كلام الرب إليّ قائلاً: ما لكم أنتم تضربون هذا المثل على أرض إسرائيل قائلين: الآباء أكلوا الحصرم، وأسنان الأبناء ضرست، حي يقول السيد الرب ... الإنسان الذي كان باراً وفعل حقاً وعدلاً، لم يأكل على الجبال، ولم يرفع عينيه إلى أصنام بيت إسرائيل، ولم ينجس امرأة قريبه، ولم يقرب طامثاً، ولم يظلم إنساناً ... فهو بار، حياة يحيا يقول السيد الرب" ( حزقيال 18/19 - 23)، فكل من يعمل الصالحات يكون باراً، ولا تؤثر فيه خطية آدم أو غيره.
ومن هؤلاء الأبرار الذين لم تكبلهم الخطيئة، وأثنت عليهم التوراة، الأنبياء، ولو كانوا حاملين للخطيئة لما كانوا أهلاً لهداية الناس، فإن قيل عفي عنهم، فلم تراه لم يُعفَ عن بقية العالمين - من غير دم - كما عفي عن الأنبياء الذين اختار الله منهم كليماً وخليلاً.
ومن الأنبياء الذين أثنت عليهم التوراة أخنوخ " وسار أخنوخ مع الله، ولم يوجد لأن الله أخذه" ( التكوين 5/24 )، وقد قال عنه بولس: " بالإيمان نقل أخنوخ لكي لا يرى الموت، ولم يوجد لأن الله نقله، إذ قبل نقله شهد له بأنه قد أرضى الله" (عبرانيين 11/5).
وأيضاً نوح عليه السلام تقول عنه التوراة: " وكان نوح رجلاً باراً كاملاً في أجياله، وسار نوح مع الله " ( التكوين 6/9).
وأيضاً إبراهيم فقد قيل له: " لا تخف يا إبرام أنا ترس لك، أجرك كثير جداً " ( التكوين 11/1)، وقيل عنه: " بارك الرب إبراهيم في كل شيء " ( التكوين 24/1).
ومن هؤلاء الأبرار أيوب، وقد أخبر عن نفسه أنه بريء من كل ذنب وإثم، وأنه كان باراً مطيعاً لأقوال الله: "قد قلتَ في مسامعي، وصوت أقوالك سمعتُ. قلت: أنا بريء بلا ذنب، زكي أنا ولا إثم لي" (أيوب 33/8-9).
ورغم هذه المزايا الفريدة لأيوب، فإن يوحنا المعمدان أعظم منه، كما قال المسيح: " الحق أقول لكم: لم يقم بين المولودين من النساء أعظم من يوحنا المعمدان " ( متى 11/11)، ويقول عنه لوقا: "لأنه يكون عظيماً أمام الرب، وخمراً ومسكراً لا يشرب" (لوقا 1/15)، فهؤلاء جميعاً لم يرثوا الخطيئة، ولم تؤثر فيهم مع أنهم من ذرية آدم، والكتاب يعلن صلاحهم وعدم احتياجهم إلى الخلاص بدم المسيح أو غيره..
كما أثنت التوراة على أشخاص من غير الأنبياء ووصفتهم بالصلاح والبر، فدل ذلك على عدم حملهم للخطيئة الأصلية.
منهم هابيل بن آدم الذي تقبل الله منه ذبيحته لصلاحه، ولم يقبلها من أخيه، فلم تمنعه خطيئة أبيه من أن يكون عند الله مقبولاً ( انظر التكوين 4/4)، وقد قال عنه الكاتب المجهول لرسالة العبرانيين: "بالإيمان قدم هابيل للّه ذبيحة أفضل من قايين، فبه شهد له أنه بار، إذ شهد الله لقرابينه" (عبرانيين 11/4).
وكذلك الناجون مع نوح كانوا جميعاً أبراراً، فأنجاهم الله من الطوفان " ورأى الله الأرض، فإذا هي فسدت، إذ كان كل بشر قد أفسد طريقه على الأرض فقال الله لنوح: نهاية كل بشر أتت أمامي ... وتبقى نوح والذين معه في الفلك فقط" ( التكوين 6/12- 7/23 ). ولو كانت الخطيئة موروثة لكان الجميع خاطئين، ولما كان ثمة مبرر لهذا التفريق بين الناجين والمغرقين.
ومن الأبرار أيضاً لاوي بن يعقوب، والذي اختص وسبطه بالكهانة، حيث قال الله عنه: "عهدي معه للحياة والسلام، وأعطيته إياهما للتقوى، فاتقاني، ومن اسمي ارتاع هو، شريعة الحق كانت في فِيه، وإثم لم يوجد في شفتيه، سلك معي في السلام والاستقامة، وأرجع كثيرين عن الإثم، لأن شفتي الكاهن تحفظان معرفة، ومن فمه يطلبون الشريعة، لأنه رسول رب الجنود" (ملاخي 2/5-7).
كذا خاطب الرب أورشليم محدثاً إياها عن البقية المؤمنة في بني إسرائيل، فقال: "وأبقي في وسطكِ شعباً بائساً ومسكيناً، فيتوكلون على اسم الرب، بقيةُ إسرائيل لا يفعلون إثماً، ولا يتكلمون بالكذب، ولا يوجد في أفواههم لسان غش، لأنهم يرعون ويربضون " (صفنيا 3/12-13)، فهؤلاء اليهود الباقون في أورشليم منزهون عن الإثم والخطية.
وأيضاً شهد المسيح بنجاة لعازر، وقد مات قبل الصلب المزعوم للمسيح " فمات المسكين وحملته الملائكة إلى حضن إبراهيم، ومات الفتى أيضاً، ودفن، فرفع عينيه في الهاوية وهو في العذاب ورأى إبراهيم من بعيد ولعازر في حضنه، فنادى وقال: يا أبي إبراهيم، ارحمني .... " ( لوقا 16/21 -24)، فلعازر نجا وقد مات قبل الصلب المزعوم للمسيح.
ويجزم المسيح بخلاص العشار زكا الذي أنفق نصف ماله في سبيل الله من غير أن يحتاج لدم يخلصه أو فادٍ يصلب عنه " فوقف زكا وقال للرب: ها أنا يا رب أعطي نصف أموالي للمساكين، وإن كنت قد وشيت بأحد أرد أربعة أضعاف. فقال له يسوع: اليوم حصل خلاص لهذا البيت، إذ هو أيضاً ابن إبراهيم" (لوقا 19/8-9)، لقد نال الخلاص بالبر والعمل الصالح.
إبطال نظرية الذنب الموروث بشهادات النصارى
ومما يبطل نظرية وراثة الخطيئة الأصلية الإنكار الذي صدر عن النصارى قديماً وحديثاً، فعبروا عن رفضهم لهذا الظلم وعن تحمل تبعات خطيئة لم يرتكبوها ولم يستشاروا فيها، بل ولم يشهدوها، ومن ذلك :
- أن مخطوطات نجع حمادي المكتشفة بعد الحرب العالمية الثانية خلت من الحديث عن الخطيئة والغفران الذي يتحدث عنه آباء الكنيسة.
- أن ثمة منكرون لهذه العقيدة في النصارى، ومنهم الراهبان في روما في مطلع القرن الخامس بيلاجوس وسليتوس وأصحابهما، فقد أنكروا سريان الخطيئة الأصلية إلى ذرية آدم، واعتبروه مما يمنع السعادة الأبدية، وقالوا بأن الإنسان موكول بأعماله.
ومنهم كوائيليس شيس الذي نقلت عنه دائرة المعارف البريطانية أنه قال: " ذنب آدم لم يضر إلا آدم، ولم يكن له أي تأثير على بني النوع البشري، والأطفال الرضعاء حين تضعهم أمهاتهم يكونون كما كان آدم قبل الذنب ".
ويقول الميجور جيمس براون عن فكرة وراثة الذنب الأول: "فكرة فاحشة مستقذرة، لا توجد قبيلة اعتقدت سخافة كهذه ".(1)
ويقول الدكتور نظمي لوقا حيث تحدث عن الآثار السلبية التي تتركها هذه العقيدة فيقول: "الحق أنه لا يمكن أن يقدر قيمة عقيدة خالية من أعباء الخطيئة الأولى الموروثة إلا من نشأ في ظل تلك الفكرة القاتمة التي تصبغ بصبغة الخجل والتأثم كل أفعال الفرد، فيمضي حياته مضي المريب المتردد، ولا يقبل عليها إقبال الواثق بسبب ما أنقض ظهره من الوزر الموروث.
إن تلك الفكرة القاسية تسمم ينابيع الحياة كلها، ورفعها عن كاهل الإنسان منّة عظمى، بمثابة نفخ نسمة حياة جديدة فيه، بل هو ولادة جديدة حقاً...".
ويقول: "وإن أنسى لا أنسى ما ركبني صغيراً من الفزع والهول من جراء تلك الخطيئة الأولى، وما سيقت فيه من سياق مروع يقترن بوصف جهنم ... جزاء وفاقاً على خطيئة آدم بإيعاز من حواء ... وإن أنسى لا أنسى القلق الذي ساورني وشغل خاطري على ملايين البشر قبل المسيح أين هم، وما ذنبهم حتى يهلكوا بغير فرصة للنجاة".(2)
وهكذا بطل القول بسريان الخطيئة إلى ذرية آدم، من خلال النصوص الصريحة في الكتب المقدسة وبشهادة العقلاء من أبناء النصرانية.
كتاب هل افتدانا
المسيح على الصليب ؟
د. منقذ بن محمود السقار
__________
(1) انظر مخطوطات البحر الميت، أحمد عثمان، ص (154)، ما هي النصرانية محمد تقي العثماني، ص (88 - 90)، المسيح إنسان أم إله، محمد مجدي مرجان، ص (139)، الخطيئة الأولى بين اليهودية والمسيحية والإسلام، أميمة شاهين، ص (270).
(2) محمد الرسالة والرسول، نظمي لوقا ، ص (75-78).