خطيئة آدم والذنب الموروث
تبدأ قصة الخطيئة ثم الخلاص والفداء عندما خلق الله آدم في جنته، ونهاه عن الأكل من أحد أشجارها، فأغواه إبليس، فوقع الأبوان في شراك كيده، وأكلا من الشجرة المحرمة، فعاقبهما الله بما يستحقا، وأنزلهما إلى الأرض.
فمدخل عقيدة الخلاص والفداء هي تلكم القصة التي حصلت في فجر البشرية، فلنرَ ماذا يقول الكتاب المقدس عن تلك القصة، ولنبدأ باستعراض قصة ذنب آدم كما جاءت في سفر التكوين،
قصة خطيئة آدم في سفر التكوين:
يقول سفر التكوين: " وأخذ الرب الإله آدم، ووضعه في جنة عدن ليعملها ويحفظها، وأوصى الرب الإله آدم قائلاً: من جميع شجر الجنة تأكل أكلاً. وأما شجرة معرفة الخير والشر فلا تأكل أكلاً. وأما شجرة معرفة الخير والشر فلا تأكل منها، لأنك يوم تأكل منها موتاً تموت ...
وكانت الحية أحيَل جميع حيوانات البرية التي عملها الرب الإله؟، فقالت للمرأة: أحقاً قال الله: لا تأكلا من كل شجر الجنة؟ فقالت المرأة للحية: من ثمر شجر الجنة نأكل، وأما ثمر الشجرة التي في وسط الجنة فقال الله: لا تأكلا منه، ولا تمساه لئلا تموتا.
فقالت الحية للمرأة: لن تموتا، بل الله عالم أنه يوم تأكلان منه تنفتح أعينكما وتكونان كالله عارفين الخير والشر، فرأت المرأة أن الشجرة جيدة للأكل، وأنها بهجة للعيون، وأن الشجرة شهية للنظر، فأخذت من ثمرها، وأكلت، وأعطت رجلها أيضاً معها، فأكل فانفتحت أعينهما، وعلما أنهما عريانان. فخاطا أوراق تين، وصنعا لأنفسهما مآزر.
وسمعا صوت الرب الإله ماشياً في الجنة عند هبوب ريح النهار، فاختبأ آدم وامرأته من وجه الرب الإله في وسط شجر الجنة.
فنادى الرب الإله آدم، وقال له: أين أنت؟ فقال: سمعت صوتك في الجنة، فخشيت لأني عريان، فاختبأت.
فقال: من أعلمك أنك عريان ؟ هل أكلت من الشجرة التي أوصيتك أن لا تأكل منها؟ فقال آدم: المرأة التي جعلتها معي هي أعطتني من الشجرة فأكلت.
فقال الرب الإله للمرأة: ما هذا الذي فعلت؟ فقالت المرأة: الحية غرّتني فأكلتُ.
فقال الرب الإله للحية: لأنك فعلت هذا ملعونة أنت من جميع البهائم. ومن جميع وحوش البرية على بطنك تسعين، وتراباً تأكلين كل أيام حياتك، وأضع عداوة بينكِ وبين المرأة وبين نسلك ونسلها، هو يسحق رأسك، وأنت تسحقين عقبه.
وقال للمرأة: تكثيراً أكثر أتعاب حبلك، بالوجع تلدين أولاداً، وإلى رجلك يكون اشتياقك، وهو يسود عليك.
وقال لآدم: لأنك سمعت لقول امرأتك، وأكلت من الشجرة التي أوصيتك قائلاً: لا تأكل منها. ملعونة الأرض بسببك، بالتعب تأكل منها كل أيام حياتك، وشوكاً وحسكاً تنبت لك، وتأكل عشب الحقل، بعرق وجهك تأكل خبزاً حتى تعود إلى الأرض التي أخذت منها، لأنك تراب، وإلى تراب تعود ...
وقال الرب الإله: هو ذا الإنسان قد صار كواحد منا عارفاً الخير والشر، والآن لعله يمد يده، ويأخذ من شجرة الحياة أيضاً، ويأكل ويحيا إلى الأبد، فأخرجه الرب الإله من جنة عدن ليعمل الأرض التي أخذ منها، فطرد الإنسان، وأقام شرقي جنة عدن الكروبيم، ولهيب سيف متقلب لحراسة طريق شجرة الحياة " (التكوين 2/15-3/24).
نقد القصة التوراتية للخطيئة الأولى
إن التأمل في القصة التوراتية يثير عدداً كبيراً من الأسئلة، ويشكك في مصداقية الرواية التي بنى عليها النصارى أحد أكبر أوهامهم.
وأول ما نلاحظه أن الرواية التوراتية تتحدث عن الذات الإلهية بما لا يليق وشمولية علم الله وتنزهه عن النقائص، ومنه نسبة الجهل إليه جل وعلا، إذ يقول السفر: " وسمعا صوت الرب الإله ماشياً في الجنة عند هبوب النهار، فاختبأ آدم وامرأته في وجه الرب الإله في وسط شجر الجنة، فنادى الرب الإله آدم، وقال له: أين أنت ؟ "، فسؤاله ليس سؤالاً تقريرياً، وليس تأنيبياً، بل هو استفهامي، صدر عن عاجز عن الوصول إلى من توارى عنه حين سمع وقع أقدامه.
كما نسبت الرواية التوراتية الإغواء إلى الحية، فلئن كانت الحية حقيقية كما يذهب إليه مفسرو أهل الكتاب، فالسؤال: هل الحيوان يكلف ويعاقب، وهل أرسل له رسل من جنسه، وأين أشار العهد القديم لمثل هذا التكليف الغريب؟
ورغم تفسير الكتاب للحية بأنها رمز للشيطان (انظر الرؤيا 20/2)، فإن سفر التكوين كان يتحدث عن حية حقيقية، وليس عن معنى رمزي، فقد وصف الحية بأنها من البهائم "الحية أحيل جميع حيوانات البرية"، وقال عنها: " ملعونة أنت من جميع البهائم ومن جميع وحوش البرية، على بطنك تسعين"، فالحديث عن حية حقيقية نراها إلى يومنا هذا وهي تسعى على بطنها، عقوبة للعصيان، كما جاء في السفر التوراتي.
كما يجعل السفر التوراتي سبب إخراج آدم من الجنة الخوف من تسلط آدم على شجرة الحياة " والآن لعله يمد يده، ويأخذ من شجرة الحياة، ويأكل ويحيا إلى الأبد، فأخرجه الرب الإله من جنة عدن ".
ويبقى السؤال الأهم: ما هي معصية آدم؟ وتأتي الإجابة التوراتية واضحة، لقد أكل من الشجرة المحرمة، شجرة معرفة الخير والشر، لقد عرف الخير والشر. فماذا ترتب على هذه المعرفة من ثمرة مشينة؟ لا يذكر النص التوراتي لهذه الفعلة أثراً سوى أن آدم وحواء عرفا بأنهما عريانان، إذ انكشفت لهما الأمور بمعرفتهما للخير والشر.
لكن المعرفة سلم للوصول إلى الحقيقة، ولم تحرم إلا في زمن الطغاة والمستبدين، فهل كان بحث آدم عنها وتشوقه إليها جريمة! أليس ذلك تحقيقاً للمشيئة الإلهية في إقامة الجنس البشري.
ثم من الظلم أن يعاقب آدم - حسب النص - على ذنب ما كان له أن يدرك قبحه، إذ لم يعرف بعدُ الخير من الشر، بل ونتساءل: كيف وقع آدم في الإثم وهو غير ميال للشر والخطيئة التي دخلت للإنسان بعده كما يزعم النصارى.
أما الإسلام فيعترف بالجبلة البشرية التي خلق الله الإنسان عليها فهو مستعد للخير والشر، مدرك لهما، ولذا فهو مكلف بفعل الخير وبالامتناع عن الشر، ومحاسب على ذلك.
وثمة مسألة أخرى هامة من الذي يتحمل وزر الذنب آدم أم حواء؟
يذكر النص التوارتي ما يفهم منه براءة آدم من غواية الحية وإدانة حواء بها، ففيه أن حواء التي أغوتها الحية فأكلت " وأعطت رجلها أيضاً معها، فأكل ".
ولما سئل عن فعلته قال آدم: " المرأة التي جعلتها معي هي أعطتني من الشجرة، فأكلت"، وبراءة آدم من غواية إبليس صرح به بولس، فقال: " وآدم لم يغو، لكن المرأة أغويت، فحصلت في التعدي " (تيموثاوس (1) 2/14 )، لأنه "كأنما بإنسان واحد دخلت الخطية إلى العالم " (رومية 5/12).
ولا ريب أن لهذا كبير علاقة مع النظرة اليهودية للمرأة حيث تزري بها شرائع اليهودية، وهي في هذا النص تعتبرها سبباً للخطيئة، وقد قال ابن سيراخ في سفره: "من المرأة نشأت الخطيئة، وبسببها نموت أجمعون" (ابن سيراخ 25/24).
والقرآن الكريم عندما تحدث عن خطيئة آدم حمّل آدم - وهو الرجل، رب الأسرة وصاحب القرار الأول فيها - المسئولية الأولى ( وعصى آدم ربه فغوى( (طه:121).
كما تحدث النص التوراتي عن عقوبات ثلاث طالت آدم وحواء والحية.
أما الحية فكانت عقوبتها أنها " ملعونة أنت من جميع البهائم، ومن جميع وحوش البرية على بطنك تسعين، وتراباً تأكلين كل أيام حياتك، وأضع عداوة بينك وبين المرأة، وبين نسلك ونسلها، هو يسحق رأسك، وأنت تسحقين عقبه ".
وأما عقوبة حواء " تكثيراً أكثر أتعاب حبلك، بالوجع تلدين أولاداً، وإلى رجلك يكون اشتياقك، وهو يسود عليك ".
وأما عقوبة آدم " ملعونة الأرض بسببك، وبالتعب تأكل منها كل أيام حياتك، وشوكاً وحسكاً تنبت لك، وتأكل عشب الحقل، بعرق وجهك تأكل خبزاً ".
ولنا أن نتساءل: هل كانت الحية قبلُ مستوية القامة حسناء لا تأكل التراب، بل تبلع الحيوان، وهل تأكل الحيات اليوم التراب أم أن هذه العقوبة رفعت عنها بعد صلب المسيح؟!
وأما المرأة فعوقبت بأمرين: أحدهما: جسماني، وهو أتعاب الحمل والولادة، وثانيهما: معنوي نفسي، وهو دوام اشتياقها للرجل، وأنه يسود عليها.
وهذه العقوبات كافية في تحقيق الخلاص لها ولجنس النساء بعدها " المرأة أغويت، فحصلت في التعدي، ولكنها ستخلص بولادة الأولاد، إن ثبتن في الإيمان والمحبة والقداسة مع التعقل" (تيموثاوس (1) 2/14).
ونلحظ أن هذه العقوبة وعقوبة آدم تختلفان عن العقوبة التي هدد فيها من يأكل من الشجرة "وأما شجرة معرفة الخير والشر فلا تأكل منها، لأنك يوم تأكل منها موتاً تموت "، ولم يمت آدم وحواء يومذاك ، بل عاشا قروناً متطاولة.
ولا يمكن أن يقال بأن الموت المقصود موت معنوي لأنه لا يفهم من السياق، ولقول بولس: "كأنما بإنسان واحد دخلت الخطية إلى العالم، وبالخطية الموت، وهكذا اجتاز الموت إلى جميع الناس، إذ أخطأ الجميع " ( رومية 5/23 ).
و مما يصرف الموت عن المجاز إلى الحقيقة أن النص يقول: " لأنك يوم تأكل منها موتاً تموت " فكما الأكل حقيقي، الموت حقيقي، وأيضاً التأكيد في قوله: "موتاً تموت" يمنع المجاز.
والحق أن آدم حين أكل من الشجرة - وفقاً للنص التوراتي - قد اكتسب حياة روحية سامية، فقد حاز معرفة فريدة كمعرفة الله العليم الخبير "وتكونان كالله عارفين الخير والشر ... قال الرب الإله: هو ذا الإنسان قد صار كواحد منا عارفاً الخير والشر" (التكوين 3/5 ، 22)، وإن عاقلاً في الدنيا لا ينكر أهمية هذه المعرفة للإنسانية التي ترتع بالشرور وقد عرفتها، فكيف يكون حالها لو لم تعرفها، ولم تميز بينها وبين الخير؟
ومما يؤسف له أن النص التوراتي يجعل الحية أصدق مقالاً من الله، لقد قال لآدم: " فلا تأكل منها، لأنك يوم تأكل منها موتاً تموت "، ولم يمت حين آكل منها، فيما صدقت الحية حين قالت مكذبة الله: "لن تموتا، بل الله عالم أنه يوم تأكلان منه تنفتح أعينكما وتكونان كالله عارفين الخير والشر" وكان كما أخبرت، فهل يليق ورود مثل هذا في كتاب ينسب إلى الله العليم القدير؟!
المقالة القادمة.
فلسفة النصارى لمسألة الخطيئة والكفارة
تبدأ قصة الخطيئة ثم الخلاص والفداء عندما خلق الله آدم في جنته، ونهاه عن الأكل من أحد أشجارها، فأغواه إبليس، فوقع الأبوان في شراك كيده، وأكلا من الشجرة المحرمة، فعاقبهما الله بما يستحقا، وأنزلهما إلى الأرض.
فمدخل عقيدة الخلاص والفداء هي تلكم القصة التي حصلت في فجر البشرية، فلنرَ ماذا يقول الكتاب المقدس عن تلك القصة، ولنبدأ باستعراض قصة ذنب آدم كما جاءت في سفر التكوين،
قصة خطيئة آدم في سفر التكوين:
يقول سفر التكوين: " وأخذ الرب الإله آدم، ووضعه في جنة عدن ليعملها ويحفظها، وأوصى الرب الإله آدم قائلاً: من جميع شجر الجنة تأكل أكلاً. وأما شجرة معرفة الخير والشر فلا تأكل أكلاً. وأما شجرة معرفة الخير والشر فلا تأكل منها، لأنك يوم تأكل منها موتاً تموت ...
وكانت الحية أحيَل جميع حيوانات البرية التي عملها الرب الإله؟، فقالت للمرأة: أحقاً قال الله: لا تأكلا من كل شجر الجنة؟ فقالت المرأة للحية: من ثمر شجر الجنة نأكل، وأما ثمر الشجرة التي في وسط الجنة فقال الله: لا تأكلا منه، ولا تمساه لئلا تموتا.
فقالت الحية للمرأة: لن تموتا، بل الله عالم أنه يوم تأكلان منه تنفتح أعينكما وتكونان كالله عارفين الخير والشر، فرأت المرأة أن الشجرة جيدة للأكل، وأنها بهجة للعيون، وأن الشجرة شهية للنظر، فأخذت من ثمرها، وأكلت، وأعطت رجلها أيضاً معها، فأكل فانفتحت أعينهما، وعلما أنهما عريانان. فخاطا أوراق تين، وصنعا لأنفسهما مآزر.
وسمعا صوت الرب الإله ماشياً في الجنة عند هبوب ريح النهار، فاختبأ آدم وامرأته من وجه الرب الإله في وسط شجر الجنة.
فنادى الرب الإله آدم، وقال له: أين أنت؟ فقال: سمعت صوتك في الجنة، فخشيت لأني عريان، فاختبأت.
فقال: من أعلمك أنك عريان ؟ هل أكلت من الشجرة التي أوصيتك أن لا تأكل منها؟ فقال آدم: المرأة التي جعلتها معي هي أعطتني من الشجرة فأكلت.
فقال الرب الإله للمرأة: ما هذا الذي فعلت؟ فقالت المرأة: الحية غرّتني فأكلتُ.
فقال الرب الإله للحية: لأنك فعلت هذا ملعونة أنت من جميع البهائم. ومن جميع وحوش البرية على بطنك تسعين، وتراباً تأكلين كل أيام حياتك، وأضع عداوة بينكِ وبين المرأة وبين نسلك ونسلها، هو يسحق رأسك، وأنت تسحقين عقبه.
وقال للمرأة: تكثيراً أكثر أتعاب حبلك، بالوجع تلدين أولاداً، وإلى رجلك يكون اشتياقك، وهو يسود عليك.
وقال لآدم: لأنك سمعت لقول امرأتك، وأكلت من الشجرة التي أوصيتك قائلاً: لا تأكل منها. ملعونة الأرض بسببك، بالتعب تأكل منها كل أيام حياتك، وشوكاً وحسكاً تنبت لك، وتأكل عشب الحقل، بعرق وجهك تأكل خبزاً حتى تعود إلى الأرض التي أخذت منها، لأنك تراب، وإلى تراب تعود ...
وقال الرب الإله: هو ذا الإنسان قد صار كواحد منا عارفاً الخير والشر، والآن لعله يمد يده، ويأخذ من شجرة الحياة أيضاً، ويأكل ويحيا إلى الأبد، فأخرجه الرب الإله من جنة عدن ليعمل الأرض التي أخذ منها، فطرد الإنسان، وأقام شرقي جنة عدن الكروبيم، ولهيب سيف متقلب لحراسة طريق شجرة الحياة " (التكوين 2/15-3/24).
نقد القصة التوراتية للخطيئة الأولى
إن التأمل في القصة التوراتية يثير عدداً كبيراً من الأسئلة، ويشكك في مصداقية الرواية التي بنى عليها النصارى أحد أكبر أوهامهم.
وأول ما نلاحظه أن الرواية التوراتية تتحدث عن الذات الإلهية بما لا يليق وشمولية علم الله وتنزهه عن النقائص، ومنه نسبة الجهل إليه جل وعلا، إذ يقول السفر: " وسمعا صوت الرب الإله ماشياً في الجنة عند هبوب النهار، فاختبأ آدم وامرأته في وجه الرب الإله في وسط شجر الجنة، فنادى الرب الإله آدم، وقال له: أين أنت ؟ "، فسؤاله ليس سؤالاً تقريرياً، وليس تأنيبياً، بل هو استفهامي، صدر عن عاجز عن الوصول إلى من توارى عنه حين سمع وقع أقدامه.
كما نسبت الرواية التوراتية الإغواء إلى الحية، فلئن كانت الحية حقيقية كما يذهب إليه مفسرو أهل الكتاب، فالسؤال: هل الحيوان يكلف ويعاقب، وهل أرسل له رسل من جنسه، وأين أشار العهد القديم لمثل هذا التكليف الغريب؟
ورغم تفسير الكتاب للحية بأنها رمز للشيطان (انظر الرؤيا 20/2)، فإن سفر التكوين كان يتحدث عن حية حقيقية، وليس عن معنى رمزي، فقد وصف الحية بأنها من البهائم "الحية أحيل جميع حيوانات البرية"، وقال عنها: " ملعونة أنت من جميع البهائم ومن جميع وحوش البرية، على بطنك تسعين"، فالحديث عن حية حقيقية نراها إلى يومنا هذا وهي تسعى على بطنها، عقوبة للعصيان، كما جاء في السفر التوراتي.
كما يجعل السفر التوراتي سبب إخراج آدم من الجنة الخوف من تسلط آدم على شجرة الحياة " والآن لعله يمد يده، ويأخذ من شجرة الحياة، ويأكل ويحيا إلى الأبد، فأخرجه الرب الإله من جنة عدن ".
ويبقى السؤال الأهم: ما هي معصية آدم؟ وتأتي الإجابة التوراتية واضحة، لقد أكل من الشجرة المحرمة، شجرة معرفة الخير والشر، لقد عرف الخير والشر. فماذا ترتب على هذه المعرفة من ثمرة مشينة؟ لا يذكر النص التوراتي لهذه الفعلة أثراً سوى أن آدم وحواء عرفا بأنهما عريانان، إذ انكشفت لهما الأمور بمعرفتهما للخير والشر.
لكن المعرفة سلم للوصول إلى الحقيقة، ولم تحرم إلا في زمن الطغاة والمستبدين، فهل كان بحث آدم عنها وتشوقه إليها جريمة! أليس ذلك تحقيقاً للمشيئة الإلهية في إقامة الجنس البشري.
ثم من الظلم أن يعاقب آدم - حسب النص - على ذنب ما كان له أن يدرك قبحه، إذ لم يعرف بعدُ الخير من الشر، بل ونتساءل: كيف وقع آدم في الإثم وهو غير ميال للشر والخطيئة التي دخلت للإنسان بعده كما يزعم النصارى.
أما الإسلام فيعترف بالجبلة البشرية التي خلق الله الإنسان عليها فهو مستعد للخير والشر، مدرك لهما، ولذا فهو مكلف بفعل الخير وبالامتناع عن الشر، ومحاسب على ذلك.
وثمة مسألة أخرى هامة من الذي يتحمل وزر الذنب آدم أم حواء؟
يذكر النص التوارتي ما يفهم منه براءة آدم من غواية الحية وإدانة حواء بها، ففيه أن حواء التي أغوتها الحية فأكلت " وأعطت رجلها أيضاً معها، فأكل ".
ولما سئل عن فعلته قال آدم: " المرأة التي جعلتها معي هي أعطتني من الشجرة، فأكلت"، وبراءة آدم من غواية إبليس صرح به بولس، فقال: " وآدم لم يغو، لكن المرأة أغويت، فحصلت في التعدي " (تيموثاوس (1) 2/14 )، لأنه "كأنما بإنسان واحد دخلت الخطية إلى العالم " (رومية 5/12).
ولا ريب أن لهذا كبير علاقة مع النظرة اليهودية للمرأة حيث تزري بها شرائع اليهودية، وهي في هذا النص تعتبرها سبباً للخطيئة، وقد قال ابن سيراخ في سفره: "من المرأة نشأت الخطيئة، وبسببها نموت أجمعون" (ابن سيراخ 25/24).
والقرآن الكريم عندما تحدث عن خطيئة آدم حمّل آدم - وهو الرجل، رب الأسرة وصاحب القرار الأول فيها - المسئولية الأولى ( وعصى آدم ربه فغوى( (طه:121).
كما تحدث النص التوراتي عن عقوبات ثلاث طالت آدم وحواء والحية.
أما الحية فكانت عقوبتها أنها " ملعونة أنت من جميع البهائم، ومن جميع وحوش البرية على بطنك تسعين، وتراباً تأكلين كل أيام حياتك، وأضع عداوة بينك وبين المرأة، وبين نسلك ونسلها، هو يسحق رأسك، وأنت تسحقين عقبه ".
وأما عقوبة حواء " تكثيراً أكثر أتعاب حبلك، بالوجع تلدين أولاداً، وإلى رجلك يكون اشتياقك، وهو يسود عليك ".
وأما عقوبة آدم " ملعونة الأرض بسببك، وبالتعب تأكل منها كل أيام حياتك، وشوكاً وحسكاً تنبت لك، وتأكل عشب الحقل، بعرق وجهك تأكل خبزاً ".
ولنا أن نتساءل: هل كانت الحية قبلُ مستوية القامة حسناء لا تأكل التراب، بل تبلع الحيوان، وهل تأكل الحيات اليوم التراب أم أن هذه العقوبة رفعت عنها بعد صلب المسيح؟!
وأما المرأة فعوقبت بأمرين: أحدهما: جسماني، وهو أتعاب الحمل والولادة، وثانيهما: معنوي نفسي، وهو دوام اشتياقها للرجل، وأنه يسود عليها.
وهذه العقوبات كافية في تحقيق الخلاص لها ولجنس النساء بعدها " المرأة أغويت، فحصلت في التعدي، ولكنها ستخلص بولادة الأولاد، إن ثبتن في الإيمان والمحبة والقداسة مع التعقل" (تيموثاوس (1) 2/14).
ونلحظ أن هذه العقوبة وعقوبة آدم تختلفان عن العقوبة التي هدد فيها من يأكل من الشجرة "وأما شجرة معرفة الخير والشر فلا تأكل منها، لأنك يوم تأكل منها موتاً تموت "، ولم يمت آدم وحواء يومذاك ، بل عاشا قروناً متطاولة.
ولا يمكن أن يقال بأن الموت المقصود موت معنوي لأنه لا يفهم من السياق، ولقول بولس: "كأنما بإنسان واحد دخلت الخطية إلى العالم، وبالخطية الموت، وهكذا اجتاز الموت إلى جميع الناس، إذ أخطأ الجميع " ( رومية 5/23 ).
و مما يصرف الموت عن المجاز إلى الحقيقة أن النص يقول: " لأنك يوم تأكل منها موتاً تموت " فكما الأكل حقيقي، الموت حقيقي، وأيضاً التأكيد في قوله: "موتاً تموت" يمنع المجاز.
والحق أن آدم حين أكل من الشجرة - وفقاً للنص التوراتي - قد اكتسب حياة روحية سامية، فقد حاز معرفة فريدة كمعرفة الله العليم الخبير "وتكونان كالله عارفين الخير والشر ... قال الرب الإله: هو ذا الإنسان قد صار كواحد منا عارفاً الخير والشر" (التكوين 3/5 ، 22)، وإن عاقلاً في الدنيا لا ينكر أهمية هذه المعرفة للإنسانية التي ترتع بالشرور وقد عرفتها، فكيف يكون حالها لو لم تعرفها، ولم تميز بينها وبين الخير؟
ومما يؤسف له أن النص التوراتي يجعل الحية أصدق مقالاً من الله، لقد قال لآدم: " فلا تأكل منها، لأنك يوم تأكل منها موتاً تموت "، ولم يمت حين آكل منها، فيما صدقت الحية حين قالت مكذبة الله: "لن تموتا، بل الله عالم أنه يوم تأكلان منه تنفتح أعينكما وتكونان كالله عارفين الخير والشر" وكان كما أخبرت، فهل يليق ورود مثل هذا في كتاب ينسب إلى الله العليم القدير؟!
المقالة القادمة.
فلسفة النصارى لمسألة الخطيئة والكفارة