من الفادي ؟
ورغم هذه العقوبات والمخارج فإن النصارى يقولون بلزوم الفداء والقصاص، فلم لا يكون القصاص في آدم وحواء، فيحييهما الله ويصلبهما، أو يصلب بدلاً منهما شيطاناً أو سوى ذلك، فإن ذلك أعدل من صلب المسيح البريء.يجيب النصارى بأنه لابد في الكفارة أن تكون شيئاً يعدل البشر جميعاً، من غير أن يحمل خطيئتهم الموروثة، وهذه الشروط لا تتوافر في آدم وغيره، بل هي لا تتوفر إلا في المسيح الذي تجسد وتأنس من أجل هذه المهمة العظيمة، فكان أداة خلاصنا ورحمة الله بنا كما قال يوحنا: " لأنه هكذا أحب الله العالم حتى بذل ابنه الوحيد، كي لا يهلك كل من يؤمن، بل تكون له الحياة الأبدية، ولأنه لم يرسل الله ابنه إلى العالم ليدين العالم، بل ليخلص " ( يوحنا 3/16 - 17 ).
فالمسيح يتميز عن سائر البشر بأنه ولد طاهراً من إصر الخطيئة، ولم يصنعها طوال حياته، فهو وحده الذي يمكن أن يصير فادياً وأن يقبل به الفداء، وكما يقول بطرس: " عالمين أنكم افتديتم لا بأشياء تفنى: بفضة أو ذهب، من سيرتكم الباطلة التي تقلدتموها من الآباء، بل بدم كريم كما من حَملٍ بِلاَ عيْب ولا دنس، دم المسيح " (بطرس (1) 1/18 - 19)، ويقول مؤلف رسالة العبرانيين المجهول: "يسوع ابن الله فلنتمسك بالإقرار ... بل مجرب في كل شيء مثلنا، بلا خطية" (عبرانيين 4/14-15).
لكن المسيح لا يمتاز هنا عن كثيرين من الأبرار والمؤمنين الذين لم يفعلوا خطيئة ولا ذنباً، "كل من هو مولود من الله لا يفعل خطية " (يوحنا (1) 3/9)، ولا يخفى أن كل المؤمنين مولودون من الله "وأما كل الذين قبلوه فأعطاهم سلطاناً أن يصيروا : أولاد الله، أي المؤمنين باسمه" (يوحنا 1/12). أمَا كان صلب أحد هؤلاء كفارة أولى من صلب الإله؟
لكنا نرى أن شرط النصارى في براءة الفادي من الذنب لم يتحقق حتى بالمسيح، رغم أن الشرط وضع وفق مواصفات النصارى له، فالمسيح عندهم جسد أرضي ويكتنفه حلول إلهي، وهم حين يقولون بالصلب فإن أحداً منهم لا يقول بصلب الإله، لكن بصلب الناسوت، والتوراة تقول: "ليس إنسان لا يخطئ" (الملوك (1) 8/46)، فالمصلوب هو الناسوت، وليس من إنسان إلا ويخطئ.
كما أن ناسوت المسيح جاءه من مريم التي هي أيضاً حاملة للخطيئة، فالمسيح بجسده الفادي الحامل للخطيئة وراثة لا يصلح أن يكون فادياً!
وعلى كلٍ فالمصلوب هو ابن الإنسان، وليس ابن الله، أي الناسوت لا اللاهوت، فالثمن دون الغرض الذي يدفع له، كيف لإنسان أن يعدل البشرية كلها بدمه؟
والمتأمل في نصوص العهد الجديد يراها تنسب إلى المسيح - وحاشاه عليه الصلاة والسلام- العديد من الذنوب والآثام التي تجعله أحد الخاطئين، فلا يصلح حينئذ لتحقيق الخلاص، لحاجته هو إلى من يخلصه.
فالأسفار الإنجيلية تنسب إلى المسيح العظيم العديد من الرزايا والبلايا، إذ تذكر أنه كان حريصاً على إضلال قومه، محباً لهلاكهم، كما تذكر أنه كان سبّاباً وشريب خمر، وهو بذلك مستوجب لدخول جهنم، ومحروم من دخول الملكوت، وحاشاه عليه الصلاة والسلام.
فقد اتهمه متى بشرب الخمر "جاء ابن الإنسان يأكل ويشرب. فيقولون: هوذا إنسان أكول وشريب خمر. محب للعشارين والخطاة" (متى 11/19).
فيما نسبت إليه الأناجيل الكثير من السباب والشتائم لليهود والتلاميذ، كما في قوله لتلميذيه: "أيها الغبيان والبطيئا القلوب في الإيمان بجميع ما تكلم به الأنبياء" (لوقا 24/25)، وقوله لبطرس : "اذهب عني يا شيطان " ( متى 16/23 ).
وكذا شتم الأنبياء وشبههم باللصوص في قوله: " قال لهم يسوع أيضاً: الحق الحق أقول لكم: إني أنا باب الخراف. جميع الذين أتوا قبلي هم سراق ولصوص" (يوحنا 10/7-8).
وهذا السباب وغيره يستحق فاعله، بل فاعل ما هو أقل منه نار جهنم، وذلك حسب العهد الجديد، يقول متى: " ومن قال: يا أحمق يكون مستوجب نار جهنم" (متى 5/22)، وقال بولس متوعداً الذين يشتمون والذين يشربون الخمر بالحرمان من دخول الجنة: "ولا سكيرون ولا شتامون ولا خاطفون يرثون ملكوت الله" (كورنثوس (1) 6/10)، فمن استحق النار - وحاشاه عليه الصلاة والسلام -
وللحديث بقية إن شاء الله وقدر.