مبررات صلب المسيح عند النصارى
الاكتفاء بالعقوبة التي نالها الأبوان
لكن النصارى يمنعون أن يعفو الله عن آدم وأبنائه، ويصرون أن لابد من العقوبة المستحقة لهم، لكنهم قد نالوها بالفعل، فما بال الخطيئة تتوارث وعقوبتها في أبنائهم، أفليس تكرار العقوبة للعاصي صورة من صور الظلم الذي يتنزه عنه الله!
ذكر سفر التكوين أن الله توعد آدم بالموت إن هو أكل من الشجرة.
لكنه بدلاً عن أن يموت وزوجه جزاء خطيئتهما وتنطفىء الفتنة والفساد والشر في المهد، بدلاً من ذلك كثّر نسلهما، فكان ذلك حياة لهما لا موتاً، وكان سبباً في زيادة الشر والفساد على الأرض.
ثم إضافة للموت الذي لم يتحقق عاقبه بقوله: " ملعونة الأرض بسببك، بالتعب تأكل منها كل أيام حياتك، وشوكاً وحسكاً تنبت لك، وتأكل عشب الحقل بعرق وجهك تأكل خبزاً، حتى تعود إلى الأرض التي أخذت منها، لأنك تراب وإلى تراب تعود " ( التكوين 3/17- 19)، فطرد آدم من الجنة ليعيش في الأرض ويكد فيها، فتلك عقوبته.
وكذلك فإن زوجه حواء عوقبت " تكثيراً أكثر أتعاب حبلك، بالوجع تلدين أولاداً، وإلى رجلك يكون اشتياقك، وهو يسود عليك " ( التكوين 3/16).
لقد عوقب آدم وحواء إذاً، ونلحظ في العقوبة شدة متمثلة في لعن الأرض كلها والأتعاب الطويلة للرجال والنساء، ونلحظ أن ليس ثمة تناسباً بين الذنب والعقوبة، فقد كان يكفيهم الإخراج من الجنة.
وقد بقيت هذه القصاصات من لدن آدم حتى جاء المسيح الفادي، ثم ماذا ؟ هل رفعت هذه العقوبات بموت المسيح؟ هل رفعت عن المؤمنين فقط أم أن شيئاً لم يتغير؟
وهذا هو الصحيح، فما زال الناس يموتون من لدن المسيح، يموت أبرارهم وفجارهم، فلم يبطل حكم الموت فيهم - كما ذكر بولس -: " مخلصنا يسوع الذي أبطل الموت، وأنار الحياة والخلود " (تيموثاوس (2) 1/10 )، وقوله: " بإنسان واحد دخلت الخطية إلى العالم، وبالخطية الموت، وهكذا اجتاز الموت إلى جميع الناس، إذ أخطأ الجميع " ( رومية 5/12 ).
فالمسيح لم يبطل بصلبه ولا بدعوته أي موت، لا الموت الحقيقي ولا الموت المجازي، إذ مازال الناس في الخطيئة يتسربلون، ثم بعد ذلك يموتون.
وأما الموت الحقيقي فليس في باب العقوبة في شيء، بل هو أمر قد كتب على بني آدم، بَرهم وفاجرهم على السواء، قبل المسيح وبعده، وإلى قيام الساعة، كما كتب الموت على الحيوان والنبات، فما بالهم يموتون؟ وهل موتهم لخطأ جدهم وأصلهم الأول أم ماذا؟!
ثم إن هناك من لا يملك النصارى دليلاً على موتهم، فنجوا من الموت من غير فداء المسيح، وذلك متمثل في أخنوخ وإيليا اللذين رفعا إلى السماء وهما حيين كما في الأسفار المقدسة ( انظر التكوين 5/24، والملوك (2) 2/11، وعبرانيين 11/5 ).
وعليه نستطيع القول بأن ليس ثمة علاقة بين الموت وخطيئة آدم.
وكذلك فإن القصاصات الأخرى ما تزال قائمة، فما زال الرجال يكدون ويتعبون، وما تزال النساء تتوجع في الولادة ... ويستوي في ذلك النصارى المفديون - حسب العهد الجديد- بدم المسيح وغيرهم.
والعجب من إصرار النصارى بعد وقوع هذه العقوبات على أن الذنب ما زال مستمراً، وأنه لابد من فادٍ بعد هذه العقوبات الشديدة التي نالها أصحابها.
وفي هذا الصدد نسأل سؤالاً لا يجوز إغفاله أو الحيدة عن إجابته: كيف جهل الأنبياء ذلك المعتقد الهام، فلم يذكروه في كتبهم كما لم يذكره المسيح ولم يعرفه تلاميذه من بعده، حتى جاء به بولس وآباء الكنيسة، فكشفوا ما غاب عن الأنبياء والمرسلين.
مسئولية الإنسان عن عمله
ومما يبطل نظرية وراثة الذنب أيضاً النصوص التي تحمل كل إنسان مسئولية عمله.
وقد تعاقَب الأنبياء على التذكير بهذا المعتقد في نصوص كثيرة ذكرتها التوراة والأناجيل.
ومنها ما جاء في التوراة "وكلم الرب موسى وهارون قائلاً: افترزا من بين هذه الجماعة، فإني أفنيهم في لحظة، فخرّا على وجهيهما وقالا: اللهمّ إله أرواح جميع البشر، هل يخطئ رجل واحد فتسخط على كل الجماعة" (العدد 26/23)، واستجاب الله لهما فعذب بني قورح فقط دون بقية إسرائيل.
وجاء في سفر المزامير: " الأخ لن يفدي الإنسان فداء، ولا يعطي الله كفارة عنه " ( المزمور 49/7 ).
وأيضاً في التوراة: " لا تموت الآباء لأجل البنين، ولا البنون يموتون لأجل الآباء، بل كل واحد يموت لأجل خطيته " ( الأيام (2) 25/4 ).
وأيضاً يقول المسيح: " فإن ابن الإنسان سوف يأتي في مجد أبيه مع ملائكته، وحينئذ يجازي كل واحد حسب عمله " ( متى 16/27 ).
وهو عين كلام المسيح: " كل كلمة بطالة يتكلم بها الناس سوف يعطون عنها حساباً يوم الدين، لأنك بكلامك تبرر، وبكلامك تدان " ( متى 12/36 ).
والعجب أنه قد ورد إثبات مسئولية الإنسان عن عمله في كلام بولس الذي ابتدع معتقد وراثة الذنب، ومنها قوله عن الله: " الذي سيجازي كل واحد حسب أعماله " (رومية 2/6 ).
وللحديث بقية إن كان في العمر بقية إن شاء الله وقدر.