من الفادي ؟
هل يصلح ليفدي البشرية كلها؟!
كما يؤكد المسلمون أن صلب المسيح البريء نيابة عن المذنب آدم وأبنائه حاملي
الإثم ووارثيه نوع من الظلم لا تقره الشرائع على اختلاف مصادرها، ولو عرضت
قضية المسيح على أي محكمة بشرية لصدر حكم ببراءته في دقيقتين فقط. فكيف قبِل
النصارى أن ينسبوا إلى الله عز وجل الرضا عن مثل هذا الظلم، هل يرضى الرب
العادل أن يؤخذ البريء بذنب المذنب، وهو - عز وجل - قادر على العفو والمغفرة.
ويجيب النصارى بأن ليس في الأمر ظلم، وذلك أن المسيح تطوع بالقيام بهذه المهمة،
بل إن نزول لاهوته من السماء وتأنسه كان لتحقيق هذه المهمة العظيمة المتمثلة
بخلاص الناس من الإثم والخطيئة.
أما جويل بويد فيتجه اتجاهاً آخر فيرى أن لا ظلم في صلب المسيح، إذ أن المسيح
بتجسده الإنساني قد أصبح خاطئاً متقمصاً شخصية الإنسان المجرم الخاطئ، وعليه
فقد استحق قول التوراة: " النفس التي تخطئ هي تموت " (حزقيال 18/4).
والقول بتبرع المسيح البريء بالصلب عن الخطاة مردود من وجوه عدة:
- منها أن المسيح لا يحق له أن يرضى عن مثل هذا الصنيع، فهذا من الانتحار لا
الفداء. فقاطع يده أو قاتل نفسه مذنب، مع أن ذلك برضاه ووفق إرادته.
- ومنها أن المسيح صدرت منه تصرفات كثيرة تدل على هروبه من اليهود وكراهيته
للموت على أيديهم، ولو كان قد جاء لهذه المهمة، فلم هرب منها مراراً، وصدر عنه ما يشعر بجهله بهذه المهمة.
فقد هرب المسيح من طالبيه مراراً، وحرص على النجاة من مكائدهم. ( انظر يوحنا 8/59، 10/39، 11/53).
ولما رأى إصرارهم على قتله لم يسلم نفسه، بل خرج من أورشليم، وقال: " بلينبغي
أن أسير اليوم وما يليه، لأنه لا يمكن أن يهلك بني خارجاً عن أورشليم " ( لوقا 13/33 ).
لذا اختار الجليل ملاذاً له من مؤامرة اليهود "وكان يسوع يتردد بعد هذا في الجليل،
لأنه لم يرد أن يتردد في اليهودية، لأن اليهود كانوا يطلبون أن يقتلوه" (يوحنا 7/1).
وصار المسيح يتخفى حين تجبره الظروف على الظهور "فمن ذلك اليوم تشاوروا
ليقتلوه، فلم يكن يسوع يمشي بين اليهود علانية" (يوحنا 11/54).
ولما أحس بالمؤامرة أمر تلاميذه بشراء سيوف ليدفعوا بها عنه. ( انظر لوقا 22/36 - 38).
ثم هرب إلى البستان، وصلى طويلاً وحزن واكتئب وتصبب عرقه وهو يطلب من الله "
إن أمكن فلتعبر عني هذه الكأس " ( متى 26/39 )، لقد طلب من الله أن يصرف عنهكأس الموت.
ثم لما وضع على الصليب - كما زعموا - صرخ: " إيلي إيلي، لم شبقتني، أي: إلهي
إلهي، لماذا تركتني؟ " ( متى 27/46 )، فلم يكن راضياً عن صلبه، ولا عالماً
بالمهمة التي زعموا أنه جاء لأجلها.
وصراخ المصلوب اليائس على الصليب اعتبرته دراسة صموئيل ريماروس ( ت
1778م ) حجة أساس في نتائجه التي توصل إليها بعد دراسته الموسعة، فاعتبرهدالاً
على أن المسيح لم يخطر بباله أنه سيصلب، خلافاً لما تقوله الأناجيل.
ومنها: أن المسيح لم يخبر عن هذه المهمة أحداً من تلاميذه، وأن أحداً منهم لم يعرف
شيئاً عن ذلك، كما لم تخبر به النبوات على جلالة الحدث وأهميته.
وللحديث بقية إن شاء الله وقدر.