نقض الناموس
والمسيح عليه السلام لم يعلم شيئاً عن رفع الشريعة ونسخها بدمه كما زعم بولس، لذا نراه وعبر أقواله وأفعاله يؤكد على العمل بالناموس في مستقبل الأيام، فها هو يحذر تلاميذه مما سيصيبهم حين ظهور رجسة الخراب التي أخبر عنها دانيال، ويشفق عليهم أن تكون في سبت أو شتاء، حيث يصعب الهرب في الشتاء، ويمتنع ديانة في السبت، الذي كان يحترمه المسيح، كما أمر بذلك ناموس موسى، يقول: "فمتى نظرتم رجسة الخراب التي قال عنها دانيال النبي قائمة في المكان المقدس، ليفهم القارئ، فحينئذ ليهرب الذين في اليهودية إلى الجبال ... وصلّوا لكي لا يكون هربكم في شتاء ولا في سبت، لأنه يكون حينئذ ضيق عظيم لم يكن مثله منذ ابتداء العالم إلى الآن" (متى 24/ 15- 21).وكذا النسوة اللاتي تبعن جنازة المصلوب لم يعرفن شيئاً عن رفع الشريعة ونسخها بموت المسيح، فقد استرحن في السبت معظمات للوصية التوراتية "فرجعن وأعددن حنوطاً وأطياباً، وفي السبت استرحن حسب الوصية" (لوقا 23/56)، فما بال النصارى اليوم يعملون بالسبت ولا يحترمونه، كما يصنع اليهود!
لقد أدرك المسيح والنسوة أن العمل يوم السبت خرق للشريعة الأبدية التي أمر الله بها في التوراة، فقد جاء فيها " أما اليوم السابع ففيه سبت عطلة مقدّس للرب، كل من صنع عملاً في يوم السبت يقتل قتلاً، فيحفظ بنو إسرائيل السبت، ليصنعوا السبت في أجيالهم عهداً أبدياً، هو بيني وبين بني إسرائيل علامة إلى الأبد" (الخروج 31/15-17).وليس عهد السبت العهد الأبدي الوحيد الذي هجره النصارى مما ألزمتهم به شريعة الله، بل الختان أيضاً، فقد جاء في سفر التكوين "يختن ختاناً وليد بيتك والمبتاع بفضتك، فيكون عهدي في لحمكم عهداً أبدياً، وأما الذكر الأغلف الذي لا يختن في لحم غرلته، فتقطع تلك النفس من شعبها، إنه قد نكث عهدي" (التكوين 17/13-14)، ويشاركهم في هذه الشريعة النازل في أرضهم، المشارك في فصحهم من الأمم. (انظر الخروج 12/48) إن الذين لا يختتنون من نصارى اليوم قد نكثوا عهد الله الأبدي، وتبطلوا عن شرعه وهديه.
أما يخشى هؤلاء المتبطلون عن ناموسه أن تصيبهم لعنة من الله ، فإنه " ملعون من لا يقيم كلمات هذا الناموس، ليعمل بها " (التثنية 27/26).
وهنا وقفة لابد منها، إذ النصارى يزعمون أن شرائع الناموس مرفوعة عنهم، وأنها خاصة ببني إسرائيل، فهذا ما يقوله بولس، إنهم بذلك يخالفون المسيح مرة أخرى، حيث يقول في نص التثليث الشهير: " فاذهبوا وتلمذوا جميع الأمم، وعمدوهم باسم الآب والابن وروح القدس، وعلموهم أن يحفظوا جميع ما أوصيتكم به" (متى 28/ 18-20)، فلئن كان المسيح أمرهم بتبشير الأمم وتنصيرهم؛ فإنه أمرهم أن ينقلوا إليهم جميع الوصايا التي أوصى بها تلاميذه، جميعها من غير أن يستثني منها وصية واحدة، فبماذا أوصى تلاميذه؟
لقد أوصاهم بحفظ الناموس والشريعة "خاطب يسوع الجموع وتلاميذه قائلاً: على كرسي موسى جلس الكتبة والفريسيون، فكل ما قالوا لكم أن تحفظوه؛ فاحفظوه وافعلوه" (متى 23/1-3)، لكنهم يثبتون مرة أخرى أنهم بولسيون وليسوا مسيحيين.
ويلاحظ أدولف هرنك أن رسائل التلاميذ خلت من معتقد الخلاص بالفداء، بل إنها جعلت الخلاص بالأعمال كما جاء في رسالة يعقوب " ما المنفعة يا إخوتي إن قال أحد: إنّ له إيماناً، ولكن ليس له أعمال، هل يقدر الإيمان أن يخلصه؟ ... الإيمان أيضاً إن لم يكن له أعمال ميت في ذاته .. الإيمان بدون أعمال ميت " ( يعقوب 2/14 - 20 ). (1)
ويقول: " كونوا عاملين بالكلمة، لا سامعين فقط، خادعين نفوسكم " ( يعقوب 1/22 )، ويقول: " الديانة الطاهرة النقية عند الله الآب هي هذه: افتقاد اليتامى والأرامل في ضيقتهم، وحفظ الإنسان نفسه بلا دنس من العالم " ( يعقوب 1/27 ).
ويقول بطرس كبير الحواريين: " بالحق أنا أجد أن الله لا يقبل الوجوه. بل في كل أمة، الذي يتقيه ويصنع البر مقبول عنده" (أعمال 10/34).
وأما يوحنا فيقول: "كل من يفعل الخطية يفعل التعدي أيضاً، والخطية هي التعدي، وتعلمون أن ذاك أُظهر لكي يرفع خطايانا، وليس فيه خطية، كل من يثبت فيه لا يخطئ، كل من يخطئ لم يبصره ولا عرفه، أيها الأولاد لا يضلّكم أحد، من يفعل البر فهو بار، كما أن ذاك بار، من يفعل الخطية فهو من إبليس، لأن إبليس من البدء يخطئ، لأجل هذا أُظهر ابن الله، لكي ينقض أعمال إبليس، كل من هو مولود من الله لا يفعل خطية، لأن زرعه يثبت فيه، ولا يستطيع أن يخطئ لأنه مولود من الله، بهذا أولاد الله ظاهرون، وأولاد إبليس، كل من لا يفعل البر فليس من الله ..." (يوحنا (1) 3/4-10).
ويقول: "لنا ثقة من نحو الله، ومهما سألنا؛ ننال منه، لأننا نحفظ وصاياه ونعمل الأعمال المرضية أمامه، وهذه هي وصيته أن نؤمن باسم ابنه يسوع المسيح، ونحب بعضنا بعضا، كما أعطانا وصية، ومن يحفظ وصاياه يثبت فيه، وهو فيه" (يوحنا (1) 3/21-42) ومثل هذا كثير في أقوال المسيح والحواريين.
وللحديث بقية إن شاء الله وقدر.