غرض الإنجيل وموضوعه ( الإسلام ) و ( أحمد )
- 11 -
كيف ترجموا هذه الآية
كلما تقدمت في هذا المؤلف الوجيز
تزعجني هاتان الواهمتان . الأولى هل يوجد من يشعر باني راغب في اكتساب الشرف
والعظمة بنقد المفسرين والمترجمين ؟ والثانية - هل أنا مصيب في ترجمتي وعلى حق في
تفسيري ؟ إن في مكتبة هذا العاجز نسخة من الكتاب المقدس بالعبرانية ونسخة من ترجمته
بالسريانية الجديدة ونسخه ثالثه بالتركية مع نسخة من الإنجيل والتوراة باليونانية
ولم أجد ما احتاج إلى مراجعته من المؤلفات في مكتبة بايزيد العامة لإكمال هذا العمل
النافع . فأنا مضطر إلى الاكتفاء بما عندي من هذه الكتب . على أنه ليس في المطبعة
حروف عبرانية ولا يونانية .
وها أنذا اشرع في المقصود وقبل
أن ادخل في بيان شرح الآية التي نحن في صدد الكلام عنها وأبسط تدقيقاتي فيما سأورده
في إثباتها بصورة مفصلة في الفصل العاشر - أراني مضطراً إلى تقديم بعض المقدمات
الإيضاحية بعبارة مختصرة فأقول :
إن الرعاة السوريين الذين ذكروا
في الآية لم يكونوا من خريجي أكاديمية اثينة وقد سمعوا جمهور الجنود السماوية
يترنمون بتلك الأنشودة العجيبة فلا يمكن إذاً أن تكون الأنشودة باليونانية . هذا
شيء لا يوجد من يعترض عليه ، ومن البديهي انهم كانوا يرتلون التسبيح باللغة
السريانية . ولم يذكر أنشودتهم المهمة هذه متى ولا المبشرون الآخرون ، وان لوقا كتب
موعظته باللغة اليونانية لأنه روماني أو لاتيني على ما هو معلوم من اسمه
.
كلمتان وردتا في اللغة الأصلية
للآية المذكورة لم يدرك أحد ما تحتويان عليه من المعاني تماماً ، فلم تترجم هاتان
الكلمتان كما يجب في الترجمة القديمة من السريانية على وفق ما وقع في التراجم إلى
اللغات الأخرى ، فبناء عليه يجب البحث عن نشيد الملائكة في اللغة الأصلية ، لان
لوقا انما كتب كتابه متخذاً كثيراً من المؤلفات المتقدمة(1) مادة له ، ثم ان تلك
المآخذ المتقدمة صارت عرضة لتنقيح وتصرف مراقب مجمع نيقية(2) الفاقد للمرأفة ، وبعد
كل ما كان فان ترجمتها باليونانية وقعت على الوجه الآتي كما في (ترجمة بايبل
سوسايتي) .
(الحمد لله في الأعالي ، على
الأرض سلامة ، في الناس حسن الرضا)
ومن البديهي إن الملائكة لم
ينشدوها باللغة اليونانية ، وإلا كانوا كمن يكلم الرعاة الأكراد في جبل هكاري
باللغة اليابانية .
فلنبين الآن التفسير الصحيح
الحقيقي للكلمتين (ايريني ، السلامة) و (أيودكيا ، حسن الرضا) فيا للعجب ! لكن
انظروا أولاً إلى هذا التفسير الذي فسروه هم :
أولاً ، كلمة (دوكسا) مشابهة
لكلمة (الحمد) في العربية والعبرانية والسريانية . وهي من الألفاظ المشتركة بين
جميع اللغات السامية ، و (دوكسا) مشتقة من (دوكو) أو (دوكئو) .
وبناء على ذلك تكون التسبيحات ،
بمعنى حمد وعقيدة وفكرة . والكلمة المستعملة في السريانية بمقابل (دوكسا) هي كلمة
(تشبوحتا) وفي اللاتينية Gloria والفرنسيون والإنجليز والملل العربية تستعمل كلمات
تشبهما .
كثيراً ما نصادف في صحائف كتب
العهد القديم كلمات بعين الكتابة مشابهة ككلمات (حمد) و (احمد) و (محمد) فما يشابه
(محمد) ما جاء في ملوك أول 6:20 وهوشع 16:9 ويوئيل 5:3 ومرائي ارميا 1 : 7و11) ...
الخ .
فالأولى من الكلمتين اللتين هما
موضوع بحثنا الآن هي (ايريني) فقد ترجمت بكلمات (سلامة) و(مسالمة) و (سلام) لكني لا
افهم لماذا يترجم مترجموا (بايبل سوسايتي) اللفظ الواحد مرة (سلام) ومرة (سلامه)
وأخرى (مسالمة) ؟
أن كلمة (ايريني) بمعنى (سلم) و
(سلام) وهي من الألفاظ المشتركة بين جميع اللغات السامية(1) كما أن كلمة (احمد)
كذلك موجودة في جميع تلك اللغات ، ففي السريانية (شلم) وفي العبرانية (شالوم) التي
يستعمل في مقابلتها الغربيون المنسوبون إلى اللغات اللاتينية Pace, Paix, Pax,
Peace .
من المعلوم أن لفظ (إسلام) يفيد
معاني واسعة جداً ، ويشتمل على ما تشتمل عليه ألفاظ (السلم ، السلام) و (الصلح ،
المسالمة) و (الأمن ، الراحة) أي ان من اسلم وجهه لله واجب الوجود يكون مسلماً ،
وتزول من قلبه العداوة والخصومة التي يثيرها الكفر بالإيمان الذي يحل في قلب من
اسلم مع الإقرار باللسان ، فهو للقلب راحة ، وفي الآخرة أمان ، ومن المسلمين
المجاورين اطمئنان على العرض والنفس والمال . وهذا الإسلام يعطي راحة الفكر ،
واطمئناناً للقلب ، وأماناً يوم القيامة .
أن الكلمتين (ايريني) و(شلم)
تفيدان هذا المعنى بعينه ، وأما كلمة (إسلام ، سلام) فهي مع ما تشتمل عليه من
المعاني التي شرحناها آنفاً باختصار تتضمن معنى زائداً وتأويلاً آخر أكثر وأعم
وأشمل وأقوى مادة ومعنى ، ولكن قول الملائكة (على الأرض سلام) لا يصح أن يكون بمعنى
الصلح العام والمسالمة . لان جميع الكائنات وعلى الأخص الحية منها ولاسيما النوع
البشري الموجود على كرة الأرض دارنا الصغيرة هي بمقتضى السنن الطبيعية والنواميس
الاجتماعية خاضعة للوقائع والفجائع الوخيمة كالاختلافات والمحاربات والمنازعات .
وذلك لكي يتمتعوا بالحياة والرقى ، ويعلو قسطهم من قانون الترقى والتكامل ، وهذه
النزعة الفطرية الضرورية من غرائز البشر تحدث لهم ضروب الاختلاف والتنازع ، وتحملهم
على الشقاق والجدال والجلاد .
فمن المحال أن يعيش الناس على
وجه الأرض بالصلح والمسالمة ، ولا يتمكن أي دين كان أن يضمن دوام السلم العام بين
الأمم والأقوام حتى لو تعلقت إرادة الله عز وجل بذلك لاقتضى أن يبدل سننه
الاجتماعية في طباع البشر ونظام معايشهم ويغير النواميس الطبيعية فيهم ويستبدل بها
غيرها .
إن الحكومات المستريحة الآمنة المسالمة إذا لم تكن على حذر دائم من
عدوها تكون مقضياً عليها بالتدلي والسقوط ، ولا تزال تتقهقر حتى تصير إلى البداوة
والانحطاط أو الاضمحلال ، وإذا كانت الأمم لا تخشى اعتداءاً على حياتها أو عرضها أو
مالها ، والحكومات الحاضرة لا تسحب للدماء ولا للنار حساباً ، فلماذا نراها منهمكة
في المسابقة إلى الاختراعات الحربية المرعبة التي نشاهدها ، خرقوا جبال الألب من
أسفلها وهي التي تمردت على ذكاء (بونابرت) و (انيبال)(1) وهمتهما ، وعبدوا للطريق
فيها حتى صارت تمر منها القطارات بالكهرباء ، وتساق فيها الجيوش ليقيم كبار العرب -
الذين سافروا من حضرموت إلى الصين- وجاءوا من اجداثهم ولينظروا إلى تلك البحار التي
مخروا فيها والأمواج التي تسنموا غواربها ماذا يرون ؟ أما البحار فهي هي بعينها ،
ولكن أي السفن أنشئت ، وأي الآلات اخترعت لطي تلك المسافات بالسرعة العجيبة ؟ والى
الرياح العاتية والعواصف القاصفة في جو السماء ! هي وإن كانت باقية على حالها منذ
القدم ، ولكن ليبصروا كيف أن الفن انفذ فيها التلغراف اللاسلكي وسخرها كخادم له ،
ثم لينظروا هذه المناطيد والطيارات ، والمدرعات والغواصات والدبابات ، من مخترعات
العقل والفن ، ما أوجدتها إلا الضراوة بالحرب ، وعدم الثقة في معاهدات الصلح ،
والأمان من الحرب ، وإذاً يكون (السلام) الذي هتفت به الملائكة ليس عبارة عن
الاستراحة والمسالمة الدنيوية ، او أن يدخل جميع الناس الكنيسة فيصبحون آمنين
مرتاحين تحت إدارة الأساقفة والرهبان خدام (الأسرار السبعة) بل إن كان في الدنيا
شيء قد اكتسب اكبر شهرة في اقتراف المظالم وإيقاد نيران العداوة فلا شك أنها
الكنيسة ، أقول لا شك ، لان تلك حقيقة تاريخية ثابتة بالفعل ويقول المسيح نفسه (ما
جئت لألقي سلاماً على الأرض) وأما الذين يصدقون بأنه سيتأسس صلح عام ، فأولئك هم
عبيد الوهم والخيال .
وللحديث بقيةان شاء الله وقدر.