( أيادوكيا ) بمعنى ( أحمد )
- 14
-
(تنبيه مفيد جداً للمسلمين)
قد نشرت كثير من المؤلفات حول
المقايسة والموازنة بين الأديان الموسوية والعيسوية والإسلامية ، وترجيح بعضها على
البعض من نقاط مختلفة ، ويمكنني أن أقول أن المؤلفات المذكورة لم تؤثر في قارئيها
تأثيراً حسنا إلى هذا اليوم . وهذا أمر طبيعي لأنها قد كتبت بأساليب تجرح الاحساسات
الدينية لثلثي أهالي تلك الأديان ، بيد أن الكتابة بقصد ترجيح أحد هذه الأديان
الثلاثة أمر سهل وليس من عمل ايسر وأهون على أحد ذوى المحاباة من أن يبين أن دينه
حق وان دين الآخرين باطل . ومن الجهة الأخرى ليس للمدقق اللاديني أن يجد ميداناً
واسعاً ومساعداً لبيان المطالعة وسرد الهذيان والافتراءات كما يجده على الدين .
فكما أن مؤلفات الجاحدين تسوق إلى الإلحاد وفساد الأخلاق ، فان من المشاهد ان
المصنفات المكتوبة على وجه التعصب والتطرف ، مضراتها أكثر محسناتها ، مثلاً
البروتستانتيون قد كتبوا مئات من الكتب وألوفاً من النشرات ضد الإسلامية ، ولم يتسن
لهم أن يقنعوا مسلماً واحداً من عشرين مليوناً بصحة دينهم فينصروه (*)
.
وكذلك قد كتبت كتب على اليهودية
ولم يقترن أحدها بنتيجة حسنة . فالقراء لا يكتفون بقراءة اثر الكاتب بل يريدون
حالاً وبكل شوق أن يعرفوا من هو ذلك المؤلف؟ وما هي صفته ؟ وفي أي دور الفنون تخرج
؟ وما هو مسلكه وما هي أخلاقه؟ أي أني إذا علمت حقيقة حال رجل يبشر بالدين الذي
يلتزمه ويرجحه وعلمت درجة علمه وتتبعاته ودار الفنون التي تخرج فيها ، وانه يقدم
على النقد التحليلي لأسفار التوراة والإنجيل المحرفة ، ووجدته واقفاً على اللغات
الأصلية التي كتبت بها هذه الكتب المقدسة ، فأنا أول من يقدم له الاحترام ، فان لم
يكن واقفاً على العبرانية لسان التوراة ومطلعاً على البابلية والسريانية واليونانية
، فبأي جسارة يتدخل في مثل هذه المسئلة العويصة المشكلة ؟ فان قام لتقريب بعض الكتب
الفرنسية المضرة التي فقدت جدتها (مودا) بقصد تطييب خاطر المسلمين فبالطبع هم أيضاً
يدافعون عن كتابهم ودينهم ، ويقومون بالدعايات ضد الإسلام والقرآن ، وحينئذ تظهر
الحال المؤسفة .
ان ملاحظات المنتقدين الغربيين
إلى الآن في تآليفهم بشأن التوراة والإنجيل تنحصر في البحث عن التناقض وعدم
الارتباط وعن وجود عدة مؤلفين للكتاب الفلاني ، والخلاصة أنها تبحث عن الآيات
المضرة وعن أن (يهوه) معبود اليهود كان كذا وكذا ، وان كيفية ولادة المسيح الخارقة
للعادة وصعوده ليست إلا حكاية خرافية ، وما تلك إلا أشياء عديمة الفائدة ، فإذا لم
نر واحداً من المائة من بين مطلعي تلك الآثار المذكورة يسلك مسلك الإيمان والتوبة
وإصلاح النفس فان القسم الأعظم من هؤلاء يرفضون أفكار المنتقدين ومطالعاتهم بكل
نفرة ولا يزالون ثابتين في اعتمادهم على الكتب المقدسة التي في أيديهم
.
وأما القسم الآخر فهم أناس
مغفلون مساكين مجردون من كل دين ومذهب كمقامر أضاع ثروته في بيوت القمار ،لان أولئك
المنتقدين لم يقصدوا تمحيص الحقيقة وإظهارها للعيان وخدمة البشر بها
.
لذلك أقول أن ترجمة التآليف
المذكورة وإهداءها للمسلمين مضر جداً ، إن بعض المفكرين مثل فولتير وكارلايل ورينان
يظهرون في كتبهم التي كتبوها ضد الدينين اليهودية والعيسوية ، كأنهم ينتصرون
للإسلامية ، ولكنهم في الحقيقة يقصدون تخريب الإسلامية ، وإبطالها كما يفعلون
بالأديان الأخرى ، وكيف ينتصر للإسلام والقرآن هؤلاء المنتقدون وهم ينكرون كل
المعجزات الواقعة من قبل لأنبياء الله بأذنه ؟(*) إن مقاصد المنتقدين الغربيين
الذين يدعون أن عباد النار أو البوذيين قد أثروا في الدين المسيحي ، عبارة عن بيان
أن منبع الأديان المذكورة ومنشأها ليس هو الوحي بل أنها قد تأسست من خرافات وأساطير
البابليين والهنود والفرس القدماء(*) وبالطبع فان هؤلاء يحكمون على الإسلام والقرآن
الكريم بعين هذه القواعد الانتقادية أيضاً . فلذلك أوصى المسلمين المؤمنين من صميم
قلبي بان يبتعدوا عن ترجمة مثل هذه المؤلفات .
ومع أني قد اجتنبت في كتابي هذا
كل الانتقادات العديمة الفائدة الجارحة لشعور المسيحيين والموسويين الدينية ، وارجح
بقاءهم متدينين بالموسوية والعيسوية على اللا دينية ، فأني أطالع وادقق كتب الإنجيل
والتوراة بأصول محاكمة جديدة لم اسبق بها لحد الآن ، تاركاً معاول التخريب التي دأب
عليها المنتقدون من قبلي :
إن أملي الوحيد هو الكشف
عن حقيقة الموضوع والغرض الذي يجب أن ترمي إليه هذه الكتب (العهد الجديد) أي اني
اشعر بان لابد في هذه الكتب من حقيقة . وأدرك أن الحقيقة المذكورة سعادة وخير لكافة
البشر . وأني ق
د شرعت في مطالعة الكتب المقدسة باللسان الأصلي التي كتبت بالدقة
والإمعان لإظهار هذه الحقيقة بكل وضوح .
وللحديث بقية ان شاء الله وقدر.