الإيضاح القطعي للمعنى الحقيقي للإنجيل
- 18 -
نص المواعظ (الأناجيل) الأربعة الصريحة (في أتباع المسيح عليه السلام للتوراة وأنبيائها ، وعدم نقض شيء منها) (ولا من روايات وتفاسير العبرانيين لها)
- 18 -
نص المواعظ (الأناجيل) الأربعة الصريحة (في أتباع المسيح عليه السلام للتوراة وأنبيائها ، وعدم نقض شيء منها) (ولا من روايات وتفاسير العبرانيين لها)
روى متى أن حضرة المسيح عليه
السلام قد بين بصورة أكيدة وصريحة أن المحافظة على شريعة موسى عليه السلام وطاعتها
والعمل بموجبها فرض قطعي ، قال : (لا تظنوا
أني جئت لانقض الشريعة أو الأنبياء ، ما جئت لانقض بل لأكمل ، فأني الحق أقول لكم
إلى أن تزول السماء والأرض ، لا يـزول حـرف واحـد أو نقطـة واحدة من الناموس حتى
يكمل الكل) متى 5: 17-18 .
ليس لدي وثيقة تستطيع أن تبين ما
إذا كانت هذه الآية صدرت من فم المسيح عليه السلام حرفياً أم لا ، ولكن هناك إفراط
في ترجمة الآية المذكورة إلى اللغة التركية ، وما ذلك إلا لان البروتستانت - بسبب
عدم وقوفهم على العلوم الدينية - يتصدون لمثل هذه التفاسير - فكل حرف في شريعة موسى
وكل نقطة موضوعة فوق أحد حروف كتاب الشريعة أو تحته اكبر قيمة من السموات فمثلاً
كان موسى عليه السلام قد خصص يوم السبت(1) يوماً مباركاً ، يوم عطلة وراحة
للموسويين ، ثم ابطل هذا ونسخ من قِبل كنيسة المسيح وأقيم مكانه يوم الأحد من غير
أن تزول السموات أو تنمحي كرة الأرض وأين إلغاء إحدى الوصايا العشر من زوال نقطة من
فوق أحد الحروف ؟
وهاك نص الوصية الرابعة منها
:
( ) اذكر يوم السبت (خروج 8:20)
فكيف يمكن التوفيق بين إفادات
المسيح القطعية وبين إلغاء يوم السبت الذي هو المادة الرابعة من أحكام الشريعة
؟
كل كتب العهد القديم تسمي هذا
يوم اليهود العزيز ، وتخبر انه سيدوم يوماً مقدساً إلى آخر الزمان ، والمسيح عليه
السلام بالذات التزم يوم السبت وقدسه ، ولكن الكنيسة جعلت يوم الأحد عوضاً عن السبت
، فماذا تقول للكنيسة التي خالفت المسيح؟(*)
ولم تكتف الكنيسة بإلغاء يوم
السبت بل أبطلت الختان أيضاً(**) مع علمها بان المسيح قال بصراحة أنه لم يأت لإبطال
حرف واحد من شريعة موسى ، وهو بالطبع ليس له خبر عن (التثليث) وعن (الأسرار السبعة)
التي لوعت اليهودية .
لم يكتف المسيح ببيان محافظته
على شريعة موسى عليهما السلام فقط بل قال : حتى القوانين والأوامر الموضوعة من قبل
العلماء والفقهاء من اليهود واجبة الطاعة ومنه قوله في (متى 4:8) (فقال له يسوع انظر أن لا تقول لأحد بل اذهب أرِ نفسك للكاهن
وقدم القربان الذي أمر به موسى شهادة لهم) .
في هذه الدرجة كانت محبته لشريعة
موسى وارتباطه بها وتعصبه لها عليه السلام حتى أن متى اخـبر عن المسـيح بأنه كان
يسمي اليهود (أبناء) ويسمي الأقوام الأخرى (كلابا) متى 15 : 21-28 .
وبينما كان المسيح يتجول يوماً
مع تلاميذه الأثنى عشر في صور وصيدا من أراضي فينيقية القديمة(1) إذ بامرأة كنعانية
تركض وراءه قائلة : (ارحمني يا سيدي(2) ابن
داود بنتي تتعذب كثيراً من الجن) أما المسيح
فلم يجبها بكلمة ، والمرأة مداومة على الصياح والعويل ، وفي هذه الأثناء وبناء على
مراجعة التلاميذ قال المسيح (لم أرسل إلا
إلى خراف بيت إسرائيل الضالة) أخيراً اقتربت
تلك المسكينة وقبلت قدميه وقالت سيدي أغثني(*) فأجابها قائلاً : (ليس هنا أن يؤخذ خبز البنين ويطرح للكلاب) ولكن المرأة أجابت قائلة (نعم يا سيدي ، لان الكلاب أيضاً تأكل من الفتات الساقطة من سفرة
أصحابها) وعلى هذا قال لها المسيح
(يا أمراة عظيم إيمانك ، ليكن لك كما
تريدين) فشفيت ابنتها من تلك الساعة
.
لا اعلم هل قال المسيح عليه
السلام ذلك أم لم يقله ، ولكني اعلم جيداً أن اكثر من تضرر من جراء تأثير ذلك
الكلام هو أمته عالم النصرانية ، ومن جراء ذلك التحقير والتعبير بالكلاب، نرى
النصارى يجتهدون بكل ما استطاعوا في محو كل من لم يكن من دينهم : والصحيح أن هذا
الكلام لا يليق بدكتور أو مسلم أو مدرس فضلاً عن أن لا يليق بنبي أو مسيح
.
ومع كل ما هنالك فالآن ظهر جلياً
أن عيسى المسيح عليه السلام قد أرسل إلى قوم بني إسرائيل فقط(*) ولاشك في أن المسيح
الذي لم يخلص مجنونة كنعانية إلا بعد الجهد الطويل ، لا يمكنه أن يسعى لتخليص
العالم ، فان الصاحب الذي لا يريد أن يعطي جزءاً من فتات سفرته لكلابه ، لا يفكر
أبداً بالذهاب إلى القتل والصلب في سبيل كلب ويفدي الكلاب بنفسه .
ان كون المسيح لم يرسل إلى غير
الأمم الموسوية حقيقة تثبتها الطبقات القديمة من المواعظ الأربعة ، فلا هو وعظ
الأمم وارشدهم ، ولا تلاميذه حتى انه نهى تلاميذه الذين أرسلهم ليبشروا باقتراب
ملكوت الله أو ملكوت السموات هكذا (هؤلاء
الأثنى عشر أرسلهم يسوع وأوصاهم قائلاً : إلى طريق أمم(1) لا تمضوا ، والى مدينة
السامريين لا تدخلوا ، بل بالحزي اذهبوا إلى خراف بيت إسرائيل الضالة ، وفيما انتم
ذاهبون عظوا (اكرزوا) قائلين انه قد اقترب ملكوت السموات) (متى 10 :
5-7) فمن هنا تبين جليا أن الآيات الأخرى
المضادة لهذه الآيات أما محرفة أو زائفة .
فاذا كان المسيح ينهي تلاميذه من
الذهاب حتى إلى جارتهم أمة السامريين الممتزج دمهم بدم اليهود ، والذين يصدقون
أسفار توراة موسى ، فكيف وبأي جسارة يسوغ لمتى وجود هذه الآيات والنصوص أن يقول في
إنجيله عن لسان المسيح (اذهبوا وتلمذوا جميع
الأمم وعمدوهم باسم الآب والابن والروح القدس) متى 19:28 .
وللحديث بقية ان شاء الله وقدر.