إن ملكوت الله هو دين الإسلام
وان كلام الله هو القرآن المجيد
اني لا أعلم ان عنوان هذا الباب سيكون موجباً لانقباض
الأنفس في بعض المحافل العيسوية ، ولو كنتم تفتشون عن أسباب النفرة التي يحملها أحد
الذوات المرتبطين بإحدى الكنائس بصورة جدية نحو
الإسلامية ، وبغضه لمؤسسها عليه الصلاة والسلام، لتبين لكم أن ليس هناك من سبب ولا
حجة معقولة يستند إليهما وإنما يجب الالتفات إلى اعتراض الجادين في التتبعات
العلمية والتوغلات الدينية فحسب ، وإلا فماذا تفيد اعتراضات رجل عديم المطالعة
والتتبع ، إذا كانت نفرته منبعثة عن تعصبه إلى اعتقادات القيت على ذهنه في طفولته ،
فالتصق بها ، وجمد عليها على العمياء ، وان من يعتقد أن المسيح هو الله لابد وان
يتطلب من محمد صلى الله عليه وسلم اعترافاً بألوهية المشار إليه ، والحال ان حضرة
رسول الله كذب ألوهية المسيح بصورة باتة ، وبناء على هذا فان مثل الذين يحملون له
البغض والخصومة كمثل السيدة الجاهلة التي بسائق فرط حبها لزوجها تدعي أنه أفضل
زملائه وأعلى أقرانه رغم كونه مفضولاً لبعضهم ،وأما إذا بحث عن المسئلة بصورة عميقة
عريضة فانه يتحقق أن إسناد الألوهية إلى المسيح أن هو إلا افتراء عليه ليس إلا .
وحينئذ يتحقق لدى ذلك
العدو أن محمداً صلى الله عليه وسلم هو حبيب الله وفخر الكائنات .
- 32 -
(ملكوت الله) في الحقيقة هو دين الإسلام
الآن وصلنا إلى أهم و أحد
نقطة من هذه المسئلة العظيمة ، لقد وصلنا إلى الفصل الأول من الباب التاسع من هذا
الكتاب الذي هو أحد عشر باباً ، الباب الأول من هذا الكتاب - على ما هو معلوم -
موضوعه (ما هو الإنجيل ؟) وعلم منه لفظ إنجيل عبارة عن (فكرة دينية) و (وعقيدة
معنوية) و (تبشير بالسعادة الحقيقية) وان السعادة الحقيقية أيضاً موجودة في ملكوت
الله الذي تقرر تأسيسه في المستقبل ، فالسعادة الحقيقية ، ليست عبارة عن الإنجيل بل
الإنجيل مبشر ومناد يدعو إلى السعادة الحقيقية ، وليس الإنجيل عبارة عن التبشير
بالابن الوحيد الذي لا ادري ما هو ؟ إله خرافي قد أخفى في حجرة حملاً مذبوحاً ،
والابن الذي ولد في الأزل ثم دخل أخيراً في بطن بنت بكر ، وبعد أن تجسد بشكل إنسان
وولد عاش مدة ثم صلب وقتل من قبل اليهود .
ليس الإنجيل كتاباً(*) بل
هو تعهد وضمان حول تصديق كتب التوراة والمحافظة عليها حرفياً ، ومع ذلك فهو وعظ
وبيان شفهي يبشر بالقرآن الذي هو كلام السعادة الحقيقية .
ليس الإنجيل سنداً مشعراً
ومبيناً أن الكنيسة ملكوت الله ، بل هو عبارة عن أمر إلهي بلغ شفهياً بوجوب انتظار
ورود ملكوت الله واستحضار ما يلزم (له) على شرط بقاء الكنيسة ضمن اليهودية وعدم
انفكاكها عنها .
ليس الإنجيل عهداً جديداً
مشعراً بألوهية المسيح ونجاته وإنما هو عبارة إخبار وإعلان بأن سيظهر دين مبين في
خصوص تأييد وحدانية الله وإبطال الكهنوت والمراسم الباطلة وكل الشفعاء إلا بأذن
الله .
ليس الإنجيل كتاباً لأجل
أن يكون مأخذاً ومستنداً لما ينيف على الخمسمائة من الكنائس ليكفر المسيحيون بعضهم
بعضاً ، ويلعن بعضهم بعضاً ، أو للسب والشتم وللفظ المردود المسمى (أناثيما ) ولكنه
عبارة عن اهتزازات صدرت عن فم سعادة عيسى عليه السلام الناصري عليه الصلاة والسلام
الذي كان يجوب ارض فلسطين مهرولاً من قرية إلى أخرى ، مبشراً بأخاء قوي جداً واتحاد
إسلامي يتشكل بين الملل يعيش ويدوم إلى ما شاء الله .
ليس الإنجيل كتاب دين ناقص
حتى يحتاج إلى تجويز عقد الاجتماعات كل وقت في المجامع العامة الروحانية من
المنتسبين إليه من بابا وكرادلة وبطاركة ومتراوبوليدين وبسقبوسين و (آيات) بن(1)
(بأثواب وتيجان ترتجف لها أرواح المسيح والحواريين) لأجل وضع الأحكام الشرعية
وإصدار الأوامر والفرائض الدينية الجديدة ، بوسيلة إكمال النواقص الدينية ، ولن
أنسى كلام أحد معارف المرحوم احمد مدحت أفندي وهو قوله بالفارسية :
(صاحبش مرده ، وبنايش نيم مانده) أي ان العيسوية (تشبه بناء مات صاحبه وبقي ناقصاً)
.
فهذا الكلام غلط في نظري
بقدر ما هو صحيح في نظر قائله ، المسيح عليه السلام لم يترك بناء الدين ناقصاً لأنه
لم يكن مكلفاً بتأسيس دين ، أنا حاضر ومستعد في كل حين للبرهنة على أن كل القرارات
التي اتخذتها المجامع العامة الدينية(1) للكنائس في كل اجتماعاتها هي مضرة ، بل
مضرة جداً ، بل هي مميتة للإنسانية والاخوة البشرية والأخلاق والرقي ، بينوا لي
ماذا عمل من الأعمال أولئك الجماعة المتهورون وعلى رأسهم البابا الذين تراهم قد علا
الزبد أفواههم من شدة شعور الانتقام ؟!
شقاق ونفاق من جديد
وعداوات جديدة ، أنا ثيما وافروز جديدان ، وعقيدة فرضية تسمى (dogma دوغما) نعم
رذالات جديدة(*) .
تتبع تاريخ الكنيسة من
مجلس الفاتيكان الأخير إلى مجمع نيقية العام ، لا تجد انهم اتو بشيء ،غير تسهيل
الشقاق والنفاق ، وخبط البشرية بعضها ببعض ، فها هي ذي كل أعمالهم ، الرذالات التي
أبرموها .
مجلس الفاتيكان احدث
(الأمر للغرض) وفي ذلك قرروا ونصوا على معاناة مريم من (الذنب المغروس)(2) وعلى أن
البابا معصوم لا يخطي لأنه وكيل الحمل وكان ذلك قد كان سراً خفياً منذ الأزل ولم
يكشف إلا على عهد البابا (ببوس نونوس) فكان يجب أن يقلل في السبعة والعشرين كتاباً
المستحضرة من قبل خمسة أو عشرة أشخاص مجهولين ليس بينهم نبي واحد : إنها كلها غير
الإنجيل الحقيقي .
- 33 -
(خفاء المعنى الحقيقي للدين)
لم يوفق العلماء
والمتكلمون من المسلمين لكشف جميع حقائق القرآن الكريم وحكمياته ، بل خفى عليهم
كثير منها لعدم وقوفهم على اللغات التي كتبت بها الكتب السماوية المتقدمة .
ليعلم هؤلاء جيداً ان
الكتب السماوية بما أنها نزلت في الألسنة السامية بصورة روحها فيجب ان لا يعتبر
أبداً أن ما ورد من الكلمات والعبارات التي سبقت في الكتب السماوية الأولى ثم وردت
في القرآن العظيم الشان أنها وردت على سبيل الصدفة ، كلا بل لابد من حكمة لله تعالى
في تكرير إيراد تلك العبارات وأن نظمئن ونتأكد أن كثيراً من حقائق التوراة والإنجيل
التي كانت مكتوبة تحت طي الألفاظ قد انكشفت واتضحت بسبب استعمالها في القرآن(*) ومن
هذا القبيل سأسعى إلى كشف الحكمة الإلهية في لفظ (الدين) .
قد فهم المستشرقون
والمتكلمون المسلمون أن كلمة (دين) من الألفاظ الاصطلاحية واستعملوها بمعنى درب ،
طريق ، طريقة ، مذهب(**) وتلقوا أن تعبير (دين الإسلام) هو كقولك (طريق الإسلام) أو
(مذهب الإسلام) والحال لا يفهم من هذا التأويل حكمة ولا تظهر منه حقيقة .
ونصارى الغرب يستعملون كلمة (Religio يلجيو) التي كان يستعملها قدماء اللاتين
المشركين ، وهي بمعنى (الارتباط ، المربوطية) ولهذا عبروا عن دين المسيحية Religio
christiana .
أما مسيحيوا الشرق من
الأقوام السامية فيما أن ليس لهم عبارة بمقابلة هذا الفكر الاعتباري المستند إلى
(الدين) فيستعملون كلمة (توديتا ) بمعنى الثناء والاعتراف .
والعمرانيون يستعملون كلمة
( درك) بكسر الدال والراء لإفادة معنى المذهب والطريق
(مزمور 24:139) .
ومما يستوجب الحيرة حقيقة
أن الله تعالى خصص الألفاظ الجامعة المعاني العديدة للإسلامية وحدها(*) وقد مر
البحث عن لفظي (محمد والإسلام) .
من المعلوم ان حضرة سيد
المرسلين صلى الله عليه وسلم لم يقتبس كلمة (دين) هذه من اليهودية أو النصرانية أو
من أحد بقية الأديان لأنهم لم يستعملوا الكلمة المذكورة بهذا المعنى ، والقرآن
الشريف ليس كلام النبي إلا كرم نفسه ، ولا هو الكتاب الذي هو أوجده ، بل لما كان
الكتاب المذكور هو كلام الله عز وجل كان الله هو الذي انعم بكلمة (دين) خصيصاً
للإسلامية(**) وبما ان الله ديان يقتضي ان يكون له دين ، ولكن لا يكون له طريق أو
مذهب ، فكما ان الديان هو الحاكم المطلق فهو الملك ودينه أيضاً بمعنى ديوانه أي مقر
عرش الملكوت ، إن معنى (ديان) اللغوي عبارة عن الحاكم القاضي صاحب الديوان ، الحاكم
المطلق الذي يفصل ويبت في الدعاوي(*) ويظهر من كثير من الآيات أن الكتب المقدسة من
عبرانية وكلدانية قد استعملت كلمتي (دين) و (ديان) .
ففي العبرانية ( دن يفتح
الدال) ( دون) ( دين) وفي الكلدانية ( دن) ( دينا بكسر الدال) ( دينا بفتح الدال
والنون) .
يا رب ، الله !
(في السموات أسمعت دينا ( ) الأرض خافت
وسكتت) مزمور 8:76 , الترجمة للمؤلف .
كيف يمكن تفسير وإيضاح آية
الزبور التي أعلاه ؟ هكذا لم يسمع الله من السموات لا (درك ) العبرانية ولا Religio
يليجيو) ولا ( ) المسيحيين .
ما كانت الأرض لتخاف من
هؤلاء فتسكت ، ثم اسمع الله دينا فخافت الدنيا وسكتت ، فالآن ظهر لك جلياً أن لفظ
(دين) مخصوص بالإسلام .
من ذاك الذي يقدر أن يدعي
أن الله أسمع حكمه وديوانه في أرض كعنان وظلت الأرض لخوفها ساكتة ؟
لم يكن لملوك بني إسرائيل
من فتح خارج ولايتي حلب والشام ، أما حكومة رومية المسيحية فأنها وان كانت قد حاربت
إمبراطورية إيران في واديي الدجلة والفرات ولكن لم تغلب أحدهما الأخرى(*) .
فما هو الدين الذي أسمع من
السموات ففزع منه أهل الأرض ؟ هل كان الإنجيل والصليب ؟ هل كان (توديتا) أو (درك)
هل كان مدافع وبنادق المسيحيين ؟ هل كان الكنيسة (وريليجيو ؟) لا لا . لم يكن أحد
ما ذكر قط ، لم يكن إلا (الدين) فكلمة الدين هذه هي الديوان المهيب ومحكمة الملكوت
المراد بها الإسلام فقط ، الإسلام وحده ، الله اكبر ، ما اكبر هذه الحقيقة الناصعة
غير القابلة الانكسار ، أليس كذلك ؟
حضرة النبي دانيال عليه
السلام الذي يخبر في أماكن كثيرة من كتابه عن دين الإسلام ، يشعر على الأخص بأنه
شاهد وقوع المعراج المحمدي علناً وبشر بتأسيس الدين ، يشبه الحكومات الأربعة
المتعاقبة (بابل وفارس واليونان والروم) بالحيوانات الأربعة ، وان الحيوان الرابع
الذي له عشرة قرون يحارب مقدسي الله ويغلبهم ، وفي النهاية ( دينايتب)(1) أي نصب
الديوان(**) .
يقدم إلى حضرة الأزلي
الأبدي الجالس على كرسي الديوان ( ) أي عرش الدين إنساناً (أحد أفراد بني آدم)
وينال هذا الشرف الأعظم ، واحد من كل بني الإنسان (بارناشا) في حضور العرش ، وفي
حال وجود الملايين من الملائكة ، ينعم على ابن الإنسان الملكوت والعزة والسلطنة ،
وينال عنوان سلطان ( شلطان) بضم الشين وفتح النون ، تقع حروبه وتمحى الحيوانات .
ثم بعد بارناشا الذي هو من
البشر يمحو المؤمنون المقدسون تلك الحكومات المعدودة من الحيوانات الوحشية بسيوفهم
وقواتهم .
فاذا كانت رؤيا(1) دانيال
صحيحه - وبالطبع انها صحيحة ولكنها محرفة - فابن الإنسان؟ ليس إلا محمداً صلى الله
عليه وسلم والذي يهلك الحيوانات يجب أن يكون ابن آدم لان الحيوانات الأربعة كانوا
بني آدم ، ولكنهم شبهوا بالحيوانات المهيبة لأنهم وحشيون ظالمون ملحدون ، وان الذات
الذي يكسرهم ويمحوهم هو إنسان تام ، أي انه يظهر ابن إنسان مستحق لإقامة دين الله
على الأرض ، وينعم عليه بالملكوت والسلطان وها هو ذا حائر على عنوان سلطان الأنبياء
وخلفاءه حائزون على عنوان (السلطان) فان لم يكن هذا الذات محمداً صلى الله عليه
وسلم فمن هو إذن ؟ حتى انه لو لم يكن المخبر عنه عيسى لكنتم مضطرين أن تقبلوا أنه
محمد عليهما الصلاة والسلام على كل حال .
ان نبوة دانيال عليه
السلام ظهرت في بابل في العصر السادس قبل الميلاد وأما محمد صلى الله عليه وسلم فقد
أرسل وأمر من قبل الله تعالى بتأسيس دين الإسلام في مكة والمدينة في العصر السادس
بعد الميلاد .
ولم يكن في زمن دانيال حرف
واحد حول وجود المسيح ولا محمد عليهما الصلاة والسلام(*) أي أن كتب التوراة لم تخبر
قبله بشيء يتعلق بخلق وحي المسيح ومحمد عليهما السلام ، ولكن كتب الكنائس تدعي
دائماً أن ورح المسيح كانت موجودة عند الله .
وأما موضوع بحثنا الآن فهو
هذه المسئلة : من يمكن أن يكون ابن الإنسان الذي رآه دانيال عليه السلام ، ونوه عنه
بقوله : ( رأيت في خيالات الليل واحداً
يشبه ابن الإنسان كان يأتي مع سحب السماء وجاء إلى القديمة أيامه ، فقربوه إلى
حضرته ، وأعطى له حكماً وعزة وملكوتاً ، لتخدمه كل الأقوام والأمم والألسنة ، حكمه
حكم ابدي أن يفنى وملكوته لا يزول (دانيال 7 : 13 : 14)
, ترجمة شركة بايبل بالتركية(**) .
فلو سئل الآن من هو الواحد
الذي يشبه ابن الإنسان والذي جاء إلى (القديمة أيامه) وأحضروه أمامه ، سيجيبون بغير
تردد قائلين :
هو عيسى المسيح والحال لم
يكن عيسى المسيح حينئذ يشبه ابن الإنسان ، بل كان حملاً مذبوحاً منذ تأسيس العالم
(رؤيا يوحنا 8:13) .
(1) .
اضطرت على تحويل المضاف
إلى مبتدأ في الآية المذكورة اليونانية العبارة في ترجمتي لها حسب اللزوم ، لان
الحمل كان قد ذبح وقطع قبل أن توجد الدنيا (كزوموس ) أي عالم الهيولي ، وبناء عليه
كيف يكون (بارانش ) - بالألف والنون المكسورة والشين الساكنة الذي رآه دانيال هو
حمل الكنائس في حين أن الحمل لم يكن قد تجسد ولا ولد حينئذ !
سنأتي إلى تدقيق من هو ابن
آدم الذي عرج إلى عرش الله وتقرب ، هناك شيء واحد يجب أن نعرفه وهو (قديم الأيام )
لدى الموسويين الذي رآه دانيال وعبر عنه بقوله :
(كنت أرى أنه نصبت عروش
وجلس القديم الأيام لباسه ابيض كالثلج وشعر رأسه كالصوف النقي ، ومن قدامه نهر نار
خرج من قدامه وجرى ، ألوف الألوف تخدمه في حضرته وريات ربوات وقوف قدامه ،ونصب
الديوان ( جلس الدين) وفتحت الأسفار (دانيال 7 : 9-10) .
أود أن اعلم من هو المعني
بوصف القديم الأيام ؟ أين درست جمعية بايبل وتعلمت قواعد الترجمة ؟ من أي لسان
وبناء على أي قاعدة ترجموا عبارة (القديم الأيام) ؟ انتم تصورون الله في شكل إنسان
(حاشا لله) ، هو يقول (عتيق يومياً) وفي الكلدانية (عتيق) يفيد انه هكذا قديم بحيث
لا يتمكن أحد أن يجد تاريخه بناء على (عتيق الأيام) على الاصطلاح الكلداني بمعنى
(أزلي ابدي) .
والمقصود من هذا لفظ
(الدين) وقد ذكر لفظ الدين في ثلاثة أماكن من الباب المذكور ،
(دانيال 7 : 10 و 22 و 26) .
والآية الحادية والعشرون
من الباب المذكور قد ترجمتها جمعية بايبل هكذا (هذا القرن يحارب القديسين فغلبهم) .
وها أنا أبين ترجمة الآية
المذكورة على الوجه الآتي :
(إلى أن يأتي القديم
الأيام وأعطي الدين لمقدسي المتعال ويملك القديسون الملكوت).
أسألكم بالله أيها القراء
الكرام ثم أرجوكم أن تقابلوا كلا من الترجمتين مع الأصل ثم أفتوني : هل يجوز وقوع
مثل هذه الرذالات ! وكأني بالقوم يدافعون بقولهم : أن اللغة التركية كذا ولهجتها
كذا ، أقول لا باس فهلموا أقراوا (على الأقل) الكتب المقدسة كحبكم عيسى عليه السلام
باللغات الأصلية التي كتبت بها ، أفلا يكون قد أحترمتموها أكثر ؟ ولكن هل لأحد
واعظي الإنجليز أو الأمريكان فم مستعد للتلفظ بالعبرانية أو الكلدانية كما يجب ؟
على حين أنكم لو فتشتم كل الأرض لا تجدون في أي مكان كان عالماً أو إماماً أو
مفتياً أو اخونديا أو ملأ يقرأ القرآن بلسان أمه ، لأن العامل في توحيد المسلمين
وجعلهم أمة واحدة هو القرآن(*) لذ لك فهم يقرأون القرآن بالعربية التي هي لغته
الأصلية .
الآية التي هي موضوع بحثنا
مكتوبة بأسلوب الكلدانية اكثر من العبرانية
حين مجيء الأزلي أعطى الدين المقدسي المتعال .
من هم هؤلاء المقدسون ؟ هل
كانوا هم النيقياويين (أعضاء مجمع نيقية العام) أم مجلس الفاتيكان الأخير ؟ أم
اللوتريين أم الزوينفيين أم الكالوينستيين أم الصليبيين ؟
هيهات ، المقدسون إنما هم
الذين محوا الحيوانات وأخذوا الدين من الله ، هل تزعمون أنهم كانوا التامبيين أم
الجزويتيين أم جيش النجاة جيش جرح ؟ هل تعددون كل هؤلاء أم بعضهم ؟ ثم ما هذا الدين
المعطى ؟ كم من مرة أعطي للكنائس ؟ بكم صورة من قبل كم من الرجال أعطي ؟ وكيف هو
اليوم وفي أي شكل ؟ من الذي يحافظ عليه في هذا اليوم ؟ أكلهم أم الروح القدس ؟
الإنجيل أم الصليب ؟ البابا أم البطريرك ؟ الراهب أم المسيونر (المبشرون) ؟ الدعاء
أم الأسرار السبعة ؟
بما أن المسيحيين ليس لهم
شيء من جميع معنى كلمة ( دين) فمن الطبيعي أن يتفرقوا إلى مئات الريليجيونات .
إذا دققنا هاتين الآيتين
السادسة والعشرين والسابعة والعشرين من الباب السابع الذي هو تحت مطالعتنا يتبين
بصورة لنا مقنعة أن الإسلام بالحقيقة هو الذي أوجد ديوان ملكوت الله وحكومته وهذه
ترجمتها(*) :
(أسس الدين وسيمحون
ويخربون أبدياً آخذين سلطنته وسيعطى الملكوت والسلطنة وعظمة كل الملكوتات الكائنة
تحت ظل السماء شرقها وغربها للقوم الذين هم مقدسوا المتعال، ملكوته ملكوت ابدي وكل
السلاطين يطيعونه ويخدمونه) (الترجمة للمؤلف) .
(والدين جلس أي تشكلت
وتقررت حكومة الديوان وسيعطى الملكوت والسلطنة وعظمة كل الملكوتات إلى القوم الذين
مقدسو حضرة المتعال .
كل السلطات ( شلطانيا)
سيخدمونه ويطيعونه (يطيعون) الله ، مقدسوا الله ليسوا خمسمائة قوم ، بل هم أمة
واحدة وملة واحدة ، هي الإسلامية ومع أنها ملة واحدة هي سلطنة ، كل ملكوت إسلامي
مربوط ، بالسلطنة والخلافة لأن الخلافة الإسلامية مقر الدين والديوان .
ثم تعطى عظمة الحكومات
الأخرى (ربوتا ) كلها إلى القوم المقدسين .
كل السلاطين العظام خدام
الله المطيعون ، يعرفونه ويعبدونه ، يرى النبي دانيال عليه السلام في الرؤيا أن
الله قد أسس تحت كل السماء ديناً (ديواناً) واحداً فقط ، وقد وعد قطعياً بان تؤخذ
الحكومات غير المرتبطة بذلك الدين وتعطي المقدسين .
كلمة ديان ( ) أيضاً بمعنى
قاض وحاكم (عزرا 25:7) الخ ودين ( ) بالنون المفتوحة اسم مفعول بمعنى محكوم و (بيت
دين ) بمعنى محكمة وبيت الديوان cour tribunal وبعضاً تكون كلمة (دين) بمعنى دعوى ،
حقوق (بعل دينا ) بعل بكسر العين فقط وتسكين الياء واللام ، بمعنى مدعي ، صاحب
الدعوى صاحب العريضة .
وبما أني أحاذر من أن يسأم
القراء الكرام من تتبع مواد هذا التعبير كلها ، ارجع عاجلاً إلى موضوعنا فأقول :
كان من الملتزم دين واحد لائق بملكوت الله ، وكان يجب أن يكون مناسباً لحضرة الأزلي
الأبدي صاحب الملكوت : إله واحد ، وملكوت واحد ، ودين واحد ، أرجو دقة النظر جيداً
ليعلم أن لست متشبثاً بإيجاد تثليث في هذا الباب .
تلاميذ القرآن يفهمون -
على ما أظن - أن القرآن شيء والإيمان شيء والدين شيء آخر ، يجب أن يفرق بين هذه
الكلمات الثلاثة ، القرآن وحي الهي والإيمان والتصديق بالوحي المذكور ،ولكن الدين !
كم هو مقدس وذو معنى ، ذلك اللفظ السماوي ، فان ما يربط الملكوتات الإسلامية بعضها
ببعض وبملجاء الخلافة هو الدين المؤمنون يحاكمون في ديوان أمير المؤمنين ومحكمته
ودار فتواه حسب أوامر الكلام القديم .
وكما أن الدين يفيد معنى
الحكم (بضم الحاء) والحقوق والدعوة والنزاع والديوان والحكومة والأمر والإجراء
(التنفيذ) فمقر الدين كرسي الحكومة المحكمة النبوية أو المدنية.
لنتذكر ونتأمل في كلمتي
(دين) و (مدينة) ( ) أو ( ) لا أريد البحث عن اسم المدينة المنورة القديم ، هل من
علاقة بين الكلمتين أم لا ؟ لنقارن بين حكميات القرآن وخرافات الكنيسة .
المدينة بمعنى البلدة ،
والمدني هو البلدي ، والمتشبث بأن يكون بلديا يقال له أنه يتمدين وعندما يوفق يقول
أنه تمدن أو تمدين بالفعل !
لماذا ؟ إن بلدة يثرب بعد أن تشرفت بالوجود المحمدي سميت (المدينة ) ذلك الآن حضرة
نبي آخر الزمان وضع في تلك البلدة مقر حكومته ومجلس ديوانه كرسي الحكم الديوان سرير
السلطنة الإسلامية ، ماذا يمكن أن يكون السبب غير هذا الجواب ؟!
إذا لم يكن المدينة مقر
المدينة ، فلماذا لطفت بهذا العنوان العالي ؟ فانظروا إذن كلمة (دين) أساس بينان
البشرية الاجتماعي المدني وأساس اتجاهه .
ما هي المدنية ؟ بالطبع ليس لها معنى غير أهل المدينة ، ما هي المدينة ، مقر الحاكم
والديوان والمكان الذي يفصل النزاع فيه وتبت فيه الدعوى رسمياً ، أي محكمة العدل
والقانون الحكومة ، ومجلس الديوان .
المسلمون وضعوا اسم
المدينة بالترجمة من لغة اللاتين الوثنيين Civilisatio civis وكان أهل رومية
القديمة يسمون روما urbis أي بلدة .
أني لأدري أنكم لا تتذوقون
طعم التعمق في معاني هذه الكلمات اللاتينية ، فأقول: أن كلمة (مدينة) تعبير مغاير
للعربية ، وعلى كل حال فمدينة هي الأصح، والكلدانيون وهم شرذمة من أحفاد بابل
الساكنين في إيران ، والذين بقوا أحط درجة من الترك والعرب يكتبون في جرائدهم
الكلدانية الجديدة اليوم ( دينا و مدينيوتا) غير ناسين كلمتي الدين والمدنية ،
عوضاً عن Civilisation المدنية .
وإذا كان لساننا قد تعود
التعبير بكلمة (مدينة) فمن الطبيعي انه لا مجال لتبديله وتغييره ، ولكن لفظ (مدينة)
لا يمكن أن يكون جذرها الفعل الأجوف اليائي (ذبن) بل ربما يكون الفعل الناقص (دني)
وحينئذ تفيد معنى معكوساً ، لان (دني) بفتحتين بمعنى منحط أو صار وضيعاً أو تأخر ،
وحينئذ يجب أن كون معنى (المدنية) هو الانتساب إلى المكان المنخفض الدون السفلي ،
والحال أن المدنية عبارة عن الانتساب إلى محل الحكومة ، إلى محل العدل والعدالة ،
إلى ديوان لله ، إلى مقر الدين(*) .
والآن على تعليم الإنجيل
الشريف ، قد أسس الله ملكوته على الأرض ، وهذا الملكوت أيضاً عبارة عن أمة واحدة
متشكلة من أمم وعروق عديدة ، فانظروا بأي واسطة يتأتى جمع الأقوام المنتسبين إلى
هذا العدد من الألسنة والأقاليم والطبائع المختلفة وتوحيدهم ؟ وقد جعل الله لأجل
إدارة سلطنته ديواناً تحت رئاسة حاكم ، وذاتاً أن معنى كلمة الحكومة هو الحكم .
ولكن بماذا يحكم الحاكم
والحكومة ؟ بماذا يجري حكمه أي دينه وديوانه ؟ هل يحكم كيفما يشاء وهل يصدر إرادته
كما يشتهي ؟ وهل يكون العامل في رسم خطة حركته ، رغبة نفسه ومشتهى هواه ؟
إذن فبأي واسطة يقدر
الفضائل ويقبح الرذائل ؟ وبأي طريقة يتمكن من إجراء المثوبة والعقاب ؟ وعلى أي
قانون يحكم على الناس بالإعدام ؟ أو يأمر بالإكرام ؟
مهما كان الإنسان عالماً
وعادلاً بالفطرة ، لا يتمكن أن يبقى خلوا من الانفعال والتأثر بالمؤثرات الخارجية
والداخلية ، يريد دائماً أن يكرم وينعم على الذين يحبهم ، ولا يؤمن عليه ارتكاب
الجور والظلم والخطأ في غير محله بسائق الغضب والغيظ .
قد يضله الوجهاء وأصحاب
المداهنات من أرباب الحرص على الحياه من مصاحبيه وحيل أرباب الطمع ودسائسهم ، لذلك
لا يسلم الله ملكوته إلى أهواء أو هوس أحد من الناس ولا يضحي مصالح عباده لأجل ذوق
أحد أو مآربه ، كل أبناء الملكوت متساوون ومعززون عنده (أي في حكمه وعدله) .
لا تكفي تدابير الفرد الذاتية لتامين حرية الأفراد والعائلات وإسعادهما فالمجالس
والشورى والبارلمانتو ليست قادرة على إيجاد قوانين قويمة وثابتة ، وهؤلاء يلقون
الأمم في شقاق ونفاق ، فالشورى والمجالس لا تتمكن من إدامة الدين ولا الدولة إلى
زمن طويل(*) .
فلا الصليب يصلح الناس ولا
التعميد ولا بشارة المسيح ولا ضيافة قربان القديس تقدر أن تسوس الأشرار ، ولا دم
الحمل المذبوح ولا غفران الراهب المحترم يبرئ الجناة والمجرمين من الخطيئة ، ولا
رؤيا يوحنا ولا التماس المسيوتر (المبشرين) مما يؤثر في إصلاح العصاة المتمردين .
قميص المسيح الذي لم تشقه
عساكر الرومانيين قد مزقته مجامع فلورانس ومجامع ترانت قطعاً قطعاً ، أن ثوب روح
الله المشبه بالكنيسة أصيب بالتمزيق إلى ما يتجاوز الخمسمائة قطعة ، فمن الذي سيخيط
هذه القطع الشقوق ، من ذا الذي يداوي جروح الكنيسة؟ أما الرؤساء فهم الذين أحدثوا
الجراح في جسم الكنيسة ، فهيهات أن يعدو الدواء الشافي للجسد الذي هو جريحهم !
والروح القدس الذي يقول
الكاثوليك انه يخرج دائماً من الأب والابن على الدوام ، يقول للأرثوذكس ، لا أنا
اخرج من الآب وحده ، الروح القدس يعلم البروتستانت الكلفوينيين أن العماد لا يؤثر
قطعياً في الذنب المغروس ، ويقول للبروتستانت اللوتيرينيين : اجل اجل أن الإنسان
الخارج من ماء الاعتماد يشابه تماماً جسد آدم قبل الخطيئة !
وهؤلاء المسيحيون يعتقدون
أن الروح القدس هو دليلهم ومرشدهم ولكن البروتستانت وحدهم يغمضون أعينهم ويسألون
الله مباشرة - كما يخطر ببالهم - ويدعونه منتظرين نفخ الروح القدس !
وفي الوقت الذي يقتضي أن
يلهم الروح القدس قراء الكتب المقدسة أي يعلمهم جميعاً الحقيقة عينها ، نراه يسوقهم
إلى الافتراقات والافتراءات !
ومن الروايات المتواترة التي سمعتها في رومية وفي لندن أن الكاردينال ما ننغ card
Maning الشهير لما كان قسيس الانكليكان ، وكان في رفاقة غلادستون مثيله في الشهرة
في إحدى كنائس رومية ، أثناء الرسم الروحاني وعند منح البركة Benedictio التي هي في
المعنى بدون معنى أي العبادة الجارية في (لحم المسيح) عرض له حالة مؤثرة جداً ، إذ
نهيج إلى أن قال مخاطباً رفيقه غلادستون (لا أتحمل بعد ، سأصير كاثوليكياً) .
ذلك بان ترانيم الإلهيات
التي تغني والألحان النفيسة الآخذة بالقلب ، والأصوات الموسيقية في هذه العبادة -
عبادة البركة أو التبريك ( ) الخاصة بمذهب الكاثوليك تؤثر في كل قلب ، والحال أن كل
بروتستانتي فضلاً عن المسلم اليهودي ، فكل بروتستنتي يرفض العبادة المذكورة مدعياً
أنها لا تؤدي لله بل للشياطين ! لماذا يا ترى ؟
لان الكاثوليك يسجدون في
أثناء العبادة المذكورة للخبز سجودهم لله بعينه ، هذا الوقت الذي ترتفع فيه اللقمة
بيد الراهب تكون معبود كل الساجدين ، وفي عين الزمن ينشدون نشيد :
(Adromus in eternum
sanctissimum saeramentum)
(نسجد لقربان القديس إلى الأبد) وكل واحد يعبد تلك الرقاق بكمال التعظيم ، فحضرة
الروح القدس أمر للكاثوليك بهذا ! ثم أن كانت كل هذه المنكرات والفظائع من اللقاءات
روح القدس فكيف إذن تكون تسويلات ؟ ولماذا لا يقدر أن يأمر الذين في معابد
الأمريكان التي في القسطنطينية بهذه الأوامر ؟
قارنوا بين التعليمات الدينية في مدرسة القرير التي في (قاضي كوي) وبين التعليمات
التي في (كوللج روبرت) تجدون الفرق بقدر ما بين السماء والأرض !
هذه هي المظاهرات
والإلهامات المعزوة إلى الروح القدس ، فهل أكون قد افترقت إذا قلت : يجب أن تعد
أمثال هذه المدعيات ، كلها من اعبث الأباطيل ؟ أبداً وإصلاً ! لا يتعب الله روح
قدسه قطعياً بمثل هذه الأشغال بل السفاسف ؟
لتتخانق الكنائس وليضرب
بعضها بعضاً بقدر ما يريد ، فان الروح القدس لا يتدخل ، وليرتبوا لمجامع والمؤتمرات
والعقائد بقدر ما يريدون ، فان الروح القدس لا يحضر بينهم ، ولو كان الدليل والهادي
الوحيد هو الروح القدس لوحد جميع الأديان والمذاهب العيسوية وألف بينها ، وهذا
أيضاً مفقود ، ثم لو أن الله هو الذي يدبر ويرشد الكنائس بواسطة الروح قدسه ، لكان
قد ابطل الإرادة الجزئية التي وهبها للناس: وألغى المسئولية ، فأين يبقى قانون
التكامل ؟ ماذا يبقى من المزية للبشر إذا تدخل الله وروحه في كل عمل من أعمالهم ،
وهل يكون الإنسان حينئذ مستحقاً للثواب على الحسنات أو العقاب على السيئات ، أليس
من الممكن صرف النظر عن هذه العقيدة القديمة المتفسخة ؟
أظن أن كل الوسائط
العيسوية التي عددتها وكتبتها والتي اجتهدت في تفصيلها قد ظهر أنها لا تتفق وملكوت
الله .
اعرض هذه الحقيقة وانتم
مجبورون وجداناً على قبولها : أن الله عادل لا يعمد في إجراء عدله إلى أصول
الاستبداد ، ولا يتدخل فعلاً وبالذات من بعد أن بين للعباد طريقي الخير والشر ،
وهذا دستور ديني ، لان الله إذا أحال ملكوته إلى الحكام المستبدين ، والحكومات
المطلقة ، يكون قد فتح الطريق وجوز بنفسه إجراء المظالم ، وإذا هو تدخل بنفسه أو
بواسطته روح قدسه أو ملائكته فحينئذ يفقد العدل .
لنأت إلى الصدد والموضوع
من غير توسيع هذه المحاكمات : لا يترك الله الملكوت من غير محافظة وحماية ، هذا
صحيح ولكن كيف ؟ قد انعم الله بأحكام ونظامات تامة كاملة لإدارة ملكوته ، ومن
الكلمات الجامعة للمعاني والأسرار (الشريعة) الاحمدية الغراء ، وسأقول إحدى الحقائق
فقط مما تحتويه كلمة (الشريعة) الشريعة بمعنى الطريق والدرب ، أليس اسم (الشارع
العام) بمعنى الطريق العام أو الطريق السلطاني ، فالشريعة الإلهية أيضاً مرآة أو
بوصلة(*) أو دليل يهدي أبناء الملكوت خط الحركة والطريق التي يجب أن يتعقبوها
والملك الذي يجب أن يسلكوه بصورة واضحة وصريحة .
صحائف القرآن، كالمرآة
مشتملة على الأحكام والقوانين الشرعية ، والسالكون عليها لا يقعون في الضلالة
والاثيما والافروزو الارتداد ، ولا الشقاق والافتراق ، شريعة الله باهرة بسيطة ،
وضاحة كالنور ، موافقة للعقل والفن والقواعد الطبيعية ، الشريعة المحمدية هي وحدها
التي تكفل السعادة الحقيقية للبشر ، هي شريعة تنظر إلى كافة أبناء الملكوت على حد
سواء وتؤدبهم أو تلطفهم جميعاً طبق العدل والمساواة بدون تفريق أو محاباة .
لم يبق اليوم في الوسط شيء
غير كامل أو في غير محله ، مما يفرق أو يميز بين أفكار البشر وأقوالهم وأفعالهم ،
هي الشريعة تهدي إلى الصراط المستقيم ، الطريق الصحيحة وعليه فلا حاجة لتكليف الروح
القدس ولا للتوسل بعبادات الرهبان العديمة الفائدة .
الدين وديوان المتعال الذي
رآه دانيال عليه السلام - بعيني النبوة - في الرؤيا يؤيد دين الإسلام وينطبق عليه
نقطة فنقطة .
لقد افتتح الديوان ، وحضرة
الله الأزلي الأبدي على كرسي سلطنته ، محكمة السموات مزدحمة بصفوف الملائكة ، يقدم
ذات يشبه البشر والإنسان إلى حضور الحاكم المطلق ، وسيعطي الحكم الإلهي في شان
الوحوش ، وسيجازي الوحوش التي أوقعت المظالم في مقدسي الله على الأرض !
أليس في المحكمة حاكم
وموظفون وخدام ومدعون ومدعى عليهم ؟ ألم يكمل الديوان بعد والذات المأمور بتنفيذ ما
أمر به الديان وهو (الله) حاضر ؟
هل من شيء ناقص؟ لا لا
ينقص ديوان الله شيء ، تفتح الأسفار(1) لاستنطاق واستجواب المدعي والمدعى عليه على
أمر به الديان !
( ) نصب الديوان (الدين)
وفتحت الكتب في المحاكم الإسلامية لا تزال المحكمة ناقصة غير مشروعة حتى يوجد
المصحف الشريف ، الكتاب من جهة يوطد العدالة من حيث الأحكام الشرعية الصريحة
الحاوية أحكام إحقاق الحق ، ومن الجهة الأخرى يحلف المشتكون والمشتكي عليهم بالكتاب
الذي يؤمنون به بأنهم سيقولون الصحيح والحقيقة في حضور الحاكم ، وكذلك يحلف الذات
المأمور بإجراء الحكم على عين الصورة ، ها هو ذا دين وديوان مكي ، هل في الكنائس
هكذا دين الله ؟ استغفر الله ؟
الديوان الذي تصوره النبي
دانيال عليه السلام ليس في صورة حمل ولا أثر صليب ! لا عيسى ولا رسمه وهيكله ! لا
كتاب الإنجيل ولا اسمه ! لا مداخلة ابن الله ولا الروح القدس ! لا أب جالس على
العرش ولا ابن على يمينه ولا الروح القدس ! بل الله وحده جل جلاله ، وكل ما عدا ذات
واجب الوجود جل شانه هم عبيده ومخلوقاته !
من قدام عرش اللاهوت يجري
نهر مملوء بالنور ! هو النور والضوء الذي يمثل العدل والحكمة الإلهية !
هل من مشابهة بين هذه وبين
محاكم (الانكيزيسيون) التفتيش ، هل المجامع الروحانية التي حكمت على آريوس
ونسطوريوس ولوتر وآلاف من أمثالهم وجعلتهم اناثيما ، تشابه هذه المحكمة السماوية ؟
حاشا ثم حاشا !
هل يبحث المسيح عليه
السلام عن (دين) ديوان هكذا ؟ هل نصب ديواناً ؟ أبداً واصلاً ! لم يأت المسيح عليه
السلام بدين ولا كتاب ، ولهذا يمنع حلف اليمن منعاً باتاً بان يوصي تلاميذه باجتناب
المحاكم والدواوين لماذا ؟ لان ملكوت الله وكلام الملكوت لم يكن قد تأسس على الأرض
بعد (متى 5 :21-26 و33-36 و23: 16 الخ)
.