إحياء لعازر:
يروي يوحنا قصة إحياء عيسى أخا مريم ومرثا واسمه لعازر. وقالت له مرثا ترجوه: "أعلم أن كل ما تطلب من الله يعطيك الله إياه". (يوحنا 11/22). وتدلنا القصة على ما يلي:
1- القصة انفرد بذكرها يوحنا ولم توردها الأناجيل الثلاثة الأخرى.
2- قول مرثا لعيسى يؤكد أن المعجزات التي يؤديها عيسى ليست من عنده ولا بقدرته هو، بل بقدرة الله. وهذا يدحض أنه إله أو ابن الله.
3- قالت عنه مرثا "المعلم" (يوحنا 11/38) وناداه الحاضرون "يا سيد" (11/34). ولم ينادوه "الله" أو "ابن الله". رغم أنهم يرجونه أن يحيي لعازر الميت. رغم حاجتهم إليه لإحياء أخيهم الميت، نادته مرثا أخت الميت "يا معلم" وناداه الناس "يا سيد".
4- بكى عيسى لما رأى لعازر ميتاً لأنه كان يحبه (يوحنا 11/35). وهل يبكي الإله ؟!!
5- قال عيسى لمرثا: "إن آمنتِ ترين مجد الله". (يوحنا 11/40). قال ذلك لها بعد أن قالت له لقد مات منذ أربعة أيام. لم يقل لها "مجْدِي" بل قال "مجد الله". وهذا توكيد لخضوع عيسى لله سبحانه.
6- قبل إحياء لعازر، نظر عيسى إلى السماء ودعا الله وشكره على مسمع من الناس بقصد أن يؤكد للناس أنه لا يستطيع أن يفعل شيئاً وحده، فقال: "لأجل هذا الجمع الواقف قلتُ. ليؤمنوا أنك أرسلتني". (يوحنا 11/42). أي أنه دعا الله علانية حتى يسمع الناس ويوقنوا بأن معجزاته ليست من عنده، بل هي من عند الله. لو كان عيسى إلهاً لما دعا الله ولما سأله ولما شكره!!
قيافـا:
نصح قيافا رئيسُ الكهنة اليهود قومه بأن أفضل سبيل للتخلص من عيسى هو قتله (يوحنا 11/50). وعندما علم عيسى بذلك "لم يكن يمشي بين اليهود علانية". (يوحنا 11/54). إذاً خاف عيسى على نفسه من القتل. وهل يخاف لو كان إلهاً كما يزعمون ؟!
يطلب النجـاة:
"أيها الآب نجني من هذه الساعة". (يوحنا 12/27). عيسى بكل وضوح يطلب النجاة من القتل الذي دبره له اليهود. لو كان إلهاً لما طلب العون من الله!! كما أن دعاءَه بالنجاة يدحض أنه بذل نفسه للصلب من أجل الناس، فالباذل نفسه لا يطلب النجاة لها.
رسول الله:
1- عن عيسى قوله: "الذي يؤمن بي ليس يؤمن بي بل بالذي أرسلني". (يوحنا 12/44).
2- وقال: "لم أتكلم من نفسي. لكن الآب الذي أرسلني هو أعطاني وصية ماذا أقول وبماذا أتكلم… فما أتكلم أنا به فكما قال لي الآب هكذا أتكلم". (يوحنا 12/49-50).
3- وقال: "والذي يقبلني يقبل الذي أرسلني". (يوحنا 13/20).
هذه النصوص تدل بوضوح قاطع أن عيسى قال للناس إنه رسول من الله إلى قومه وأن المهم ليس الإيمان بعيسى بل المهم هو الإيمان بالله، وأن كلام عيسى ليس من عند عيسى بل هو وحي من الله. النصوص تؤكد رسولية عيسى وبشريته لمن أراد الحق والحقيقة.
الإدانــة:
عن عيسى قوله: "لم آت لأدين العالم بل لأخلص العالم". (يوحنا 12/47).
هذا يناقض قول عيسى "لأن الآب لا يدين أحداً بل قد أعطى كل الدينونة للابن". (يوحنا 5/22).
النص الأول ينفي إدانة عيسى للعالم والنص الثاني يؤكدها. تناقض بين النصين في إنجيل واحد!!
أَرْجُل التلاميذ:
يروي يوحنا أن عيسى في ليلة المداهمة قام وغسل أرجل تلاميذه. ونلاحظ في رواية يوحنا لتلك الليلة ما يلي:
1- غسل عيسى لأرجل تلاميذه واقعة انفرد بذكرها يوحنا فقط. ولم توردها الأناجيل الثلاثة الأخرى!! لماذا ؟! رغم أنها حادثة هامة شهدها جميع الحواريين حسب قول يوحنا!!
2- واقعة العشاء الرباني لم يذكرها يوحنا رغم أنها من ركائز المسيحية ورغم أن يوحنا كان مع عيسى تلك الليلة !!!
3- قال عيسى لتلاميذه: "أنتم تدعونني معلماً وسيداً وحسناً تقولان لأني أنا كذلك". (يوحنا 13/13). لم يدعوه "إلهاً" أو "ابن الله"!! واستحسن عيسى ما ينادونه به.
نجاته من العسكر:
يعتقد النصارى أن عيسى أمسك به الجنود ثم قادوه إلى الصلب. ولكن في الإنجيل عدة نصوص تشير إلى نجاته من القبض عليه أساساً. ومنها:
1- قال عيسى لتلاميذه قبل حضور العسكر بقليل: "أنا معكم زماناً قليلاً… ستطلبونني… حيث أذهب أنا لا تقدرون أنتم أن تأتوا". (يوحنا 13/33).
2- "من عند الله خرج وإلى الله يمضي". (يوحنا 13/3).
3- وقال لبطرس: "حيث أذهب لا تقدر الآن أن تتبعني ولكنك ستتبعني أخيراً". (يوحنا 13/36).
4- وقال: "أما الآن فأنا ماضٍ إلى الذي أرسلني وليس أحد منكم يسألني أين تمضي". (يوحنا 16/5).
5- وقال: "أترك العالم وأذهبُ إلى الآب". (يوحنا 16/28).
الحلول والتجسيد:
يروي يوحنا عن عيسى عدة نصوص غلب على النصارى فهمها على أنها تشير إلى تجسيد الله في عيسى وحلوله فيه واتحاده معه، مثل:
1- قال عيسى: "ألستَ تؤمن أني أنا في الآب والآب فيّ". (يوحنا 14/10).
2- وقال: "الآب الحالّ فيّ". (يوحنا 14/10).
نلاحظ هنا ما يلي:
أ- نصوص الحلول والاتحاد لم تذكر في الأناجيل الثلاثة الأخرى!!! فقط يوحنا هو الذي انفرد بذكرها، علماً بأن يوحنا كتب إنجيله عام 98م، أي بعد عيسى بخمس وستين سنة.
ب- إذا كان الحلول هاماً وقاله عيسى، فلماذا لم تذكره الأناجيل الأخرى ؟!
ج- إذا كان الله قد حَلَّ في عيسى، فلماذا كان عيسى ينظر إلى السماء حين يدعو الله أو يشكره أو يصلي ؟! إذا كان الله فيه كان عليه أن ينظر إلى صدره أو بطنه أو جسمه هو !!!
د- كيف يكون الله في السماء كما تذكر الأناجيل ويكون في الوقت ذات في جسم المسيح على الأرض ؟!!
هـ- كيف يكون الله في عيسى وفي الوقت ذاته عيسى يأكل ويشرب وينام ويبكي ويهرب ويخاف وينمو ويعمل نجاراً كسائر الناس ؟!!
و- إذا كانت (في) تعني الحلول والتجسيد، فكيف نفسر قول عيسى "اثبتوا فيّ وأنا فيكم". (يوحنا 15/4) ؟! هل هو سيحل في تلاميذه وهم يحلون فيه وهو يحل في الله والله يحل فيه ؟! هل هذا معقول ؟!
ز- إذا كانت (في) تعني الحلول، فكيف تفسر قوله: "أني أنا في أبي وأنتم فيّ وأنا فيكم". (يوحنا 14/20) ؟! سيكون المعنى أن الله وعيسى والتلاميذ صاروا وحدة جسدية واحدة !!! وهذا غير معقول ولم يقل به أحد.
ح- إذاً تلك العبارات يجب ألا تفسر على أساس الحلول المادي، بل على أساس أنها إشارات إلى (الإيمان والاتباع والمحبة والخضوع).
ط- إذا كان الآب حلّ في الابن، فقد صارا وحدة واحدة. إذاً فكيف يقول عيسى: "لأن أ[ي أعظم مني". (يوحنا 14/28) ؟! وأين الروح القدس ؟! لماذا لم يحل معهما أيضاً حتى يكمل ثالوثهم وتثليثهم ؟!!!
البشارة بالرسول محمد
(صلي الله عليه وسلم) :
في ليلة المداهمة، قال عيسى:
1- "وأنا أطلب من الآب فيعطيكم مُعَزِّياً آخر ليمكث معكم إلى الأبد". (يوحنا 14/16). هذه إشارة إلى الرسول محمد (صلي الله عليه وسلم) ذي الرسالة السماوية الختامية (أي إلى الأبد). ومن يكون سواه ؟!
2- "وأما المُغَزِّي الروح القدس الذي سيرسله الآب باسمي فهو يعلمكم كل شيء ويذكركم بكل ما قلته لكم". (يوحنا 14/25). وهي إشارة إلى محمد (صلي الله عليه وسلم) الذي تكون رسالته شاملة كاملة مصدقة بالأنبياء السابقين. وأما عبارة (الروح القدس) الواردة بعد كلمة المعزي فهي إلحاقية من المفسرين والمترجمين ولم يقلها عيسى ولم تظهر في النص الأول السابق ولا في النص الثالث التالي.
3- "إن لم أنطلق لا يأتيكم المعزي. ولكن إن ذهبت أرسله لكم". (يوحنا 16/7). المعزي هنا ترجمة من اليونانية لكلمة البارقليط التي تعني "الشخص المحمود الخصال" أي "محمودة خصاله" أي "مُحَمَّد". ولكن المترجمين لغاية في أنفسهم ترجموها إلى "المعزي" ولتكن المعزي. فأين المعزي الذي جاءَ البشرية بعد عيسى ؟ هل جاء رسول من الله بعد عيسى سوى محمد (صلي الله عليه وسلم)؟! طبعاً لا. إذاً هو الذي بشر به عيسى.
4- "إنّ لي أموراً كثيرة أيضاً لأقول لكم ولكن لن تستطيعون أن تحتملوا الآن. وأما متّى جاء ذاك روح الحق فهو يرشدكم إلى جميع الحق لأنه لا يتكلم من نفسه بل كل ما يسمع يتكلم به ويخبركم بأمور آتية. ذاك يمجدني لأنه يأخذ مما لي ويخبركم". (يوحنا 16/12-14). وهذا إشارة إلى رسالة محمد (صلي الله عليه وسلم) الجامعة الشاملة. ونلاحظ هنا أن المبشَّر به هو رسول يرشد الناس ويخبرهم، فكيف يكون هذا الرسول الروح القدس الذي ورد في النص الثاني.
نلاحظ فيما سبق ما يلي:
1- الآتي الذي بشر به عيسى سيكون "إلى الأبد"، أي رسالته إلى الأبد، لا رسالة بعدها. وهكذا كان، فرسالة محمد (الإسلام) هي خاتمة الرسالات السماوية. ومحمد خاتم المرسلين. والقرآن خاتم الكتب السماوية.
2- الآتي يعلِّم كل شيء (حسب النص). وهكذا كان. فإن رسالة الإسلام التي جاء بها محمد عالجت جميع الجوانب الرئيسية في حياة الإنسان.
3- الآتي سيكون رسولاً يخاطب الناس. ولا يمكن أن يكون الآتي هو الروح القدس، لأن الروح القدس لم ولا يخاطب عامة الناس، إذ هو يخاطب الرسل الذين هم بدورهم يبلغون الناس.
4- الآتي سيمجد عيسى. وهكذا كان. فلم يمجد أحد أحداً كما مجد محمدٌ عيسى. ولم يمجد كتابٌ عيسى مثلما مجده القرآن الكريم.
5- هذه البشارات قُصد بها محمد (صلي الله عليه وسلم) ولا أحد سواه. بل إن ترجمة كلمة البارقليط اليونانية هي "محمد" بمعنى "شخص تحمد صفاته". وإن لم يكن المقصود محمداً (صلي الله عليه وسلم) فمن هو إذاً ؟! والحقيقة أن عيسى قد ذكر اسم "محمد" بالتحديد ولكن المترجمين أخطأوا حين ترجموا الاسم العلم الذي لا تجوز ترجمته. وسواء أكان الخطأ مقصوداً أم غير مقصود، فإن العَلَم لا يترجم.
المشاعل والمصابيح:
يروي يوحنا أن يهوذا والجنود جاءوا بمشاعل ومصابيح ليلة المداهمة لإلقاء القبض على عيسى (يوحنا 18/3). ونلاحظ في رواية يوحنا لحادثة المداهمة ما يلي:
1- المشاعل والمصابيح تشير إلى أن الوقت كان ظلاماً. وهذا ينسجم مع اختفاء عيسى وعدم إدراكهم لما حدث بالضبط مما سَهَّل وقوع يهوذا الواشي في قبضتهم بدلاً من عيسى (يوحنا 18/3).
2- هذه المشاعل والمصابيح لم يوردها سوى يوحنا. لم توردها الأناجيل الثلاثة الأخرى!!
3- حسب يوحنا، لم يقبِّل يهوذا عيسى لتعريف الجنود به. بل سألهم عيسى عمن يطلبون. "فقالوا يسوع الناصري. قال لهم يسوع: أنا هو". (يوحنا 18/5). الأناجيل الأخرى تقول إن يهوذا اتفق مع الجنود على أن يُقبِّل عيسى لتعريفهم به وإنه فعلاً قَبَّله. يوحنا يقول إن عيسى هو الذي عَرَّفهم بنفسه. تناقض بين الأناجيل !!
4- عندما عَرَّفَهم عيسى نفسه، "رجعوا إلى الوراء وسقطوا على الأرض". (يوحنا 18/6). لماذا رجعوا لدى سماع اسمه ؟!! جنود عديدون بسلاحهم رجعوا إلى الوراء، لماذا ؟! ولم يرجعوا فقط، بل سقطوا على الأرض. لماذا سقطوا على الأرض ؟!! جاءوا ليقبضوا على عيسى؛ لما عَرَّفهم بنفسه، رجعوا وسقطوا على الأرض!! أليس هذا غريباً ؟!! كما أن رواية الرجوع والسقوط انفرد بها يوحنا دون سائر الأناجيل الثلاثة. التفسير لرجوعهم وسقوطهم هو أن الله شاء ذلك ودبَّره من أجل إخفاء عيسى وإنقاذه منهم ليحول بينهم وبين صلبه أو قتله أو إيذائه.
5- يروي يوحنا، خلافاً لسائر الأناجيل، أن عيسى هو الذي طلب من الجنود أن يخلُّوا سبيل تلاميذه بقوله: "دعوا هؤلاء يذهبون". (يوحنا 18/8). في حين أن مرقس 14/50 يقول إن جميع تلاميذه هربوا. ولوقا يقول تبعه بطرس فقط ومن بعيد (22/54). ومتّى يقول تركوه وهربوا (26/56).
يتبين لنا هنا ما يتبين في مواقف عديدة، وهو مدى الاختلافات بل والتناقضات بين الأناجيل الأربعة، مما يجعل المرء يحار في أي من رواياتها يصدق وأي لا يصدق!!!