نقض الناموس
الخلاص والأعمال عند المسيح وتلاميذه
وإذا كان بولس ولوثر ومن بعده لا يريان للأعمال والناموس أثراً في تبرير الإنسان وفدائه فإن ثمة نصوص كثيرة تشهد بغرابة هذه الفكرة عن المسيح وأتباعه، إذ الأعمال حسب تعليمهم هي الطريق إلى ملكوت الله الأخروية.
ومن ذلك أن المسيح أمر بالتزام الشريعة "خاطب يسوع الجموع وتلاميذه قائلاً: على كرسي موسى جلس الكتبة والفريسيون، فكل ما قالوا لكم أن تحفظوه فاحفظوه وافعلوه، ولكن حسب أعمالهم لا تعملوا، لأنهم يقولون ولا يفعلون" (متى 23/1-3).
وفي شأن الناموس وتعظيمه قال: "لا تظنوا أني جئت لأنقض الناموس أو الأنبياء، ما جئت لأنقض، بل لأكمّل، فإني الحق أقول لكم: إلى أن تزول السماء والأرض لا يزول حرف واحد أو نقطة واحدة من الناموس حتى يكون الكل" (متى 5/ 17-18).
هذا ولم يذكر المسيح في نصائحه لأتباعه شيئاً عن الخلاص بغير عمل، فقد جاءه رجل: "وقال له: أيها المعلم الصالح: أية صلاح أعمل لتكون لي الحياة الأبدية ؟
فقال له: لماذا تدعوني صالحاً، ليس أحد صالح إلا واحد، وهو الله، ولكن إن أردت أن تدخل الحياة فاحفظ الوصايا. قال له: أية الوصايا؟ فقال يسوع: لا تقتل. لا تزن. لا تسرق. لا تشهد بالزور ... " ( متى 19/16 - 20 )، فلم يطلب منه المسيح الإيمان فقط، بل طالبه بالعمل بما جاء في وصايا موسى عليه السلام (انظر الخروج 20/1 - 7 ).
وفي مرة أخرى قال المسيح لتلاميذه: " فإني أقول لكم: إن لم يزد بِركم على الكتبة والفريسيين، فلن تدخلوا ملكوت السماوات" ( متى 5/20 )، فلئن كان بطرس ويوحنا محجوبين عن الملكوت إلا بعمل صالح يشفع لهما، فماذا عن مصير أولئك الذين تبعوا بولس وأبطلوا الناموس.
ويشرح العلامة ديدات النص، فيقول: " أي لا جنة لكم حتى تكونوا أفضل من اليهود. وكيف تكونون أفضل من اليهود، وأنتم لا تتبعون الناموس والوصايا ؟ ".
وفي موضع آخر يقول المسيح ، وهو ينبه إلى أهمية الكلام وخطر اللسان، فيقول: " أقول لكم: إن كل كلمة بطالة يتكلم بها الناس سوف يعطون عنها حساباً يوم الدين، لأنك بكلامك تتبرر، وبكلامك تدان" (متى 13/36-37).
والذين يعملون الصالحات هم فقط الذين ينجون يوم القيامة من الدينونة، فيما يحمل الذين عملوا السيئات إلى الجحيم، من غير أن يكون لهم خلاص بالمسيح أو غيره، "تأتي ساعة فيها يسمع جميع الذين في القبور صوته، فيخرج الذين فعلوا الصالحات إلى قيامة الحياة، والذين عملوا السيئات إلى قيامة الدينونة" (يوحنا 5/28-29).
وأكد المسيح على أهمية العمل الصالح والبر، فقال للتلاميذ: " ليس كل من يقول لي: يا رب يا رب، يدخل ملكوت السموات. بل الذي يفعل إرادة أبي الذي في السموات، كثيرون سيقولون لي في ذلك اليوم: يا رب يا رب، أليس باسمك تنبأنا، وباسمك أخرجنا شياطين، وباسمك صنعنا قوات كثيرة، فحينئذ أصرّح لهم: إني لم أعرفكم قط. اذهبوا عني يا فاعلي الإثم" (متى 7/20-21)، فهؤلاء الذين يصنعون المعجزات والقوات باسم المسيح، سيتنكر لهم ويتخلى عنهم يوم القيامة، لما ارتكبوه من الموبقات، أي لمخالفتهم ناموس الله وشريعته.
وأيضاً، فإن المسيح طلب من تلاميذه - بعد القيامة - أن يكرزوا ويدعوا الناس للتوبة من ذنوبهم ليحصلوا على غفران الخطايا، فقد أمر كل واحد منهم "أن يُكرز باسمه بالتوبة ومغفرة الخطايا لجميع الأمم " (لوقا 24/47)، ولو كان الخلاص متحققاً بالإيمان لكانت الدعوة إلى التوبة ضرباً من ضروب العبث وإضاعة الأوقات والتنكر للهبات.
وقد ضرب المسيح عليه السلام لتلاميذه مثلاً، بيّن فيه حال العامل بالناموس فقال لهم: "لماذا تدعونني: يا رب يا رب، وأنتم لا تفعلون ما أقوله؟ كل من يأتي إلي، ويسمع كلامي، ويعمل به، أريكم من يشبه ؟
يشبه إنساناً بنى بيتاً وحفر وعمق، ووضع الأساس على الصخر، فلما حدث سيل صدم النهر ذلك البيت، فلم يقدر أن يزعزعه، لأنه كان مؤسساً على الصخر.
وأما الذي يسمع ولا يعمل، فيشبه إنساناً بنى بيته على الأرض، ومن دون أساس، فصدمه النهر حالاً، وكان خراب ذلك البيت عظيماً " ( لوقا 6/46 - 49 ).
وللحديث بقية إن شاء الله وقدر.