غــايــة الإنـجـيــل
- 23 -
(صفات ملكوت الله وخواصه)
(صفات ملكوت الله وخواصه)
تدرج هاهنا صفات ملكوت الله الخاصة أخذاً من التشبيهات والأمثال التي ضربها المسيح عليه السلام :
أ - من صفات ملكوت الله الجميلة انه عبارة عن التأليف بين كل أنواع البشر من غير تفريق بين جنس وعرق وأمة ووطن ، وتوحيدهم بإخاء معنوي وروابط قوية دينية(*) وتشكيل ملة بين الملل منهم ، وسوقهم إلى توحيد الاحساسات الدينية والمنافع المشتركة الحقيقية بقصد الاتحاد المادي .
يشبه الدنيا بالمزرعة ، وكلام الملكوت يزرع في قلوب الناس كما تزرع الحنطة في المزرعة ، والله صاحب المزرعة يرسل ملائكته يوم القيامة المشبه بيوم الحصاد لجمع أبناء الملكوت وبنقلهم إلى السموات (متى 3 : 15-24 مرقس 4،1-20 لوقا 8،1-15) .
ب- ملكوت الله ينشأ آنا فآنا ، وينمو سنة فسنة ، ويكبر عصراً فعصر ويتقوى على الدوام وبدون انقطاع (مرقس 4، 26-29) .
وإذا ما قتل قسم من أبناء الملكوت شهداء من قبل الأشرار الظلمة أعداء الدين كما مثلهم بحبات الحنطة الساقطة على طرف الطريق فالتقطها الطير ، أو انمحى على مرور الأيام بعض تعيسي الحظ منهم ، فلم يستطيعوا العيش بين الكفار ذوي القلوب القاسية كالحجارة ، أو إذا اختنقوا بين الغادرين شاربي الدماء ، كما في مثل الشوك، فإن أبناء ملكوت الله الذين في الأرض الجيدة والأماكن الخصبة والممالك الموافقة تنمو و تتكاثر بصورة محيرة للعقول ، فيأتي واحدهم بثلاثين أو بستين ضعفاً أو بمائة ضعف من الثمر بحسب سيرة الناس والأرض ، ومن العجيب أن معدل تكاثر أقسام ملكوت الله التي تنمو وتتكاثر ليلاً ونهاراً في القوة والمتانة ، وفي الفضيلة والمكانة ، يكون الواحد ثلاثة وثمانين وثلثاً .
ج- أفراد أبناء الملكوت من جنس واحد ، وعلى نسق واحد ، يشابه أحدهم الآخر في كل وقت وفي كل مكان وفي كل الأحوال ، فالإيمان والغاية والعادات والتقاليد واحدة والخلاصة أن جمعيهم حنطة وكلهم كالسمك المحبوب الذي في الشبكة وان الذين يحصلون عل الدرجة الكاملة في شان إعطاء الثمر بإيمانهم وفضيلتهم وأعمالهم يشكلون الأكثرية في كل زمان ومكان . هم حبات الحنطة التي تعطي من الحاصل مائة ضعف(*) وأما الآخرون أيضاً فلا يخلون من إعطاء الثمر على تلك النسبة للواحد ستون ضعفاً أو ثلاثون ضعفاً على الأقل ، كلهم أحياء وأقوياء ومثمرون ، وهناك بين أبناء الملكوت أولاد إبليس عدو الله ليسوا بالحنطة ، بل هم الزوان (متى 13 :24-30) .
أولاد الشيطان ليسوا من أبناء الملكوت بل أولئك هم الحشرات النتنه النجسة على سواء في شبكة السمك (متى 13،47-50و23و10) .
د- نهى الله عن قتل الكفار والمشركين المشبهين بالزوان وجيوف الحشرات وعن استئصالهم من ملكوته بتة ، وهؤلاء سيعيشون على الأرض مع المؤمنين إلى موسم الحصاد يوم القيامة ، والله يهبهم الشمس والهواء والمطر كما يهبها لأبناء الملكوت ، لكنهم لا يؤمنون أبداً ، ولا يكونون حنطة ولا سمكاً ، بل يبقون مكروهين أنجاساً إلى يوم القيامة (متى 27:13 - 30و123 و45:5 الخ).
تجب الدقة في صفة ملكوت الله هذه وهي (لما أرادت الملائكة قطع الزوان من بين الحنطة وقلمه وإلقائه لم يأذن الله بذلك) .
لنتحرّ أي دين ومذهب يأمر بذلك ؟ يجب علينا أن نحبذه وان نبجله ونقدسه أليس كذلك ؟
هـ- ينمو الملكوت ويتكاثر جداً بين بعض الأقوام في مدة قليلة بحيث لا يبقى هناك كافر ولا مشرك ، كالخردل والخمير ، يؤثر كلام الملكوت في قلوب الناس ويؤدي بهم إلى الإيمان (متى 13 ، 3-33 ومرقس 4،31-32) .
و- أبناء ملكوت الله هم ملح الأرض ، وبقدر ما تحتاج الطعام إلى الملح فكذلك كل العالم وجميع أقوام كرة الأرض يفتقرون إلى أبناء ملكوت الله (متى 5 ، 13 مرقس 50:9 لوقا 14،34-35) .
والممالك الخالية من أبناء ملكوت الله ممقوته مذمومة لا ملح في آداب معاشرتهم ولا طعم لأخلاقهم الملية ، وهي في حاجة إلى أبناء ملكوت الله ، ليصلحوا حالها ، يهذبوا أطوارها الرذيلة ، لان في أفوامهم الأقوال الحميدة ، والكلام الطيب ذا الملح.
ز- كل حركات أبناء الملكوت وأطوارهم كالنور ساطعة متألقة ، وكل من يراهم يفهم عاجلاً من كلامهم وأطوارهم وأخلاقهم من هم والى أي دين ينتسبون وبأي كتاب هم يهتدون .
ليجتمع خمسمائة رجل من الأديان والمذاهب المختلفة في مكان واحد ، ولا يبحثوا عن دين أو مذهب أو أخلاق ، بل يقصروا بحثهم على الفن والتجارة والمسائل الدنيوية المعاشية فانك لا تلبث نصف ساعة إلا وترى ابن الملكوت علناً بينهم بصنعة محسوسة .
ذلك لأنهم نور العالم (متى 5،14) لان أبناء الملكوت كبلدة جميلة على جبل وكسراج منير يضيء بيتاً ، يعلن ولا يختفي ، يعرف ولا يبقى مجهولاً ، يظل مكشوفاً لا يستر ! لان النور الإلهي نور الإيمان الذي فيهم يلقي بالأشعة إلى الأطراف فينير كل شخص ويفيده . (5،14-16) .
ح- أبناء ملكوت الله لا يكنزون لهم كنوزاً في الأرض حيث يفسدها السوس والصدأ وحيث ينقب السارقون ويسرقون ، بل يكنزون لهم كنوزاً في السماء حيث لا يفسد سوس ولا صدأ ، وحيث لا ينقب السارقون ويسرقون ، يعلمون انهم لا يدومون على الأرض فلا يبتغون من الدنيا غير الطيبات المشروعة ، وكل رجائهم في الآخرة وعلى ربهم يتوكلون ، مال الدنيا لا يهمهم، واحب شيء لديهم هو الدين وكتاب الله ، وهم مستعدون كل وقت للجهاد بأموالهم وأنفسهم ، وكل غال ونفيس لديهم في سبيل الله ، فالذين يأكلون اليوم الربا ويملكون البنوك والثروة والشركات الكبيرة هم الاقوام الذين لا ينتسبون إلى ملكوت الله ، ولكن عند اقتراب يوم الضرورة يرثون جواهر الكفار وخزائن المشركين التي تجمعت بالكذب (الغش) والربا المحرم لدفع حاجتهم فقط وليتمتعوا بكل ما هو حلال مشروع من طيبات الدنيا ، فانهم لا يفكرون في جمع الثروة والمال لذاته ، لان مال الدنيا في الدنيا يبقى . إن ملكوت الله هو مثال ملكوت السموات ، لا يفكرون في جمع الخزائن ليكونوا أغنياء في الدنيا لأنهم عما قليل يتركون الدنيا ولذاتها وخزائنها (متى 6 : 19-21) .
الأغنياء غير الشاكرين الذين يتوكلون على مال الدنيا هم خارج ملكوت الله (متى 19 : 22-24) .
ط- أبناء الملكوت لا يعطون القدس للكلاب ، ولا يطرحون دررها أمام الخنازير . (متى 6:7) .
بدون أماكنهم المقدسة في وجوه الكفار والمشركين ولا يترجمون آيات الكلام القديم الجليلة إلى مئات من اللغات متهالكين في بيعها وإهدائها إلى كل من يصادفونه(*)
(لا تعطوا المقدس للكلاب ، ولا تطرحوا لآلئكم قدام الخنازير) متى 6:7 .
(لا تعطوا المقدس للكلاب ، ولا تطرحوا لآلئكم قدام الخنازير) متى 6:7 .
ما هو الشيء المقدس وما هي اللآلىء ، التي يملكها أبناء الملكوت ؟ آية متى هذه هي الوحيدة عديمة المثل في كل التوراة والإنجيل ، ولو ادعى مدع أن مقصود المسيح عليه السلام من هذا الكلام ومخاطبه هي الكنيسة ، لكان إذن يحق لنا أن نوجه إليهم سؤالاً قائلين ,,
ما هي الأشياء المقدسة توهميون(1) للكنيسة ومن هم الذين يشبهم بالكلاب والخنازير ؟ قدس أو مقدس وبالسرياناية ( قودشا) ؟ يجب أن يكون شيئاً مقدساً ما هو مصون لدى أبناء الملكوت ؟ الرحم مقدس للوالدة الولود !. فانظروا أي عنوان ذي شأن يوجه إلى بنات ملكوت الله ونسائه ! فرحم بنت الملكوت التي ستكون أما مقدس طاهر مبارك(2) بنت الملكوت هي الشيء المقدس للملكوت لان رحمها طاهر وبتول بمثابة الأرض الخصبة التي فيها يزكو الزرع .
فانظروا إلى حكم المسيح عليه السلام التي في أعلاه هذه الأسرار العجيبة الباعثة للحيرة
بنت الملكوت لا تقدر أن تفتح حضن محبتها أو تتكرم برحمها على الكلاب ، وعلى الزوان والحشرات المنتنة ، لا تتمكن من الاقتران بهم أو الائتلاف معهم ، ما اكره من سر ! تأمل: أي بنت من أي دين أو مذهب لا يمكنك الاقتران بها ؟ حسبك أن تكون ذا حسن أو ذا دراهم ، فيمكنك أن تأخذ بنت البرنس الكاثوليكي ، أو بنت المليونير اليهودي ، أو كريمة رئيس أساقفة البروتستانت ، وأما بنت الملكوت فلا شك بأنها لو خطبها الغزال للزواج لردت طلبه ولو كانت متسولة .
المراد من اللالىء حسب فكري العاجز عبارة عن كتاب الله والأماكن المقدسة والذين يخربونها ويلوثونها عبر عنهم باسم (الخنزير) الممقوت ، فالخنزير معروف بالنجاسة وعدم الوفاء لكن الكلب صادق ووفي وذكي ومعين ، غير أن له عيباً واحداً وهو الميل الشهواني للإناث ، فلهذا يقول المسيح عليه السلام (لا تعطوا أشياءكم المقدسة للكلاب) يريد من أبناء ملكوت الله وبناته أن يتركوا الكلاب خارج بيوتهم ، وان يبتعدوا عن الزوان والحشرات التي تظهر فيها الكلاب .
صفات ملكوت الله الجميلة كثيرة جداً , ولكنا نكتفي الآن بهذا المقدار منها ليكون أنموذجاً.
وللحديث بقية ان شاء الله وقدر.