غــايــة الإنـجـيــل
- 24 -
كلام الملكوت هو كتاب الله وقانونه الأساسي
- 24 -
كلام الملكوت هو كتاب الله وقانونه الأساسي
كلام الملكوت هو القانون الأساسي للدولة الإلهية أي الشريعة ، ونظراً لاعتبار أن ملكوت الله دين فالكلام أيضاً كتاب ذلك الدين ودستور عمله ، وكل حركة خارجة عن أوامر الكتاب ونواهيه تحدث ضرراً بالملكوت ، وكل حركة على وفق أوامر الكتاب هي في مصلحة الملكوت ووسيلة لرقيه ، والمسيح عليه السلام كان يعظ بكلام ملكوت الله ويبشر باقتراب تأسيسه .
بحثنا مختصراً عن بعض المعلومات التي أنبأ بها روح الله عليه السلام مما يعود إلى ملكوت الله ، ولننظر الآن ما خبر هذا السفير السماوي الجليل عن كلام الملكوت ؟
أ - لا شك في إن صاحب ملكوت الله هو الله تعالى .
انظروا إلى روح الله عليه السلام الذي أتى بنبوة ملكوت الله المقرر تأسيسه على الأرض كيف يعرف الله ؟ أجابه يسوع أن أول كل الوصايا هي ( اسمع بإسرائيل الرب ألهاً رب واحد) (مرقس 29:12) .
لا شبهة في إن المسيح عليه السلام ذكر الآية بنصها الحرفي وهي الآية الرابعة من الباب السادس من كتاب التثنية خامس أسفار التوراة ، ولنذكر الآية التوراتية باللغة الأصلية العبرانية على الوجه أدناه .
(اسمع يا إسرائيل الرب إلهنا رب واحد)
هكذا ترجم البروتستانت الآية المذكورة ولكني لا اقدر أن افهم المقصود والحكمة في ترجمتهم ( أحد) في مرقس واحد ، وهنا وحيد(*) وإنما يجب قراءة هذه الكتب القديمة باللغة الأصلية ، فبالترجمة تذهب معاني الآيات وتفقد فصاحتها وبلاغتها الأصليين .
(اسمع يا إسرائيل الرب إلهنا رب واحد)
هكذا ترجم البروتستانت الآية المذكورة ولكني لا اقدر أن افهم المقصود والحكمة في ترجمتهم ( أحد) في مرقس واحد ، وهنا وحيد(*) وإنما يجب قراءة هذه الكتب القديمة باللغة الأصلية ، فبالترجمة تذهب معاني الآيات وتفقد فصاحتها وبلاغتها الأصليين .
وهي :
(اسمع يا إسرائيل ألهنا يهوه ، يهوه واحد) لان يهوه ليس بمعنى رب قطعاً والفرنسيون فسروا هذا الاسم المقدس بلفظ (Eternel أزلي) وبما أن الأمم أي الأقوام الآخر يسمون أصنامهم ومعبودهم ألها ، كان الموسيويون يضيفون إلى اسم الله الذي يعبدونه (يهوه) وهكذا كانوا يخاطبونه ، وبما انهم لا يتجاسرون على التلفظ بهذا الاسم الجليل الذي يعتقدون بعظم قدسيته ، كانوا يقرأونه باسم ( ادوني) أي رب إذن فالمسيح عليه السلام يذكر يهوه لأجل التفريق بين (إله) وبين (الله)(**) ولا أظن أن كلمه (يهوه) إلا عين ما يقصده الطوقيون من (هو) أو (ياهو) وإذا ما أمعنا النظر نجد أن عيسى عليه السلام الذي يؤيد كلمة التوحيد مكرراً ، لا يعبر عن (الله الملكوت) وإنما يعبر عن (يهوه) اله إسرائيل فقط ، فالوصايا العشر التي لخصها المسيح وحصرها في أمرين فقط أي بوجوب حب الله وحب الجوار ليس لها علاقة ولا شمول لغير الملل اليهودية . لان (يهوه) كان (الله إسرائيل) فقط لذلك كان كل يهودي مكلفاً بحب الله (يهوه) اكثر من روحه والمسيح عليه السلام كان يصدق ويحفظ جميع أحكام الشريعة نقطة فنقطة بصفته يهودياً تاماً ، وعلاوة على ذلك بين لهم ملكوت الله أيضاً .
عندما ترك المسيح عليه السلام مملكة اليهود وتوجه إلى البقعة الشمالية المسماة (الجليل) أجل الوعظ والتبشير بكلام الملكوت اضطر إلى أن يجتاز ارض السامرية فجاء إلى البلدة المسماة (سوخار) تعباً عطشان وجلس عند بئر يعقوب وجاءت في تلك الساعة امرأة سامرية لتستقي ماء فقال لها المسيح عليه السلام (اعطني ماء لأشرب) قالت المرأة السامرية: كيف تطلب مني ماء وأنت يهودي وأنا امراه سامريه ؟ لان اليهود لا يعاملون السامريين ) وعلى هذه الصورة جرى بين المسيح عليه السلام وبين المرأة مكالمة دينية مهمة جداً .
روبت في الفصل الرابع من كتاب (يوحنا) فالمرأة التي أدركت انه نبي خاطبت تلك الحضرة قائلة (آباؤنا سجدوا في هذا الجبل وانتم تقولون : في أورشليم الموضع الذي ينبغي أن يسجد فيه) .
كلام المرأة هذا صحيح جداً أن إبراهيم وإسماعيل وإسحاق و يعقوب عليهم السلام لم يسجدوا في أورشليم بل كانوا يسجدون في ديار (شكيم) ( تكوين 33 : 18 - 20 و28 : 22 ) وعندما رجع يعقوب من فدان (بدان) آرام جاء إلى (سالم)(1) بلدة (شكيم) ونصب خيمته أمام البلدة .. وبنى هناك مذبحاً ودعاه (أيل الوه إسرائيل) .
وأما بلدة أورشليم فقد فتحها داود ثم بنى ولده سليمان عليهما السلام فيها هيكله (المسجد الأقصى) ومن ثم بوشر بالسجود هناك .
وأما المسيح عليه السلام فقال لها (يا امرأة صدقيني انه تأتي ساعة لا في هذا الجبل ولا في أورشليم تسجدون للآب .. الله روح والذين يسجدون له فبالروح والحق ينبغي أن يسجدوا(*) لان الأب أيضاً يطلب له مثل هؤلاء الساجدين) (يوحنا 4 : 21-24) .
إذن فهو لا يقول (اسمع يا إسرائيل يهوه إلهنا يهوه واحد) فهنا ليس المقصود (إلهنا) الذي لا يقوله إلا اليهود ، بل هو (آب واله جميع الأمم) وبناء على أن الله منزه عن المكان والزمان فان يكون محل السجود له لا جبل شكيم ولا معبد أورشليم . وبما أن الله مبرأ عن المثال والشبيه فسيسجد له الساجدون بالروح والحقيقة . فالرب يهوه تصوره التوراة في شكل إنسان فبالطبع كانوا قد تلقوه كأنه له مكان ومحل إقامة في أورشليم ، ويأتي على شكل إنسان ماشياً على قدميه وقت العصر عند آدم وحواء في جنة عدن ، وارى ظهره موسى ، وظهر في زمن دانيال بشكل شيخ هرم جداً ذي لحية بيضاء . أما الله ذو الملكوت فمنزه عن هذه الأمثال والأشباه والأشكال ، هو روح ليس بجسم ولا هيولي بل وجود مطلق وواجب الوجود . أحد ليس مركباً من أجزاء ولا عناصر ولا منقسماً إلى كثير .
وبما انه خالق لا يكون مخلوقاً . وانه وان كان أبا أي موجداً لا مولوداً ولا موجداً(*) وكما انه لا شيء من الموجودات التي خلقها يسمى (الله) فكذلك المولود (الابن الوحيد) المعزو إليه لا يدعى (الله) . وأما الكنيسة فبتجويزها الإصلاح إطلاق (والد) محل (آب) تكون قد أقرت واعترفت بالكثرة في الألوهية . ويما أنها مضطرة إلى ا لتسليم بان ذلك كفر فهي تتشبث بإثبات الباطل باعتقاد وادعاء وجود وبقدر ما كان السوفسطائية(1) الذين يتصدون ويقومون للبرهنة على (أن الجهل عقل) يشهرون أنفسهم السخرية عند حكمائنا فكذلك (المتكلم) أي المنتسب إلى علم الكلام الذي يسميه المسيحيون (علم اللاهوت) الذي يدعي أن الله والد يعرض هيكله بالجهل على ساحة المضحكات في مجلس العارفين .
ومهما كان الفرق بين التكوين والتوليد وبين المخلوق والولد فكذلك الفرق بين الخالق والوالد .
إن التكوين فعل قديم وعمل أول . والتوليد فعل جديد وعمل ثان ، فالتكوين بمعنى فعل الواحد ، أما التوليد فعبارة عن اشتراك عمل فاعلين اثنين .
وبناء على ذلك فالله تعالى أولاً يوجد من العدم ويكوّن وبخلق ، ثم الموجدات الكائنة تتوالد فيما بينها أي أنها تثمر وتتناتج .
والأسباب التي ساقت العيسوية إلى فيافي الضلالة وأوقعتهم في قمر هذه الظلمات هي سوء تأويل لتعبيرين أو ثلاثة لكلمتين أو ثلاث كلمات سامية نقلت إلى اللغة اليونانية : كلمة أطلقت وهي محصول فكر حكيم عبراني (بهويست)(1) وعلى اثر نقلها إلى موضع التدقيق في فلسفة الافلاطونيين تلك الفلسفة الداهية حدثت بها أشكال وأفكار وعقائد جديدة .
في اللغات السامية مادة ( يلد) بفتح فاء الفعل وعينه وهي (ولد) العربية بفتح فاء الفعل وكسرالعين بمعنى (التوليد والولادة أو الخلق والإيجاد) والفعل المذكور ورد استعماله مجازاً في الكتب العبرانية بمعنى الخلق والإيجاد . ولكن كيف تحول إلى اليونانية ؟
( كنو) بالكاف الفارسية وتشديد النون ، ويشتق من ( ) بمعنى (أنا احصل خلقاً ، أنا أولد) .
المعنى أي الترجمة القراءة باليونانية
جنس ، اصل ، تولد ، ذرية genus كنوس
تكوين ، الولد genesis كنسيس
مكون ، والد ، أب genitor كنطور
ولد ، وليد ، مولود genitus كنبطوس
ومن المعلوم انه لما وضع الفيلسوف ارسطو مقولاته وضع بمقابل ذلك مفسر الفيلسوف فورفور الكليات الخمس وكانت عبارة عن : الجنس والنوع والفصل والعرض العام والخاصة ، ولابد لكل الموجودات القابلة التصور والتي صنفها ارسطو في المقولات العشر ، على كل حال أن تكون واحدة من هذه الكليات الخمس(1) التي صنفها فورفور. مثلاً إذا سالت (من هذا الرجل ؟) فالأجوبة التي تعطي نحو (هذا الرجل رسام ماهر ، أو جاء من ازمير ، أو هو يصلي) كلها مغايرة للمنطق . لان السؤال عائد إلى الرجل ، وبما أن الرجل عائد إلى مقولة (الجوهر ) فالفكر يصعد حالاً إلى الجوهر. والجوهر إما وجود مطلق أو مقيد (ذو روح ، حيوان ، إنسان ، حسن) فيما أن هذا المسمى حسن هو أحد الأفراد المنسوبة إلى جنس الحيوان والى نوع الإنسان فلو كان التعريف بصورة (هو ابن عمي حسن أفندي) فيكون الجواب موافقاً المنطق ، أما الجواب الأول فكان عن الكيفية ، والثاني عن المكان والثالث عن العمل .
المعنى أي الترجمة القراءة باليونانية
جنس ، اصل ، تولد ، ذرية genus كنوس
تكوين ، الولد genesis كنسيس
مكون ، والد ، أب genitor كنطور
ولد ، وليد ، مولود genitus كنبطوس
ومن المعلوم انه لما وضع الفيلسوف ارسطو مقولاته وضع بمقابل ذلك مفسر الفيلسوف فورفور الكليات الخمس وكانت عبارة عن : الجنس والنوع والفصل والعرض العام والخاصة ، ولابد لكل الموجودات القابلة التصور والتي صنفها ارسطو في المقولات العشر ، على كل حال أن تكون واحدة من هذه الكليات الخمس(1) التي صنفها فورفور. مثلاً إذا سالت (من هذا الرجل ؟) فالأجوبة التي تعطي نحو (هذا الرجل رسام ماهر ، أو جاء من ازمير ، أو هو يصلي) كلها مغايرة للمنطق . لان السؤال عائد إلى الرجل ، وبما أن الرجل عائد إلى مقولة (الجوهر ) فالفكر يصعد حالاً إلى الجوهر. والجوهر إما وجود مطلق أو مقيد (ذو روح ، حيوان ، إنسان ، حسن) فيما أن هذا المسمى حسن هو أحد الأفراد المنسوبة إلى جنس الحيوان والى نوع الإنسان فلو كان التعريف بصورة (هو ابن عمي حسن أفندي) فيكون الجواب موافقاً المنطق ، أما الجواب الأول فكان عن الكيفية ، والثاني عن المكان والثالث عن العمل .
وليس المقصود بكتابة هذه الأسطر التشدق بالبحث عن كمالات أو نقائص كانيفوريا ارسطو طاليس ، ولكني أريد تشهير التأثير السيء الذي أحدثته الفلسفة اليونانية على الكنيسة.
أسال من قسيس عيسوي (من المسيح ؟ ) يجبني قائلاً (ابن الله الوحيد) (يوحنا 3 : 16 : 18 و 1 : 18) .
فانظروا الآن (موذكينيس) بمعنى (مساوي الجنس ، مساوي العرق ، من عين العرق، من عين الجنس والنسل) .
إن الذي دس في فكر الكنيسة فكرة (الأبوة والبنوة) الإلهية السقيمة هو الخصي الكوسج المصري خادم الرهبان المسمى (اوريفين)(1)
وهذا عندما شرح هذه الآيات المذكورة عرفه قائلاً:
حقيقة انه من عين جنس الآب (الله) .
أي باعتبار أن مريم أمه فهو من عين جنس الإنسان (أو مساو لجنس الإنسان) وباعتبار أن الله أبوه ، فهو من عين جنسه (مساو لجنس الله) (حاشا) وهذه عبارة (هرموسيون) أي (واحدي الجوهر أو من عين الجوهر) هي التي أصر عليها تثليثيو نيقية وأثبتوها في دفتر اعتقادات العيسوية .
وإذا كانت هذه الفلسفة اليونانية هي التي أفسدت كلام المسيح عليه السلام في شأن التوحيد الخالص المحض ، فأننا إذا صححنا الغلط الواقع على أصول الفلسفة المذكورة ، فان شرف نجاحنا يعود إلى حضرة وأستاذنا المقدس ارسطو .
في رأس المقولات العشر (كاتيفوريا) أو أولها الجوهر (اوسيا) ولنفرض أن عيسى هو آخر ما تحتويه المقولات من الصفوف فعنوان (اوسيا) يحوي تحته كل الموجودات الروحانية والجسمانية التي ترد على العقل والفكر والخيال ، لان كل موصوف إليه من التسع الأخرى (الكلنيفوريا) لها صنوف خاصة أيضاً(*) .
الجوهر (اوسيا ) أما قائم بذاته وإما قائم بغيره ، أي انه إما وجود مطلق ، وإما وجود مقيد ، فالوجود المطلق القائم بذاته هو الله تعالى وهو منزه عن الزمان والمكان ، لان حياته لسيت مقيدة بالزمان ، وعرشه ليس مقيداً أو محدوداً بالمكان . إذن فالمقولات الأخرى ليس لها تعلق قطعاً بالله تعالى لا صنفاً ولا جنساً لأنها محدودة ومتحيزة ، وأما الله تعالى فليس متناهياً ولا محدوداً ولا متحيزاً ، والوجود القائم بغيره إما روحاني أو جسماني ، والوجود الجسماني إما ذو حياة أو جماد ، وذو الحياة روح أو نبات ، وذو الروح إما ناطق .
أولاً - فان كان ناطقاً فهو من جنس الحيوان ونوع البشر ، وهذا يشير إلى موضوعنا عيسى المسيح .
فالفرد من نوع البشر لا يمكن في أصول الفلسفة أن يكون متجانساً مع الوجود المطلق ؟ ثم لا يكون الإنسان الذي هو من الجوهر المحدود مساوياً لغير المحدود ، ثم أن لك في الفلسفة المذكورة أن تفكر : هل لله جنس وهو الوجود المطلق ؟ هل يريدون تشبيهه بالأجناس الأخرى؟ كلا انه لا نسبة بين الله تعالى والمقولات العشر غير النسبة التي بين الخلق والمخلوق وهي التباين في الذات والصفات ، فلا المحدود يكون مجانساً لغير المحدود ولا الجوهر المطلق يكون متحداً بجوهر مطلق آخر ، فذات الله تعالى لا يكون مساوياً لموجود آخر فيطلق عليه اسمه ، لان المساواة من خواص الحدود والقياس وأما غير المحدود فلا يمكن أن يكون له مساو ، بناء عليه فان عبارة (مونو غينيس) واعتبار المسيح مساوياً لله تعالى مستحيل واعتداء على العقل والفلسفة(*) .
كان نيقوديموس رجلاً من الفريسيين وأحد أعضاء مجلس صانهيدرين ، أتى ليلة لزيارة عيسى عليه السلام ، وكان عيسى عليه السلام يتكلم في شأن ملكوت الله ولا شك أن المحاورة كانت باللسان العبراني أو الآرامي ، ونص المحاورة باللغة الأصلية مفقود .
وإنجيل يوحنا كتاب كتب باللغة اليونانية وأصيب بالتحريفات العديدة في العصر الثاني أو الثالث فلا يجوز التعويل عليه ، على انه لا يوجد فيه عبارة صريحة مما اسنده مؤلفه إلى فم المسيح تدل دلالة قطعية على أن المسيح هو الله ، فان المسيح عليه السلام كان يريد في هذه المحاورة العميقة - التي تركت نيقودبموس متعجباً مبهوتاً - أن يقول (لأجل الدخول في اليهودية تكفي الولادة من الماء ، أي من (المني) ولكن لأجل دخول الملكوت لابد من ولادة جديدة من الماء والروح والتولد الجديد هو التكون الجديد والخلق الجديد ، وهذا يجب أن يولد من فوق أي من الله تعالى(*) ولما لم يفهم الشيخ الفريسي هذا كرر روح الله كلامه قائلاً ما حصله : أنا لا أقول لك بالدخول في رحم أمك والتولد ثانية ولا فائدة في ذلك ، لا ابحث عن التولد الطبيعي ، فان كنت لا تفهم هذا وأنت من (سن سينود) لليهود فماذا يكون حال الآخرين ؟ أتيت للإعلان والتبشير بان ملكوت الله سيأتي ويتأسس وأنا روح الله ، خلق الله روحي وارسلني بنبوة خاصة ، وبما أني إنسان وأنا في عين هذا الوقت (مونوغيتيس) أي أني المخلوق الوحيد الآن لملكوت الله (لأنه لم يتأسس بعد) فأنا أول أبناء الملكوت وولده الوحيد ، ولكن سيأتي إنسان آخر (ابن آدم ، بارناشا) مثلي ويؤسس الملكوت ، وذلك الإنسان لا يزال في السموات ، روحه عند الله ، لأنه لم يصعد أحد إلى السماء الآن ابن الإنسان النازل من السماء وهو (الآن) في السماء (يوحنا 13:3) .
أقول ألم يتضح أن عيسى هذا ابن آدم الذي اغرق الفريسي الهرم في الحيرة شيء ، وابن آدم الذي لا يزال في السماء وسينزل أخيراً شيء آخر ؟
فهذا كلام قاله المسيح عليه السلام حينئذ بفمه في ارض فلسطين بلغة أمه ، وبعد مائتين أو ثلاثمائة سنة ظهرت في الوجود ترجم يونانية عن الكلام الذي فقد متنه ، والفلاسفة يتفلسفون فيه ويخرجون من العدم معاني أخرى يصورونه بها وها هو ذا سيدنا عيسى عليه السلام يبين ويعلن في جميع مواعظه ومحاوراته بكمال الإخلاص والصدق ان كلام ملكوت الله هو كلام التوحيد ، ومن البديهي أن عيسى الذي لم يرض أن يخاطب بعنوان (الكريم ، الصالح) لا يقبل أن يكون مساوياً لله أو متحد الجوهر (أي الذات) مع الله(*) .
ب- يبين كلام ملكوت الله علناً ان أبناء الملكوت لا يجدون أي كلفة أو صعوبة في التوبة والاستغفار والصلاة والسجود لأجل التقرب إلى الله ، وقد بلغنا سيدنا عيسى عليه السلام أن لا حاجة إلى توسط أي شخص ثالث بين الله وعبده وان ذلك ممنوع البتة . لا حاجة إلى الشفعاء والكهنة والقسيسين والمعلمين عنده . وان الشفيع المطلق لأبناء الملكوت هو التوحيد لا التثليث .
أولئك يتمكنون من ملاقاة ربهم رأساً وبلا واسطة في الزمان والمكان اللذين يريدونهما ، بالقلب وبواسطة الدعاء ، يلاقون ربهم معنوياً ويوالونه . لا ضرورة تضطرهم أن يذهبوا إلى أورشليم ، فيقدموا للكاهن ثيراناً وخرافاً وشراباً وزيتاً ونقوداً. لا حاجة تدعوهم في استغفار ربهم إلى التوسل إليه بعبادة تماثيل المكرمين و الأصنام أو إلى الاستغاثة أمام القبور والتضرع أمام الهياكل بالذلة والمسكنة ، أو إلى إيقاد الشموع ، وتقديم الهدايا والنذور للموتى ، لم يبق من حاجة إلى تقديم الهدايا والحملان والحمام إلى الكاهن كما تتطهر نساء الملكوت اللائى تنجسن بدم الحيض أو النفاس ، إذا وقع أبناء الملكوت أو بناته في خطيئة فلا يحتاجون إلى الذهاب إلى القسيس أو الراهب أو المعلم أو إلى أي مخلوق ليعترفوا له ، لان صاحب الملكوت يغمر عبيده باللطف والإحسان بسبب أعمالهم الصالحة وسعيهم ومزاياهم الذاتية ، لا لأجل خاطر هذا وذاك كلام الله وشريعته المقدسة يجعل كل واحد من عباده محترماً مكرماً ويعين حقوقه ووظائفه . يمنع الاعتداء والبغي ، شريعة الله تسوقهم إلى الله رأساً وتريهم طريق الهداية ، كتاب الله قد بين الفرائض والمحرمات بصراحة فيما يخص إرشاد العباد.
يقول (اذهب يا عبد الله اذهب واعرض كل رغباتك وحاجاتك وخسراتك ومشكلاتك ووجهها إلى من أنت عبده ، ارجع عن فلان وفلان واقبل على خالقك وحده بخلوص النية والإيمان واطلب منه كل ما تتمناه . ان إلهك يطلب منك إيماناً وعملاً صالحاً فقط ، ولا يطلب منك شيئاً آخر . إن الذين يحبون فخفخة المراسيم الدينية ومظاهرها الخلابة هم عباد الظواهر كما كان يفهم القدماء وليس الله عز وجل ليس لله فم يأكل ، ولا معدة تهضم لحوم الحملان ، أو مشويات الطير ، أو مقليات أفخاذ الثيران ، أو الخمور البيضاء والسوداء ، أو الخبز المدهون والمعسول لا تنخدع ، فان الكهنة أو المجوس هم الذين يأكلونها ويشربونها باسمه . ليس لملك الملكوت أن يأكلها ولا يصل إليه منها شيء(*) ان مالك الملكوت منزه ليس له كالبشر حاسة شامة تستلذ الروائح العطرية والأزهار الربيعية ، أو تستكره الروائح الكريهة حتى تتقرب أنت إليه بها .
هيا اذهب إليه بمجرد نفسك وقلبك وإيمانك وتوحيدك ، فانه لا يريد منك مثل هذه الأشياء التي تهديها باسمه إلى من يستغفر لك . ان إلهك ليس في المعبد الفلاني أو المكان الفلاني أو العيد الفلاني أو اليوم الفلاني . فانه قريب في كل مكان وكل زمان ، فاذكره وادعه بلسانك أو بقلبك فهو يسمعك ويقبل عريضتك لانه روح وانت تخاطبه بروحك ونفسك وفكرك . اسجد له بالدقة والاحترام من غير جلبة ولا لغط(*) متذكراً انك في حضرة ربك ، فان ربك لا يحب التظاهر بالدف وآلات الطرب والأبهة والأجواق أثناء العبادة والصلاة . وان ينفر من الأيقونات ومن صور الملائكة الحسان ومن تغني النساء وعزفهن على البيانو والارغون ، وكل الذين يقيمون هذه المواسم هم عباد الظواهر وإنما يفعلونها للإغواء ولتحريك شعور الطرب والعواطف النفسانية ، وانتم أيها المؤمنون ، عبيد الله المحبوبون ، كبروا الله واشدوا بعظمة الله وكبريائه وعزته وجلاله بالأدب والهدوء والاحترام ، ولكن بالروح والقلب ، لا باللهو واللعب ، (وأما أنت فمتى صليت (دعوت) فادخل إلى مخدعك واغلق بابك وصل إلى أبيك الذي في الخفاء ، فأبوك الذي يرى في الخفاء يجازيك علناً) (متى 6:6) وهنا لا يقصد المسيح عليه السلام أن ستلغى صلاة الجماعة ولكنه يقصد ان ابن الملكوت المتشبع بروح الدعاء وعشقه يدعو ربه في خلوته وحيداً منفرداً في الخفاء .
ان مسألة الشفاعة تشغل موقعاً مهماً جداً في جميع الأديان ، فان مؤسسي الأديان يشفعون عند الله للأمم التي تنتسب إليهم . وهذا أمر طبيعي نرى فيه التوراة تكراراً ان الله رفع غضبه عن بني إسرائيل بسبب شفاعة موسى عليه السلام . (عدد 1:11 - 3و12: 14 الخ) وكتب يوحنا ان المسيح أيضاً في أيامه الأخيرة ناجي الله وشفع في تلاميذه (يوحنا 17) .
وقد كانت هذه المسئلة أول الأسباب التي انتهت بي إلى عصيان الكنيسة : تأمرني الكنيسة أي المسيحية أن أومن بالأمور الآتية في الشفاعة :
1- ان الله لا يخلص أحداً من جهنم (من الهلاك الأبدي) بدون شفيع .
2- ان نوع البشر مفتقر بصورة قطعية ومطلقة إلى شفيع .
3- يجب أن يكون الشفيع المطلق ألهاً تاماً وإنساناً تاماً .
يقولون ان هذا الشفيع الإله التام والإنسان التام هو المسيح ، إذ لا يمكن إبقاء مهمة الشفاعة بوجود الإله التام وحده ، لان التقرب من الشفيع الإله التام مستحيل كما أن التقرب من الله الذي لا يخلص أحداً من جهنم بغير شفيع خارج الإمكان ، والشفيع الذي هو إنسان تام فقط إنما يتقرب منه بنو جنسه فقط ، ولكنه لا يتقرب من الله بحسب إنسانيته ، وهذا هو الشفيع المطلق الذي في مخيلة الكنيسة .
4- الرسول بولص يصور مهمة هذا الشفيع الحمل(1) المتشكل نصفه من التراب(2) ونصفه الآخر من الوجود المطلق على الوجه الآتي ,,(الذي مات وعلى الأخص قام أيضاً والذي هو أيضاً عن يمين الله الذي أيضاً يشفع فينا هو المسيح) (إلى الرومانيين 34:8)
(وأما هذا (عيسى) فانه باق إلى الأبد له كهنوت لا يحول ، ومن اجل ذلك هو قادر أيضاً على أن يخلص إلى التمام الذين يتقدمون به إلى الله ، إذ هو حي في كل حين لأجل الشفاعة فيهم) (إلى العبرانيين 7 : 24-25)
لأنه يوجد (إله) واحد ، ويوجد وسيط واحد بين الله والناس : الإنسان عيسى المسيح (رسالته الأولى إلى تيموثاوس 5:2)
5- الوظيفة المحملة على عاتق الشفيع المذكور هي عبارة عن أن يكون جالساً على يمين عرش الجبروت منذ تسعة عشراً عصراً يعرض بيديه ورجليه المثقوبات بالمسامير ، وجنبه المجروح بالحربة لا إلى نفسه ، بل إلى الله الآخر - كلما أجريت مراسم (قربان القديس) من قبل الرهبان الكرام في الآف من الكنائس والأديرة وكأنما يدا رجل كان يسمى يسوع ورجلاه وجنبه لم تتفسخ منذ زهاء عشرين قرناً أو كأنما جسد بشري عبارة عن لحم ودم وعظم تماماً يزين عرش اللاهوت بعرض هيكله لأجل خاطر الكاثوليك والأرثوذكس والنصارى المتجددين قليلاً ، المدعوين بروتستانت .
6- كانت الكنيسة تأمرني بوسيلة شفعاء آخرين لا يحصون عدداً ، وكانت تفرض علي ابتغاء الوسيلة إلى ميكائيل وجبرائيل الملائكة الآخرين والحواريين والأعزة والمعترفين(1) والكنيسة على أن رئيستهم مريم ، ولو ترون كتاب الزبور كيف حولوه باسم مريم ، وان مريم لم تبق من النساء بل انقلبت (وينوسه) أي إلاهة وقد محيت أسماء الله (يهوه) وقدير من كتب المزامير(1) التي يخاطب بها الله تعالى واثبت بمكانها اسم مريم .
واذكر هنا إحدى آيات الزبور التي في حفظي لأجل المثال :
(Laudat pueriDeo احمدوا الله يا أولاد) فالكاثوليك لأجل إظهار عبوديتهم لمريم طورا من الزبور هذا وأضافوا إليه بعض الآيات تعمداً بقصد تحويلها إلى عبادة مريم ,,
( Laudat pueri Matia احمدوا مريم يا أولاد) وهذه الكنيسة كلما صلى فيها مرة واحدة بالصلاة الربانية (أبانا) يصلي فيها بالصلاة المريمية عشرين مرة .
7- وكانت الكنيسة تأمرني ان اعتقد أن الرهبان المأمورين بإجراء الأسرار السبعة هم أيضاً شفعاء مطلقون ، وان لا خلاص ولا نجاة أبداً بدون الراهب ، ويحتمون بان شفاعة الكهنة والرهبان شرط قطعي متعين طبيعة جلوسهم على يمين المسيح .
وكانت الكنيسة نقول لي (ما لم يعمدك قسيسك ، وما لم يضع لقمة من قربان القديس في فمك ، وما لم يدلكك عندما تموت بدهن الزيتون ، فان شئت كن كريماً ومقرباً للفقراء كإبراهيم ، وصبوراً ثابتاً كأيوب ، وحليماً سليماً كموسى ، وعالماً حكيماً كسليمان ، وزاهداً كريماً كالمسيح ، ومستقيماً متيناً كمحمد ، كل ذلك عبث وهباء) أي مهام يكن إيمانك سالماً وأعمالك مقبولة عند الله ، وإيمانك وصلاحك مسلماً بهما عند الناس ، فكل مزاياك وفضائلك لابد من بقائها بدون ثمرة ما لم تدخل إصبع القسيس في الوسط .
وكانت مسئلة الشفاعة هذه هي التي حيرتني ، وأورثتني الريب في صحة المسيحية ، وساقتني إلى البحث الدقيق وفحص أسس الأديان بحرية ، وأني على ثقة من أن كتيبي هذا الذي لم يسبق له مثيل لحد الآن سيبرهن على صحة دعواي بان غايتي إظهار حقيقة للعيان كانت نتيجة مطالعاتي الجديدة وتتبعاتي الخاصة ، عارياً عن الغرض والغضب .
والآن الخص نتيجة التدقيقات العميقة التي أجريتها في موضوع مسألة الشفاعة على الوجه الآتي :
1- استدللت بالعدل الإلهي على ان الله لا يتخذ لديه شفيعاً مطلقاً بصورة قطعية ، وعلى فرض كون الشفيع المطلق هو الله ، فيما ان نوع البشر شيء زهيد وقليل الأهمية بين الكائنات ، كنت أرى من الأوفق للعقل أن يكون تعالى قادراً على تخليصه بغير شفاعة أحد على الوجه الذي يشاؤه فقط ، وإذا كان الشفيع المطلق بشراً أيضاً فحينئذاً يكون تخليص جميع البشرية التي قد نفر منها هو لأجل محاباة مخلوق واحد(*) وكما يقتضي العدل أن يعاقب المستحقين للعقاب يقتضي أن لا يحتاج غير المستحقين له إلى الشفاعة لأجل خلاصهم من العقاب .
2- ماذا تكون نظرية الشفيع المطلق غير إسناد الضعف والجهل والظلم وسوء النية إلى الله تعالى ؟ وهل يغفر الله القادر المطلق العليم الرحيم إلى مثل هذا الشفيع ؟
ثم إلى من سيكون الخاطئ المعفو عنه والعتيق المخلي سبيله اكثر امتناناً ، والى من يكون مديناً بالشكر ؟ إلى الله أم إلى المخلص ؟ بالطبع أن يحمل اكبر منة واكثر محبة نحو الشفيع المطلق ، وبأي واسطة كانت فسيكون المجرم مديناً بالشكر إلى الأبد إلى الشفيع مخلصه من سكين الجلاد ، من حيث يذكر القاضي بإهلاكه دائماً بصفات القهر وحب الانتقام .
3- حضرات أنبياء الله عليهم السلام يتمكنون من أن يشفعوا في أممهم المنتسبة إليهم ولكن بالشفاعة المقيدة ، وشفاعتهم مقبولة عند الله على الأغلب ، ولكن ليس ذلك بمعنى أن الله تعالى يكون مجبوراً على قبول شفاعتهم فهؤلاء بصفتهم وسطاء مأمورون بإعلان إرادة الله بين أممهم وتبليغهم أوامره ونواهيه كانوا يتضرعون إلى الله أن يهون محنتهم ويقضي حوائجهم ، ويعفو عن تقصيرهم ثم ان المؤمنين يدعون بعضهم لبعض ويستغفرون الله واجب الوجود ويدعون لهم وفي ذلك ثواب وبركة(*) .
4- الشفاعة على نوعين : إحداهما اختيارية تقع بباعث المحبة ، والأخرى توسط بطلب الخير يؤدي حسب الوظيفة ، وبناء عليه يجب علينا أن نتمنى دائماً هداية الله وتوفيقه وندعو بها في صلواتنا ودعواتنا لإخواننا في الدين وللضالين والمضلين ، وأما النتيجة فموقوفة على إرادة الله وحكمته(**) واننا نقرأ الصلوات والتسليمات على الأنبياء في صلواتنا ودعواتنا ، ولكن المدعو المخاطب بذلك هو الله تعالى وحده بلا واسطة .
وإذا كان أولاد الملكوت قد نالوا التربية الدينية ، وعرفوا إلههم وخالقهم على الوجه الصحيح ، وكان إيمانهم بالله كاملاً فهم الآن يتمكنون من التوجه إلى خالقهم حنفاء مخلصين له الدين ويقدمون له العرائض في كل زمان ومكان . والمؤمنون الذين تعلموا من أنبيائهم الرشد والهدى يسبحون بحمد ربهم ويعظمونه بقلوبهم وعقولهم في صلواتهم .
وللحديث بقية ان شاء الله وقدر.