متَى!! يقدمه لنا المؤرخون على أنه أحد تلاميذ المسيح الاثني عشر ولا يذكرون له تاريخ ميلاد. شأنه في ذلك شأن من نسبت إليهم الأناجيل الأخرى مرقص ولوقا ويوحنا.
ويقول آباء الكنيسة الأوائل أمثال "جيروم " و "أبيجان " و "أوريجن " و"بابياس" أنه كان من "العشارين " أي جباة الضرائب. وهي العشور التي كانت مفروضة على اليهود. ويتفقون بأنه كان جابياً في "كفر ناحوم " في الجليل الأعلى من فلسطين.
ويقال لنا في هذا الإنجيل أن المسيح في بداية رسالته صادف متَّى ذات يوم جالسأ على باب دار الجباية- أي الضرائب- وقال له: اتبعني فقام وتبعه في الحال!! إنجيل متى: 9/ 9، وأنه بهذه الطريقة- (الغير معقولة)- أصبح أحد التلاميذ الاثني عشر بطلب من المسيح شخصياً، و ينسب إليه كتابة الإنجيل المسمى باسمه. ويقول لنا كتاب "تاريخ الأمة القبطية" إنه مات سنة 62 م
ولكن مرقص يناقض اَباء الكنيسة الأوائل ويقول: إن الذي كان جالساً على باب دار الجباية هو "لاوي بن حلفي " وليس "متَّى! "وفيما هو مجتاز رأى لاوي بن حلفي جالساً عند مكان الجباية فقال له: "اتبعني فقام وتبعه " مرقص: 2/ 14، ويوافقه على دْلك لوقا في (5/ 27) من إنجيله. وكنا قد أثبتنا أن هذه الأناجيل- رغم تأييد الفاتيكان لها- ليست وحياً، لأنها تناقض بعضها بعضاً ولا يمكن للوحي أن يناقض نفسه وإلا بطلت جميع الشرائع. والغريب في الأمر أن اسم لاوي هذا يختفي بعد ذلك كلياً من إنجيل مرقص وكذا من إنجيل لوقا ويستبدل باسم "متى!!! ولو طلبت من قسيس أن يفسر لك ذلك لقال لك إن متى كان له اسمين، متى ولاوي، وهو بالطبع لا يملك دليلاً على ذلك. والناقد البصير لا يسمي هذا جواباً إنما يسميه ترقيعاً كما يسميه تحريفاً في هذه الأناجيل، وللأسف فإن الأناجيل مليئة بمثل هذه التناقضات التي تشكك في كونها كتباً مقدسة، إن لم تنفِ عنها القداسة كلياً. فهلا أخبرنا أحد من قساوسة اليوم الذين يدعون العلم والمعرفة من الذي كان جالساً على باب دار الجباية، أهو متى أم لاوي بن حلفي!!؟. إن قالوا متى يكونوا قد كذبوا مرقص ولوقا، وإن قالوا لاوي بن حلفي يكونوا قد كذبوا متى!! والأناجيل كما قلنا ملأى بمثل هذه التناقضات والفاتيكان يزعم أنها كتبت بتأثير من الوحي الإلهي ولو كان هناك تناقض في أقوال الوحي لبطلت الشرائع.
1- الإنجيل المنسوب إلى متَّى:
يلاحظ في هذا الإنجيل أنه أكثر الأناجيل استشهاداً بنصوص العهد القديم، وحيث إن كاتبه أخذ معظم مادته من إنجيل مرقص لذا فإن النقاد يسمونه "إنجيل مرقص الموسع " "وحيث إن لوقا كتب إنجيله بالاستناد إلى هذين الإنجيلين، لذا يطلق النقاد على هذه الأناجيل الثلاثة اسم الاْناجيل المتشابهة،، (synoptic gospels )،، وهي تختلف عن الإنجيل الرابع اختلافاً جوهرياً حيث إن الهدف من تأليف الأناجيل الثلاثة كان جعل عيسى يبدو وكأنه "النبي المنتظر" بينما السبب في تأليف الإنجيل الرابع كان "تأليه عيسى". لذا فدراستنا لهذا الإنجيل مع الأعداد التي ألهوا فيها عيسى في الإنجيل الرابع يمكن اعتبارها دراسة لما جاء في الأناجيل الأربعة، علماً بأننا سنعرج على كل إنجيل من الأناجيل الأربعة بين الحين والحين.
2- لغة الإنجيل المنسوب إلى متَّى ومكان كتابته:
يجمع المؤرخون بأن "التلميذ متَى" كتب إنجيله بالعبرانية في بيت المقدس لليهود/ المسيحيين هناك. أي لليهود الذين كانوا يؤمنون كالمسيح باللّه الواحد ويتعبدون معه في الهيكل (وذلك قبل ظهور البدع التي دخلت في الدين المسيحي كبدعة شاؤول في الابن، وخطيئة آدم، والكفارة... وكذا قبل بدعة الكنيسة في الثالوث... أي قبل ظهور كلمة الأب والابن والروح القدس التي لم يعرف متَى التلميذ أو المسيح شيئاً عنها). ثم ما لبث أن اختفى "إنجيل متَّى" هذا اختفاء نهائياً مريباً!! وظهرت مكانه ترجمة له باليونانية، بعد موت جميع التلاميذ، زعموا يومها أنها ترجمة لإنجيل متى المفقود الذي كان مكتوباً بالعبرانية!! ثم ترجمت تلك الترجمة إلى لغات شتى عبر القرون... ومنها العربية، وهي التي بين أيدينا نسخة منها اليوم وتحمل اسم "إنجيل متَّى"!! ولكن في الحقيقة شتان ما بين إنجيل متَّى الحقيقي وبين هذه الترجمة التي تحمل اسم متَّى. فالنقاد يشككون فيها ولا ينسبوها إلى متَّى التلميذ إطلاقاً.
فهذا الأب "جيروم " الذي ترجم العهد القديم من العبرانية إلى اللاتينية والعهد الجديد من اليونانية إلى اللاتينية يقول: "إن متى (الحقيقي) كتب إنجيله باللغة العبرانية في أرض يهودا للمؤمنين من اليهود"0 أما عن الترجمة اليونانية الحالية التي تحمل اسمه فيقول: "لا يوجد إسناد لهذه الترجمة. وحتى الآن لا يعلم باليقين اسم المترجم "!!.
وتوافقه على ذلك الموسوعة البريطانية إذ تقول على لسان بابياس أسقف "هيروبولس " سنة 130: "إن متَى كتب إنجيلة باللغة العبرانية... وإن إنجيل متَّى كتب بالتأكيد من أجل كنيسة يهودية مسيحية- أي تؤمن بالله الواحد- لكن كون متى هو مؤلف الإنجيل- الحالي- أمر مشكوك فيه بجد".
وهناك كثير من المؤرخين والعلماء وآباء الكنيسة الأوائل أمثال "هورن " و"أوريجن " و"ايرانيوس " و"يوزيبوس " و"لاردنر، و"اَدم كلارك " وغيرهم من أصحاب الرأي يقولون بأن متى التلميذ كتب إنجيله بالعبرانية، ولا يشهدون للترجمة الحالية المعروفة باسم إنجيل متى.
3- تاريخ كتابة الإنجيل:
يؤكد الأب "جيروم " أن متى الحقيقي كتب إنجيله سنة 41 م، ويوافقه على ذلك صاحب ذخيرة الألباب إذ يقول: "إن القديس متى كتب إنجيله سنة 41 للمسيح باللغة المتعارف عليها يومئذ في فلسطين وهي العبرانية أو الآرامية أو السيروكلدانية. وما عتم هذا الإنجيل أن ترجم إلى اليونانية، ثم تغلب استعمال الترجمة على الأصل الذي لعبت به أيدىِ النساخ. ومسخته بحيث أضحى ذلك الإنجيل خاملا بل فقيداً".
كما يوافقهما على ذلك تقريباً "جرجس زويق الفتوحي اللبناني " في كتابه المطبوع سنة 1378 م في المطبعة اليسوعية ببيروت والمترجم عن الفرنسية إلى العربية إذ يقول: "إن متى كتب بشارته في أورشليم سنة 39 للمسيح... بالعبرانية. لكن هذه النسخة قد فقدت، وبعد فقدها ظهرت لها ترجمة باليونانية ولا يعرف من الذي ترجمها".
ويجمع كثير من النقاد الغربيين في عصرنا الحاضر بأنه لا يمكن أن تكون الترجمة التي بين أيدينا اليوم والمسماة "إنجيل متى" هي ترجمة إنجيل "متى التلميذ الحقيقي للمسيح " كما مر معنا. لذا نجدهم في الترجمات الأجنبية يكونون حذرين فلا يقولون (إنجيل متى) بل يقولون (الإنجيل حسب ما دونه متى)!! أي (الذي يقال إن مؤلفه متى ونحن لا نشهد بذلك ). وحيث إن شكهم هذا ينسحب على بقية الأناجيل لذا يرددون الكلام نفسه عن الأناجيل الأخرى كما يظهر لك في الصورة التالية والنقاد يعزون ذلك إلى أسباب عديدة منها:
أولأ:
(أ) أن الذين كتبوا هذه الترجمة اليونانية سواء أكانوا فرداً أو جماعة وروجوا لها بأنها ترجمة لإنجيل متى الأصلي، لم يدر بخلدهم أنه يوماً ما سينشأ فن اسمه فن النقد، وأنه سيتناول بالنقد جميع الكتب حتى لو كانت مقدسة ليكشف زيفهم بأن هذا الإنجيل ليس أبداً إنجيل متى التلميذ، ولا حتى يرقى لأن يكون ترجمة له. لذا فالنقاد المعاصرون والقدامى ينكرون بشدة أن يكون مؤلف هذا الإنجيل هو متى الحقيقي ويقولون: "إنه لا يوجد عالم أو ناقد نزيه مستقل يقنع بصحة هذا الرأي... ولنقل صراحة إنه لم يعد مقبولاً اليوم أنه أحد حواريي المسيح ".
ويعزو موريس بوكاي سبب ذلك إلى أسلوب هذا الكاتب الرفيع وإلى اقتباساته الكثيرة من التوراة، إلى جانب خياله الواسع الذي يكشف عن شخصيته بأنه يهودي على درجة عالية من الثقافة والتعليم، ويضيف: ( إن الكاتب معروف بتبحره في الكتب المقدسة والتراث اليهودي... كما أنه أستاذ في فن التدريس... وتلك صورة بعيدة كل البعد عن صورة متى الموظف البيروقراطي بكفر ناحوم "
أي باختصار، أن متى التلميذ وإنجيله شيء، وهذا الإنجيل المزعوم- الذي بين أيدينا ومؤلفه شيء اَخر.
(ب) ويوافقه على ذلك بل على أن جميع الأناجيل لم يكتبها أحد من التلاميذ الأسقف بنجامين كلداني الذي اعتنق الإسلام وخلع رداء الكهنوت وتسمى بعبد الأحد داود، والذي يقول متهكماً على زعم الكنيسة بأن التلاميذ هم الذين كتبوا هذه الأناجيل "لماذا لم يكتب هؤلاء الرسل اليهود الإنجيليون بلغتهم الخاصة بل كتبوا جميعأ باليونانية؟! وأين تعلم الصياد شمعون كيفا (سمعان بطرس) ويوحنان (يوحنا) وجيمس (يعقوب) والجابي ميثاي (متى) أين تعلم هؤلاء اللغة اليونانية من أجل كتابة سلسلة من الكتب المقدسة"!!.
(ج) "كما ينكر" ول ديورانت المؤرخ الشهير "نسبة هذه الترجمة إلى متى التلميذ الحواري ويرى أنها من تأليف غيره وقد نسبها إلى متى التلميذ لتقع من الناس موقع الاطمئنان والقبول ". ومما يؤكد ذلك أنه لا المصادر المسيحية ولا الكنيسة تعرف اسم هذا المترجم حتى يومنا هذا. ونحن نستغرب كيف يكون هذا الكتاب المترجم كتابأ مقدسأ يعتمد عليه في أصول الدين بينما مترجمه مجهول، وتاريخ تدوينه مجهول ونسخته الاْصلية باللغة التي كتب فيها مفقودة حتى اليوم. "إن ضياع أو اختفاء شخصية الكاتب وسنة التدوين يسقطان حرمة الكتاب في نظر العلم المحايد من درجة الكتب المقدسة إلى كتاب عادي فقط لا يحترمه واحد من محضري رسالة الماجستير في أي مادة علمية تحترم أصول البحث وقيمة المراجع العلمية... ".
وهنا يتساءل الباحث متى يكون لكتاب الدين حرمة ككتاب مقدس من عند الله؟؟ أإذا نزل من عند الله بطريق الوحي المعصوم يحمله نبي معروف نسبه ونقل للأجيال بطريق متواتر صحيح؟ أم الكتاب الذي يطلبه بعض من الناس فيكتب لهم من الفكر البشري العادي؟ وإذا كتبه واحد من الأتباع أو التلاميذ أو الأصحاب فهل يسمى في العرف العلمي أو التاريخي كتاباً مقدساً له حرمة الكتاب السماوي الذي جاء من عند الله!!؟ أم الأجدر به أن يسمى كتاب تراجم أو قصة حياة؟ ذلك أمر جدير بالبحث والاستقصاء عند الباحثين المنصفين. ...
ثانياً:
يزيد موريس بوكاي الطعن في تعليقه على ترجمة إنجيل متَى الحالية فيقول: "معلقوا الترجمة المسكونية يقولون عن الترجمة الحالية (المزعومة) لإنجيل متى أنها كتبت بسوريا وربما بأنطاكيا أو فينيقيا" وأن الكاتب يخاطب أناساً "وإن كانوا يتحدثون اليونانية فإنهم يعرفون العادات اليهودية واللغة الآرامية" إذ أن هذه المناطق قد وقعت تحت الحكم اليوناني وكان يعيش فيها عدد كبير من اليهود المعروفين "بيهود الشتات " والذين انفصلوا عن اليهود المسيحيين (المؤمنين بالله الواحد) في بيت المقدس وتبعوا شاؤول وكنيسته. والأسئلة التي تتبادر إلى الذهن هنا هي:
(أ) أين الإنجيل الذي كتبه متَّى التلميذ أو (لاوي بن حلفي) سنة 39- 41، بالعبرانية، للمؤمنين في بيت المقدس (كما يقول جيروم، وابيجان، وأوريجن وبابياس) من هذه الترجمة المزعومة التي كتبها مجهول باليونانية ليهود الشتات (الشاؤوليين) المقيمين فى أنطاكيا أو فينيقيا بسوريا، كما يقول بوكاي؟!!.
(ب) من هم الذين أخفوا إنجيل متَّى الحقيقي أو إنجيل (لاوي بن حلفي) وما هي مصلحتهم في إبراز هذه الترجمة المزعومة بدلاً منه والتي كتبت كما يقول النقاد بين سنة 75- 80 م في الوقت الذي مات فيه متى التلميذ الحقيقي سنة 62 م!! كما يبقى من حق جميع النصارى الذين يبحثون عن الحقيقة وعن الإيمان الصحيح أن يتوجهوا إلى كنائسهم وأساقفتهم وباباواتهم لكي يخرجوا لهم إنجيل متَى الحقيقي من سراديب الكنيسة، ذلك الإنجيل المكتوب بالعبرانية إذا كان الفاتيكان حقاً يحتفظ بالاْصل الرسولي لهذه الأناجيل كما قال في وثيقته. أو على الأقل أن يدلهم على هوية كاتب هذه النسخة المزعومة التي بين أيدينا اليوم الذي ادعوا أنه متَى الحواري بينما في الحقيقة ليس هو بمتى. ثم لماذا انتحل اسمه وإنجيله!؟. وبعدها يحق لهم بالتالي أن يسألوا كنائسهم عن مدى صدق الروايات والأحاديث التي وردت في هذا الإنجيل المزعوم (ومعه بقية الأناجيل الأخرى) وعن سبب استبدال اسم "اللّه " العظيم باسم الأب، واسم عيسى بالابن. علمأ بأن الاسم الأول دخل الأناجيل حسب "ثيودور زاهن " سنة 185- 210 كما مر معنا أي بعد فترة طويلة من الانتهاء من كتابة الأناجيل، والثاني دخل المسيحية مع شاؤول بعد أن رفع الله المسيح. ولم يكن المسيح يستعمل أيًّا منهما طيلة حياته لا هو ولا حتى أحد من تلاميذه!؟.
وكذا يكون من حقهم أن يسألوا كنائسهم عن التحريف والمبالغات والتهويل والخرافات والنبوءات الكاذبة والمستحيلات والتناقضات والوثنية كيف دخلت في هذه الأناجيِل، في الوقت الذي فيه المسيح بريء من كل ذلك إ!. وكذا بإمكانهم أن يسألوهم كيف تحول اسم عيسى ابن مريم البتول إلى ابن النجار وابن داود وابن الإنسان وملك اليهود والنبي المنتظر، وحمل اللّه، ومختار اللّه... ثم اللّه نفسه وأيهم عيسى ابن مريم الحقيقي فيهم؟.
ثالثأ:
من الثابت والمعروف لدى النقاد جميعاً أن إنجيل مرقص هو أول ما كتب من الأناجيل الأربعة وأنه في المخطوطات الأصلية حوى 661 عدداً ولكن من المعروف والثابت لديهم أيضأ أن إنجيل متَّى المزور الحالي قد حوى 631 عدداً من مجموع أعداد مرقص الأصلية أي أكثر من 95% لذلك يسمي النقاد هذا الإنجيل "بإنجيل مرقص الموسع " كما أسلفنا. ويؤكد كولمان هذا بقوله: "مهما كانت هوية الكاتب فإنه من الملاحظ أنه استخدم بشكل موسع إنجيل مرقص الذي لم يكن أحد حواريي المسيح ".
ولكن المنطق يقول إن متى التلميذ الذي لازم المسيح منذ بداية دعوته لا يعقل أن يعتمد على إنجيل مرقص الذي لم يكن تلميذاً للمسيح. أو بعبارة أخرى، كيف يمكن أن يعتمد شاهد العيان (متَّى التلميذ) على من لم يكن شاهد عيان (أي مرقص)!؟ وهدْا يؤكد للنقاد اليوم أن كاتب إنجيل متَّى الحالي لا يمكن أن يكون متَّى التلميذ، وأنه كاتب مزور وإنجيله مزور و لا علاقة له "بمتَّى الحقيقي (أو لاوي بن حلفي) " وأنه ما كتب إلا لغرض في نفس يعقوب وهذا ينقض ادعاء الفاتيكان في أن كتبة الأناجيل هم الرسل، وأن هذه الأناجيل هي كتب مقدسة.
وفي هذا الصدد يقول أحمد ديدات: "فإذا لم ينسب هذا الكتاب إلى الحواري متَّى فكيف نقبله ككلام اللّه؟! ونحن لسنا الأوائل في اكتشاف هذه الحقيقة وهي أن متى- المزعوم- لم يكتب الإنجيل كما دونه "متى الحقيقي " بل كتب بأيد مجهولة. فالسيد ج. ب فيلبس وهو أستاذ في علم اللاهوت بالكنيسة الإنجيلية يتفق معنا في اكتشافنا هذا. وليس لدى السيد فيلبس أىِ دافع للكذب فهو يمثل الرأي الرسمي للكنيسة إذ يقول: "نسب التراث القديم هذه البشارة (الإنجيل) إلى الحواري متى ولكن معظم علماء اليوم يرفضون هذا الرأي، أي بمعنى آخر أن القديس متى لم يكتب البشارة التي تحمل اسمه. وهذا الاكتشاف لعلماء نصارى لا لعلماء هندوس أو مسلمين أو يهود حتى يتهموا بالتحيز"... وعن السرقة بالجملة من إنجيل مرقص يقول نفس الكاتب: "ولكن ماذا عما قيل في موضوع الإلهام والوحي؟! لندع القسيس نفسه الذي تدفع له الكنيسة مرتباً شهرياً والذي لديه المراجع والمخطوطات الإغريقية الأصلية يقول لكم الحقيقة، ولاحظوا طريقته الرقيقة في فضح نفسه والكنيسة "لقد استغل متى- المزور- بشارة مرقص استغلالأ كبيرأ" وبلغة أستاذ المدرسة اليوم أنه كان يغش- أي يسرق- المعلومات بالجملة من بشارة مرقص. ولكن النصارى يسمون هذه السرقة بالجملة وحي اللّه- في الوقت الذي نهى فيه الله عن السرقة حسب الوصايا العشر- ألا تتساءلون كيف يقوم شاهد عيان مثل متى وهو أحد حواريي المسيح بسرقة معلومات من المفروض أنه شاهدها بعينه كما يدعون، من كتاب مرقص الذي كان لا يزال في العاشرة من عمره حين كان عيسى يدعو بني إسرائيل!؟ إن الحواري متَّى لم يفعل هذه الحماقات. فهذه أكاذيب ألصقها به أشخاص مجهولون مدعين أنه هو الذي كتبها.
من مجمل ما تقدم يتضح لنا بإيجاز ما يلي:
ا- إن إنجيل متَى الأصلي، الذي كتبه متى التلميذ الحقيقي للمسيح كان بالعبرانية أو الَارامية أو السيروكلدانية- وكلها لغات متقاربة- في بيت المقدس- لليهود/ المسيحيين الذين آمنوا بعيسى، وبإله عيسى الواحد وذلك سنة 39- 41 وأن ذلك الإنجيل قد اختفى نهائيأ وما زال مخفياً حتى يومنا هذا باعتراف أكابر العلماء والَاباء والنقاد الغربيين.
2- بعد اختفاء إنجيل متَى الأصلي ظهرت مكانه رأساً ما سمي( بالترجمة اليونانية) له منتحلة نفس الاسم وحلت محله وهي موجهة لليهود الشاؤوليين في أنطاكية وما حولها وليس لليهود العبرانيين في بيت المقدس. وهذه النسخة ترجمت فيما بعد إلى لغات عدة، وروج لها بأنها إنجيل متى وفي الحقيقة ما هي بإنجيل متى ولا حتى ترجمة له حسب ما تقدم.
3- المترجم- سواء أكان فرداً أم جماعة. ما زال مجهولاً حتى اليوم لدى جميع الكنائس والعلماء والنقاد ولا أحد يعرف عنه شيئاً.
4- لذا فمن الطبيعي أن يشك المرء فيه وفي ترجمته بل يحق له أن يرفضهما إذ لا أحد يعرف ما إذا كان متمكناً من اللغة التي ترجم منها (العبرانية) والتي ترجم إليها (اليونانية) أم لا؟ كما أن أحداً لا يستطيع أن يجزم ما إذا كانت هذه الترجمة طبق الأصل أم لا؟ وهل ترجم إنجيل متى الأصلي كله أم حذف منه أشياء أو أضاف إليه أشياء تتفق مع معتقداته أو معتقدات طائفته أو كنيسته وذلك بسبب اختفاء الأصل. كل هذه المجهولات، بالإضافة إلى السرقات الأدبية والتحريف المتعمد الذي سنراه. في هذا الإنجيل المزعوم تترك لدينا شكوكاً قوية وثغرات كبيرة يصعب ملأها مما يجعل من المستحيل أن تنطبق على هذه الترجمة التي بين أيدينا اليوم "مواصفات كتاب مقدس " كما تدعي الكنيسة، وذلك للأسباب المذكورة اَنفاً والتي أهمها جهلنا التام بالمترجم وكل ما يتعلق به من جهة، ولغياب الأصل العبراني الذي ترجمت عنه من جهة أخرى إذ أصبحت المقارنة بين الترجمة والأصل مستحيلة!!.
وعندما توجد مثل هذه المجهولات، والحقائق الغائبة، والسرقات الأدبية والتحريف تقل قيمة أي كتاب في العالم- مهما كان موضوعه- إن لم تنعدم نهائياً. فهل يعرف الآن نصارى اليوم حقيقة ما يسمى بإنجيل متى الذي يقرأونه بالرغم مما توليه الكنائس من أهمية كبيرة لهذا الكتاب المترجم واعتباره عنوة أحد مصادر المسيحية!!؟ ألا يثير هذا سؤالاً لديهم كيف تعتبره كنائسهم مقدساً وترجع إليه في أصول دينهم وهي لا تعرف أين الأصل الصحيح لهذا الإنجيل المزعوم الذي تهمته الأولى أنه برز إلى عالم الوجود بعد اختفاء الأصل الصحيح من إنسان مجهول الاسم مجهول الهوية مجهول التاريخ وإن يكن غير مجهول الغرض. الأمر الذي يشير بأصابع الاتهام إلى الكنيسة الشاؤولية القديمة!! إن لم يكن شاؤول نفسه هو كاتب هذا الإنجيل. فقد جاء في دائرة المعارف الفرنسية، الجزء الخامس صفحة (117): "إن كتب العهد الجديد من عمل بولس أو عمل أتباعه وليست الأسماء الموضوعة عليها إلا أسماء مستعارة!! ثم إن من يسرق 631 عدداً من أصل 661 عدد من أي كتاب حسب شهادة النقاد الغربيين وينسبها إلى نفسه بعد أن يحرف بعضها حسب أهوائه ومعتقداته- كما سنرى- لا يسمى مقتبساً، ولا مؤلفاً، ولا مترجماً ولا كاتب وحي كما تزعم الكنيسة إنما يسمى لصاً وسارق نصوص أدبية. ولو كان مؤلف هذا الإنجيل المزعوم حياً بين ظهرانينا لحكمت عليه محاكم اليوم بالسجن أو الغرامة لسرقته. أو بالاثنين معاً، ولأمرت بسحب كتابه ومنعت تداوله في الأسواق لأن اليوم يختلف عن الأمس إذ أن حقوق التأليف والطبع محفوظة. ولو كان مرقص حياً بين ظهرانينا اليوم، ورفع مثل هذه الدعوى لكسبها 100%.
هل ( متَّى المزعوم)، هو الوحيد الذي سرق نصوص مرقص؟ :
يقول دينيس اريك نينهام: "لا شك أن متَى- المزعوم- ولوقا عندما كانا يكتبان إنجيليهما قد وضعا أمامهما نسخة من إنجيل مرقص وأنهما أدمجا في الغالب كل ما جاء في ذلك الإنجيل في إنجيليهما" .
ما الذي يجعل "نينهام " وهو أستاذ في اللاهوت المسيحي يناقض وثيقة الفاتيكان التي زعمت أن كتبة الأناجيل قد كتبوا بالوحي ليقول مثل هذا الكلام؟! الحقيقة أن لوقا أيضاً متهم من قبل النقاد الغربيين، وتهمته هو الآخر ثابتة، بأنه سطا على ما يقارب 350 عدد أي 51% من أعداد إنجيل مرقص- أول الأناجيل- كما سطا على 200 عدد من إنجيل متى المزعوم من الأعداد الغير مرقصية، حيث كما أسلفا حقوق الطبع والتأليف لم تكن محفوظة، ولو أنه صاغ ما سرقه بأسلوب أدبي أرقى من زميليه. أي أن متى سرق من مرقص، ولوقا سرق من الاثنين، ولو أنه أضاف إلى مؤلفه روايات جديدة لم يذكرها مرقص أو متى مثل السامري الطيب، والغني الجشع، والمواظبة على الصلاة ورواية الرجل الغني والعازر، والقاضي الظالم... الخ ليصلح الآراء الخاطئة التي وردت في إنجيل متى أو ليسد بعض الثغرات فيه.
كما وأن الموسوعة البريطانية سنة 1960 م ص 523 تقول: "من المتفق عليه لدى الغالبية أن متى ولوقا قد استفادا (لاحظ كلمة "استفادا" بدل سرقا) من مرقص وهو مستند قديم، إذ أخذا رواية يوحنا المعمدان وتجربة الشيطان وموعظة الجبل، وقصة ابن قائد المئة، وأقوال المسيح عن المعمدان بالإضافة إلى بعض الأمثال وبعض الأقوال عن نهاية العالم ".
هذا في الوقت الذي زعم فيه الفاتيكان أن جميع كتبة الأناجيل قد كتبوا بتاْثير من الوحي الإلهي. ولكن للأسف كما نرى لم يجد الفاتيكان من يصدقه من النقاد حتى من أبناء قومه. هذه السرقات جعلت مواضيع الأناجيل الثلاثة متقاربة فسموها في الغرب بالأناجيل المتشابهة (synoptic gospels) كما ذكرنا وإن كانت غير متجانسة، وذلك حسب ما ذهب كل منهم في تحريفاته بناء على رغبة وتطور الكنيسة أو الطائفة التي كان ينتمي إليها، أو حتى لا يظهر لنا أنه سرق عن صاحبه، كما لا يجب أن ننسى عمليات الإضافة في الهوامش والحذف والتحريف المتعمد التي كان يقوم بها النساخ والرهبان يوم كانت هذه الأناجيل حكراً على الكنيسة وحدها. ثم كيف صعدت تلك الإضافات من الهوامش إلى المتن، أي إلى أصل النصوص الأمر الذي انتهى بهذه الأناجيل لتبدو كالثوب المرقع ولهذا نرى النقاد أمثال "فريدريك غراذت " يقول كما أسلفنا: "إن العهد الجديد كتاب غير متجانس. إنه شتات مجمع. فهو لا يمثل وجهة نظر واحدة تسوده من أوله إلى آخره، لكنه في الواقع يمثل وجهات نظر مختلفة" مما يدل على أن أكثر من يد قد عبثت في هذه الأناجيل. وهو على حق. إذ أن فيها ثلاث ديانات مختلفة كما أسلفنا، إضافة إلى أنها تتخبط في أقوالها فساعة تمثل لنا عيسى بأنه عبد اللّه ونبيه المؤمن المطيع الذي يصلي دائماً لربه وخالقه، وساعة أخرى ترسمه لنا بأنه ابن اللّه صاحب جيش من الملائكة، وساعهَ أخرى بأنه ابن الإنسان الفقير المعدم الذي لا يملك أين يسند رأسه، وساعة أخرى هو سيد العالم الذي سيدين العالم. ومرة تقول لنا إنه ابن يوسف النجار ومرة أخرى تقول إنه ابن داود وحمل الله، وابن الإنسان والنبي المنتظر، واللّه نفسه..!.
لماذا كتبوا هذا الإنجيل ونسبوه إلى متى الحواري:
قلنا إنه من المعروف لدى النقاد جميعاً أن أول الأناجيل المكتوبة كان إنجيل مرقص لذا فالمنطق يقول أن يكون ترتيبه الأول في أناجيل العهد الجديد الملصقة بكتاب العهد القديم. ولكننا نرى أن ما روّج له بأنه ترجمة إنجيل متى (المزيف) قد اغتصب هذه المرتبة عنوة وصار هو الأول. فأصبح من حق كل من يعتقد أنه مسيحي أن يسأل كنيسته لماذا لعبوا هذه اللعبة في ترتيب الكتب التي يزعمون بأنها مقدسة (ولو أننا سنجيب على هذا السؤال). فنقول: يبدو أن شاؤول اليهودي الفريسي وكنائسه التي كانت تدين له لم تقنع بما جاء في إنجيلا متى الأصلي أو (لاوي بن حلفي) من دين صحيح وتوحيد بالله، وضرورة الختان، وتحريم الخمر والخنزير... التي حتماً كانت صعبة على الأمم الوثنية التي ذهب إليها والتي كانت لها آلهة متعددة، تأكل الخنزير وتشرب الخمر ولا تختتن... الخ فماذا فعلوا!!؟.
أولاً: قاموا بإخفاء هذا الإنجيل كليا واستعانوا بإنجيل مرقص الذي كان متداولاً فأخذوا منه ما يقارب الى 95% من نصوصه، ونسجوا حولها أوهامهم بعد أن سدوا الثغرات الموجودة فيه ثم قاموا ودسوا فيه دينهم الجديد محللين للوثنيين كل محرم لتسهيل عملية دخولهم فيه من جهة، ولإفساد دين المسيح من الداخل من جهة أخرى، واختاروا له اسم "إنجيل متى" ليقع موقع القبول والرضى عند الناس كما قال "ول ديورانت ". لكن المضحك في هذا الإنجيل عند تسليط الأضواء عليه تبدو السرقة واضحة تماماً. إذ لا تكاد تجد جملة في إنجيل مرقص إلا وتجد مثيلتها تماماً في إنجيل متى المزعوم، وأحياناً تكون محرفة قليلاً حتى لا يقال إنها سرقت منه من جهة أو لتناسب الغرض الذي كتبوا هذا الإنجيل من أجله من جهة أخرى- كما سنثبت ذلك- وأهدافهم في كتابة هذا الإنجيل رخيصة ومكشوفة منها على سبيل المثال لا الحصر:
1- الإكثار من "ألفاظ " دين بولس الجديدة والدخيلة على دين عيسى مبعثرة هنا وهناك مثل الأب، والابن والروح، والروح القدس لتحل ما أمكن محل اسم اللّه الواحد ليذهبوا بدين التوحيد الذي جاء به عيسى بعيداً لغرض في أنفسهم من جهة وليوافق عقلية الأمم الوثنية من جهة أخرى.
2- العمل على إفساد هذا الدين وجعله مناقضاً للناموس ومستقلاً عن الدين الذي أتى به عيسى آخر أنبياء بني إسرائيل الذي قال: "لم آت لأنقض الناموس " متى:5/17، وذلك بزج "الأفكار" الشاؤولية الكنسية فيه وتصوير عيسى بأنه هو قائلها.
3- نفخ وتفخيم صورة عيسى ومعجزاته ليقنعوا الناس بأنه هو المسيح المنتظر وغرضهم من ذلك كله إقفال باب النبوة في وجه "المسيا الحقيقي " عندما يظهر ليزيدوا الأمم القادمة ضلالاً.
ثانيأ: بعد ذلك أخذوا ما راق لهم من نصوص يقال إنها وقعت تحت أيديهم من مستند يوناني قديم اسمه "لوجيا" أي الكلمة أو العقل أصبح فيما بعد يعرف عند النقاد باسم "Q"، فيه بعض أقوال المسيح الحقيقية كما يقول "بابياس " في الموسوعة البريطانية. فأخذوا ما وافق غرضهم وتركوا الباقي، لأن بابياس يستشهد منه في كتاباته بأقوال للمسيح غير موجودة في الأناجيل الحالية، ثم أضافوا إلى كل ذلك بعض ما سمعوه من أفواه رواة ماتت أجيالها ومزجوه بالأفكار الشاؤولية الكنسية والأساطير الوثنية والأحلام والخرافات وكل ما هو مستحيل وغير معقول ليجذبوا إليهم كل فئات الأمم واضعين الكثير منه على لسان المسيح وهو بري منه فجاءت الديانة الشاؤولية الكنسية في هذه الأناجيل، أشبه بالديانات الوثنية الخرافية.
ثالثا: ثم ليصبغوا كل هذه !الخلطة بثيء من الجدية والأصالة، ولكي ينطلي إنجيلهم هذا على السذج والبسطاء من العامة- الذين كتبت لهم هذه الأناجيل، قاموا بعمليتين لا شك أنهما آتتا أكلهما في السابق. لكن النقد الحديث كشف زيفهم وخداعهم، مما ترك هذه الأناجيل مهلهلة عارية عن الصحة وعرضة للنقد اللاذع. فما هما هاتان العمليتان؟.
(1) أضافوا لهذا الإنجيل بعضاً من أمثال المسيح وأقواله الحقيقية التي ربما كانت في حوزتهم من إنجيله الأصلي أو من إنجيل متى الأصلي أو (لاوي بن حلفي) ليرضوا بها المسيحيين اليهود ووزعوها بين صفحات الإنجيل، وإن دسوا بعض نصوصهم فيها أحياناً، لتبدوا نصوصهم وكأنها في الأصل من أمثال المسيح وأقواله. وبعض هذه الأمثال والأقوال لو فطنوا لمعانيها والمقصود منها ربما ما كتبوها إطلاقاً، لأنها في حقيقتها ما هي إلا بشارات عن قرب حلول مملكة الله على الأرض التي أقامها النبي المنتظر الذي كان ينتظره اليهود والذي لم يكن سوى محمد نبي الإسلام"ص". وكذا أدخلوا بعض المواعظ مثل موعظة المسيح الشهيرة بموعظة الجبل التي تتميز بالأخلاقيات، وبمواساة الطبقة الضعيفة من عامة اليهود الفقراء، وبعث روح الأمل فيهم، والتيئ أفردوا لها ثلاث إصحاحات كاملة في هذا الإنجيل.
وهذه أيضاً دسوا أصابعهم فيها ولكن لا يصعب على القارىء الفطن العادي اليوم أن يميز فيها أسلوب المسيح من أسلوبهم، ونصائحه المخلصة من نصائحهم المغشوشة. إذ أن أسلوب المسيح يمتلىء بالإخلاص، والنصح المنبعث من القلب. فيما نصائحهم ظاهرة الغش ، فجاءت موعظته وأمثلته كمصابيح إنارة وسط نفق مظلم، ومن المحتمل كما أسلفنا أن يكونوا قد أخذوها من إنجيل متى الأصلي، وبذلك يكونوا قد كشفوا عن أنفسهم من حيث لا يدرون بأنهم السراق راللصوص الذين سرقوا إنجيل متى الحقيقي وأخفوه إلى الأبد.
(ب) لإيهام السذج والبسطاء من الوثنيين وعامة الشعب بأن عيسى هو "المسيا المنتظر"، وأن ما سموه بالعهد الجديد هو تكملة لما سموه بالعهد القديم، قاموا بانتزاع أعداد كبيرة من العهد القديم وحرفوها، ولووها، وعصروها عصراً لتلائم عيسى ابن مريم، وألصقوها به قسراً بمناسبة وبدون مناسبة ليظهروه وكأنه المسيا الذي تنبأت به التوراة والذي كان ينتظره اليهود (علماً بأنه لا التوراة ولا العهد القديم جاء فيه ذكر عيسى ابن مريم) معتقدين أن ذلك سينطلي على العامة، ولكن تلك الأعداد لم تكن في حقيقتها إلا رقع ظاهرة لا تمت له بصلة جاءت معظمها بعد أقوال مثل "لكي يتم ما قيل من الرب القائل " أو "لكي يتم ما قيل بالانباء" أو "لأنه هكذا مكتوب بالنبي!... الخ" وما هي في الحقيقة إلا إضافات إلى الـ 95% التي سرقوها من إنجيل مرقص. كل ذلك لثبتوا لنا أن إنجيل متى المزيف هذا، ما هو إلا امتداد للعهد القديم لكثرة ما حوى من نبوءات عن المسيح وأن تلك النبوءات قد تحققت في شخص عيسى.
لهذه الأسباب ألصقوا هذا الإنجيل بعد العهد القديم رأساً (مع أن تلك المكانة مخصصة لإنجيل مرقص بصفته أول الأناجيل المكتوبة) ليبدو وكأنه امتداد له، وأطلقوا على الجميع اسم Bible أه أي الكتاب المقدس. وأنت لو قلبته من الدفة إلى الدفة لا تجد فيه كلمة Bible ولا كلمتي "الكتاب المقدس " لأن الله لم يطلق هذا الاسم على الكتاب الذي نسبوه إليه فتولوا هم عنه ذلك. إذ في الحقيقة لا يدري أحد حتى اليوم من الذي قدسه لهم. لأن القداسة تكون لكتب أنزلها الله من السماء بلغة سامية على أنبياء ولم يمسسها أي تحريف، لا لكتب ألفها على الأرض أدعياء بلغة يونانية جاءت مليئة بالتحريف والتناقض.
لذلك عند قراءتنا لهذا الإنجيل، يجب أن نفتح عيوننا ونكون حذرين جداً عند كل قول منتزع من العهد القديم ومسبوق بجملة "لكي يتم ما قيل من الرب القائل " أو "لكي يتم ما قيل بالانباء"... وما شابه من أمثال هذه الجمل لأنها كما أسلفنا ليست إلا رقعاً أضيفت إلى الى 95% التي سرقت من إنجيل مرقص، ولأن ما سيأتي بعدها ما هو إلا دساً أرادوا أن يدسوه في هذا الإنجيل (وغيره) للتدجيل على البسطاء. وفي الحقيقة أن المتتبع لإنجيل متى المزعوم هذا يذهل لهذا الحشد الهائل من الأعداد المنتزعة والمحرفة من العهد القديم، والملصقة بعيسى ابن مريم عنوة، وراء جعله المسيا المنتظر رغما عنه، مما يعجز عنه الموظف الحكومي (متَّى الجابي أو لاوي بن حلفي) ولا يستطيعه إلا يهودي متمكن من توراته جيداً.
ولكن مما يدل على سذاجة من دسوا تلك الصيغ والأعداد، أنه بعد كل التعب الذي تعبوه في جعل المسيح يبدو وكأنه المسيا المنتظر، وبعد أن بذلوا المستحيل في جعله ابناً لداود، حتى أفهمونا أن عامة الناس كانت تناديه بابن داود وهو يستجيب لهم، نسوا أن يشطبوا ما يكذب كل أقوالهم، بل ينسف كل محاولاتهم ويبددها كقول المسيح مثلاً: "ماذا تظنون في المسيح أبن من هو؟ قالوا له: ابن داود. قال لهم: فكيف يدعوه داود بالروح رباً قائلاً قال الرب لربي اجلس عن يميني حتى أضع أعدائك موطئاً لقدميك فإن كان داود يدعوه رباً فكيف يكون ابنه " متى 22/43،. مما يدل على أنه بالرغم من كل معرفتهم بالتوراة ومن جهودهم ومحاولاتهم المضنية في جعل عيسى يبدو وكأنه المسيح المنتظر فهم لا يعدو أن يكونوا أناسأ سذجاً كتبوا لأناس أكثر منهم سذاجة. إذ أن هذه الجملة تنسف كل محاولاتهم في جعل عيسى هو المسيح المنتظر.
المهم أنهم قاموا بجمع هذه الخلطة المذكورة في رواية واحدة مفككة الأوصال مقطوعة الاتصال ينقصها الكثير الكثير من الإقناع والربط والتسلسل الحدثي والتاريخي والزمني وسموها، إنجيلا ونسبوه إلى الحواري متى. وبعد فترة تولت الأمر كنيسة أخرى وجدت هذا الإنجيل مليئأ بالثغرات والعيوب فكتبت إنجيلاً آخرأ نسبته إلى شخص مجهول يدعى لوقا، حاولت فيه أن تسد تلك الثغرات والعيوب ، وهي وإن نجحت في ذلك إلى حد ما إلا أنها وقعت هي الأخرى في ثغرات وعيوب جديدة. ولما تطورت الكنيسة الشاؤولية- أو بالأحرى ارتدت- وأرادت أن تنسب الألوهية لعيسى أفردت لذلك إنجيلاً خاصًّا نسبته إلى يوحنا الحواري ولكي تصبغه بشيء من الأصالة أدخلت فيه بعض أقوال المسيح الحقة التي لم يذكرها أي من الأناجيل الثلاثة الأولى مما يؤكد أنها اقتبستها من إنجيل متى الحقيقي أو حتى إنجيل المسيح المخبأ عندها، ودست فيه أن في البدء كان عيسى إلهاً ثم عادت وتخبطت في أقوالها وقالت: "إن الله لم يره أحد!! ".
وعن عدم التسلسل الحدثي والتاريخي في إنجيل متَى يقول سي. جيه كادو: "إن أي شيء يخص متى- المزعوم- تاريخياً يجب أن يؤخذ بحذر شديد" كما يقول جون فنتون: "فإذا كان القارىء يقبل على إنجيل متى- المزعوم- وهو يتوقع أن يجد فيه سرداً تاريخياً دقيقأ لحياة يسوع فلسوف يصاب بخيبة أمل ".
والأدهى والأمر أن المدقق لهذه الأناجيل عموماً يتأكد له أن الإنجيل الواحد لم يكتبه شخص واحد لذا جاءت مليئة بالتناقض مما جعلها فعلأ تبدو مرقعة ترقيعاً. الأمر الذي يجب أن لا نستغرب من قول فريدريك غرانت: "إن العهد الجديد كتاب غير متجانس " ولا من قول ول ديورانت: "وانتحلوا له اسم التلميذ متى ليقع من الناس موقع الاطمئنان والقبول ". ولا أحد يعرف بالضبط التاريخ الذي تحددت فيه قانونية أسفار العهد الجديد دوناً عن سواها من الأناجيل الأخرى التي كانت شائعة في ذلك الزمان (و كانت حوالي 70 انجيلا و في بعض الأقوال 300، )ولا مؤهلات من جعلوها قانونية، أو الطريقة التي اعتمدوها، ولا حتى جنسياتهم ولقد مر معك قول جون لوريمر بهذا الصدد عن هذه الأناجيل إذ قال: "لم يصلنا إلى الآن معرفة وافية عن الكيفية التي اعتبرت بها الكنيسة الكتب المقدسة كتبا قانونية". فإذا كانت قد فرضت بالقوة فمن الذي فرضها ولمصلحة من! إ؟ وإذا كان ليس هناك معرفة عن كيفية اختيارها لتكون كتباً قانونية، فكيف تكون مقدسة"
المهم أن أناجيلهم التي أطلقوا عليها اسم العهد الجديد والتي قاموا بربطها بالعهد القديم وجعلوها تبدو للناس البسطاء كأنها امتداد له، وتسمية الكتابين بالكتاب المقدس يجب ألا تنطلي على أحد إذ شتان ما بين الاثنين. فالعهد القديم بكل التحريف الذي جرىَ عليه، وبكل أباطيله وأخطائه وقصص زنا الأنبياء والإثارات الجنسبة... فهو يتحدث من أوله إلى اَخره عن اللّه الواحد بينما هذه الأناجيل تتخبط، فتارة تتحدث عن إله واحد هو دائماً في الخفاء، وتارة عن اثنين وتارة عن ثلاثة أحدهم يأكل ويشرب كما يأكل البشر ويبصق في وجهه، ويستهزأ به ويجلد ويصلب حتى الموت والآخر حمامة تنزل من السماء أو يعطى لكل من يطلبه أو روح تحمل المسيح من مكان إلى آخر الأمر الذي جعل شارل جانبيير الكاثوليكي المسيحي المتعصب يقول: "إن الغربيين لم يكونوا قط مسيحيين في يوم من الأيام " أي من أتباع المسيح. وهذا صحيح 100% لأنهم شاؤوليون كنسيون وثنيون من أتباع شاؤول اليهودي والمجمعات الكنسية التي فبركت لهم هذا الدين. فالمسيح كان يتعبد للإله الوأحد والمسيحيون ما زالوا حتى اليوم يتعيدون الثلاثة. إذ بعد اختفاء إنجيل المسيح لم يبق عندهم سوى ترجمات مزعومة و مؤالفات ألفها لهم يونانيون في آحسن الأحوال أو يهود أساتذة في اللغة اليونانية متشبعين بالفلسفات الوثنية الهلينية كان لهم في الكنائس التي اندسوا فيها ألف غرض وغرض في جرف المسيحية الحقة من دين سماوي بسيط إلى دين شاؤولي كنسي وثني تعددت فيه الآلهة يصلون فيه للأصنام وللصليب وللصور الملونة زاعمين للناس أن هذه المسيحية التي جاء بها المسيح بينما كان المسيح كما قلنا يصلي للإله الواحد ودائماً يشير إلى الإله الواحد الذي في الخفاء. ويجب ألا ينسى أحد أن هذه الأناجيل الشاؤولية الكنسية قد كتبت بعد رفع المسيح من قبل أناس غربيين وغرباء عن المسيح بعد وفاة جميع التلاميذ الذين عاصروه، وحسب الموسوعة البريطانية فإن "إنجيل مرقص كتب بين سنة 65- 70 م، ومتى بين 70- 80 م، ولوقا بين 80- 95 م، ويوحنا بين 90- 120 م، علماً بأن فيها أقوالاً مدسوسة بعد تلك التواريخ بفترات طويلة والنقاد اليوم يقولون: "إن متى لم يكتب متى" وأن إنجيل متى الحالي (وكذا إنجيل يوحنا) إنجيل مزور وما هو في الحقيقة إلا إنجيل مرقص الموسع وليس له علاقة مطلقة بتوراة موسى أو بالعهد القديم رغم ما دسوه فيه من نصوص توراتية فالهوة سحيقة بين الاثنين فهناك كما قلنا الله واحد وهنا ثلاثة، وهناك المعبود في سماء السموات بينما المعبود هنا يقضي تسعة أشهر في رحم أنثى بين الدم والبول والفرث ثم يولد ويعتاش على ثدي أمه. هناك اللّه الذي خلق السموات والأرض بكلمة واحدة، وهنا المعبود الذي يحتاج إلى جحش لينتقل به من مكان إلى آخر. هناك اللّه الغني الذي يملك الكون وهنا المعبود الذي لا يملك أين يسند رأسه. هناك الله الذي في الخفاء وهنا اللّه الذي يراه الجميع يأكل ويشرب ويسكر مع الناس ومن شدة سكره يقوم بخلع ملابسه وغسل أرجل تلاميذه البشر، كما يترك عاهرة تدغدغ قدميه بشعر رأسها. هناك اللّه القوىِ الجبار وهنا الإله الضعيف الذي بصقوا في وجهه وجلدوه وأسلموه للموت على خشبة الصليب حيث يصبح لعنة ودمه فدية بدل دم التيوس. هناك اللّه الواحد لانتفاء جنسه وهنا الإله سليل البشر ابن أمه وخالقها وذو سلسلة من الأجداد البشرية الطويلة العريضة. لا، لا هيهات أن يكون ما سموه بالعهد الجديد مكملاً لما سموه بالعهد القديم رغم كل الأعداد التي شحنوه بها منه وألصقوها عنوة بالمسيح
نقلاً عن موقع الدعوة
ويقول آباء الكنيسة الأوائل أمثال "جيروم " و "أبيجان " و "أوريجن " و"بابياس" أنه كان من "العشارين " أي جباة الضرائب. وهي العشور التي كانت مفروضة على اليهود. ويتفقون بأنه كان جابياً في "كفر ناحوم " في الجليل الأعلى من فلسطين.
ويقال لنا في هذا الإنجيل أن المسيح في بداية رسالته صادف متَّى ذات يوم جالسأ على باب دار الجباية- أي الضرائب- وقال له: اتبعني فقام وتبعه في الحال!! إنجيل متى: 9/ 9، وأنه بهذه الطريقة- (الغير معقولة)- أصبح أحد التلاميذ الاثني عشر بطلب من المسيح شخصياً، و ينسب إليه كتابة الإنجيل المسمى باسمه. ويقول لنا كتاب "تاريخ الأمة القبطية" إنه مات سنة 62 م
ولكن مرقص يناقض اَباء الكنيسة الأوائل ويقول: إن الذي كان جالساً على باب دار الجباية هو "لاوي بن حلفي " وليس "متَّى! "وفيما هو مجتاز رأى لاوي بن حلفي جالساً عند مكان الجباية فقال له: "اتبعني فقام وتبعه " مرقص: 2/ 14، ويوافقه على دْلك لوقا في (5/ 27) من إنجيله. وكنا قد أثبتنا أن هذه الأناجيل- رغم تأييد الفاتيكان لها- ليست وحياً، لأنها تناقض بعضها بعضاً ولا يمكن للوحي أن يناقض نفسه وإلا بطلت جميع الشرائع. والغريب في الأمر أن اسم لاوي هذا يختفي بعد ذلك كلياً من إنجيل مرقص وكذا من إنجيل لوقا ويستبدل باسم "متى!!! ولو طلبت من قسيس أن يفسر لك ذلك لقال لك إن متى كان له اسمين، متى ولاوي، وهو بالطبع لا يملك دليلاً على ذلك. والناقد البصير لا يسمي هذا جواباً إنما يسميه ترقيعاً كما يسميه تحريفاً في هذه الأناجيل، وللأسف فإن الأناجيل مليئة بمثل هذه التناقضات التي تشكك في كونها كتباً مقدسة، إن لم تنفِ عنها القداسة كلياً. فهلا أخبرنا أحد من قساوسة اليوم الذين يدعون العلم والمعرفة من الذي كان جالساً على باب دار الجباية، أهو متى أم لاوي بن حلفي!!؟. إن قالوا متى يكونوا قد كذبوا مرقص ولوقا، وإن قالوا لاوي بن حلفي يكونوا قد كذبوا متى!! والأناجيل كما قلنا ملأى بمثل هذه التناقضات والفاتيكان يزعم أنها كتبت بتأثير من الوحي الإلهي ولو كان هناك تناقض في أقوال الوحي لبطلت الشرائع.
1- الإنجيل المنسوب إلى متَّى:
يلاحظ في هذا الإنجيل أنه أكثر الأناجيل استشهاداً بنصوص العهد القديم، وحيث إن كاتبه أخذ معظم مادته من إنجيل مرقص لذا فإن النقاد يسمونه "إنجيل مرقص الموسع " "وحيث إن لوقا كتب إنجيله بالاستناد إلى هذين الإنجيلين، لذا يطلق النقاد على هذه الأناجيل الثلاثة اسم الاْناجيل المتشابهة،، (synoptic gospels )،، وهي تختلف عن الإنجيل الرابع اختلافاً جوهرياً حيث إن الهدف من تأليف الأناجيل الثلاثة كان جعل عيسى يبدو وكأنه "النبي المنتظر" بينما السبب في تأليف الإنجيل الرابع كان "تأليه عيسى". لذا فدراستنا لهذا الإنجيل مع الأعداد التي ألهوا فيها عيسى في الإنجيل الرابع يمكن اعتبارها دراسة لما جاء في الأناجيل الأربعة، علماً بأننا سنعرج على كل إنجيل من الأناجيل الأربعة بين الحين والحين.
2- لغة الإنجيل المنسوب إلى متَّى ومكان كتابته:
يجمع المؤرخون بأن "التلميذ متَى" كتب إنجيله بالعبرانية في بيت المقدس لليهود/ المسيحيين هناك. أي لليهود الذين كانوا يؤمنون كالمسيح باللّه الواحد ويتعبدون معه في الهيكل (وذلك قبل ظهور البدع التي دخلت في الدين المسيحي كبدعة شاؤول في الابن، وخطيئة آدم، والكفارة... وكذا قبل بدعة الكنيسة في الثالوث... أي قبل ظهور كلمة الأب والابن والروح القدس التي لم يعرف متَى التلميذ أو المسيح شيئاً عنها). ثم ما لبث أن اختفى "إنجيل متَّى" هذا اختفاء نهائياً مريباً!! وظهرت مكانه ترجمة له باليونانية، بعد موت جميع التلاميذ، زعموا يومها أنها ترجمة لإنجيل متى المفقود الذي كان مكتوباً بالعبرانية!! ثم ترجمت تلك الترجمة إلى لغات شتى عبر القرون... ومنها العربية، وهي التي بين أيدينا نسخة منها اليوم وتحمل اسم "إنجيل متَّى"!! ولكن في الحقيقة شتان ما بين إنجيل متَّى الحقيقي وبين هذه الترجمة التي تحمل اسم متَّى. فالنقاد يشككون فيها ولا ينسبوها إلى متَّى التلميذ إطلاقاً.
فهذا الأب "جيروم " الذي ترجم العهد القديم من العبرانية إلى اللاتينية والعهد الجديد من اليونانية إلى اللاتينية يقول: "إن متى (الحقيقي) كتب إنجيله باللغة العبرانية في أرض يهودا للمؤمنين من اليهود"0 أما عن الترجمة اليونانية الحالية التي تحمل اسمه فيقول: "لا يوجد إسناد لهذه الترجمة. وحتى الآن لا يعلم باليقين اسم المترجم "!!.
وتوافقه على ذلك الموسوعة البريطانية إذ تقول على لسان بابياس أسقف "هيروبولس " سنة 130: "إن متَى كتب إنجيلة باللغة العبرانية... وإن إنجيل متَّى كتب بالتأكيد من أجل كنيسة يهودية مسيحية- أي تؤمن بالله الواحد- لكن كون متى هو مؤلف الإنجيل- الحالي- أمر مشكوك فيه بجد".
وهناك كثير من المؤرخين والعلماء وآباء الكنيسة الأوائل أمثال "هورن " و"أوريجن " و"ايرانيوس " و"يوزيبوس " و"لاردنر، و"اَدم كلارك " وغيرهم من أصحاب الرأي يقولون بأن متى التلميذ كتب إنجيله بالعبرانية، ولا يشهدون للترجمة الحالية المعروفة باسم إنجيل متى.
3- تاريخ كتابة الإنجيل:
يؤكد الأب "جيروم " أن متى الحقيقي كتب إنجيله سنة 41 م، ويوافقه على ذلك صاحب ذخيرة الألباب إذ يقول: "إن القديس متى كتب إنجيله سنة 41 للمسيح باللغة المتعارف عليها يومئذ في فلسطين وهي العبرانية أو الآرامية أو السيروكلدانية. وما عتم هذا الإنجيل أن ترجم إلى اليونانية، ثم تغلب استعمال الترجمة على الأصل الذي لعبت به أيدىِ النساخ. ومسخته بحيث أضحى ذلك الإنجيل خاملا بل فقيداً".
كما يوافقهما على ذلك تقريباً "جرجس زويق الفتوحي اللبناني " في كتابه المطبوع سنة 1378 م في المطبعة اليسوعية ببيروت والمترجم عن الفرنسية إلى العربية إذ يقول: "إن متى كتب بشارته في أورشليم سنة 39 للمسيح... بالعبرانية. لكن هذه النسخة قد فقدت، وبعد فقدها ظهرت لها ترجمة باليونانية ولا يعرف من الذي ترجمها".
ويجمع كثير من النقاد الغربيين في عصرنا الحاضر بأنه لا يمكن أن تكون الترجمة التي بين أيدينا اليوم والمسماة "إنجيل متى" هي ترجمة إنجيل "متى التلميذ الحقيقي للمسيح " كما مر معنا. لذا نجدهم في الترجمات الأجنبية يكونون حذرين فلا يقولون (إنجيل متى) بل يقولون (الإنجيل حسب ما دونه متى)!! أي (الذي يقال إن مؤلفه متى ونحن لا نشهد بذلك ). وحيث إن شكهم هذا ينسحب على بقية الأناجيل لذا يرددون الكلام نفسه عن الأناجيل الأخرى كما يظهر لك في الصورة التالية والنقاد يعزون ذلك إلى أسباب عديدة منها:
أولأ:
(أ) أن الذين كتبوا هذه الترجمة اليونانية سواء أكانوا فرداً أو جماعة وروجوا لها بأنها ترجمة لإنجيل متى الأصلي، لم يدر بخلدهم أنه يوماً ما سينشأ فن اسمه فن النقد، وأنه سيتناول بالنقد جميع الكتب حتى لو كانت مقدسة ليكشف زيفهم بأن هذا الإنجيل ليس أبداً إنجيل متى التلميذ، ولا حتى يرقى لأن يكون ترجمة له. لذا فالنقاد المعاصرون والقدامى ينكرون بشدة أن يكون مؤلف هذا الإنجيل هو متى الحقيقي ويقولون: "إنه لا يوجد عالم أو ناقد نزيه مستقل يقنع بصحة هذا الرأي... ولنقل صراحة إنه لم يعد مقبولاً اليوم أنه أحد حواريي المسيح ".
ويعزو موريس بوكاي سبب ذلك إلى أسلوب هذا الكاتب الرفيع وإلى اقتباساته الكثيرة من التوراة، إلى جانب خياله الواسع الذي يكشف عن شخصيته بأنه يهودي على درجة عالية من الثقافة والتعليم، ويضيف: ( إن الكاتب معروف بتبحره في الكتب المقدسة والتراث اليهودي... كما أنه أستاذ في فن التدريس... وتلك صورة بعيدة كل البعد عن صورة متى الموظف البيروقراطي بكفر ناحوم "
أي باختصار، أن متى التلميذ وإنجيله شيء، وهذا الإنجيل المزعوم- الذي بين أيدينا ومؤلفه شيء اَخر.
(ب) ويوافقه على ذلك بل على أن جميع الأناجيل لم يكتبها أحد من التلاميذ الأسقف بنجامين كلداني الذي اعتنق الإسلام وخلع رداء الكهنوت وتسمى بعبد الأحد داود، والذي يقول متهكماً على زعم الكنيسة بأن التلاميذ هم الذين كتبوا هذه الأناجيل "لماذا لم يكتب هؤلاء الرسل اليهود الإنجيليون بلغتهم الخاصة بل كتبوا جميعأ باليونانية؟! وأين تعلم الصياد شمعون كيفا (سمعان بطرس) ويوحنان (يوحنا) وجيمس (يعقوب) والجابي ميثاي (متى) أين تعلم هؤلاء اللغة اليونانية من أجل كتابة سلسلة من الكتب المقدسة"!!.
(ج) "كما ينكر" ول ديورانت المؤرخ الشهير "نسبة هذه الترجمة إلى متى التلميذ الحواري ويرى أنها من تأليف غيره وقد نسبها إلى متى التلميذ لتقع من الناس موقع الاطمئنان والقبول ". ومما يؤكد ذلك أنه لا المصادر المسيحية ولا الكنيسة تعرف اسم هذا المترجم حتى يومنا هذا. ونحن نستغرب كيف يكون هذا الكتاب المترجم كتابأ مقدسأ يعتمد عليه في أصول الدين بينما مترجمه مجهول، وتاريخ تدوينه مجهول ونسخته الاْصلية باللغة التي كتب فيها مفقودة حتى اليوم. "إن ضياع أو اختفاء شخصية الكاتب وسنة التدوين يسقطان حرمة الكتاب في نظر العلم المحايد من درجة الكتب المقدسة إلى كتاب عادي فقط لا يحترمه واحد من محضري رسالة الماجستير في أي مادة علمية تحترم أصول البحث وقيمة المراجع العلمية... ".
وهنا يتساءل الباحث متى يكون لكتاب الدين حرمة ككتاب مقدس من عند الله؟؟ أإذا نزل من عند الله بطريق الوحي المعصوم يحمله نبي معروف نسبه ونقل للأجيال بطريق متواتر صحيح؟ أم الكتاب الذي يطلبه بعض من الناس فيكتب لهم من الفكر البشري العادي؟ وإذا كتبه واحد من الأتباع أو التلاميذ أو الأصحاب فهل يسمى في العرف العلمي أو التاريخي كتاباً مقدساً له حرمة الكتاب السماوي الذي جاء من عند الله!!؟ أم الأجدر به أن يسمى كتاب تراجم أو قصة حياة؟ ذلك أمر جدير بالبحث والاستقصاء عند الباحثين المنصفين. ...
ثانياً:
يزيد موريس بوكاي الطعن في تعليقه على ترجمة إنجيل متَى الحالية فيقول: "معلقوا الترجمة المسكونية يقولون عن الترجمة الحالية (المزعومة) لإنجيل متى أنها كتبت بسوريا وربما بأنطاكيا أو فينيقيا" وأن الكاتب يخاطب أناساً "وإن كانوا يتحدثون اليونانية فإنهم يعرفون العادات اليهودية واللغة الآرامية" إذ أن هذه المناطق قد وقعت تحت الحكم اليوناني وكان يعيش فيها عدد كبير من اليهود المعروفين "بيهود الشتات " والذين انفصلوا عن اليهود المسيحيين (المؤمنين بالله الواحد) في بيت المقدس وتبعوا شاؤول وكنيسته. والأسئلة التي تتبادر إلى الذهن هنا هي:
(أ) أين الإنجيل الذي كتبه متَّى التلميذ أو (لاوي بن حلفي) سنة 39- 41، بالعبرانية، للمؤمنين في بيت المقدس (كما يقول جيروم، وابيجان، وأوريجن وبابياس) من هذه الترجمة المزعومة التي كتبها مجهول باليونانية ليهود الشتات (الشاؤوليين) المقيمين فى أنطاكيا أو فينيقيا بسوريا، كما يقول بوكاي؟!!.
(ب) من هم الذين أخفوا إنجيل متَّى الحقيقي أو إنجيل (لاوي بن حلفي) وما هي مصلحتهم في إبراز هذه الترجمة المزعومة بدلاً منه والتي كتبت كما يقول النقاد بين سنة 75- 80 م في الوقت الذي مات فيه متى التلميذ الحقيقي سنة 62 م!! كما يبقى من حق جميع النصارى الذين يبحثون عن الحقيقة وعن الإيمان الصحيح أن يتوجهوا إلى كنائسهم وأساقفتهم وباباواتهم لكي يخرجوا لهم إنجيل متَى الحقيقي من سراديب الكنيسة، ذلك الإنجيل المكتوب بالعبرانية إذا كان الفاتيكان حقاً يحتفظ بالاْصل الرسولي لهذه الأناجيل كما قال في وثيقته. أو على الأقل أن يدلهم على هوية كاتب هذه النسخة المزعومة التي بين أيدينا اليوم الذي ادعوا أنه متَى الحواري بينما في الحقيقة ليس هو بمتى. ثم لماذا انتحل اسمه وإنجيله!؟. وبعدها يحق لهم بالتالي أن يسألوا كنائسهم عن مدى صدق الروايات والأحاديث التي وردت في هذا الإنجيل المزعوم (ومعه بقية الأناجيل الأخرى) وعن سبب استبدال اسم "اللّه " العظيم باسم الأب، واسم عيسى بالابن. علمأ بأن الاسم الأول دخل الأناجيل حسب "ثيودور زاهن " سنة 185- 210 كما مر معنا أي بعد فترة طويلة من الانتهاء من كتابة الأناجيل، والثاني دخل المسيحية مع شاؤول بعد أن رفع الله المسيح. ولم يكن المسيح يستعمل أيًّا منهما طيلة حياته لا هو ولا حتى أحد من تلاميذه!؟.
وكذا يكون من حقهم أن يسألوا كنائسهم عن التحريف والمبالغات والتهويل والخرافات والنبوءات الكاذبة والمستحيلات والتناقضات والوثنية كيف دخلت في هذه الأناجيِل، في الوقت الذي فيه المسيح بريء من كل ذلك إ!. وكذا بإمكانهم أن يسألوهم كيف تحول اسم عيسى ابن مريم البتول إلى ابن النجار وابن داود وابن الإنسان وملك اليهود والنبي المنتظر، وحمل اللّه، ومختار اللّه... ثم اللّه نفسه وأيهم عيسى ابن مريم الحقيقي فيهم؟.
ثالثأ:
من الثابت والمعروف لدى النقاد جميعاً أن إنجيل مرقص هو أول ما كتب من الأناجيل الأربعة وأنه في المخطوطات الأصلية حوى 661 عدداً ولكن من المعروف والثابت لديهم أيضأ أن إنجيل متَّى المزور الحالي قد حوى 631 عدداً من مجموع أعداد مرقص الأصلية أي أكثر من 95% لذلك يسمي النقاد هذا الإنجيل "بإنجيل مرقص الموسع " كما أسلفنا. ويؤكد كولمان هذا بقوله: "مهما كانت هوية الكاتب فإنه من الملاحظ أنه استخدم بشكل موسع إنجيل مرقص الذي لم يكن أحد حواريي المسيح ".
ولكن المنطق يقول إن متى التلميذ الذي لازم المسيح منذ بداية دعوته لا يعقل أن يعتمد على إنجيل مرقص الذي لم يكن تلميذاً للمسيح. أو بعبارة أخرى، كيف يمكن أن يعتمد شاهد العيان (متَّى التلميذ) على من لم يكن شاهد عيان (أي مرقص)!؟ وهدْا يؤكد للنقاد اليوم أن كاتب إنجيل متَّى الحالي لا يمكن أن يكون متَّى التلميذ، وأنه كاتب مزور وإنجيله مزور و لا علاقة له "بمتَّى الحقيقي (أو لاوي بن حلفي) " وأنه ما كتب إلا لغرض في نفس يعقوب وهذا ينقض ادعاء الفاتيكان في أن كتبة الأناجيل هم الرسل، وأن هذه الأناجيل هي كتب مقدسة.
وفي هذا الصدد يقول أحمد ديدات: "فإذا لم ينسب هذا الكتاب إلى الحواري متَّى فكيف نقبله ككلام اللّه؟! ونحن لسنا الأوائل في اكتشاف هذه الحقيقة وهي أن متى- المزعوم- لم يكتب الإنجيل كما دونه "متى الحقيقي " بل كتب بأيد مجهولة. فالسيد ج. ب فيلبس وهو أستاذ في علم اللاهوت بالكنيسة الإنجيلية يتفق معنا في اكتشافنا هذا. وليس لدى السيد فيلبس أىِ دافع للكذب فهو يمثل الرأي الرسمي للكنيسة إذ يقول: "نسب التراث القديم هذه البشارة (الإنجيل) إلى الحواري متى ولكن معظم علماء اليوم يرفضون هذا الرأي، أي بمعنى آخر أن القديس متى لم يكتب البشارة التي تحمل اسمه. وهذا الاكتشاف لعلماء نصارى لا لعلماء هندوس أو مسلمين أو يهود حتى يتهموا بالتحيز"... وعن السرقة بالجملة من إنجيل مرقص يقول نفس الكاتب: "ولكن ماذا عما قيل في موضوع الإلهام والوحي؟! لندع القسيس نفسه الذي تدفع له الكنيسة مرتباً شهرياً والذي لديه المراجع والمخطوطات الإغريقية الأصلية يقول لكم الحقيقة، ولاحظوا طريقته الرقيقة في فضح نفسه والكنيسة "لقد استغل متى- المزور- بشارة مرقص استغلالأ كبيرأ" وبلغة أستاذ المدرسة اليوم أنه كان يغش- أي يسرق- المعلومات بالجملة من بشارة مرقص. ولكن النصارى يسمون هذه السرقة بالجملة وحي اللّه- في الوقت الذي نهى فيه الله عن السرقة حسب الوصايا العشر- ألا تتساءلون كيف يقوم شاهد عيان مثل متى وهو أحد حواريي المسيح بسرقة معلومات من المفروض أنه شاهدها بعينه كما يدعون، من كتاب مرقص الذي كان لا يزال في العاشرة من عمره حين كان عيسى يدعو بني إسرائيل!؟ إن الحواري متَّى لم يفعل هذه الحماقات. فهذه أكاذيب ألصقها به أشخاص مجهولون مدعين أنه هو الذي كتبها.
من مجمل ما تقدم يتضح لنا بإيجاز ما يلي:
ا- إن إنجيل متَى الأصلي، الذي كتبه متى التلميذ الحقيقي للمسيح كان بالعبرانية أو الَارامية أو السيروكلدانية- وكلها لغات متقاربة- في بيت المقدس- لليهود/ المسيحيين الذين آمنوا بعيسى، وبإله عيسى الواحد وذلك سنة 39- 41 وأن ذلك الإنجيل قد اختفى نهائيأ وما زال مخفياً حتى يومنا هذا باعتراف أكابر العلماء والَاباء والنقاد الغربيين.
2- بعد اختفاء إنجيل متَى الأصلي ظهرت مكانه رأساً ما سمي( بالترجمة اليونانية) له منتحلة نفس الاسم وحلت محله وهي موجهة لليهود الشاؤوليين في أنطاكية وما حولها وليس لليهود العبرانيين في بيت المقدس. وهذه النسخة ترجمت فيما بعد إلى لغات عدة، وروج لها بأنها إنجيل متى وفي الحقيقة ما هي بإنجيل متى ولا حتى ترجمة له حسب ما تقدم.
3- المترجم- سواء أكان فرداً أم جماعة. ما زال مجهولاً حتى اليوم لدى جميع الكنائس والعلماء والنقاد ولا أحد يعرف عنه شيئاً.
4- لذا فمن الطبيعي أن يشك المرء فيه وفي ترجمته بل يحق له أن يرفضهما إذ لا أحد يعرف ما إذا كان متمكناً من اللغة التي ترجم منها (العبرانية) والتي ترجم إليها (اليونانية) أم لا؟ كما أن أحداً لا يستطيع أن يجزم ما إذا كانت هذه الترجمة طبق الأصل أم لا؟ وهل ترجم إنجيل متى الأصلي كله أم حذف منه أشياء أو أضاف إليه أشياء تتفق مع معتقداته أو معتقدات طائفته أو كنيسته وذلك بسبب اختفاء الأصل. كل هذه المجهولات، بالإضافة إلى السرقات الأدبية والتحريف المتعمد الذي سنراه. في هذا الإنجيل المزعوم تترك لدينا شكوكاً قوية وثغرات كبيرة يصعب ملأها مما يجعل من المستحيل أن تنطبق على هذه الترجمة التي بين أيدينا اليوم "مواصفات كتاب مقدس " كما تدعي الكنيسة، وذلك للأسباب المذكورة اَنفاً والتي أهمها جهلنا التام بالمترجم وكل ما يتعلق به من جهة، ولغياب الأصل العبراني الذي ترجمت عنه من جهة أخرى إذ أصبحت المقارنة بين الترجمة والأصل مستحيلة!!.
وعندما توجد مثل هذه المجهولات، والحقائق الغائبة، والسرقات الأدبية والتحريف تقل قيمة أي كتاب في العالم- مهما كان موضوعه- إن لم تنعدم نهائياً. فهل يعرف الآن نصارى اليوم حقيقة ما يسمى بإنجيل متى الذي يقرأونه بالرغم مما توليه الكنائس من أهمية كبيرة لهذا الكتاب المترجم واعتباره عنوة أحد مصادر المسيحية!!؟ ألا يثير هذا سؤالاً لديهم كيف تعتبره كنائسهم مقدساً وترجع إليه في أصول دينهم وهي لا تعرف أين الأصل الصحيح لهذا الإنجيل المزعوم الذي تهمته الأولى أنه برز إلى عالم الوجود بعد اختفاء الأصل الصحيح من إنسان مجهول الاسم مجهول الهوية مجهول التاريخ وإن يكن غير مجهول الغرض. الأمر الذي يشير بأصابع الاتهام إلى الكنيسة الشاؤولية القديمة!! إن لم يكن شاؤول نفسه هو كاتب هذا الإنجيل. فقد جاء في دائرة المعارف الفرنسية، الجزء الخامس صفحة (117): "إن كتب العهد الجديد من عمل بولس أو عمل أتباعه وليست الأسماء الموضوعة عليها إلا أسماء مستعارة!! ثم إن من يسرق 631 عدداً من أصل 661 عدد من أي كتاب حسب شهادة النقاد الغربيين وينسبها إلى نفسه بعد أن يحرف بعضها حسب أهوائه ومعتقداته- كما سنرى- لا يسمى مقتبساً، ولا مؤلفاً، ولا مترجماً ولا كاتب وحي كما تزعم الكنيسة إنما يسمى لصاً وسارق نصوص أدبية. ولو كان مؤلف هذا الإنجيل المزعوم حياً بين ظهرانينا لحكمت عليه محاكم اليوم بالسجن أو الغرامة لسرقته. أو بالاثنين معاً، ولأمرت بسحب كتابه ومنعت تداوله في الأسواق لأن اليوم يختلف عن الأمس إذ أن حقوق التأليف والطبع محفوظة. ولو كان مرقص حياً بين ظهرانينا اليوم، ورفع مثل هذه الدعوى لكسبها 100%.
هل ( متَّى المزعوم)، هو الوحيد الذي سرق نصوص مرقص؟ :
يقول دينيس اريك نينهام: "لا شك أن متَى- المزعوم- ولوقا عندما كانا يكتبان إنجيليهما قد وضعا أمامهما نسخة من إنجيل مرقص وأنهما أدمجا في الغالب كل ما جاء في ذلك الإنجيل في إنجيليهما" .
ما الذي يجعل "نينهام " وهو أستاذ في اللاهوت المسيحي يناقض وثيقة الفاتيكان التي زعمت أن كتبة الأناجيل قد كتبوا بالوحي ليقول مثل هذا الكلام؟! الحقيقة أن لوقا أيضاً متهم من قبل النقاد الغربيين، وتهمته هو الآخر ثابتة، بأنه سطا على ما يقارب 350 عدد أي 51% من أعداد إنجيل مرقص- أول الأناجيل- كما سطا على 200 عدد من إنجيل متى المزعوم من الأعداد الغير مرقصية، حيث كما أسلفا حقوق الطبع والتأليف لم تكن محفوظة، ولو أنه صاغ ما سرقه بأسلوب أدبي أرقى من زميليه. أي أن متى سرق من مرقص، ولوقا سرق من الاثنين، ولو أنه أضاف إلى مؤلفه روايات جديدة لم يذكرها مرقص أو متى مثل السامري الطيب، والغني الجشع، والمواظبة على الصلاة ورواية الرجل الغني والعازر، والقاضي الظالم... الخ ليصلح الآراء الخاطئة التي وردت في إنجيل متى أو ليسد بعض الثغرات فيه.
كما وأن الموسوعة البريطانية سنة 1960 م ص 523 تقول: "من المتفق عليه لدى الغالبية أن متى ولوقا قد استفادا (لاحظ كلمة "استفادا" بدل سرقا) من مرقص وهو مستند قديم، إذ أخذا رواية يوحنا المعمدان وتجربة الشيطان وموعظة الجبل، وقصة ابن قائد المئة، وأقوال المسيح عن المعمدان بالإضافة إلى بعض الأمثال وبعض الأقوال عن نهاية العالم ".
هذا في الوقت الذي زعم فيه الفاتيكان أن جميع كتبة الأناجيل قد كتبوا بتاْثير من الوحي الإلهي. ولكن للأسف كما نرى لم يجد الفاتيكان من يصدقه من النقاد حتى من أبناء قومه. هذه السرقات جعلت مواضيع الأناجيل الثلاثة متقاربة فسموها في الغرب بالأناجيل المتشابهة (synoptic gospels) كما ذكرنا وإن كانت غير متجانسة، وذلك حسب ما ذهب كل منهم في تحريفاته بناء على رغبة وتطور الكنيسة أو الطائفة التي كان ينتمي إليها، أو حتى لا يظهر لنا أنه سرق عن صاحبه، كما لا يجب أن ننسى عمليات الإضافة في الهوامش والحذف والتحريف المتعمد التي كان يقوم بها النساخ والرهبان يوم كانت هذه الأناجيل حكراً على الكنيسة وحدها. ثم كيف صعدت تلك الإضافات من الهوامش إلى المتن، أي إلى أصل النصوص الأمر الذي انتهى بهذه الأناجيل لتبدو كالثوب المرقع ولهذا نرى النقاد أمثال "فريدريك غراذت " يقول كما أسلفنا: "إن العهد الجديد كتاب غير متجانس. إنه شتات مجمع. فهو لا يمثل وجهة نظر واحدة تسوده من أوله إلى آخره، لكنه في الواقع يمثل وجهات نظر مختلفة" مما يدل على أن أكثر من يد قد عبثت في هذه الأناجيل. وهو على حق. إذ أن فيها ثلاث ديانات مختلفة كما أسلفنا، إضافة إلى أنها تتخبط في أقوالها فساعة تمثل لنا عيسى بأنه عبد اللّه ونبيه المؤمن المطيع الذي يصلي دائماً لربه وخالقه، وساعة أخرى ترسمه لنا بأنه ابن اللّه صاحب جيش من الملائكة، وساعهَ أخرى بأنه ابن الإنسان الفقير المعدم الذي لا يملك أين يسند رأسه، وساعة أخرى هو سيد العالم الذي سيدين العالم. ومرة تقول لنا إنه ابن يوسف النجار ومرة أخرى تقول إنه ابن داود وحمل الله، وابن الإنسان والنبي المنتظر، واللّه نفسه..!.
لماذا كتبوا هذا الإنجيل ونسبوه إلى متى الحواري:
قلنا إنه من المعروف لدى النقاد جميعاً أن أول الأناجيل المكتوبة كان إنجيل مرقص لذا فالمنطق يقول أن يكون ترتيبه الأول في أناجيل العهد الجديد الملصقة بكتاب العهد القديم. ولكننا نرى أن ما روّج له بأنه ترجمة إنجيل متى (المزيف) قد اغتصب هذه المرتبة عنوة وصار هو الأول. فأصبح من حق كل من يعتقد أنه مسيحي أن يسأل كنيسته لماذا لعبوا هذه اللعبة في ترتيب الكتب التي يزعمون بأنها مقدسة (ولو أننا سنجيب على هذا السؤال). فنقول: يبدو أن شاؤول اليهودي الفريسي وكنائسه التي كانت تدين له لم تقنع بما جاء في إنجيلا متى الأصلي أو (لاوي بن حلفي) من دين صحيح وتوحيد بالله، وضرورة الختان، وتحريم الخمر والخنزير... التي حتماً كانت صعبة على الأمم الوثنية التي ذهب إليها والتي كانت لها آلهة متعددة، تأكل الخنزير وتشرب الخمر ولا تختتن... الخ فماذا فعلوا!!؟.
أولاً: قاموا بإخفاء هذا الإنجيل كليا واستعانوا بإنجيل مرقص الذي كان متداولاً فأخذوا منه ما يقارب الى 95% من نصوصه، ونسجوا حولها أوهامهم بعد أن سدوا الثغرات الموجودة فيه ثم قاموا ودسوا فيه دينهم الجديد محللين للوثنيين كل محرم لتسهيل عملية دخولهم فيه من جهة، ولإفساد دين المسيح من الداخل من جهة أخرى، واختاروا له اسم "إنجيل متى" ليقع موقع القبول والرضى عند الناس كما قال "ول ديورانت ". لكن المضحك في هذا الإنجيل عند تسليط الأضواء عليه تبدو السرقة واضحة تماماً. إذ لا تكاد تجد جملة في إنجيل مرقص إلا وتجد مثيلتها تماماً في إنجيل متى المزعوم، وأحياناً تكون محرفة قليلاً حتى لا يقال إنها سرقت منه من جهة أو لتناسب الغرض الذي كتبوا هذا الإنجيل من أجله من جهة أخرى- كما سنثبت ذلك- وأهدافهم في كتابة هذا الإنجيل رخيصة ومكشوفة منها على سبيل المثال لا الحصر:
1- الإكثار من "ألفاظ " دين بولس الجديدة والدخيلة على دين عيسى مبعثرة هنا وهناك مثل الأب، والابن والروح، والروح القدس لتحل ما أمكن محل اسم اللّه الواحد ليذهبوا بدين التوحيد الذي جاء به عيسى بعيداً لغرض في أنفسهم من جهة وليوافق عقلية الأمم الوثنية من جهة أخرى.
2- العمل على إفساد هذا الدين وجعله مناقضاً للناموس ومستقلاً عن الدين الذي أتى به عيسى آخر أنبياء بني إسرائيل الذي قال: "لم آت لأنقض الناموس " متى:5/17، وذلك بزج "الأفكار" الشاؤولية الكنسية فيه وتصوير عيسى بأنه هو قائلها.
3- نفخ وتفخيم صورة عيسى ومعجزاته ليقنعوا الناس بأنه هو المسيح المنتظر وغرضهم من ذلك كله إقفال باب النبوة في وجه "المسيا الحقيقي " عندما يظهر ليزيدوا الأمم القادمة ضلالاً.
ثانيأ: بعد ذلك أخذوا ما راق لهم من نصوص يقال إنها وقعت تحت أيديهم من مستند يوناني قديم اسمه "لوجيا" أي الكلمة أو العقل أصبح فيما بعد يعرف عند النقاد باسم "Q"، فيه بعض أقوال المسيح الحقيقية كما يقول "بابياس " في الموسوعة البريطانية. فأخذوا ما وافق غرضهم وتركوا الباقي، لأن بابياس يستشهد منه في كتاباته بأقوال للمسيح غير موجودة في الأناجيل الحالية، ثم أضافوا إلى كل ذلك بعض ما سمعوه من أفواه رواة ماتت أجيالها ومزجوه بالأفكار الشاؤولية الكنسية والأساطير الوثنية والأحلام والخرافات وكل ما هو مستحيل وغير معقول ليجذبوا إليهم كل فئات الأمم واضعين الكثير منه على لسان المسيح وهو بري منه فجاءت الديانة الشاؤولية الكنسية في هذه الأناجيل، أشبه بالديانات الوثنية الخرافية.
ثالثا: ثم ليصبغوا كل هذه !الخلطة بثيء من الجدية والأصالة، ولكي ينطلي إنجيلهم هذا على السذج والبسطاء من العامة- الذين كتبت لهم هذه الأناجيل، قاموا بعمليتين لا شك أنهما آتتا أكلهما في السابق. لكن النقد الحديث كشف زيفهم وخداعهم، مما ترك هذه الأناجيل مهلهلة عارية عن الصحة وعرضة للنقد اللاذع. فما هما هاتان العمليتان؟.
(1) أضافوا لهذا الإنجيل بعضاً من أمثال المسيح وأقواله الحقيقية التي ربما كانت في حوزتهم من إنجيله الأصلي أو من إنجيل متى الأصلي أو (لاوي بن حلفي) ليرضوا بها المسيحيين اليهود ووزعوها بين صفحات الإنجيل، وإن دسوا بعض نصوصهم فيها أحياناً، لتبدوا نصوصهم وكأنها في الأصل من أمثال المسيح وأقواله. وبعض هذه الأمثال والأقوال لو فطنوا لمعانيها والمقصود منها ربما ما كتبوها إطلاقاً، لأنها في حقيقتها ما هي إلا بشارات عن قرب حلول مملكة الله على الأرض التي أقامها النبي المنتظر الذي كان ينتظره اليهود والذي لم يكن سوى محمد نبي الإسلام"ص". وكذا أدخلوا بعض المواعظ مثل موعظة المسيح الشهيرة بموعظة الجبل التي تتميز بالأخلاقيات، وبمواساة الطبقة الضعيفة من عامة اليهود الفقراء، وبعث روح الأمل فيهم، والتيئ أفردوا لها ثلاث إصحاحات كاملة في هذا الإنجيل.
وهذه أيضاً دسوا أصابعهم فيها ولكن لا يصعب على القارىء الفطن العادي اليوم أن يميز فيها أسلوب المسيح من أسلوبهم، ونصائحه المخلصة من نصائحهم المغشوشة. إذ أن أسلوب المسيح يمتلىء بالإخلاص، والنصح المنبعث من القلب. فيما نصائحهم ظاهرة الغش ، فجاءت موعظته وأمثلته كمصابيح إنارة وسط نفق مظلم، ومن المحتمل كما أسلفنا أن يكونوا قد أخذوها من إنجيل متى الأصلي، وبذلك يكونوا قد كشفوا عن أنفسهم من حيث لا يدرون بأنهم السراق راللصوص الذين سرقوا إنجيل متى الحقيقي وأخفوه إلى الأبد.
(ب) لإيهام السذج والبسطاء من الوثنيين وعامة الشعب بأن عيسى هو "المسيا المنتظر"، وأن ما سموه بالعهد الجديد هو تكملة لما سموه بالعهد القديم، قاموا بانتزاع أعداد كبيرة من العهد القديم وحرفوها، ولووها، وعصروها عصراً لتلائم عيسى ابن مريم، وألصقوها به قسراً بمناسبة وبدون مناسبة ليظهروه وكأنه المسيا الذي تنبأت به التوراة والذي كان ينتظره اليهود (علماً بأنه لا التوراة ولا العهد القديم جاء فيه ذكر عيسى ابن مريم) معتقدين أن ذلك سينطلي على العامة، ولكن تلك الأعداد لم تكن في حقيقتها إلا رقع ظاهرة لا تمت له بصلة جاءت معظمها بعد أقوال مثل "لكي يتم ما قيل من الرب القائل " أو "لكي يتم ما قيل بالانباء" أو "لأنه هكذا مكتوب بالنبي!... الخ" وما هي في الحقيقة إلا إضافات إلى الـ 95% التي سرقوها من إنجيل مرقص. كل ذلك لثبتوا لنا أن إنجيل متى المزيف هذا، ما هو إلا امتداد للعهد القديم لكثرة ما حوى من نبوءات عن المسيح وأن تلك النبوءات قد تحققت في شخص عيسى.
لهذه الأسباب ألصقوا هذا الإنجيل بعد العهد القديم رأساً (مع أن تلك المكانة مخصصة لإنجيل مرقص بصفته أول الأناجيل المكتوبة) ليبدو وكأنه امتداد له، وأطلقوا على الجميع اسم Bible أه أي الكتاب المقدس. وأنت لو قلبته من الدفة إلى الدفة لا تجد فيه كلمة Bible ولا كلمتي "الكتاب المقدس " لأن الله لم يطلق هذا الاسم على الكتاب الذي نسبوه إليه فتولوا هم عنه ذلك. إذ في الحقيقة لا يدري أحد حتى اليوم من الذي قدسه لهم. لأن القداسة تكون لكتب أنزلها الله من السماء بلغة سامية على أنبياء ولم يمسسها أي تحريف، لا لكتب ألفها على الأرض أدعياء بلغة يونانية جاءت مليئة بالتحريف والتناقض.
لذلك عند قراءتنا لهذا الإنجيل، يجب أن نفتح عيوننا ونكون حذرين جداً عند كل قول منتزع من العهد القديم ومسبوق بجملة "لكي يتم ما قيل من الرب القائل " أو "لكي يتم ما قيل بالانباء"... وما شابه من أمثال هذه الجمل لأنها كما أسلفنا ليست إلا رقعاً أضيفت إلى الى 95% التي سرقت من إنجيل مرقص، ولأن ما سيأتي بعدها ما هو إلا دساً أرادوا أن يدسوه في هذا الإنجيل (وغيره) للتدجيل على البسطاء. وفي الحقيقة أن المتتبع لإنجيل متى المزعوم هذا يذهل لهذا الحشد الهائل من الأعداد المنتزعة والمحرفة من العهد القديم، والملصقة بعيسى ابن مريم عنوة، وراء جعله المسيا المنتظر رغما عنه، مما يعجز عنه الموظف الحكومي (متَّى الجابي أو لاوي بن حلفي) ولا يستطيعه إلا يهودي متمكن من توراته جيداً.
ولكن مما يدل على سذاجة من دسوا تلك الصيغ والأعداد، أنه بعد كل التعب الذي تعبوه في جعل المسيح يبدو وكأنه المسيا المنتظر، وبعد أن بذلوا المستحيل في جعله ابناً لداود، حتى أفهمونا أن عامة الناس كانت تناديه بابن داود وهو يستجيب لهم، نسوا أن يشطبوا ما يكذب كل أقوالهم، بل ينسف كل محاولاتهم ويبددها كقول المسيح مثلاً: "ماذا تظنون في المسيح أبن من هو؟ قالوا له: ابن داود. قال لهم: فكيف يدعوه داود بالروح رباً قائلاً قال الرب لربي اجلس عن يميني حتى أضع أعدائك موطئاً لقدميك فإن كان داود يدعوه رباً فكيف يكون ابنه " متى 22/43،. مما يدل على أنه بالرغم من كل معرفتهم بالتوراة ومن جهودهم ومحاولاتهم المضنية في جعل عيسى يبدو وكأنه المسيح المنتظر فهم لا يعدو أن يكونوا أناسأ سذجاً كتبوا لأناس أكثر منهم سذاجة. إذ أن هذه الجملة تنسف كل محاولاتهم في جعل عيسى هو المسيح المنتظر.
المهم أنهم قاموا بجمع هذه الخلطة المذكورة في رواية واحدة مفككة الأوصال مقطوعة الاتصال ينقصها الكثير الكثير من الإقناع والربط والتسلسل الحدثي والتاريخي والزمني وسموها، إنجيلا ونسبوه إلى الحواري متى. وبعد فترة تولت الأمر كنيسة أخرى وجدت هذا الإنجيل مليئأ بالثغرات والعيوب فكتبت إنجيلاً آخرأ نسبته إلى شخص مجهول يدعى لوقا، حاولت فيه أن تسد تلك الثغرات والعيوب ، وهي وإن نجحت في ذلك إلى حد ما إلا أنها وقعت هي الأخرى في ثغرات وعيوب جديدة. ولما تطورت الكنيسة الشاؤولية- أو بالأحرى ارتدت- وأرادت أن تنسب الألوهية لعيسى أفردت لذلك إنجيلاً خاصًّا نسبته إلى يوحنا الحواري ولكي تصبغه بشيء من الأصالة أدخلت فيه بعض أقوال المسيح الحقة التي لم يذكرها أي من الأناجيل الثلاثة الأولى مما يؤكد أنها اقتبستها من إنجيل متى الحقيقي أو حتى إنجيل المسيح المخبأ عندها، ودست فيه أن في البدء كان عيسى إلهاً ثم عادت وتخبطت في أقوالها وقالت: "إن الله لم يره أحد!! ".
وعن عدم التسلسل الحدثي والتاريخي في إنجيل متَى يقول سي. جيه كادو: "إن أي شيء يخص متى- المزعوم- تاريخياً يجب أن يؤخذ بحذر شديد" كما يقول جون فنتون: "فإذا كان القارىء يقبل على إنجيل متى- المزعوم- وهو يتوقع أن يجد فيه سرداً تاريخياً دقيقأ لحياة يسوع فلسوف يصاب بخيبة أمل ".
والأدهى والأمر أن المدقق لهذه الأناجيل عموماً يتأكد له أن الإنجيل الواحد لم يكتبه شخص واحد لذا جاءت مليئة بالتناقض مما جعلها فعلأ تبدو مرقعة ترقيعاً. الأمر الذي يجب أن لا نستغرب من قول فريدريك غرانت: "إن العهد الجديد كتاب غير متجانس " ولا من قول ول ديورانت: "وانتحلوا له اسم التلميذ متى ليقع من الناس موقع الاطمئنان والقبول ". ولا أحد يعرف بالضبط التاريخ الذي تحددت فيه قانونية أسفار العهد الجديد دوناً عن سواها من الأناجيل الأخرى التي كانت شائعة في ذلك الزمان (و كانت حوالي 70 انجيلا و في بعض الأقوال 300، )ولا مؤهلات من جعلوها قانونية، أو الطريقة التي اعتمدوها، ولا حتى جنسياتهم ولقد مر معك قول جون لوريمر بهذا الصدد عن هذه الأناجيل إذ قال: "لم يصلنا إلى الآن معرفة وافية عن الكيفية التي اعتبرت بها الكنيسة الكتب المقدسة كتبا قانونية". فإذا كانت قد فرضت بالقوة فمن الذي فرضها ولمصلحة من! إ؟ وإذا كان ليس هناك معرفة عن كيفية اختيارها لتكون كتباً قانونية، فكيف تكون مقدسة"
المهم أن أناجيلهم التي أطلقوا عليها اسم العهد الجديد والتي قاموا بربطها بالعهد القديم وجعلوها تبدو للناس البسطاء كأنها امتداد له، وتسمية الكتابين بالكتاب المقدس يجب ألا تنطلي على أحد إذ شتان ما بين الاثنين. فالعهد القديم بكل التحريف الذي جرىَ عليه، وبكل أباطيله وأخطائه وقصص زنا الأنبياء والإثارات الجنسبة... فهو يتحدث من أوله إلى اَخره عن اللّه الواحد بينما هذه الأناجيل تتخبط، فتارة تتحدث عن إله واحد هو دائماً في الخفاء، وتارة عن اثنين وتارة عن ثلاثة أحدهم يأكل ويشرب كما يأكل البشر ويبصق في وجهه، ويستهزأ به ويجلد ويصلب حتى الموت والآخر حمامة تنزل من السماء أو يعطى لكل من يطلبه أو روح تحمل المسيح من مكان إلى آخر الأمر الذي جعل شارل جانبيير الكاثوليكي المسيحي المتعصب يقول: "إن الغربيين لم يكونوا قط مسيحيين في يوم من الأيام " أي من أتباع المسيح. وهذا صحيح 100% لأنهم شاؤوليون كنسيون وثنيون من أتباع شاؤول اليهودي والمجمعات الكنسية التي فبركت لهم هذا الدين. فالمسيح كان يتعبد للإله الوأحد والمسيحيون ما زالوا حتى اليوم يتعيدون الثلاثة. إذ بعد اختفاء إنجيل المسيح لم يبق عندهم سوى ترجمات مزعومة و مؤالفات ألفها لهم يونانيون في آحسن الأحوال أو يهود أساتذة في اللغة اليونانية متشبعين بالفلسفات الوثنية الهلينية كان لهم في الكنائس التي اندسوا فيها ألف غرض وغرض في جرف المسيحية الحقة من دين سماوي بسيط إلى دين شاؤولي كنسي وثني تعددت فيه الآلهة يصلون فيه للأصنام وللصليب وللصور الملونة زاعمين للناس أن هذه المسيحية التي جاء بها المسيح بينما كان المسيح كما قلنا يصلي للإله الواحد ودائماً يشير إلى الإله الواحد الذي في الخفاء. ويجب ألا ينسى أحد أن هذه الأناجيل الشاؤولية الكنسية قد كتبت بعد رفع المسيح من قبل أناس غربيين وغرباء عن المسيح بعد وفاة جميع التلاميذ الذين عاصروه، وحسب الموسوعة البريطانية فإن "إنجيل مرقص كتب بين سنة 65- 70 م، ومتى بين 70- 80 م، ولوقا بين 80- 95 م، ويوحنا بين 90- 120 م، علماً بأن فيها أقوالاً مدسوسة بعد تلك التواريخ بفترات طويلة والنقاد اليوم يقولون: "إن متى لم يكتب متى" وأن إنجيل متى الحالي (وكذا إنجيل يوحنا) إنجيل مزور وما هو في الحقيقة إلا إنجيل مرقص الموسع وليس له علاقة مطلقة بتوراة موسى أو بالعهد القديم رغم ما دسوه فيه من نصوص توراتية فالهوة سحيقة بين الاثنين فهناك كما قلنا الله واحد وهنا ثلاثة، وهناك المعبود في سماء السموات بينما المعبود هنا يقضي تسعة أشهر في رحم أنثى بين الدم والبول والفرث ثم يولد ويعتاش على ثدي أمه. هناك اللّه الذي خلق السموات والأرض بكلمة واحدة، وهنا المعبود الذي يحتاج إلى جحش لينتقل به من مكان إلى آخر. هناك اللّه الغني الذي يملك الكون وهنا المعبود الذي لا يملك أين يسند رأسه. هناك الله الذي في الخفاء وهنا اللّه الذي يراه الجميع يأكل ويشرب ويسكر مع الناس ومن شدة سكره يقوم بخلع ملابسه وغسل أرجل تلاميذه البشر، كما يترك عاهرة تدغدغ قدميه بشعر رأسها. هناك اللّه القوىِ الجبار وهنا الإله الضعيف الذي بصقوا في وجهه وجلدوه وأسلموه للموت على خشبة الصليب حيث يصبح لعنة ودمه فدية بدل دم التيوس. هناك اللّه الواحد لانتفاء جنسه وهنا الإله سليل البشر ابن أمه وخالقها وذو سلسلة من الأجداد البشرية الطويلة العريضة. لا، لا هيهات أن يكون ما سموه بالعهد الجديد مكملاً لما سموه بالعهد القديم رغم كل الأعداد التي شحنوه بها منه وألصقوها عنوة بالمسيح
نقلاً عن موقع الدعوة