"تسلم عليكم التي في بابل المختارة معكم ومرقس ابني
"وبالإضافة إلى شهادة بابياس وإريناؤس يستند الكاثوليك إلى شهادة داخلية على عدم رسولية مرقس ، وهي ما ورد في رسالة بطرس الأولى : ( 5 : 13 ) :(( تسلم عليكم التي في بابل المختارة معكم ومرقس ابني )
.ما المقصود بعبارة " مرقس ابني" ؟؟يرى الكاثوليك هنا أن هذه البنوة هي بنوة روحية ، مما يدل على أن مرقس عرف الإيمان بواسطة بطرس ، فبالتالي لم يكن تلميذ المسيح و إلا لكان عرف الإيمان بواسطة المسيح نفسه ، وإلى هذا ذهب قاموس سميث للكتاب المقدس (35) .تقول الموسوعة الكاثوليكية (36) :في تسمية مرقس بـ"الابن" ، يمكن أن يكون بطرس يشير إلى أنّه عمّده ، وفي هذه الحالة من الوارد أن تكون " teknon" بمعنى " huios" ، هذا المصطلح لا يحتاج أن يؤخذ أكثر من كونه احتراماً ملؤه الحب لشاب مكث طويلاً عند أقدام بطرس في أورشليم ، وأمّه كانت صديقة للرسل ( أعمال 7 :12 ) . ولكن الكنيسة الأرثوذكسية القبطية ترفض هذا التفسير ، وترى أنّ بطرس دعا مرقس ابنه من نابع المحبة وفارق السن ، يقول القمص تادرس ملطي راداً على تفسير الكاثوليك :( يفسر إخوتنا الكاثوليك عبارة "مرقس ابني" بأن القديس مار مرقس عرف المسيحية على يدي القديس بطرس بعد قيامة الرب، وادَّعوا أنه لم يسمع السيد المسيح ولا تبعه. غير أنه ثابت تاريخيًا أن بيت مار مرقس هو الذي أُعِدَّ فيه الفصح (مر ١٤: ١٣-١٤) وهو أول الكنيسة في العالم. وهو الشاب الذي كان تابعًا الرب حتى لحظات القبض عليه عندما ترك إزاره وهرب (مر ١٤ : ٥١-٥٢).وتقول دائرة المعارف الفرنسية وناشروها كاثوليك "إن دعوى تَتَلْمُذ مرقس لبطرس لم تكن سوى خرافة بنيت على سقطات بعض الكتاب".وفي الثيؤطوكيات للأقباط الكاثوليك يقال: [أيها الرسول الإنجيلي (مرقس) المتكلم بالإلهيات، والإنجيلي والرسول... نلت إكليل الرسولية... رفقاؤك الرسل يفتخرون بك ونحن نفتخر بك وبهم.]ولهذا فإن دعوته "ابني" هي فيض حب مع القرابة وكبر سن القديس بطرس، إذ كانت زوجة بطرس الرسول بنت عم والد مرقس الرسول، وكان القديس بطرس يتردد كثيرًا على بيت مار مرقس ) ... انتهى (37) .ويقول القمّص أنطونيوس فكري :( مرقس إبني : هذا فيض من حب من بطرس نحو مرقس ، ويقول ابني نظراً لفارق السن ) ... (38) .ولو نظرنا في كلام القمص تادرس ، لوجدنا أنّه يؤكد - هكذا دون دليل وكأنه حقيقة مسلم بها - أنّ مرقس هو الشاب الذي تبع المسيح عندما ترك إزاره وهرب ، وكذلك كلامه الذي مرّ معنا سابقاً (كان القديس مرقس حاضرًا مع السيد في عرس قانا الجليل، وهو الشاب الذي كان حاملاً الجرة عندما التقى به التلميذان ليُعدا الفصح للسيد (مر 14: 13-14؛ لو 22: 11) ) ، فإننا نجد العجب في هذا التأكيد ، فهو تأكيد مبني على الهوى والعصبية لا غير ، فلا يوجد دليل معتبر على كلامه إلا الظن الذي لا يغني من الحق شيئاً .ما المقصود بـ "بابل" ؟؟لم يقتصر الخلاف على معنى "مرقس ابني " فحسب ، بل تعداه إلى المراد من كلمة " بابل" !!فالكاثوليك يرون أنّ المقصود بها مدينة " روما " في إيطاليا ، وبهذا القول يقول قاموس الكتاب المقدس (39) ، بينما يرفض الأكثرون هذه الفكرة :يقول القمص تادرس ملطي :( وقد اختلفت الآراء في تحديد مدينة بابل:1. يكاد يجمع الرأي أنها ليست بابل التي على نهر الفرات إذ كانت خربة، كما لم يذكر التقليد أن الرسول ذهب إليها، ويبعد جدًا أن يكون القديسان مرقس وسيلا هناك.2. يدعي الكاثوليك أنها تشير إلى روما مستندين في ذلك إلى أن "بابل" الواردة في سفر الرؤيا تشير إلى روما، لكن ليس هناك ما يسند هذا الرأي بل ما ينقضه: أولاً: ما الداعي لعدم ذكر الرسول اسم روما صراحةً؟ثانيًا: ثابت تاريخيًا أن الرسول بطرس لم يصل روما قبل استشهاده بها بفترة طويلة كافية لإرسال رسالتين.ثالثًا: ترتيب الولايات كما جاء في الرسالة من الشرق إلى الغرب مما يؤيد أن الرسالة كُتبت من مكان ما بالشرق.3. الرأي الأرجح أن بابل هي "بابلون" أي مصر القديمة. وقد كانت قبلاً موطنًا لجماعة من اليهود ومقر عسكر روماني لا تزال آثاره قائمة إلى يومنا هذا.وهذا الرأي تسنده التقاليد التاريخية التي تقول بأن القديس مرقس الرسول قدم إلى مصر حوالي سنة ٦١ أو ٦٢م ) ... (40) .وبالنسبة إلى بابل الواردة في سفر الرؤيا والتي فسرها الكاثوليك بأنها روما ، يرد القمص أنطونيوس على ذلك قائلاً :( يستند الكاثوليك على أن بابل في سفر الرؤيا هي إشارة إلى روما ، ولكن بابل في سفر الرؤيا هي إشارة لمملكة الشر في العالم عموماً ) .. (41) .ونتوقف هنا قليلاً ..تفسير الكاثوليك لبابل بأنها روما تفسير ضعيف ، وربطها مع بابل التي في سفر الرؤيا ساقط من عدة وجوه :1 – سفر الرؤيا هو سفر نبوي ( أي فيه تنبؤات ) ، وتعابيره رمزية باتفاقهم جميعاً ، فلو فرضنا أن بابل التي في الرؤيا تعني روما ، فلا يعني أنّ التي في رسالة بطرس كذلك ، فرسالة بطرس ليست رمزية .2 - قولهم إنّ بابل في الرؤيا هي روما ضرب من الظنون ليس إلا ، وهيهات أن يقدموا دليلاً منطقياً على ذلك .3 - (ما الداعي لعدم ذكر الرسول اسم روما صراحةً؟ ) وهو السؤال الذي طرحه القمّص تادرس والذي نراه وجيهاً.أما قول القمص تادرس ( ثابت تاريخيًا أن الرسول بطرس لم يصل روما قبل استشهاده بها بفترة طويلة كافية لإرسال رسالتين ) فهو كالعادة تأكيد دون أدلة ، ثم أنّه لم يحدد لنا ما هي المدة التي مكث فيها بطرس في روما قبل استشهاده حتى نحسبها إن كانت تكفي لكتابة رسالتين أم لا ؟بل ما نقل عن أبيفانيوس قوله : (إذ أصبح مرقس من تابعى القديس بطرس فى روما، أوكلت إليه كتابة إنجيل، وإذ أكمل عمله، أرسله القديس بطرس إلى مصر ) .. (42) ، يدل أنّه كانت هناك فترة كافية لكتابة الإنجيل ، فكيف لا تكفي لكتابة رسالتين ؟ ولم يخبرنا كيف ثبت ذلك عنده تاريخياً ، فما ورد في كتابات الآباء الأوائل أمثال اريناوس واكلمندس الاسكندري ويوسيبيوس القيصري (43) يكذب دعواه ، إذ أنهم قالوا إنّ بطرس كرز في روما ونادى فيها بالإنجيل ، يقول القس منيس عبد النور ( وقد أجمع جميع قدماء المؤرخين على أن بطرس كان يكرز في روما ) .. (44) .، بينما يرفض القمص ( وسائر الكنيسة القبطية ) هذا بشدة ، وينفي أن يكون بطرس كرز فيها .. (45) .أمّا ما رجّحه القمص أنّ بابل هي مصر القديمة فهو أيضاً ضرب من ظنون لا يسنده دليل معتبر . وإضافة إلى ما ذكره القمص تادرس يقول القمص أنطونيوس :( بولس يكتب لأهل رومية ويقول : " لأني مشتاق أن أراكم لكي أمنحكم هبة روحية لثباتكم " ( رو 1 :11 ) . ويقول " أريد أن يكون لي ثمر فيكم أيضاً كما في سائر الأمم " ( ومية1 : 13 ) ، فهل يكرز بولس لروما ويكون له ثمر فيها ، ويأتي لمنح أهلها هبة روحية لثباتهم ، وبطرس هنا على رأس الكنيسة ؟ونحن نعلم أنّ هذا الأسلوب ليس أسلوب بولس الرسول الذي يقول " و لكن كنت محترصا أن ابشر هكذا ليس حيث سمي المسيح لئلا ابني على أساس لآخر " ( رو 15 : 20 ) .كيف يكتب بولس رسالة يفرد فيها إصحاحاً كاملاً لإهداء السلام لشخصيات مغمورة في روما ولا يذكر فيها اسم بطرس الذي يعتبره أحد الأعمدة (غلا 2 :9 ) إذا كان بطرس موجودا في روما بل على رأسها ( راجع رو 16) .. (46) .ويقول في تفسير رسالة رومية ( و لكن كنت محترصا أن ابشر هكذا ليس حيث سمي المسيح لئلا ابني على أساس لآخر "هو ( بولس ) لا يريد أن يتعدى حقوق الآخرين ويسلب استحقاقاتهم وأتعابهم . وبناء على هذه الآية فبطرس إذاً لم يكن موجوداً في روما ، ولا هو أسس كنيسة روما ) .. (47) .قلت : ما ذكره القمص آنفاً يعتبر دليلاً قوياً ضد الكاثوليك على عدم كرازة بطرس في روما .ويضيف القمص أنطونيوس فكري على ما قاله القمص تادرس قائلاً :( وهناك رأي آخر أنّ مرقس حين ترك الإسكندرية ذهب إلى بطرس في مكان فيه تجمع يهودي باسم بابل حيث كتب بطرس رسالته هناك ) ... انتهى .. (48) .قلت : وهناك رأي آخر يقول بأن بابل هي زوجة القديس بطرس الرسول ، ذكره راينهولد ميلر (49) ، وكذلك القمص تادرس وصفه بأنه رأي لا أساس له (50) .ومهما يكن فكل ما ذكر من آراء لا يعدو كونه ( رأي لا أساس له ) كما يصف القمص تادرس الرأي الأخير .هل مرقس الذي ذكره بطرس في رسالته هو نفسه الذي رافق بولس وبرنابا ؟السؤال الذي سبق وطرحناه في بداية البحث وهو :هل مرقس الذي ذكره بطرس في رسالته الأولى - داعياً إياه ابنه (51) - هو نفسه مرقس الذي في أعمال الرسل ورسائل بولس ؟؟؟في الحقيقة لا يوجد أي دليل معتبر نستطيع الركون إليه في هذا الشأن ، وفي مقدمة تفسير إنجيل مرقس لدايفد براون:يقول كامبل : وعندما نتأمل كيف أنّ وجود الرسولين بطرس وبولس معاً كان قليلاً ، وكيف أنّهما نادراً ما التقيا ، وكيف أنَّ ميولهما كانت مختلفة ، وكيف أنّ دائرة عملهما متباعدة ، فلا يوجد في الواقع ، في غياب كل الأدلة ، شيء يقرب إلى إلزام بفرضية أن مرقس هو نفسه المرافق الحميم لكل منهما ؟يضيف كامبل :( الأشياء المعطاة عن مرافق بولس وتلك التي عن مترجم بطرس لا تلتقي على شيء ، فقط في الاسم "مارك" أو "مرقس" ، وهو أيضاً موقف بسيط لاستنتاج التشابه للشخص منه ، خصوصاً عندما نعتبر كم كان هذا الاسم شائعاً في روما ، وكم كان متعارفاً عليه عند اليهود في ذلك العصر ) .. (52) .