والمنسوخ في الكتاب المقدس والقرآن الكريم
صدق الله القائل:
"إِنَّمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْثَانًا وَتَخْلُقُونَ إِفْكًا إِنَّ الَّذِينَ تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَا يَمْلِكُونَ لَكُمْ رِزْقًا فَابْتَغُوا عِنْدَ اللَّهِ الرِّزْقَ وَاعْبُدُوهُ وَاشْكُرُوا لَهُ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ . وَإِنْ تُكَذِّبُوا فَقَدْ كَذَّبَ أُمَمٌ مِنْ قَبْلِكُمْ وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ."
في هذا الكتاب استعين بالله لأبدأ في الرد على شبهة واهية أصبح النصارى يلوكونها بألسنتهم وتخرج من أفواههم ليل نهار وهم لا يعون معناها بل يرددونها كما يسمعونها من أربابهم من القسيسين والرهبان وهي هل يغير الله كلامه؟ أو يُنزل حكما ليغيره بعد فترة أو يمحوه إذ كيف يقول الله في القرآن " لَا تَبْدِيلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ" ويقول "لا مبدل لكلمات الله" ثم نجده يقول "مَا نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْهَا أَوْ مِثْلِهَا أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ"
إنني أقول لكم ايها النصارى كعادتكم دائما تريدون أن تلبسوا الحق بالباطل وتكتموا الحق وانتم تعلمون .. أقول لكم تعالوا ننظر في الآيات التي اتيتم بها كاملة "ألَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ . الَّذِينَ آَمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ . لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآَخِرَةِ لَا تَبْدِيلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ" وهذه الآيات تفسيرها أن الله وعد المؤمنين به المطيعين له بالبشرى فى الدنيا بالإطمئنان والراحة وتثبيت الله لهم بنصره إياهم .. وفي الآخرة برضاه عنهم وفوزهم بالجنة.. وهذا وعد من الله لن يتغير ولن يتبدل
للمرة الثانية تريدون أن تلبسوا الحق بالباطل وتكتموا الحق وانتم تعلمون .. أقول لكم تعالوا ننظر في الآيات التي اتيتم بها كاملة "قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ الَّذِي يَقُولُونَ فَإِنَّهُمْ لَا يُكَذِّبُونَكَ وَلَكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآَيَاتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ. وَلَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ فَصَبَرُوا عَلَى مَا كُذِّبُوا وَأُوذُوا حَتَّى أَتَاهُمْ نَصْرُنَا وَلَا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ وَلَقَدْ جَاءَكَ مِنْ نَبَإِ الْمُرْسَلِينَ" .. أي أن الله ينصر رسله الصادقين جميعا وهذه هي كلمات الله التي لا مُبدل لها.
بالنسبة للآية "مَا نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْهَا أَوْ مِثْلِهَا أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ"
سأعطيك مثالا بسيطا .. إذا كنت تعمل كأستاذ في الجامعة وحضر الطلاب وكانوا في السنة الأولى التأهيلية في كلية الطب .. هل من العدل أن تقيم امتحان لمادة الباطنة مثلا قبل أن تبدأ بشرح المنهج المقرر بل وتجهيز الطالب لذلك بتدريس المواد المؤهلة لفهم تلك المادة؟ .. هل يمكنك من أول يوم في الدراسة .. أن تقول للطلبة الجدد هناك اليوم امتحان في الباطنة .. وهناك نجاح ورسوب بدون أن تشرح لهم شيئا؟ .. أظن أن كل من هو سوي السلوك يرفض هذا .. والنظام الصحيح هو أنك كلما تدرجت بالطلبة إلى مستوى معين يمكنك أن تضع لهم امتحانا يتناسب مع مستواهم العلمي وهذا ما طبقه القرآن بعد زيادة الإيمان عند المسلم وثبات عقيدته .. والتدرج في حب الله و خشيته .. وسنأخذ مثلا لنسخ الحكم .. وهو نسخ غير متضارب ولا متناقض ولكنه متدرج الحكم .. وهو الخمر في الإسلام من الكراهية إلى التحريم. وسنأخذ مثلا لنسئ الحكم " تأجيله" .. وهو حكم الزنا في الإسلام .. الذي أتى متدرجا .. بدأ بالمخفف مع ضعف عقيدة الناس .. حتى تزداد عقيدة المسلم ثباتا وترسيخا ... وانتهى بما يريده الله ويرى المسلم الحق أنه عدل وهو رجم المحصن الزاني وجلد غير المحصن الأعزب .. ونحن نعرف جميعا أن الزنا في الجاهلية كان منتشرا بلا رقيب والدلالة على ذلك ماكان يسمى بالأعلام الحمراء للزانيات.
لقد أتى الإسلام والمجتمع الجاهلي الوثني في ظلمات بعضها فوق بعض .. مجتمع لايحل حلالا ولايحرم حراما .. فكان لابد من التعامل مع هذا المجتمع معاملة الطبيب الماهر الذي يحافظ على مريضه .. وينصحه بإشفاق .. ليأخذ بيده من وسط الأمراض الفتاكة إلى الصحة والقوة .. وكذلك أتى الإسلام ليعلم ذلك المجتمع كيفية توحيد الله.. وعبادته هو وحده لاشريك له .. ثم يوضح فضل الله على العباد .. ليقيم رابطة الحب بين العبد وإلهه .. ثم يبين ما يحبه الله ليحبه العبد المسلم وما يبغضه الله ليبغضه العبد المسلم .. ثم بعد ذلك يعطي حكم الله وبذلك يكون العبد المسلم راضيا مقتنعا بعدل الله المالك لكل شيئ والمتصرف في كل شيئ.. وسنأخذ لذلك مثلين وهما كيف تعامل القرآن مع الخمر والزنا.
لننظر الآن إلى مراحل تحريم الخمر في الإسلام:
المرحلة الأولى: وهي تتضح في الآية رقم 67 من سورة النحل .. يقول القرآن “وَمِنْ ثَمَرَاتِ النَّخِيلِ وَالْأَعْنَابِ تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَكَرًا وَرِزْقًا حَسَنًا إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَةً لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ" .. حيث يوضح الله سبحانه وتعالى أنه أنعم على الخلق بثمرات النخيل والأعناب .. فمنهم من يحوله إلى المسكرات وهذا شيئ لايحبه الله .. ومنهم من يأكله طيبا حسنا وهذا يحبه الله .. وذلك كمثال أن أقول أعطيتك أموالا فأنفقتها أنت في الباطل والحق .. فأنا لاأرضى عن الباطل وأرضى عن الحق .. ولله المثل الأعلى.
المرحلةالثانية: وهي تتضح في الآية رقم 219 من سورة البقرة .. يقول القرآن "يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِمَا" .. حيث يوضح الله سبحانه وتعالى أن أضرار الخمر والميسر ومفاسدهما أكبر من نفعهما .. ولذلك فإنه من الواجب على كل صاحب عقل أن يقلع عنهما.
المرحلة الثالثة: وهي تتضح في الآية رقم 43 من سورة النساء .. يقول القرآن "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ".. حيث يوضح الله سبحانه وتعالى أنه من الواجب على كل مسلم أن لايقترب من الصلاة وهو سكران حتى يعقل ما يقول في صلاته .. وبما أن المسلم يصلي خمس صلوات في اليوم والليلة .. فإن المسلم يجب عليه الإقلاع عن شرب الخمر .. لأنه لن يجد وقتا يفيق فيه لأداء الصلاة المكتوبة.
المرحلة الرابعة: وهي تتضح في الآيتين رقم 89 - 90 من سورة المائدة .. يقول القرآن " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ . إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلَاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُون"َ .. حيث يقول الله تعالى للمؤمنين أن الخمر والميسر عمل سيئ ومن الأعمال التي توقع العداوة والشحناء بين الناس وتصدكم عن الصلاة وعن أن تذكروا الله .. فهلا انتهيتم .
ومن السابق يتضح أنه لا يوجد تعارض ولا تناقض بين الآيات .. فلم يقل الله "الخمر حلال ثم عاد وقال الخمر حرام عليكم" .. بل إن التعارض والتناقض هو ما نجده في الكتاب المقدس .. من حل للخمر في أعداد .. وتحريمها في أعداد .. وذمها في أعداد .. ثم مدحها في أعداد أخرى .. فأنت لا تعرف فيه حقا من باطلا .. وذلك لأن أيدي الكتبة قد تلاعبت به .
هل قال القرآن.. " وَحَقّاً إِنَّ الْخَمْرَ غَادِرَةٌ" حبقوق 2: 5
ثم أمرهم يسوع في الكتاب المقدس بشربها فى العشاء الأخير: "ثُمَّ تَنَاوَلَ كَأْساً وَشَكَرَ وَقَالَ: خُذُوا هَذِهِ وَاقْتَسِمُوهَا بَيْنَكُمْ لأَنِّي أَقُولُ لَكُمْ: إِنِّي لاَ أَشْرَبُ مِنْ نِتَاجِ الْكَرْمَةِ حَتَّى يَأْتِيَ مَلَكُوتُ اللهِ“ لوقا 22: 17-18.
ثم قال الكتاب المقدس "وَلاَ تَسْكَرُوا بِالْخَمْرِ الَّذِي فِيهِ الْخَلاَعَةُ، بَلِ امْتَلِئُوا بِالرُّوحِ " رسالة بولس إلى أفسس 5:
18 هذا ما قاله الكتاب المقدس ........ فأي حكم نصدق؟