الكتاب المقدس في الميزان
نتحدث في هذا الموضوع من خلال محاور رئيسيه:: و هي دعوى الإلهام و ما يتبعها ...ذكر التناقضات و الاختلافات ...النبؤات الموجودة و تقييمها ...ثم الخطاب اللغوي في الكتاب المقدس ..
* دعوى الإلهام :
مقدمه لا محيد عنها : إن التاريخ لم يحك عن أمة من الأمم أنها احتفت بآثار نبيها . و استقصتها و غربلتها . و وضعت أدق القوانين العلمية لقبولها . مثل ما فعل المسلمون بتراث نبيهم . من قول و فعل و تقرير ..و ليس في دين من الأديان و لا مذهب من المذاهب هذا الوزن العجيب للأسانيد و المرويات . و هذه المحاكمة المنصفة لما ينقل عن صاحب الرسالة ..و لكي يعرف القارئ أين يقع التناقض المنكر و لكي يستطيع المقارنة بين ألوان الكلام و ضروب الاعتقاد .أنقل هنا السطور الأولى من إنجيل يوحنا "في البدء كان الكلمة .و الكلمة كان عند الله. و كان الكلمة الله .هذا كان في البدء .عند الله كل شيء به كان .و بغيره لم يكن شئ مما كان " ...ثم قال .."كان النور الحقيقي الذي ينير كل إنسان آتياً إلى العالم كان في العالم . و كون العالم به و لم يعرفه العالم "..ثم قال .."الكلمة صار جسداً و حل بيننا .و رأينا مجده .مجداً كما لوحيد الأب مملوءاً نعمة و حقاً "
,اسمع لقول العزيز جل شأنه"سبح اسم ربك الأعلى .الذي خلق فسوى .والذي قدر فهدى .والذي أخرج المرعى ."..الأعلى أ .ه
شتان بين هذا وذاك – شتان بين ما هو من عند الله وما هو كلام الناس – شتان بين هذا وذاك في بلاغته وفى بيانه وفى فهمة وفى وضوحه
في النقاط التالية نذكر حقائق من الكتاب المقدس لدى المسيحيين ما يثبت به بطلان دعوى الإلهام (أي الوحي بالتنزيل )
يقولون أن الأناجيل كتبها التلاميذ بإرشاد من الروح القدس .و الروح القدس عصمهم من الخطأ كما يعتقدون ..
*إن أسفار موسى الخمسة التي تتصدر العهد القديم و تسمى التوراة خالية من أي ذكر عن البعث و الجزاء .خاليه من أي ترغيب في ألجنه أو ترهيب من النار. كأن مؤلفاً في رأس المال هو الذي وضع هذه التوراة .و هذا الإغفال كان له أثر في تفكير اليهود و إخلادهم إلى الأرض ..
*لابد لكون السفر سماوياً واجب التسليم أن يثبت أولاً بدليل تام أن هذا السفر كتب بواسطة النبي الفلاني .و وصل إلينا بعد ذلك بالسند المتصل بلا تغيير و لا تبديل .و الاستناد إلى شخص ذي الهام بمجرد الظن و الوهم لا يكفي في إثبات أنه من تصنيف ذلك الشخص و كذلك إدعاء فرقه أو فرق لا يكفي فيه ..
* إذا كان الملهم واحد و هو الروح القدس لماذا يختلف على نفسه و يناقض نفسه وينسى فى أحيان كثيرة و يملى ما هو مهم أوليس بمهم و ينسى ما هو أهم ..على سبيل المثال (التأريخ ـ الولادة ـ الصعود )
*الأسفار الـ (38) من العهد القديم كانت مسلمه عند جمهور قدماء المسيحيين . و السامريون لا يسلمون منها إلا بسبعة أسفار فقط .خمسة أسفار لموسي ثم القضاة و يوشع بن نون .. و تخالف نسخة توراتهم توراة اليهود العبرانيين ..تُرى لماذا؟؟..و الإجابة ببساطه أنها مشكوك في نسبتها إلى الله فهم لا يسلمون بها..*
*إن العهد القديم و الذي يطلق عليه كما درج التوراة لم يدون و يكتب إلا بعد موسي بحوالي تسعة قرون من الزمان و الأسباب معروفة (الأسر البابلي و تفرقهم في الأرض و ضياع النسخ الأصلية ) فكان عندهم أشياء توارثوها و آثاراً علموها كتبوها و خلطوا معها كثير من أهوائهم و ما تعرضوا له من أحداث بل و سطروا فيها مشاعرهم و أحقادهم و أضغانهم ..ثم نسبوا الكل لله أو لموسي ...
*سفر القضاة الذي هو السفر الثالث . فيه اختلاف عظيم ..لم يعلم مصنفه و لا زمان تصنيفه .قال بعضهم إنه تصنيف "فينحاس" و قال بعضهم إنه تصنيف "حزقيا" و على هذين القولين لا يكون هذا السفر إلهامياً أيضاً و قال بعضهم إنه تصنيف عزرا وقال آخرون تصنيف أرميا ..وبين عزرا و فينحاس (900) سنه و لو كان عندهم سند متصل ما وقعوا في هذا الاختلاف الفاحش. و هذه الأقوال كلها غير صحيحة عند اليهود و هم ينسبونه إلى صموئيل رجما بالغيب ..و نفس ما قيل عن سفر القضاة قيل عن سفر راعوث فهو لا يعد إلهامياً ..و نفسه أيضا قيل عن سفر نحميا ،أيوب [راجع كتاب إظهار الحق للعلامة رحمة الله الهندي ..و فيه مزيد عن كل سفر و الاختلاف الواقع في المصنفين له ] بما لا يدع مجالا للشك أن هذه الأسفار ليست إلهاميه بل هي تنتسب بالكاد لمن كتبوها .
*انعقد مجلس للعلماء المسيحيين بأمر الإمبراطور "قسطنطين" في بلدة نائس سنة 325 م ليتشاوروا في أمر سبعة أسفار مشكوك فيها ( باروخ ، طوبيا ، يهوديت ، وزدم ، إيكليزيا ، المكابين الأول والثاني) ويحققوا الأمر فحكم هؤلاء العلماء بعد المشاورة و التحقيق أن سفر يهوديت وحده منهم واجب التسليم ..
ثم انعقد مجلس آخر يسمى بمجلس "لوديسيا" سنة 364 م فأبقوا على حكم المجلس السابق . و زادوا على حكمهم سبعة أسفار أخرى و جعلوها واجبة التسليم و هي (استير ،رسالة يعقوب ،الثانية لبطرس ،الثانية و الثالثة ليوحنا ،رسالة يهوذا ،رسالة بولس إلى العبرانيين ) و أكدوا ذلك الحكم بالرسالة العامة ....و بقي سفر مشاهدات يوحنا في هذين المجلسين خارجاً عن الكتب المقدسة و مشكوكاً فيه ..
ثم انعقد مجلس آخر سنة397 م (كارتهيج) و كان من أهل هذا المجلس المشهور عندهم (اكستاين) بالإضافة إلى126 شخص فأبقوا حكم المجلسين السابقين و زادوا (وزدم ،طوبيا ، باروخ ، إيكليزيا ،المكابين الأول و الثاني ،مشاهدات يوحنا ) ...ثم انعقد بعد ذلك ثلاثة مجالس فأيدوا حكم المجالس السابقة ..و صارت الأسفار المشكوك فيها مسلمه بين جمهور المسيحيين .و بقيت هكذا إلى مدة 1200 سنه ..إلى أن ظهرت فرقة البروتوستانت فردوا حكم الأسلاف في موضوع الأسفار السبعة و قالوا إن هذه الأسفار واجبة الرد و غير مسلمه ....أرأيت أخي القارئ كيف يثبتون وينفون .يضيفون ويحذفون ..."فويل للذين يكتبون الكتاب بأيديهم ثم يقولون هذا من عند الله .ليشتروا به ثمناً قليلا فويل لهم مما كتبت أيديهم وويل لهم مما يكسبون " البقرة
* و في الأناجيـــل :
في دائرة المعارف الإنسانية التي كتبها "بوبى " فى بيان إنجيل متى هكذا" كُتب هذا الإنجيل في السنة 41 م باللسان العبراني .لكن الموجود منه الترجمة اليونانية .والتي توجد الآن باللسان العبراني فهي ترجمة الترجمة اليونانية .. و في التراجم العربية يكتبون هكذا (إنجيل متى إنجيل مرقس إنجيل لوقا إنجيل يوحنا) ..أي المنسوب إلى متى ،مرقس ،لوقا ،يوحنا ..لماذا لأن متى لم يوقع باسمه و كذلك الآخرون ..فهذه الكتب مؤلفوها مجهولون ...لذلك نقرر أنها لم تكتب بإلهام و ليست كلام الله . و لا كلام المسيح . و لاحتذى كلمات متى ، ومرقس ، ولوقا ، ويوحنا ..
بالإضافة إلى أن متى كتب في إنجيله (متى 9 :9) و فيما يسوع مجتاز من هناك رأى إنسانا جالساً عند مكان الجباية اسمه (متى ) فقال له "اتبعني "فقام و تبعه ..فواضح أن الكاتب الذي اسمه متى أيضا ليس هو متى الحواري الذي قام و تبع المسيح !!
*أيضاً صرح أحد علمائهم"جيروم" أن بعض العلماء المتقدمين كانوا يشكون في الإصحاح الأخير من إنجيل مرقس..و مرقس كما هو معلوم ليس من التلاميذ و كذلك لوقا ...و صرح أيضاً أن بعض القدماء كانوا يشكون في الإصحاح 22 من إنجيل لوقا .و بعض القدماء كانوا يشكون في الإصحاحين الأولين من هذا الإنجيل ...أنظر مقدمة إنجيل لوقا (لوقا 1 :1) "إذ كان كثيرون قد أخذوا بتأليف قصة في الأمور المتيقنة عندنا كما سلمها إلينا الذين كانوا منذ البدء معاينين و خداماً للكلمة .رأيت أنا أيضاً إذ قد تتبعت كل شيء من الأول بتدقيق .أن أكتب على التوالي إليك أيها العزيز "ثاوفيلس" لتعرف صحة الكلام الذي علمت به ...هذا المكتوب من لوقا إلى صديقه عُد إلهاماً و عُد كلام الله و ليس كلام كاتبه.
إن لوقا روى عن عيسى و هو لم يره و الحديث الذي يروى عندنا بهذه الصفة لا نعترف بقيمته العلمية و لا التاريخية ..لقد رد علماء المسلمين أحاديث كثيرة نسبت إلى رسولهم.و هذه الأحاديث المردودة لضعف في سندها أو متنها تعتبر أقوى من التراث الرائج بين اليهود و النصارى ...
ذكر بنيامين بنكرتن في تفسيره لإنجيل (لوقا) [ على الرغم أن لوقا ليس من تلاميذ المسيح
بل من تلاميذ بولس ].أنه كان وعاء للوحي .وأهلاً لهذا الوحي..
وأنا أسأل :كيف عرف ذلك.وكيف يصدقه؟ :ما هو المقياس وما هي القواعد في الشخص أو في كلامه يثبت أن ذلك يوحى إليه .أو كلامه موحى به ؟؟
أضرب لذلك مثلاً: إذا قلت لأحد النصارى وهو يكلمني. فقلت له لست أنا الذي يكلمك ولكن البر والصلاح الذي بداخلي هو يكلمك. أكان مصدقي هو فيما أدعيه .ولو لم يصدق هل أستطيع أن أقيم دليل على ما أزعم؟ ..كذلك أنا أطالبهم أن يقيموا دليلاً على أن الروح هو
الذي حدثهم.وأوحى بهذا الكلام لهم . كما ادعى بولس:" أظن أنا أيضاً عندي روح الله "
(كو 1 ـ 7 :40)
كذلك لم يثبت بالسند الكامل أن الإنجيل المنسوب إلى يوحنا هو من تصنيفه بل هناك أمور عديدة تدل على خلاف ذلك ...في مجلة (كاثوليك هرلد) هكذا :كتب استادلين في كتابه أن كاتب إنجيل يوحنا طالب من طلبة المدرسة الإسكندرية بلا ريب ...و قال المحقق (برطشنيدر ) إن هذا الإنجيل كله و كذا رسائل يوحنا ليست من تصنيفه بل صنفها أحد في ابتداء القرن الثاني ...
و دليل أيضاً على عدم نسبة الإنجيل إلى الحواري يوحنا (يوحنا21 :24) و نلاحظ هنا أن يوحنا هو الذي يكتب "هذا هو التلميذ الذي يشهد بهذا و كتب هذا و يعلم أن شهادته حق " فقال في حق يوحنا "هذا هو " بضمير الغائب و قال في حقه "و يعلم " على صيغة المتكلم أي يعلم هو . فعلم أن كاتبه غير يوحنا .و الظاهر أن هذا الغير وجد شيئاً من مكتوبات يوحنا فنقل عنه مع زيادة ونقصان ..
و المعتقد الحق لهذه الأناجيل أنها من تصنيف أصحابها فعليه أن يقيم الدليل على ذلك و يثبتوه .و التحدي قائم لإثبات السند المتصل
إن (سلسوس) من علماء المشركين الوثنيين كان يصيح في القرن الثاني : بأن المسيحيين بدلوا أناجيلهم ثلاث أو أربع مرات .بل أزيد من هذا تبديلا كأن مضامينها بدلت ...و أن (فاستس ) الذي هو من أعظم علماء فرقة (ماني كيز ) كان يصيح فى القرن الرابع :هذا الأمر محقق هو أن العهد الجديد ما صنفه المسيح و لا الحواريون .بل صنفه رجل مجهول الاسم .و نسبه إلى الحواريين و رفقاء الحواريين ليعتبره الناس ..آذى المريدين لعيسى إيذاءً بليغاً بأن ألف الكتب التي فيها الأغلاط و التناقضات ,, قال (هورن) في المجلد الرابع من تفسيره"الحالات التي وصلت إلينا
فى باب زمان تأليف الأناجيل من قدماء مؤرخي الكنيسة ناقصة و لا توصلنا إلى أمر معين .و مشايخ القدماء الأولون صدقوا الروايات الواهية و كتبوها و قبِل الذين جاءوا من بعدهم كتاباتهم تعظيماً لهم و هذه الروايات الصادقة و الكاذبة وصلت من كاتب إلى كاتب آخر و تعذر تنقيحها بعد انقضاء المدة ....
عند جمهور المحققين أن الرسالة إلى العبرانيين ؛ الرسالة الثانية لبطرس ؛الثانية و الثالثة ليوحنا ؛رسالة يعقوب ؛رسالة يهوذا ؛مشاهدات يوحنا .إسنادهم إلى الحواريين بلا حجه .و كان مشكوكاً فيهم إلى سنة363 م . و بعض الفقرات المذكورة مردودة و غلط ..
و قال ("هورن) "لا توجد في الترجمة السريانية الرسالة الثانية لبطرس و رسالة يهوذا .و الرسالة الثانية و الثالثة ليوحنا و مشاهدات يوحنا و من إنجيل يوحنا الإصحاح ( 8 :2ـ11 ) .و مترجم الترجمة السريانية أسقط هذه الأشياء لعدم صحتها عنده ..
*يضاف إلى كونها ليست إلهامية الأسباب الآتية : الاختلافات و التناقضات في التوراة و الإنجيل .