= الأدلة على تحريف الإنجيل
أما إنكار هذا " المنشور التنصيري" في الفصل الأول حدوث تحريف للإنجيل ..فإننا سنتبع ذات المنهج " المنطقي " والموضوعي الاستقرائي " إقامة الأدلة – وليس الدليل الواحد – على حدوث التحريف – بل والتحريفات – للإنجيل ..وسنقدم على ذلك نماذج من الأدلة – مجرد نماذج- مراعاة للمقام .
الدليل الأول
لقد جاء المسيح – عليه السلام – بإنجيل – أي بشارة بشر بها باللغة الآرامية – فأين هو هذا الإنجيل ؟ ..إنجيل المسيح؟..
إن العالم كله ن بجميع كنائسه ..وبكل مذاهب النصرانية فيه ..لا يملك نسخة واحدة من هذا الإنجيل ..إنجيل المسيح – عليه السلام -.
وما لدى كل الكنائس المسيحية هي أناجيل لا يُنسب واحد منها إلى المسيح ..وإنما هي " سير " و" قصص" كتبها كتاب متعددون ومختلفون ، ودونوا فيها ما سمعه كل واحد منهم عن ظهور المسيح ، وما تحدث به ، وما حدث له ،من هنا فإن الإنجيل الذي جاء به المسيح ..والذي تحدث عنه القرآن الكريم باعتباره ذكرا أنزله الله ..وفيه هدى ونور ( وءاتيناه الإنجيل فيه هدى ونور ) " المائدة 46"
والذي يطلب من النصارى أن يقيموا أحكامه : ( وليحكم أهل الإنجيل بما أنزل الله )" المائدة 47"
هذا الإنجيل لا وجود له لدى أي كنيسة من كنائس النصرانية ..ولا لدى أي نصراني في هذا العالم.
والدليل الثاني :
إن الأناجيل الأربعة المشهورة ، والمعتمدة لدى الكنائس النصرانية الكبرى المعاصرة ، اثنان منها كتبهما اثنان من الجيل التالي لجيل المسيح – أي من تابعي صحابة المسيح ..فمرقس تلميذ لبطرس – الحواري - ..ولوقا تلميذ لبولس فليس شاهدين على ما كتبا!
والإنجيل الثالث – إنجيل يوحنا – الذي تفرد بتأليه المسيح- ترجح الدراسات المستندة إلى النقد الداخلي لنصوصه – أنه قد كتب بواسطة يوحنا آخر- غير يوحنا الحواري في نهاية القرن الأول الميلادي .
فنحن أمام ثلاثة أناجيل – من أربعة – لا علاقة لها بعصر المسيح !
والدليل الثالث
إننا إذا نظرنا في افتتاحية إنجيل لوقا – الإصحاح الأول :1-4 فنقرأ قول لوقا – تلميذ بولس- : " إذا كان كثيرون قد أخذوا بتأليف قصة في الأمور المتيقنة عندنا ، كما سلمها إلينا الذين كانوا منذ البدء معاينين وخداما للكلمة ، رأيت أنا ايضا إذ قد تتبعت كل شئ من الأول بتدقيق أن أكتب على التوالي إليك ايها العزيز ثاوفليس ، لتعرف صحة الكلام الذي علمت به " .
فنحن أمام نصر يقول لنا : " إن كثيرين – وليسوا اربعة فقط – قد ألفوا أناجيل كثيرة ، هي قصص عن ما سلمه الذين عاينوا ..ولوقا هذا قد كتب قصته – إنجيله – ليصحح الكلام ، الذي كتبه الكثيرون من كتاب الأناجيل الكثيرة ! ...وادعى أنه هو الذي تتبع كل شئ من الأول بتدقيق – رغم أنه من " التابعين " وليس من صحابة المسيح – عليه السلام –
وإذا كان كلام الله إنما يستحق هذا الوصف – كلام الله – عندما يكون وحيا مباشرا لم يدخل فيه التأليف البشري والإبداع الإنساني ..فإن هذه الأناجيل التي كتبها بشر والتي حفلت بالعديد من الاختلافات والتناقضات – كما ستأتي الإشارات إلى ذلك – لا يمكن أن تكون وحيا إلهيا ولا أن تكون نص كلام الله ..وإلا لجاز لنا – في الإسلام – أن نطلق وصف " الوحي " و " كلام الله " على آلاف الكتب التي ألفت في سيرة رسولنا – عليه الصلاة والسلام- !
والدليل الرابع : هو شهادة شاهد من أهلها على حدوث الاختلافات والتحريفات والتناقضات – وحتى الشكوك في حقيقة كتّاب هذه الأناجيل - ..
فلقد جاء في ( دائرة المعارف البريطانية ) – وهي أوثق وأشهر دوائر المعارف في العالم المسيحي – جاء عن هذه الأناجيل الأربعة :
أ – إنجيل متى :" إن كون متى هو مؤلف هذا الإنجيل أمر مشكوك فيه بجد ..ومن المسلم به أن متى قد اعتمد في كتابة إنجيله على إنجيل مرقس، أول الأناجيل تأليفا حيث حوى 600 عدد من أعداد إنجيل مرقس البالغة 621 عددا، أي 90% من محتويات إنجيل مرقس.
والسؤال الذي يتبادر إلى الذهن : كيف يعتمد متى ،وهو حواري المسيح الذي لازمه منذ البداية – منذ بداية دعوته- على إنجيل كتبه مرقس ، وهو تلميذ الحواري بطرس، أي من الجيل الثاني من أتباع المسيح؟!
ب – إنجيل مرقس: تقول عنه الموسوعة البريطانية : " في أفضل المخطوطات ، فإن الأعداد من 9 إلى 20 تعتبر عموما إضافات متأخرة ..والأعداد الأخيرة – 16:9-20 غير موجودة في بعض المخطوطات ، ويوجد عوضا عنها مقاطع أقصر في مخطوطات أخرى ، وهناك خلاف حول تأليف مرقس لهذا الجزء"
ج – إنجيل لوقا : تقول عنه الموسوعة البريطانية : " إن مؤلف هذا الإنجيل يظل مجهولا "
د – إنجيل يوحنا : وهو الإنجيل الوحيد الذي نص بكل صراحة على ألوهية عيسى ،حيث نقل عن عيسى أنه قال : " أنا والآب واحد " – يوحنا 10:30،" الذي رآني فقد رأى الآب" –يوحنا 14:9، " أنا في الآب والآب فيّ" – يوحنا 14:10.
ويعارض هذا الإنجيل مع الأناجيل الأخرى في أمور مهمة جدا وحاسمة ، فهو يذكر أن المسيح صلب يوم 14 نيسان – ( إبريل)- بينما يفهم من بقية الأناجيل أن الصلب كان يوم 15 نيسان ، ولا يذكر يوحنا في إنجيله تفاصيل رواية القربان المقدس- أو العشاء الأخير – التي أصبحت فيما بعد شعيرة من شعائر المسيحية ، ولا يذكر أن المسيح تعمّد بواسطة يوحنا المعمدان ، وفي حين يفهم من إنجيل يوحنا أن رسالة المسيح استغرقت ثلاثة أعوام ، فإنه يفهم من الأناجيل الأخرى أنها استغرقت عاما واحدا
ويوحنا هو الوحيد الذي ذكر أن عيسى أخبر تلاميذه ، قبل صلبه أنه سيرسل الفارقليط وهذه الاختلافات المهمة – وغيرها كثير – جعلت الموسوعة البريطانية تورد قول الأسقف " بابياس " – المتوفى سنة 130م- أي المعاصر لكتابة الأناجيل – عن وجود أكثر من يوحنا – يوحنا بن زيدي ، الحواري..ويوحنا آخر ، هو الكاهن في أفسس
وفي داخل الإنجيل يفهم أنه كتب بواسطة حواري محبوب مجهول الاسم
وبما أن الشواهد الداخلية والخارجية مشكوك فيها ،فإن الفرضية المطروحة لهذا العمل هي : أن إنجيل يوحنا ورسائله حررت في مكان ما في الشرق، ربما في أفسس ، كإنتاج لمدرسة أو دائرة متأثرة بيوحنا في نهاية القرن الأول الميلادي .