فأما التحدي المعجز ..والإعجاز المتحدي:
{الم (1) ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ (2)} ( البقرة)
{وَإِنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيزٌ (41) لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ (42)} ( فصلت).
{إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ (9)} (الحجر).
{إِنَّهُ لَقُرْآَنٌ كَرِيمٌ (77) فِي كِتَابٍ مَكْنُونٍ (78) لَا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ (79) تَنْزِيلٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ (80)}( الواقعة ).
{أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآَنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا (82)}(النساء).
{وَمَا كَانَ هَذَا الْقُرْآَنُ أَنْ يُفْتَرَى مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلَكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ الْكِتَابِ لَا رَيْبَ فِيهِ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ (37) أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِثْلِهِ وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (38)}(يونس).
{أَمْ يَقُولُونَ تَقَوَّلَهُ بَلْ لَا يُؤْمِنُونَ (33) فَلْيَأْتُوا بِحَدِيثٍ مِثْلِهِ إِنْ كَانُوا صَادِقِينَ (34)} (الطور).
{الم (1) تَنْزِيلُ الْكِتَابِ لَا رَيْبَ فِيهِ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ (2) أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ بَلْ هُوَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ لِتُنْذِرَ قَوْمًا مَا أَتَاهُمْ مِنْ نَذِيرٍ مِنْ قَبْلِكَ لَعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ (3)} ( السجدة).
{أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُوا بِعَشْرِ سُوَرٍ مِثْلِهِ مُفْتَرَيَاتٍ وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (13) فَإِنْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَكُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّمَا أُنْزِلَ بِعِلْمِ اللَّهِ وَأَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَهَلْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ (14)} ( هود).
{وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ وَادْعُوا شُهَدَاءَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (23) فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا وَلَنْ تَفْعَلُوا فَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ (24)} ( البقرة).
وأمام هذا التحدي المعجز والإعجاز المتحدي دائما وأبدا خشعت ملكات الفصاحة والبلاغة والبيان لدى البشر – كل البشر فقالت إن هذا القرآن ليس قول بشر وإنما هو كلام الله ..
فأبو عبد شمس ، الوليد بن المغيرة بن عبد اله بن عمرو بن مخزوم " 95 ق.هـ - 1.هـ 530 – 6622) – وهو من زعماء قريش وزنادقتها ومن قضاة العرب في الجاهلية والملقب بالعدل لأنه كانعدل قريش كلها قال عندما سمع من رسول الله – صلى الله عليه وسلم – سورة غافر:" والله لقد سمعت من محمد كلاما آنفا ما هو من كلام الإنس ولا من كلام الجن.
والله ما هو بكاهن فقد رأينا الكهان فما هو بزمزمة الكاهن ولا سجعه .
ووالله ما هو بمجنون فقد رأينا الجنون وعرفناه فما هوبخنقه ولا تخالجه ولا وسوسته.
ووالله ما هو بشاعر فقد عرفنا الشعر كله رجزهوهزجه وقريضه ومقبوضه ومبسوطه فما هو بشاعر.
ووالله ما هو بساحر فقد رأينا السحار وسحرهم فما هو بنفثه ولا عقده .
والله إن لقوله حلاوة وإن عليه طلاوة وإن أصله لمغدق وإن فرعه لمثمر وإنه يعلو ولا يعهلى عليه وما أنتم " يا معشر قريشض" بقائلين فيه من هذا شيئا إلا وأنا أعرف أنه باطل".
* كما شهد عتبة بن ربيعة بن عبد شمس أبو الوليد "2هـ 624م" وهو من سادة الشرك بمكة لهذا القرآن المعجز فقال " لقد سمعت من محمد قولا والله ما سمعت مثله قط والله ما هو بالشعر ولا بالسحر ولا بالكهانة ووالله ليكونن لهذا الذي سمعت نبأ عظيم".
* ولقد ظل هذا الإعجاز القرآني متحديا وظلت هذه المعجزة القرآنية متفردة حتى شهد لها الشهود في عصرنا الحديث وواقعنا المعاصر.
فالدكتور طه حسين "1306-1393هـ/1889-1973م" وهو أحد أبرز بلغاء العصر والخبراء في صناعة الفصاحة والبيان شهد بأن هذا القرآن لا علاقة له بصناعة البشر وأنه متفرد بكونه من عند الله فقال : لقد قلت في بعض أحاديثي عن نشأة النثر عند العرب.
إن القرآن ليس شعرا ولا نثرا وإنما هو قرآن له مذاهبه وأساليبه الخاصة في التعبير والتصوير والأداء.
فيه من قيود الموسيقى ما يخيل لأصحاب السذاجة أنه شعر وفيه من قيود القافية ما يخيل إليهم أنه سجع وفيه من الحرية والانطلاق والترسل ما يخيل إلى بعض أصحاب السذاجة الآخرين أنه نثر.
ومن أجل هذا خدع المشركون من قريش فقالوا : إنه شعر وكذبوا في ذلك تكذيبا شديدا ومن أجل هذا خدع كذلك بعض المتتبعين لتاريخ النثر فظنوا أنه أول النثر العربي وتكذيبهم الحقائق الواقعة تكذيبا شديدا فلو قد حاول بعض الكتاب الثائرين وقد حاول بعضهم أن يأتوا بمثله لما استطاعوا إلا أن يأتوا بما يضحك ويثير السخرية ".
* وتحدث سعد زغلول باشا" 1273-1346هـ/1857-1927/" وهو ابن الأزهر الشريف..وتلميذ الأفغاني "1254-1314/1838-1898م" ومحمد عبده عن هذا الإعجاز القرآني فقال : " لقد تحدى القرآن أهل البيان في عبارات قارعة محرجة ولهجة واخزة مرغمة أن يأتوا بمثله أو سورة منه فما فعلوا ولو قدروا ما تأخروا لشدة حرصهم على تكذيبه ومعارضته بكل ما ملكت أيمانهم واتسع له إمكانهم ..فهذا العجز الوضيع بد ذلك التحدي الصارخ هو أثر تلك القدرة الفائقة وهذا السكوت الذليل بعد ذلك الاستفزاز الشامخ هو أثر ذلك الكلام العزيز"
* كما شهد المستشرق الإنجليزي والقسيس الأنجليكاني" مونتجمري وات" (1909 -2006م) بعد خمسة وثلاثين عاما في دراسة القرآن والإسلام واللغة العربية ، وبعد إنجاز دراساته العليا في الفلسفة الإسلامية وتأليفه العديد من الكتب في الإسلام وتاريخه وحضارته – شهد بأن القرآن هو وحي الله المباشر إلى محمد ، وأنه الآية الإلهية المعجزة لكل البشر المستحيلة على المحاكاة والتقليد ، ودعا اليهود والنصارى إن كانوا أوفياء حقا لحقيقة اليهودية والنصرانية إلى الإيمان بهذا القرآن ..كما أعلن مونتجمري وات أن التحريف قد لحق بالتوراة والأناجيل ، بينما ظل القرآن محفوظا من التحريف والتغيير والتبديل..
نعم أعلن مونتجمري وات وهو القسيس ابن القسيس الذي خدم في كنائس لندن وأدينبره والقدس ذلك فقال :"إن الوحي الإسلامي لابد من تناوله بجدية ".
إن القرآ، صادر عن الله وبالتالي فهو وحي وليس كلام محمد بأي حال من الأحوال ولا هو نتاج تفكيره وإنما هو كلام الله وحده ، قصد به مخاطبة محمد ومعاصريه ، ومن هنا فإن محمدا ليس أكثر من رسول اختاره الله لحمل هذه الرسالة إلى أهل مكة أولا ثم لكل العرب ، ومن هنا فهو قرآن عربي مبين .
وهناك إشارات في القرآن إلى أنه موجه للجنس البشري قاطبة ، وقد تأكد ذلك عمليا بانتشار الإسلام في العالم كله ، وقبله بشر من كل الأجناس تقريبا ..إن القرآن يحظى بقبول واسع بصرف النظر عن لغته ، لأنه يتناول القضايا الإنسانية .
إننا نؤمن بصدق محمد وإخلاصه عندما يقول : إن كلمات القرآن ليست نتيجة أي تفكير واع منه .
إن القرآن لا ينبغي النظر إليه باعتباره نتاج عبقرية بشرية .
وإن التجربة النبوية مع الوحي يمكن إيجاز ملامحها الرئيسية فيما يلي:
1 – محمد يشعر وهو في حالة وعي أن هناك كلمات بعينها تلقي في روعه أو تحضر في قلبه أو عقله الواعي.
2 – وأن هذه الكلمات والأفكار لم تكن أبدا نتيجة أي تفكير واع من جانبه.
3 – وأنه يعتقد أن هذه الكلمات التي ألقت في روعه من قبل مندوب أو مبعوث خارجي يتحدث إليه كَمَلَك.
4 – إنه يعتقد أن هذه الرسالة قادمة من الله – تعالى – وعندما تحدى محمد أعداءه بأن يأتوا بسورة من مثل السور التي أوحيت إليه كان من المفترض أنهم لن يستطيعوا مواجهة التحدي ، لأن السور التي تلاها محمد هي من عند الله ، وما كان لبشر أن يتحدى الله ، وليس من شك في أنه ليس من قبيل الصدفة أيضا أن كلمة " آية " تعني علامة على القدرة الإلهية وتعني أيضا فقرة من الوحي .
وعندما تمت كتابة هذا الوحي شكل النص القرآني الذي بين أيدينا ..
وفي الحديث عن جمع القرآن نجد أن كلمة ( جمع ) قد استخدمت في آيات قرآنية مهمة :
{ا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ (16) إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآَنَهُ (17) فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآَنَهُ (18) ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ (19)} ( القيامة).
ومن الممكن أن يكون التفسير الطبيعي لهذه الآيات : أن محمدا ما دام يتبع تلاوة ما يتلوه عليه جبريل فإن اله متكفل بجمع الآيات المتفرقة أو التي أوحى بها في أوقات مختلفة ليجعلها في سياق واحد .
وإذا لم يكن محمد هو الذي رتب القرآن بناء على وحي نزل عليه ، فمن الصعب أن نتصور أن زيد بن ثابت"11 ق.هـ - 45 هـ /611 -665/" أو أي مسلم آخر يقوم بهذا العمل ومن هنا فإن كثيرا من السور قد اتخذت شكلها الذي هي عليه منذ أيام محمد نفسه.
إن القرآن كان يسجل فور نزوله وقد جمع رسميا " سنة 30هـ سنة 650م"
ولو احتفظ يهود العصر ومسيحيوه بيهوديتهم ومسيحيتهم في حالة نقاء لاعترفوا بالرسالة التي ألقاها الله غليهم عن طريق محمد تماما كما فعل ورقة بن نوفقل " 12ق.هـ/611م" الذي أفادت الروايات أن استجابته كانت إيجابية لمحمد.
ومن هنا يمكن أن نقول إن إشارات القرآن إلى تحريف لحق اليهودية والمسيحية بصورتهما الموجودة في أيامه " أيام محمد " قول صحيح.
إن القرآن يؤكد أن الإسلام هو دين مطابق لدين إبراهيم الخالص وثمة ما يؤكد أن الإسلام كان بمثابة مستودع لدين إبراهيم في حالة نقائه الأولى.
هكذا شهدت ملكات الفصاحة والبلاغة والبيان وملكات الفكر والمنطق والعقلانية في المحيط العربي وخارجه من المسلمين وغير المسلمين للإعجاز القرآني المتحدي على امتداد عمر الإسلام منذ أن نزل الوحي بهذا القرآن وحتى هذا العصر الذي نعيش فيه.
فهل يصح بعد هذا أن يقول كاتب هذا المنشور التنصيري : إن محمدا لم يأت بمعجزة !
{الم (1) ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ (2)} ( البقرة)
{وَإِنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيزٌ (41) لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ (42)} ( فصلت).
{إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ (9)} (الحجر).
{إِنَّهُ لَقُرْآَنٌ كَرِيمٌ (77) فِي كِتَابٍ مَكْنُونٍ (78) لَا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ (79) تَنْزِيلٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ (80)}( الواقعة ).
{أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآَنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا (82)}(النساء).
{وَمَا كَانَ هَذَا الْقُرْآَنُ أَنْ يُفْتَرَى مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلَكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ الْكِتَابِ لَا رَيْبَ فِيهِ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ (37) أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِثْلِهِ وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (38)}(يونس).
{أَمْ يَقُولُونَ تَقَوَّلَهُ بَلْ لَا يُؤْمِنُونَ (33) فَلْيَأْتُوا بِحَدِيثٍ مِثْلِهِ إِنْ كَانُوا صَادِقِينَ (34)} (الطور).
{الم (1) تَنْزِيلُ الْكِتَابِ لَا رَيْبَ فِيهِ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ (2) أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ بَلْ هُوَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ لِتُنْذِرَ قَوْمًا مَا أَتَاهُمْ مِنْ نَذِيرٍ مِنْ قَبْلِكَ لَعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ (3)} ( السجدة).
{أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُوا بِعَشْرِ سُوَرٍ مِثْلِهِ مُفْتَرَيَاتٍ وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (13) فَإِنْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَكُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّمَا أُنْزِلَ بِعِلْمِ اللَّهِ وَأَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَهَلْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ (14)} ( هود).
{وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ وَادْعُوا شُهَدَاءَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (23) فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا وَلَنْ تَفْعَلُوا فَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ (24)} ( البقرة).
وأمام هذا التحدي المعجز والإعجاز المتحدي دائما وأبدا خشعت ملكات الفصاحة والبلاغة والبيان لدى البشر – كل البشر فقالت إن هذا القرآن ليس قول بشر وإنما هو كلام الله ..
فأبو عبد شمس ، الوليد بن المغيرة بن عبد اله بن عمرو بن مخزوم " 95 ق.هـ - 1.هـ 530 – 6622) – وهو من زعماء قريش وزنادقتها ومن قضاة العرب في الجاهلية والملقب بالعدل لأنه كانعدل قريش كلها قال عندما سمع من رسول الله – صلى الله عليه وسلم – سورة غافر:" والله لقد سمعت من محمد كلاما آنفا ما هو من كلام الإنس ولا من كلام الجن.
والله ما هو بكاهن فقد رأينا الكهان فما هو بزمزمة الكاهن ولا سجعه .
ووالله ما هو بمجنون فقد رأينا الجنون وعرفناه فما هوبخنقه ولا تخالجه ولا وسوسته.
ووالله ما هو بشاعر فقد عرفنا الشعر كله رجزهوهزجه وقريضه ومقبوضه ومبسوطه فما هو بشاعر.
ووالله ما هو بساحر فقد رأينا السحار وسحرهم فما هو بنفثه ولا عقده .
والله إن لقوله حلاوة وإن عليه طلاوة وإن أصله لمغدق وإن فرعه لمثمر وإنه يعلو ولا يعهلى عليه وما أنتم " يا معشر قريشض" بقائلين فيه من هذا شيئا إلا وأنا أعرف أنه باطل".
* كما شهد عتبة بن ربيعة بن عبد شمس أبو الوليد "2هـ 624م" وهو من سادة الشرك بمكة لهذا القرآن المعجز فقال " لقد سمعت من محمد قولا والله ما سمعت مثله قط والله ما هو بالشعر ولا بالسحر ولا بالكهانة ووالله ليكونن لهذا الذي سمعت نبأ عظيم".
* ولقد ظل هذا الإعجاز القرآني متحديا وظلت هذه المعجزة القرآنية متفردة حتى شهد لها الشهود في عصرنا الحديث وواقعنا المعاصر.
فالدكتور طه حسين "1306-1393هـ/1889-1973م" وهو أحد أبرز بلغاء العصر والخبراء في صناعة الفصاحة والبيان شهد بأن هذا القرآن لا علاقة له بصناعة البشر وأنه متفرد بكونه من عند الله فقال : لقد قلت في بعض أحاديثي عن نشأة النثر عند العرب.
إن القرآن ليس شعرا ولا نثرا وإنما هو قرآن له مذاهبه وأساليبه الخاصة في التعبير والتصوير والأداء.
فيه من قيود الموسيقى ما يخيل لأصحاب السذاجة أنه شعر وفيه من قيود القافية ما يخيل إليهم أنه سجع وفيه من الحرية والانطلاق والترسل ما يخيل إلى بعض أصحاب السذاجة الآخرين أنه نثر.
ومن أجل هذا خدع المشركون من قريش فقالوا : إنه شعر وكذبوا في ذلك تكذيبا شديدا ومن أجل هذا خدع كذلك بعض المتتبعين لتاريخ النثر فظنوا أنه أول النثر العربي وتكذيبهم الحقائق الواقعة تكذيبا شديدا فلو قد حاول بعض الكتاب الثائرين وقد حاول بعضهم أن يأتوا بمثله لما استطاعوا إلا أن يأتوا بما يضحك ويثير السخرية ".
* وتحدث سعد زغلول باشا" 1273-1346هـ/1857-1927/" وهو ابن الأزهر الشريف..وتلميذ الأفغاني "1254-1314/1838-1898م" ومحمد عبده عن هذا الإعجاز القرآني فقال : " لقد تحدى القرآن أهل البيان في عبارات قارعة محرجة ولهجة واخزة مرغمة أن يأتوا بمثله أو سورة منه فما فعلوا ولو قدروا ما تأخروا لشدة حرصهم على تكذيبه ومعارضته بكل ما ملكت أيمانهم واتسع له إمكانهم ..فهذا العجز الوضيع بد ذلك التحدي الصارخ هو أثر تلك القدرة الفائقة وهذا السكوت الذليل بعد ذلك الاستفزاز الشامخ هو أثر ذلك الكلام العزيز"
* كما شهد المستشرق الإنجليزي والقسيس الأنجليكاني" مونتجمري وات" (1909 -2006م) بعد خمسة وثلاثين عاما في دراسة القرآن والإسلام واللغة العربية ، وبعد إنجاز دراساته العليا في الفلسفة الإسلامية وتأليفه العديد من الكتب في الإسلام وتاريخه وحضارته – شهد بأن القرآن هو وحي الله المباشر إلى محمد ، وأنه الآية الإلهية المعجزة لكل البشر المستحيلة على المحاكاة والتقليد ، ودعا اليهود والنصارى إن كانوا أوفياء حقا لحقيقة اليهودية والنصرانية إلى الإيمان بهذا القرآن ..كما أعلن مونتجمري وات أن التحريف قد لحق بالتوراة والأناجيل ، بينما ظل القرآن محفوظا من التحريف والتغيير والتبديل..
نعم أعلن مونتجمري وات وهو القسيس ابن القسيس الذي خدم في كنائس لندن وأدينبره والقدس ذلك فقال :"إن الوحي الإسلامي لابد من تناوله بجدية ".
إن القرآ، صادر عن الله وبالتالي فهو وحي وليس كلام محمد بأي حال من الأحوال ولا هو نتاج تفكيره وإنما هو كلام الله وحده ، قصد به مخاطبة محمد ومعاصريه ، ومن هنا فإن محمدا ليس أكثر من رسول اختاره الله لحمل هذه الرسالة إلى أهل مكة أولا ثم لكل العرب ، ومن هنا فهو قرآن عربي مبين .
وهناك إشارات في القرآن إلى أنه موجه للجنس البشري قاطبة ، وقد تأكد ذلك عمليا بانتشار الإسلام في العالم كله ، وقبله بشر من كل الأجناس تقريبا ..إن القرآن يحظى بقبول واسع بصرف النظر عن لغته ، لأنه يتناول القضايا الإنسانية .
إننا نؤمن بصدق محمد وإخلاصه عندما يقول : إن كلمات القرآن ليست نتيجة أي تفكير واع منه .
إن القرآن لا ينبغي النظر إليه باعتباره نتاج عبقرية بشرية .
وإن التجربة النبوية مع الوحي يمكن إيجاز ملامحها الرئيسية فيما يلي:
1 – محمد يشعر وهو في حالة وعي أن هناك كلمات بعينها تلقي في روعه أو تحضر في قلبه أو عقله الواعي.
2 – وأن هذه الكلمات والأفكار لم تكن أبدا نتيجة أي تفكير واع من جانبه.
3 – وأنه يعتقد أن هذه الكلمات التي ألقت في روعه من قبل مندوب أو مبعوث خارجي يتحدث إليه كَمَلَك.
4 – إنه يعتقد أن هذه الرسالة قادمة من الله – تعالى – وعندما تحدى محمد أعداءه بأن يأتوا بسورة من مثل السور التي أوحيت إليه كان من المفترض أنهم لن يستطيعوا مواجهة التحدي ، لأن السور التي تلاها محمد هي من عند الله ، وما كان لبشر أن يتحدى الله ، وليس من شك في أنه ليس من قبيل الصدفة أيضا أن كلمة " آية " تعني علامة على القدرة الإلهية وتعني أيضا فقرة من الوحي .
وعندما تمت كتابة هذا الوحي شكل النص القرآني الذي بين أيدينا ..
وفي الحديث عن جمع القرآن نجد أن كلمة ( جمع ) قد استخدمت في آيات قرآنية مهمة :
{ا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ (16) إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآَنَهُ (17) فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآَنَهُ (18) ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ (19)} ( القيامة).
ومن الممكن أن يكون التفسير الطبيعي لهذه الآيات : أن محمدا ما دام يتبع تلاوة ما يتلوه عليه جبريل فإن اله متكفل بجمع الآيات المتفرقة أو التي أوحى بها في أوقات مختلفة ليجعلها في سياق واحد .
وإذا لم يكن محمد هو الذي رتب القرآن بناء على وحي نزل عليه ، فمن الصعب أن نتصور أن زيد بن ثابت"11 ق.هـ - 45 هـ /611 -665/" أو أي مسلم آخر يقوم بهذا العمل ومن هنا فإن كثيرا من السور قد اتخذت شكلها الذي هي عليه منذ أيام محمد نفسه.
إن القرآن كان يسجل فور نزوله وقد جمع رسميا " سنة 30هـ سنة 650م"
ولو احتفظ يهود العصر ومسيحيوه بيهوديتهم ومسيحيتهم في حالة نقاء لاعترفوا بالرسالة التي ألقاها الله غليهم عن طريق محمد تماما كما فعل ورقة بن نوفقل " 12ق.هـ/611م" الذي أفادت الروايات أن استجابته كانت إيجابية لمحمد.
ومن هنا يمكن أن نقول إن إشارات القرآن إلى تحريف لحق اليهودية والمسيحية بصورتهما الموجودة في أيامه " أيام محمد " قول صحيح.
إن القرآن يؤكد أن الإسلام هو دين مطابق لدين إبراهيم الخالص وثمة ما يؤكد أن الإسلام كان بمثابة مستودع لدين إبراهيم في حالة نقائه الأولى.
هكذا شهدت ملكات الفصاحة والبلاغة والبيان وملكات الفكر والمنطق والعقلانية في المحيط العربي وخارجه من المسلمين وغير المسلمين للإعجاز القرآني المتحدي على امتداد عمر الإسلام منذ أن نزل الوحي بهذا القرآن وحتى هذا العصر الذي نعيش فيه.
فهل يصح بعد هذا أن يقول كاتب هذا المنشور التنصيري : إن محمدا لم يأت بمعجزة !