صلاة ومـلاك:
ليلة المداهمة، قبل أن يأتي العسكر لإلقاء القبض على عيسى، عيسى "حباً على ركبتيه وصلى قائلاً: يا أبتاه إن شئت أن تجيز عني هذه الكأس… وظهر له ملاك في السماء يقويه. وإذ كان في جهاد يصلي بأشد لجاجة وصار عرقه كقطرات دم نازلة على الأرض". (لوقا 22/41-44).
نلاحظ هنا ما يلي:
1- عيسى جثا على ركبتيه وصلى. لمن جثا ولمن صلى ؟ لله طبعاً. هذا يثبت أنه بشر يصلي لخالقه سبحانه.
2- عيسى يدعو الله أن يجيز عنه الكأس، أي أن يرفع عنه البلاء وأن ينقذه من أيدي العسكر. وهذا يدحض مقولة أنه قدم نفسه للصلب من أجل الفداء.
3- ظهر ملاك يقوي عيسى. لو كان عيسى إلهاً لما كان بحاجة إلى ملاك يقويه.
4- نزول الملاك على عيسى في هذا الموقف انفرد بذكره لوقا دون الأناجيل الأخرى!!
أبرأ أذنه:
عندما ضرب أحد تلاميذ عيسى أذن عبد رئيس الكهنة وقت المداهمة، انقطعت أذن العبد اليمنى. "فلمس (عيسى) أذنه وأبرأها". (لوقا 22/50-51).
اللمس والإبراء انفرد بذكرهما لوقا دون سائر الأناجيل!! وإذا كان عيسى قد أبرأ أُذُنَ من جاء يلقي القبض عليه تمهيداً لقتله أو صلبه، فلماذا إذاً طلب عيسى سيشفى كل جرح ينزف ؟!! لماذا السيوف ؟!! تناقض بين تجهيز السيوف وإبراء جروح السيوف!!!
هل أنت لمسيح ؟
عندما أخذ الجنود عيسى (حسب قولهم) إلى مجمع الكهنة اليهود، سألوه: "إن كنت أنت المسيح فقل لنا. فقال لهم إن قلت لكم لا تصدقون وإن سألت لا تجيبونني ولا تطلقونني". (لوقا 22/67-68).
نلاحظ هنا ما يلي:
1- لماذا سألوه إن كان هو المسيح أم لا ؟ أليس سؤالهم غريباً ؟! إذاً هم شكوا في من هو ولهذا سألوه. شخص مشهور مثل المسيح كان يشفي المرضى ويحيي الموتى ويخطب ويعظ في الهيكل وفي كل مكان تبعه الألوف من الناس كما تذكر الأناجيل، شخص في مثل مكانته وشهرته، لماذا يسألونه من هو ؟!!! السبب واضح وهو أنهم شكوا في هوية المتهم أمامهم. والمسألة ليست صعبة: الحواريون وعيسى ثلاثة عشر. عند إلقاء القبض على المتهم وجد رئيس الجنود أن العدد اثنا عشر. إذاً هناك شخص قد اختفى!! أين هو ؟ من هو ؟ فشك الجميع بما حدث وبهوية المقبوض عليه. وبالفعل كما نعلم إن عيسى أنقذه الله من يد طالبيه ووقع الخائن يهوذاً في يد العسكر بدلاً منه بعد أن رمى الله عليه شبه عيسى والله على كل شيء قدير، وقيل كان أساساً يشبهه.
2- ماذا كان جواب المتهم ؟ قال لهم عن قلت لكم لا تصدقون. أي لو قلت لكم إنني لست عيسى لما صدقتموني، ولو طلبتُ منكم الإفراج عني لأنني لست عيسى فإنكم لا توافقون على طلبي. وهو على حق. فمن كان منهم يصدق أن المقبوض عليه هو يهوذاً الخائن وليس عيسى ؟! وليس من المعقول أن يكون قصد المتهم أنه لو قال إنه عيسى لما صدقوه لأنهم فعلاً يريدون عيسى المسيح، فلماذا لا يصدقون أنه عيسى المسيح المطلوب لهم ؟ ولكن قصد المتهم هو أنهم لا يصدقون أنه ليس عيسى، لا يصدقون أنه يهوذا وهو ملقى عليه شَبَهُ عيسى. في هذه الحالة، لا يمكن أن يصدقوا أنه ليس عيسى. ثم لو كان المتهم هو عيسى المطلوب لهم فلماذا يفكر أن يطلقوه ما داموا أرادوا القبض عليه ؟ أما كونه يهوذا فهذا الذي يغريه بطلب الإخلاء مكافأة له على خيانته لعيسى. ولكن بالطبع لن يخلوا سبيله لأنهم مالوا – رغم شكهم – إلى أنه عيسى. كما أن تسليمهم بأنه ليس عيسى يثبت ضعفهم وقوة عيسى، وهذا ما لا يريدونه.
3- وعندما سألوه: "هل أنت ابن الله ؟ فقال لهم أنتم تقولون إني أنا هو". (لوقا 22/70). مرة أخرى لم يجبهم المتهم جواباً صريحاً، بل قال هذا كلامكم. وهذا يدل على دحض مقولة "ابن الله" أيضاً لأن الرجل لم يقل نعم، بل قال هذا ما تقولونه أنتم وليس ما أقوله أنا. والجواب المذكور يصح أن يصدر من يهوذا أيضاً.
4- في أثناء هذه المحاكمة للمتهم، لم يكن أحد من حواريي عيسى هناك. حتى بطرس الذي تبع عيسى من بعيد كان خارج الدار عند هذه المحاكمة. وهذا يجعل هناك صعوبة بالغة في معرفة حقيقة ما جرى، وخاصة أن الأناجيل تروي أسئلة وأجوبة مختلفة. ربما قال المتهم في الحقيقة: أنا يهوذا. فلم يصدقوه. وقادوه إلى الصليب. ربما من يدري! لأن يهوذا الخائن لم تذكر الأناجيل مصيره باستثناء متّى الذي روى أنه خنق نفسه.
5- سؤال الكهنة عن هوية المتهم يدل على شكهم فيه. وجواب المتهم يؤكد أنه ليس عيسى.
6- قال المتهم: "منذ الآن يكون ابن الإنسان جالساً عن يمين قوة الله". (لوقا 22/69). هذا قول المتهم للكهنة بعد أن سألوه هل هو المسيح. جوابه أن ابن الإنسان (عيسى) عند الله. كيف يكون هذا ؟ لو كان عيسى هو الواقف أمامهم فكيف يقول لهم أن عيسى الآن عند الله !! فكيف يكون عيسى في دار رئيس الكهنة ويكون جالساً عن يمين الله في الوقت ذاته ؟!! غير ممكن. التفسير لجواب المتهم هو أن يهوذا كان يسمع من عيسى أنه سيمضي إلى عند الله عندما يقبض عليه، ولهذا قال لهم المتهم (وهو في الواقع يهوذا) إن عيسى جالس على يمين الله.
لو أخذنا رواية لوقا كما هي، نوجز الأمر كالآتي:
أ- سألوا المتهم هل أنت المسيح. أجاب إن قلت لكم لا فلا تصدقون، وإن طلبتُ الإخلاء فلا توافقون، والمسيح جالس على يمين الله.
ب- سألوه هل أنت ابن الله. أجاب هذا قولكم، وليس قولي.
ج- سأله بيلاطس هل أنت ملك اليهود. أجاب هذا قولك.
لنقل إن الأسئلة استجواب لانتزاع اعترافات. فماذا كان جواب المتهم ؟
أ- رفض الإقرار بأنه المسيح، إذ لا يوجد في أجوبته ما يدل على موافقته على أنه المسيح. بل قال لهم إنه ليس المسيح لأن المسيح جالس على يمين الله، كما أجاب.
ب- رفض تهمة أنه (ابن الله). وقال هذا قولكم.
ج- رفض أنه ملك اليهود.
والنقطة الجوهرية هنا قول المتهم بأن المسيح جالس الآن (وقت سؤاله) على يمين الله. إذاً المتهم (المقبوض عليه) ليس هو المسيح. وهذا هو دليل قاطع في الإنجيل ذاته يدحض صلب المسيح.
جلدوه وضربوه:
يروي لوقا أن المتهم جلده العسكر وضربوه واستهزأوا به (لوقا 22/63-65). لنفرض جدلاً أن المجلود هو المسيح. فهو هناك إله يُضرب ويجلد؟! هل هذا المعقول ؟! هل الله لا يستطيع أن يحمي نفسه ؟ فكيف إذاً يحمي المظلومين ؟!! كيف يضرب ويُجلد ويهان ويكون الله في الوقت ذاته؟!! الواقع أن الذي جُلد هو شبيه عيسى يهوذا الخائن، أمسكوا به ظانين إياه المطلوب عيسى. فنال يهوذا ما يستحق بعد أن باع نفسه وباع عيسى بثلاثين من الفضة.
عند هيرودس:
يروي لوقا أن بيلاطس حَوَّل عيسى إلى هيرودس ليحكم في أمره، ثم أعاده هيرودس إلى بيلاطس (لوقا 23-8-12). لقد انفرد لوقا بذكر هذه الواقعة ولم تذكرها الأناجيل الأخرى. وهي إما أن تكون قد حدثت وإما أنها لم تحدث. فإن حدثت فلماذا لم توردها الأناجيل الأخرى ؟! وإن لم تحدث فلماذا اختلقها لوقا ؟!!
مختار الله :
قال المستهزئون بالمصلوب: "فليخلِّص نفسه إذا كان هو المسيح مختار الله". (لوفا 23/53). وكان الساخرون هم الشعب والرؤساء. إذاً كان الشعب يسخر فأين الشعب الذين آمن ؟! وإذا كانوا في حالة سخرية فلماذا لم يقولوا "ابن الله"؟! ولماذا انفرد لوقا بلفظ "مختار الله" ؟!
يسوع النبي:
اثنان من تلاميذ عيسى يقصون على عيسى بعد ظهوره بعد صلبه المزعوم وهم لا يعرفانه ويقولان: "يسوع الناصري الذي كان إنساناً نبيناً مقتدراً في الفعل والقول أمام الله وجميع الشعب". (لوقا 24/19).
هذا النص يدل بوضوح على أن عيسى عند تلاميذه كان إنساناً نبيناً، ولم يقولا عنه "إله أو ابن الله".
ثم اختفى:
بعد أن عرف التلميذان عيسى بعد ظهوره، "اختفى عنهما" (لوقا 24/31). إن ظاهرة اختفاء عيسى متكررة. وهذه من إحدى المعجزات التي منحها له الله. فكلما لزم أن يختفي عن الأنظار كان الله يسهل له هذا الاختفاء الإعجازي. وكان من أبرز اختفاء ذاك الذي حدث ليلة المداهمة.