البصق واللطم واللكم:
"فابتدأ قوم يبصقون عليه ويغطون وجهه ويلكمونه ويقولون له تنبأ. وكان الخُدَّام يلطمونه" (مرقس 14/65).
هذا ما يرويه مرقس عما حدث للمسيح بعد إلقاء القبض عليه وأخذه إلى دار رئيس الكهنة.
هل هذا هو ابن الله؟! هل هذا هو أحد أركان الثالوث ؟ يبصقون عليه ويلكمونه ويطلمونه!!! وأين الحواريون يدافعون عنه ؟! وأين الجموع والآلاف المؤلفة التي كانت تؤمن به كما تذكر الأناجيل ؟! وأين رحمة الله بابنه المظلوم البريء الذي لم يذنب ؟! وما ذنب عيسى حتى يهان إلى هذا الحد ؟! رجل بارّ رحيم، شفى المئات من الناس، لم يؤذ أحداً، ومع ذلك جعلته الأناجيل يلاقي أسوأ مصير لم يلاقه أسوأ لامجرمين!! اللص القاتل باراباس عفى عنه وعيسى يهان!! لماذا هكذا؟! أين العدل الإلهي؟ لماذا يعاقب البريء ؟! أين الرحمة الإلهية بالبريء المسالم الذي لم يؤذ أحداً بيديه أو لسانه ؟! هل يقبل العقل أن عيسى المسالم البريء البارّ يهان ويلطم ويلكم ويبصق عليه ثم يصلب كأنه مجرم خطيرا أو قاطع طريق؟!!
إن الإسلام أكرم عيسى أيما إكرام. القرآن قال الحقيقة وهي أن عيسى لم يقتل ولم يصلب وإنما ظن الجنود أنهم أمسكوا به، وهم في الواقع أمسكوا بشبيه له وخاصة أن الجنود لا يعرفونه ولهذا تطوع يهوذا بإرشادهم إليه. كما أن الوقت كان ظلاماً ولذلك جاء الجنود بالمشاعل (يوحنا 18/3). أنجى الله القادر الرحيم العادلُ عيسى من محنته واستجاب لدعائه وصلاته، إذ دعا عيسى ربه وبقي في صلاة مستمرة (مرقس 14/32-42). عيسى نفسه طلب من الله أن ينقذه من أعدائه فقال: "فأجِزْ عني هذه الكأس" (مرقس 14/36). هل غريب على الله أن يستجيب دعاء رسوله وحبيبه عيسى؟!
أيهما أليق بعدل الله ورحمته وأيهما أكرم لعيسى وأيهما أقرب إلى العقل: استجابة الله لعيسى أم عدم الاستجابة ؟ تخليص البريء أم صلبه ؟ المحافظة على كرامة عيسى أم تعريضه للبصق واللطم والضرب ؟
الله قادر ورحيم وعادل وعيسى عليه السلام رسول يستحق الإكرام والحماية من الله.
ومما يزيد من قوة الدليل على عدم صلب عيسى أن رواية متى 27/5 بأن يهوذا الخائن خنق نفسه انفرد بها متّى دون سواه. وهذا يجعل روايته موضع شك، لأن مصير يهوذا مهم ولو كان فعلاً قد خنق نفسه لذكرت ذلك سائر الأناجيل. وهذا يعزز الاعتقاد بأن يهوذاً هو الذي ألقي القبض عليه بدلاً من عيسى وأنه هو الذي أهين وصلب.
أبا الآب:
روى مرقس أن عيسى قال وهو يدعو الله ليخلصه من أعدائه قبل مداهمة الجنود: "يا أبها الآب كل شيء مستطاع لك" (مرقس 14/36).
نلاحظ هنا ما يلي:
1- عيسى دعا الله "أبا الآب". وفي المواقف ذاته روى متّى أنه دعاه "يا أبتاه" (متى 26/39). ويروي لوقا "يا أبتاه" أيضاً (لوقا 22/42). ويروي يوحنا "أيها الأب" (يوحنا 12/27). "أبا الآب" هذه غريبة حقاً. نعرف أن الأناجيل والنصارى يدعون الله "الآب" فكيف صار الله "أبا الأب". لقد تعقدت المسألة: الآب هو الله عندهم، وعيسى ابنه، والروح القدس هو ثالث الثالوث. والآن أبا الآب معنى هذا أنهم جعلوا لله أباً بعد أن جعلوا له أبناً. ما هذا ؟ إذاً صاروا أربعة وليس ثلاثة فقط. أبا الآب، والآب، والابن، والروح. ما هذا الشرك الرباعي ؟! ومن هو أبا الآب ؟ ومن أين جاء ؟ وكيف ؟ ولماذا ؟ وأين الثالوث ؟! وكيف صار "رابوع" ؟!! شرك واضح، رغم أن عيسى يقول لهم "الرب إلهنا رب واحد" (مرقس 12/29). ولكنهم جعلوا للرب الواحد أباً وأبناً!!! وأغرب ما في الأمر أنهم أوردوا الشرك في كتاب يزعمون أنه كلام الله. أي أنهم لم يكتفوا بالشرك بل أخذوا ترخيصاً به من الله إذ نسبوه إليه في كتاب كتبوه بأيديهم ثم زعموا أنه من عند الله!! يعني شرك بالله وكذب على الله في آن واحد!!! والله هو المستعان وهو الهادي.
2- يدل هذا الدعاء الذي في النص والمتبوع بـ "فأجر عني هذه الكأس" (مرقس 14/36) على توسل عيسى إلى الله أن يزيح عنه المحنة ويرد كيد عدوه إلى نحره. صلى كثيراً ودعا كثيراً. وهذا يثبت بشرية عيسى وحاجته إلى عونه الله.
3- كيف يكون الله الآب وأبا الآب في الوقت ذاته ؟! ألغاز!!