مغارة اللصوص:
"دخل يسوع إلى هيكل الله وأخرج جميع الذين كانوا يبيعون ويشترون في الهيكل وقلب موائد الصيارفة وكراسي باعة الحمام. وقال لهم مكتوب بيتي بيت الصلاة يدعى وأنتم جعلتموه مغارة لصوص". (متى 21/12-13).
نلاحظ هنا ما يلي:
1- عندما دخل عيسى هيكل سليمان وجد أن اليهود قد حولوه سوقاً يبيعون فيه الحمام والدجاج. اليهود هم الذين يتباكون الآن على هيكل سليمان ويريدون هدم المسجد الأقصى بحثاً عن هيكلهم المزعوم الذي دمَّره البابليون والرومان مراراً وتكراراً ولم يبق منه حجر على حجر. الآن يريدون الهيكل ولما كان لديهم الهيكل جعلوه سوقاً لبيع الدجاج وجعلوه مغارة لصوص كما يذكر النص. إنهم لا يريدون الهيكل من أجل الهيكل، بل من أجل هدم المسجد الأقصى. إنهم يجدون متعة في خلق المشكلات وإثارة الفتنة وسفك الدماء. وعندما لا يجدون أحداً يسفكون دمه يتحولون إلى بعضهم البعض فيسفك بعضهم دم بعض. وهذا ما حدث في التاريخ. فعندما لم يجدوا من يحاربونه من جيرانهم بعد موت سليمان انقسموا إلى دولتين وحارب الشمال الجنوب والجنوب الشمال!!!
2- المرة الوحيدة التي فعل فيها عيسى شيئاً لوقف المنكر بالفعل هي هذه: عندما دخل الهيكل وقلب موائد الصيارفة وأخرج الباعة من الهيكل. وهذا يعني أنه أدان المخالفين. وهذا يناقض قوله "لا تدينوا لكي لا تدانوا". (متى 7/1). كما أن عمله هذا يناقض قوله "لا تقاوموا الشر". (متى 5/39).
رأس الزاوية:
بعد أن قص عيسى على رؤساء الكهنة وشيوخ بني إسرائيل الذين اعترضوا على إخراجه الباعة من الهيكل، بعد أن قص عليهم مَثَلَ صاحب البستان والكرَّامين والعبيد وما فعله الكرامون بالعبيد من جلد وقتل ورجم (كناية عما فعله اليهود بالأنبياء)، قال لهم: "الحجر الذي رفضه البناؤون هو قد صار رأس الزاوية... لذلك أقول لكم إن ملكوت السماوات ينزع منكم ويعطى لأمه تعمل أثماره". (متى 21/42-43).
هذا تكرار من عيسى لما ورد في أسفار الأنبياء في العهد القديم. وهو إشارة واضحة إلى التبشير بمحمد عليه السلام. فالحجر المرفوض هو إسماعيل لأن اليهود رفضوه بدعوى أنه ابن جارية وأنهم أبناء الحرة. والنص يذكر أن رسالة الله ستنزع من بني إسرائيل وتُعْطَى لأمة أخرى تستحق الرسالة وتكرم الرسول وتحترم الهدي الإلهي. هذا هو النص وهذه هي النبوءة فيه، وهذا ما تحقق فعلاً. فجاء محمد من العرب والتف العرب حوله وقبلوا رسالته وحملوها وصانوها ودافعوا عنها ونشروها وما زالوا كذلك وسيبقون كذلك إلى يوم الدين.
مثْل نبي:
خاف رؤساء الكهنة اليهود أن يمسكوا عيسى لأنهم خافوا من الجموع "لأنه كان عندهم مثل نبي". (متى 21/46).
النص هنا يذكر أن عيسى كان عند جموع الناس في أورشليم "مثل نبي"، أي يشبه النبي. ولماذا لم يقل النص "لأنه كان نبياً عندهم" ؟!!!
هذا يتناقض مع "فقالت الجموع هذا يسوع النبي..." (متى 21/11). كيف يكون نبياً ثم يكون مثل نبي ؟!! تناقض وتشكيك في الإنجيل الواحد!!!
ما لقيصر لقيصر:
سأل اليهود عيسى: "أيجوز أن تُعْطَى جزية لقيصر أم لا ؟" (متى 22/17). "فعلم يسوع خبثهم... فقال لهم: أعطوا إذاً ما لقيصر لقيصر وما لله لله". (متى 22/18-22).
أراد اليهود من سؤالهم توريط عيسى بتهمة التحريض ضد الإمبراطور الروماني لتكون لهم ذريعة للتخلص منه بدعوى مناهضة الحكومة الرومانية التي كانت تسيطر على اليهود آنذاك. والبعض يرى أنهم يقصدون بسؤالهم التأكد إذا كان عيسى هو المخلِّص الذي ينتظرونه لتخليصهم من حكم الرومان. ولكنه قطن لمقصدهم وخيب ظنهم وقال لهم: أعطوا قيصر حقه وأعطوا الله حقه.
ولكن بعض العلمانيين أخذوا هذه الجملة ورددوا ليجعلوها رمزاً لفصل الدين عن الدولة، أو لفصل الدين عن الحياة، أو لفصل الدين عن السياسة، أو لعدم تسييس الدين. والواقع أن قصد عيسى واضح من مناسبة قوله. كان يقصد أن يقول: وفقوا بين الله والسلطان وأعطوا كل ذي حق حقه ولا تعارض بين طاعتكم للحاكم وطاعتكم لله. لم يقصد ما يزعمه العلمانيون من فصل للدين عن الحياة. وإذا كان الدين يفصل عن الحياة، فمن أجل ماذا أنزله الله ؟! إذا كان الدين ليس للحياة، فهل هو للموت ؟! إذا كان الدين ليس للحياة بكل أشكالها ومجالاتها، فَلِمَ هو إذاً ؟!!
الرب إلهك:
"فقال له يسوع تحب الرب إلهك من كل قلبك ومن كل نفسك ومن كل فكرك". (متى 22/27). كان هذا هو جواب المسيح عن سؤال: "يا معلم أية وصية هي العظمى في الناموس ؟" (متى 22/36).
نلاحظ هنا ما يلي:
1- السائق ينادي عيسى "يا معلم". وهذا هو النداء الأشيع لعيسى من قبل الناس والتلاميذ. وهذا رد على الزاعمين بألوهيته.
2- أجاب المسيحُ السائلَ: "تحب الرب إلهك". إذاً الرب هو الإله. والرب مفرد واحد والإله مفرد واحد. والرب هو الإله والإله هو الرب. كلمة (الرب) هنا تدل على الله. ولكن انظر إلى النص: "انظر إلى الموضع الذي كان الرب مضطجعاً فيه". (متى 28/6). هنا كلمة (الرب) تشير إلى عيسى. ما هذا الخلط والتناقض ؟! كلمة (الرب) مرة تعني (الله) ومرة تعني (عيسى) !! كيف يحدث هذا ؟! ليس هذا الخلط بوحي من الله، بل بتزييف وتحريف الفاعلين. ألا يوجد في اللغة كلمات تكفي الناس شرّ هذا الخلط والاضطراب ؟! الرب هو الله (هكذا كانت التوراة تقول). وفي الإنجيل صار الرب هو عيسى تارة والله تارة!!! شيء لا يمكن فهمه ولا تصديقه ولا احتماله!! لعب بالناسب واستهزاء بعقولهم!! أيلعبون بكلام الله ومقامه سبحانه؟!!
عيسى والنسب:
سأل عيسى قوماً من اليهود: "ماذا تظنون في المسيح ؟ ابن من هو. قالوا له ابن داود. قال لهم فكيف يدعوه داود بالروح رَبّاً. قال الرب لربي اجلس عن يميني حتى أضع أعداءَك موطئاًَ لقدميك. فإن كان داود يدعوه رب فكيف يكون ابنه". (متى 22/42-45).
نلاحظ هنا ما يلي:
1- عيسى يدعو نفسه المسيح وليس ابن الله.
2- لم يوافق عيسى على أنه ابن داود. وهذا يعني دحضاً لشجرة نسب عيسى التي أوردها (متى 1/1-17). وهو أيضاً دحض لشجرة نسب عيسى التي أوردها (لوقا 3/23-37). عيسى نفسه في (متى 22/42-45) يعترض على نسبته إلى داود ومع ذلك تصر الأناجيل على نسبته إلى داود!! لم أسمع في حياتي شيئاً مثل هذا!! الإنجيل نفسه يروي أن عيسى لا يقر أن ينسب إلى داود والإنجيل نفسه يصر على نسبته إلى داود. ما معنى هذا ؟ التفسير الوحيد هو كثرة الأيدي التي عبثت بنصوص الإنجيل. التفسير هو التحريف والتزوير.
3- عيسى يقول إذا كان داود نفسه يشير إلى عيسى بأنه (الرب!) فكيف يكون عيسى ابناً له ؟! لاحظ هنا (قال الرب لربي). أيضاً هنا خلط واضطراب في استخدام اللغة. الرب الأولى تشير إلى الله. والرب الثانية تشير إلى عيسى. لا يوجد دين يحدثُ أو أحدث في أتباعه بلبلة مثلما فعلت النصرانية بأتباعها! ارحموا الناس يرحمكم الله. ما هذا الكلام ؟! وما هذه اللغة ؟! وسبب البلبلة يعود إلى عوامل عديدة منها التحريف ومنها أخطاء الترجمة ومنها غياب أصل الإنجيل ومنها اختلاف النصارى أنفسهم بشأن طبيعة المسيح. النصارى حتى الآن لم يتفقوا بشأن المسيح. بعضهم يقول عنه إنه إله، ابن الله، رسول، إنسان تأله، إله تأنس، ذو طبيعة واحدة، ذو طبيعتين، ذو مشيئة واحدة، ذو مشيئتين، إنسان، الرب، ابن الرب، إله في صورة إنسان، إنسان في صورة إله. إن النصارى لم يتفقوا حول طبيعة المسيح، ولا حول ولادته، ولا حول مماته، ولا حول حياته، ولا حول صلبه، ولا حول قيامه، ولا حول تعاليمه، ولا حول إنجيله، ولا حول اسمه، ولا حول نسبه. ولذلك نرى أثر اختلافاتهم في الأناجيل التي قلما تتفق على شيء يخص المسيح.
(متى 1/1) يقول هذا "كتاب ميلاد يسوع المسيح المسيح ابن داود ابن إبراهيم". و (لوقا 3) يرجع المسيح إلى داود. وعيسى نفسه (متى 22/43) يعترض على نسبته، إلى داود. تناقض في الإنجيل الواحد وتناقض بين الأناجيل!! ومع ذلك يقولون إن أناجيلهم الحالية وحي من الله!! كيف تكون وحياً وفيها آلاف حالات التناقض والأخطاء والاختلافات؟!!!
الأب والمعلم:
قال عيسى: "ولا تَدْعُوا لكم أباً على الأرض، لأن أباكم واحد الذي في السماوات. ولا تَدْعوا معلمين، لأن معلمكم واحد المسيح". (متى 23/9-10).
النص يشير إلى ما يلي:
1- لا يوجد أب على الأرض، أي لا يوجد إله على الأرض. وهذا يعني أن المسيح حذر قومه من تسميته إلهاً.
2- الله واحد في السماوات. وليس ثلاثة كما تزعم الكنيسة.
3- المسيح هو المعلم، وليس إلهاًَ ولا ابن الله. لقد جعل المسيح الأمور واضحة. الله واحد والمسيح هو المعلم. ولكن الكنيسة لا تريد ما يقول المسيح. الكنيسة تريد ما تقرره المجامع. يجتمع رجال الكنيسة. يصوتون على أي موضوع. يتخذون القرارات. طبيعة الله بحثوها صوتوا عليها واتخذوا القرار بالتثليث في مجمع نيقية سنة 325م. قرر المجمع أن الله ثلاثة وأن المسيح إله. ثم جاء مجمع القسطنطينية وقرر ألوهية الروح القدس (سنة 381م) ليكمل الثالوث. الثالوث نشأ بموجب قرار رسمي، وليس بموجب الوحي!!! على الكنيسة أن تقرر وعلى الناس أن يتبعوها مغمضي العيون والعقول. لا يهم الكنيسة ماذا قال عيسى في الإنجيل. قال أنا ابن الإنسان. وقال اللهُ واحد. لا يهم هذا. المهم ماذا يريد الامبراطور قسطنطين. الامبراطور يريد أن يكون الله ثلاثة فليكن. ويريد الإمبراطور أن المسيح هو الله وأن الروح القدس هو الله وأن الثلاثة معاً هم الله. هذا ما يريده الامبراطور. فوافقت الكنيسة وصار الله ثلاثة بالتصويت. وصار عيسى إلهاً واحداً يالتصويت. وصار الروح القدس إلهاً بالتصويت. وصار الثلاثة معاً إلهاً واحداً بالتصويت. لا يهم الكنيسة ماذا قال عيسى وماذا قال الإنجيل، لأن المسألة بسيطة عندهم: يغيرون كلام عيسى، يبدلون الإنجيل، يحذفون من الإنجيل يزيدون على الإنجيل، يحرقون الإنجيل الذي لا يعجبهم. الإنجيل يتبع الكنيسة وليست الكنيسة هي التي تتبع الإنجيل. يضعون في الإنجيل النصوص التي تخدم أهدافهم ويحذفون منه ما لا يعجبهم. تماماً كما فعل اليهود في التوراة والأسفار.