القَسَــم:
قال عيسى: "من حلف بالسماء فقد حلف بعرض الله وبالجالس عليه". (متى 23/22). إذاً كان العرش لله فالجالس عليه هو الله. إذاً من حلف فليحلف بالله. لم يقل عيسى. "الجالسين عليه"، بل قال "الجالس عليه". إذاً الله واحد. ومن يحلف يحلف بالله الواحد.
ولكن النصارى في هذه الأيام يحلفون هكذا "باسم الآب والابن والروح القدس". كما أن متى 28/19 يقول "عمدوهم باسم الآب والابن والروح القدس". كيف يقول عيسى في (متى 23/22) القسم لا يكون إلاّ بالله، ثم يروون أنه قال في (متى 28/19) "باسم الآب والابن والروح القدس". هناك القسم بالله، وهنا القسم بثلاثة!!! تناقض في الإنجيل الواحد.
عيسى يدين اليهود:
قال عيسى: "أنتم تشهدون على أنفسكم أنكم قتلة الأنبياء... أيها الحَيَّات أولاد الأفاعي كيف تهربون من دينونة جهنم. لذلك ها أنا أرسل إليكم أنبياء وحكماء وكتبة فمنهم تقتلون وتصلبون ومنهم تجلدون.... يا أورشليم يا أورشليم يا قاتلة الأنبياء وراجمة المرسلين إليها، كم مرة أردت أن أجمع أولادك كما تجمع الدجاجة فراخها تحت جناحيها ولم تريدوا". (متى 23/30-37).
هنا نلاحظ ما يلي:
1- عيسى يصف اليهود (بني إسرائيل) بأنهم قتلة الأنبياء، بأنهم حيات وأولاد الأفاعي، يقتلون الأنبياء أو يجلدونهم أو يصلبونهم أو يرجمونهم. وهذا ينفي عن اليهود زعمهم بأنهم شعب الله المختار، فشعب الله لا يقتل أنبياء الله!!!
2- يقول عيسى إنه حاول جمع أولاد أورشليم (كما تجمع الدجاجة الفراخ) ولكنهم لم يقبلوا رسالة عيسى ولم يصدقه إلاّ نفر قليل.
3- النص يدل على أن عيسى مرسل لنبي إسرائيل فقط، إلى فراخ أورشليم، وليس إلى سواهم من الشعوب.
4- يستغرب المرء حب النصارى لليهود إذا كان عيسى نفسه والإنجيل ذاته يصف اليهود بهذه الأوصاف. فكيف يحب النصارى الأفاعي أولاد الأفاعي ؟! وكيف يحبون قتلة الأنبياء ؟! وكيف يحبون من سعوا إلى صلب عيساهم ومسيحهم؟!! إذا كان المسيح من مكر اليهود يصيح، فما بال أتباعه قد وقعوا في غرام أعدائه؟!!! هذا لغز من الألغاز، لعمري.
عيسى والهيكل:
عندما رأى عيسى وتلاميذه أجزاء هيكل سليمان، قال عيسى: "الحقَّ أقول لكم إنه لا يُترْكُ ههنا حجر على حجر لا ينقض". (متى 24/2).
عيسى عليه السلام يتنبأ بانهيار جميع أحجار الهيكل. ولهذا القول تفسيران:
1- إن الهيكل سيأتي من يهدمه فلا يبقى منه حجر على حجر. ولقد تحققت هذه النبوءة فعلاً. ففي سنة 70م دمر تيطس الامبراطور الروماني الهيكل تدميراً كاملاً. ثم جاء أدريانوس سنة 135م وحرث أورشليم قالباً سافلها عاليها وشرّد اليهود.
2- إن الهيكل هنا كناية عن "شريعة موسى" وإن هذه الشريعة سيأتي أمر الله بنسخها بواسطة "الشريعة الإسلامية". والنبوءة بهذا المعنى قد تحققت أيضاً، فإن الإسلام نسخ جميع الشرائع التي قبله ولا دين عند الله إلاّ الإسلام. وأميل إلى ان مقصد عيسى هو هذا، لأن عيسى لا يهمه أن يعطي نشرة جيولوجية وأن يقدِّر عمر المباني. عيسى الرسول يتنبأ بقدوم رسالة سماوية شاملة ختامية عالمية ناسخة لكل ما قبلها ألا وهي رسالة الإسلام.
يزول أو لا يزول ؟
يقول عيسى: "السماء والأرض تزولان ولكن كلامي لا يزول". (متى 24/25).
يقول عيسى: "إلى أن تزول السماء والأرض لا يزول حرف واحد أو نقطة واحدة من الناموس حتى يكون الكل". (متى 5/18).
نلاحظ هنا ما يلي:
أ- النص الأول يشير إلى عدم زوال كلام عيسى. ولكن النص الثاني يقول إن زوال الناموس (وكلام عيسى جزء من الناموس لأنه جاء ليكمل الناموس) سيحدث عندما يأتي الكل (أي الشريعة الشاملة الختامية وهي الإسلامية). النص الأول ينفي زوال الناموس على الإطلاق، والنص الثاني يؤكد أن زواله سيحدث لا محالة. تناقض في الإنجيل الواحد.
ب- من ناحية واقعية، هل زال كلام عيسى أم لم يزل ؟ أين الإنجيل الذي أنزله الله على عيسى ؟! أين إنجيل عيسى نفسه ؟! لا نريد الإنجيل متّى ولا لوقا ولا يوحنا ولا مرقس. نريد إنجيل عيسى نفسه. أين هو ؟ لدينا الآن أربعة أناجيل تختلف في كل شيء في كل حادثة تقريباً، في كل قصة تقريباً، في كل جملة تقريباً، في كل صفحة. الأناجيل تختلف في أقوال المسيح وأفعاله ومجريات حياته. فأين كلام عيسى الأكيد ؟! أين كلامه بلا خلاف ؟! لقد اختفى كلام عيسى في زحمة اختلاف الأناجيل. فلا ندري ما الذي قاله فعلاً وما الذي لم يقله!!!
ج- من ناحية أخرى، ماذا فعل بولس بكلام عيسى؟! عيسى أقر الختان، وبولس ألغاه. عيسى منع الطلاق، والكنيسة أجازته. عيسى أقر تحريم لحم الخنزير، وبولس أباحه. عيسى قال اللهُ واحد، وبولس جعله ثلاثة. عيسى قال إنه رسول وبولس قال هو إله. عيسى قال إنه لبني إسرائيل فقط، وبولس جعله للأمم. عيسى قال تخلصون بأعمالكم، وبولس قال تخلصون بالصلب للفداء. ماذا بقي من تعاليم عيسى؟! كل ما قاله نقضوه!!
د- لو أن كلام عسى لم يضع، لبقي للناس إنجيل واحد فقط لا غير، إنجيل فيه كلام عيسى بلا زيادة ولا نقصان ولا تناقض ولا اختلاف. ضاع إنجيل عيسى، وتعددت الأناجيل. واختلف كل إنجيل عن سواه، وتناقض الإنجيل الواحد مع نفسه. أبعد هذا كله يبقى كلام عيسى؟! بالطبع بقي بعض ما قاله عيسى. ولكن لاشك في أن كثيراً مما قاله قد ضاع، أو زيد عليه، أو حذف منه، أو بُدِّل، أو اختلف فيه. فصار كل ما وصلنا عنه موضع شك بسبب اختلافات الأناجيل وتناقضاتها. ناهيك عن الأناجيل التي اختفت بالكامل أو حظرت الكنيسة تداولها.
عيسى لا يعلم:
يقول عيسى عن موعد القيامة: "وأما ذلك اليوم وتلك الساعة فلا يعلم بها أحد ولا ملائكة السماوات إلاّ أبي وحده". (متى 24/36).
يدل هذا النص على ما يلي:
1- عيسى لا يعلم موعد قيام الساعة باعترافه هو. وهذا يؤكد بشريته وينفي عنه الزعم بالألوهية، لأن عدم العلم من صفات البشر وليس من صفات الله.
2- الوحيد الذي يعلم موعد قيام الساعة هو الله وحده. وهذا يهدم دعوى النصارى بالثالوث، إذ يزعمون أن عيسى هو ابن الله. فكيف يكون كذلك إذا كان عيسى لا يعلم وأن الله وحده هو الذي يعلم ؟ كما أن التثليث النصراني يعني أن كل أقنوم في الثالوث (الآب والابن والروح القدس) هو الله، فإذا كان ثاني الثالوث (ابن الله) لا يعلم بإقراره هو، فكيف يكون عيسى ما يزعمون؟!! هو يقول لا أعلم، وهم يقولون بل أنت تعلم!!! عجيب أمرهم!!!
من يحكم يوم القيامة ؟
يذكر متى 25/31 أن ابن الإنسان (عيسى) سيفرز الناس يوم القيامة إلى أخيار وأشرار، ويرسلهم إلى الجنة أو النار (متى 25/41).
وماذا سيكون عمل الله حينئذ ؟! إذا كان هذا هو عمل ابن الإنسان، فماذا يكون عمل الله ؟! وكيف يقوم عيسى بالفرز وهو لا يعلم حسبما قال هو (متى 24/36). إن فرز الناس يتطلب علماً واسعاً شاملاً أكيداً، وهذا ليس عند عيسى.
كما أن هذا يناقض نصاًَ آخر "أبوك الذي يرى في الخفاء هو يجازيك علانية". (متى 6/4). هنا الله هو الذي يجازي. ولكن (متى 25/31) يذكر أن عيسى هو الذي يفرز ويوزع الناس على الجنة والنار. تناقض في الإنجيل نفسه.
وهناك نقطة أخرى. إذا كانت هناك نار أبدية وأناس سيرمون فيها حسب (متى 25/41)، فماذا عن الصلب للتفكير ؟! يزعمون أن المسيح قدم نفسه للصلب ليكفر عن خطايا الناس. ولكننا نرى متى 25/41 يؤكد أن النار ستتأجج وسيقذف فيها العديد من الناس يمضون "إلى عذاب أبدي" (متى 25/46). فيم إذاً كان الصلب والصليب ؟! وفيم كانت الدموع على الصليب ؟! وفيم كان الدموع المسفوح ؟!! إذا كان كل إنسان سيحاسب على أعماله وأقواله، فماذا استفاد الناس من صلب المسيح؟!! وأين الخلاص وأين الفداء وأين التفكير؟!!
قارورة الطيب:
في الأناجيل قصة عن امرأة سكبت الطيب على عيسى واعترض التلاميذ على تبذيرها. دعونا نقارن بين القصة حسبما رواها متى 26/1-13 وحسبما رواها يوحنا 12/1-8 :
1- الزمان. متّى قال إن القصة حدثت قبل الفصح بيومين (26/1). ولكن يوحنا قال قبل الفصح بستة أيام (12/1).
2- المكان. متى قال إن القصة حدثت في بيت سمعان الأبرصي (26/2). ولكن يوحنا قال في بيت لعازر (12/1).
3- اسم المرأة. اسمها مجهول في متّى. ولكن يوحنا قال إن اسمها مريم.
4- الجزء المدهون. متّى قال سكبت الطيب على رأس عيسى. ولكن يوحنا قال إنها دهنت قدمي عيسى ومسحت قدميه بشعرها (12/3).
5- المعترض. متّى قال احتج تلاميذ عيسى على تبذيرها واغتاظوا، ولم يحدد اسم المحتج. يوحنا قال إن المحتج كان يهوذا الإسخريوطي.
6- هذا مثال بسيط على بعض الاختلافات في هذه القصة. وهو مثال يدل على عدد وحجم الاختلافات بين الأناجيل. فأيّاً منها نصدق ؟