الأخلاق في العهد القديم
يقول بولس : " كل الكتاب هو موحى به من الله، ونافع للتعليم والتوبيخ، للتقويم والتأديب الذي في البر " ( تيموثاوس (2) 3/16 ).
فهل كان الكتاب المقدس فعلاً موبخاً للخطيئة ومعلماً للبر ومقوماً للسلوك، وصالحاً للتأديب ؟
تمتلىء جنبات الكتاب بالنصوص المختلفة، والذي يعنينا هنا تلك النصوص التي مست الجانب الأخلاقي، فقد امتلأت أسفار الكتاب المقدس بالحديث عن رذائل مارسها بنو إسرائيل وغيرهم، وحكت طويلاً عن سكرهم وزناهم ووثنيتهم.ولسوف نعرض لشيء من هذه النماذج مع الاعتذار للقارئ الكريم عن قبيح ما يقرأه.
جاء في نشيد الإنشاد في الإصحاح الأول المنسوب لسليمان: " ليقبلني بقبلات فمه، لأن حبك أطيب من الخمر، لرائحة أدهانك الطيبة، اسمك دهن مهراق، لذلك أحبتك العذارى.
اجذبني ورائك فنجري، أدخلني الملك إلى حجاله، نبتهج ونفرح بك، نذكر حبك أكثر من الخمر..
ما أجمل خديك بسموط، وعنقك بقلائد، نصنع لك سلاسل من ذهب مع جمان من فضة .. حبيبي لي، بين ثديي يبيت .... " ( نشيد 1/1 - 15 ).
وعلى هذا تستمر بقية إصحاحات السفر، بل تسوء " في الليل على فراشي طلبت من تحبه نفسي، طلبته فما وجدته .. حتى وجدت من تحبه نفسي فأمسكته، ولم أرخه حتى أدخلته بيت أمي، وحجرة من حبلت بي .. قد خلعت ثوبي فكيف ألبسه .. حبيبي مد يده من الكوة، فأنَّت عليه أحشائي..." ( نشيد 3/1 - 5 ).
"ما أجمل رجليكِ بالنعلين يا بنت الكريم، دوائر فخذيك مثل الحلي، صنعة يدي صناع، سرتك كاس مدورة لا يعوزها شراب ممزوج، بطنك صبرة حنطة مسيجة بالسوسن، ثدياك كخشفتين، توأمي ظبية، عنقك كبرج من عاج، عيناك كالبرك ...
ما أجملك وما أحلاك أيتها الحبيبة باللذّات، قامتك هذه شبيهة بالنخلة، وثدياك بالعناقيد ... وتكون ثدياك كعناقيد الكرم، ورائحة أنفك كالتفاح، وحنكك كأجود الخمر، لحبيبي السائغة المرقرقة السائحة على شفاه النائمين، أنا لحبيبي، وإليّ اشتياقه.
تعال يا حبيبي لنخرج إلى الحقل ولنبت في القرى، لنبكرنّ إلى الكروم لننظر هل أزهر الكرم هل تفتح القعال؟ هل نوّر الرمان. هنالك أعطيك حبي ...
ليتك كأخ لي، الراضع ثديي أمي، فأجدك في الخارج وأقبلك، ولا يخزونني، وأقودك وأدخل بك بيت أمي، وهي تعلمني، فأسقيك من الخمر الممزوجة من سلاف رماني، شماله تحت رأسي، ويمينه تعانقني" (نشيد 7/1-13).
فلما رأت أختها أهوليبة ذلك أفسدت في عشقها أكثر منها، وفي زناها أكثر من زنى أختها. عشقت بني أشور الولاة والشحن الأبطال اللابسين أفخر لباس، فرساناً راكبين الخيل كلهم شبان شهوة، فرأيت أنها قد تنجست ولكلتيهما طريق واحدة.
وزادت زناها ولما نظرت إلى رجال مصوّرين على الحائط صور الكلدانيين.. عشقتهم عند لمح عينيها إياهم، وأرسلت إليهم رسلاً إلى أرض الكلدانيين.
فأتاها بنو بابل في مضجع الحب ونجسوها بزناهم، فتنجست بهم وجفتهم نفسها، وكشفت زناها وكشفت عورتها، فجفتها نفسي كما جفت نفسي أختها.
وأكثرت زناها بذكرها أيام صباها التي فيها زنت بأرض مصر، وعشقت معشوقيهم الذين لحمهم كلحم الحمير [والمعنى: مذاكيرهم كمذاكير الحمير]، ومنيّهم كمنيّ الخيل" (حزقيال 23/1 - 49 ).
ويتكرر هذا الدنس في سفر آخر، وهو سفر الأمثال، حيث يقول: "في العشاء، في مساء اليوم في حدقة الليل والظلام. وإذ بامرأة استقبلته في زيّ زانية وخبيثة القلب. صخّابة هي وجامحة. في بيتها لا تستقر قدماها ... فأمسكته وقبّلته، أوقحت وجهها، وقالت له: .. خرجت للقائك، لأطلب وجهك حتى أجدك. بالديباج فرشت سريري، بموشّى كتان من مصر، عطرت فراشي بمرّ وعود وقرفة. هلم نرتو ودّاً إلى الصباح، نتلذذ بالحب، لأن الرجل ليس في البيت، ذهب في طريق بعيدة ... أغوته بكثرة فنونها، بملث شفتيها طوحته، ذهب وراءها لوقته، كثور يذهب إلى الذبح، أو كالغبي إلى قيد القصاص، حتى يشق سهم كبده، كطير يسرع إلى الفخ، ولا يدري أنه لنفسِه" (الأمثال 7/9 - 23 ).
وقريباً من هذا قول سفر الأمثال أيضاً، ولكنه هذه المرة يتحدث عن الزوجة، فيقول: "وافرح بامرأة شبابك، الظبيّة المحبوبة، والوعْلَة الزهية. ليُروِك ثدياها في كل وقت، وبمحبتها اسكر دائماً" (الأمثال 5/18- 19). وسوى ذلك..
فهل هذا وحي الله؟ أم أنها النفوس المريضة التي لا تطيق البعد عن حمأة الجنس وأحاديثه؟
كما تحوي الأسفار المقدسة بعض صور السباب المقزع، كما في قوله: "الله قد تكلم بقدسه ... موآب مرْحضتي، وعلى أدوم ألْقي حذائي" (المزمور60/6-8)، فهل يعتبر الإله العظيم أمة من الأمم التي خلقها محلاً لقضاء حاجته أو التنظف من قذره، بل هل له حاجة أو قذر، وهل يحتاج إلى مرحاض، ولو على سبيل الاستعارة.
ومن السباب الذي لا يليق بالله العظيم الجليل ووحيه ما تنقله الأسفار عن الملك شاول أنه قال ليوناثان ابنه: "يا ابن المتعوّجة المتمردة، أما علمت أنك قد اخترت ابن يسّى [داود] لخزيك وخزي عورة أمك" (صموئيل (1)20/30).
ومن ذلك أن إشعيا قال لبني إسرائيل: " أما أنتم فتقدموا إلى هنا يا بني السامرة، نسل الفاسق والزانية..." ( إشعيا 57/3 ).
وبعد : ما هي آثار الكتاب المقدس على قارئيه ؟
إن نظرة إلى المجتمع الغربي ودراسة سريعة للأرقام الوبائية للفساد في أوربا تثير الذعر، وتدفع إلى التفكير والبحث عن مصدر هذا البلاء.
ونرى أن الكتاب المقدس هو أحد أسباب البلاء، فقد قال المسيح: " من ثمارهم تعرفونهم، هل يجتنون من الشوك عنباً، أو من المسك تيناً، هكذا كل شجرة جيدة تصنع أثماراً جيدة، وأما الشجرة الردية فتصنع أثماراً ردية " ( متى 7/16 - 17).
ولا غرابة البتة أن تنتشر الخمور والزنا في أمة تؤمن أن أنبياءها كانوا زناة، يمارسون الرذيلة حتى مع محارمهم، كانوا يشربون الخمور، حتى الثمالة، من غير أن يعاقبهم الله أو يخلع عنهم صفة القداسة والرسالة والاصطفاء، بل أكرم أبناء زناهم وعهرهم، فجعلهم أجداداً لابنه المسيح!!
لا غرابة أن تنتشر الخمور في أمة ينصح كتابها المقدس بشرب الخمر، ويراه حلاً لمشاكل الفقراء وذهاباً لهمومهم- بديلاً عن الإيمان والرضا بالقضاء -، يقول سفر الأمثال: " ليس للملوك أن يشربوا خمراً ولا للعظماء المسكر، لئلا يشربوا وينسوا المفروض ويغيّروا حجة كل بني المذلة، أعطوا مسكراً لهالك، وخمراً لمرّي النفس، يشرب وينسى فقره، ولا يذكر تعبه بعد" (الأمثال 31/6).
ولا غرابة أن تنتشر الجريمة في مجتمع يؤمن بأن الله يأمر بقتل الأبرياء والنساء والأطفال والحيوانات، ودون سبب.
وصدق برنارد شو، وهو يقول عن الكتاب المقدس: " أخطر الكتب الموجودة على وجه الأرض، احفظوه في خزانة مغلقة بالمفتاح ". (1)
الصبغة البشرية للعهد القديم
تصطبغ أسفار العهد القديم بالصبغة البشرية الضعيفة التي نجدها في سائر الأسفار، فالأسفار المقدسة كتاب تاريخ يقع في كثير من الأخطاء التي قد لا يقع فيها صغار الكُتَّاب ، ناهيك عن أصحاب الذوق الرفيع منهم.
قصص للمتعة لا للفائدة
وفي كثير من فقراته يفتقد الكتاب المقدس إلى المعلومة المفيدة التي تستثمر الحدث التاريخي لهدف ديني، بل فيه ما تجده في كتب الإثارة والمتعة الرخيصة واللهو البعيد عن العبرة والفائدة.
فما الفائدة والثمرة من قبل بعض هذه الحكايات الواردة فيه؟ ما الفائدة من قصة زنا يهوذا بكنته ثامار بعد أن زوجها أبناءه واحداً بعد واحد، ثم زنى بها وهو لا يعرفها، فلما عرف بحملها أراد أن يحدها فقال: " أخرجوها فتحرق "، فلما علم أن زناها وحملها منه، قال: " هي أبر مني " (انظر التكوين 38/1 - 26 ).
أين المغزى من القصة، امرأة مات عنها أزواجها واحداً بعد آخر، عاقبهم الرب لأنهم كانوا يعزلون عنها في الجماع، ثم زنت بوالدهم، ونتج عن هذا السفاح ابنان، أحدهما فارص الذي تشرف فأضحى أحد أجداد المسيح كما في سلسلة نسب المسيح في متى (انظر متى 1/2 ).
ثم تمضي القصة بلا عقوبة ولا وعيد ، فهل كان العزل عن الزوجة في الجماع مستحقاً للموت، بينما لا عقوبة ولا حدّ على جريمة زنا المحارم، بل شهادة ببِر تلك الزانية " هي أبر مني "، فأي بِر صنعته وهي تغوي والد أزواجها؟!.
وفي قصة أخرى تخلو عن العبرة والفائدة تقول التوراة: " ونذر يفتاح نذراً للرب قائلاً : إن دفعت بني عمون ليدي، فالخارج الذي يخرج من أبواب بيتي للقائي عند رجوعي بالسلامة من عند عمون يكون للرب وأصعده محرقة "، فلما انتصر استقبلته ابنته مهنئة، وكانت أول مستقبليه، فذبحها "ففعل بها نذره الذي نذر" ( القضاة 11/30 - 40 )، ما فائدة القصة لو كانت صحيحة، لماذا يخلدها الله في كتابه ووحيه؟
ومثلها ما جاء عن قتل الله لأطفال نالوا من النبي أليشع، وسخروا منه "ثم صعد من هناك (أي أليشع) إلى بيت إيل، وفيما هو صاعد في الطريق، إذا بصبيان صغار خرجوا من المدينة، وسخروا منه، وقالوا له: اصعد يا أقرع. اصعد يا أقرع. فالتفت إلى ورائه، ونظر إليهم، ولعنهم باسم الرب، فخرجت دبّتان من الوعر، وافترستا منهم اثنين وأربعين ولداً" (الملوك (2) 2/23-24)، فهل يعقل أن نبياً يدعو بالهلاك على أطفال صغار عيّروه؟ وهل يستجيب الله ، فيقتل الطفل البريء الذي أساء الأدب؟
ثم لو كان هذا صحيحاً، فما فائدة تخليده في كتاب ينسب إلى الله، وأي خير أو هدى تتعلمه البشرية منه، هل نقتل أطفالنا وندعو عليهم بالثبور إذا أخطؤوا في حقنا أو حق الآخرين؟
ومن العبث - الذي تتنزه عنه أسفار الله - ذلك الحوار الذي سجلته أسفار التوراة: "عاد بنو إسرائيل أيضاً، وبكوا، وقالوا: من يطعمنا لحماً، قد تذكرنا السمك الذي كنا نأكله في مصر مجاناً والقثاء والبطيخ والكرّاث والبصل والثوم. والآن قد يبست أنفسنا، ليس شيء غير أن أعيننا إلى هذا المنّ، وأما المنّ فكان كبزر الكزبرة، ومنظره كمنظر المقل، كان الشعب يطوفون ليلتقطوه، ثم يطحنونه بالرحى، أو يدقونه في الهاون، ويطبخونه في القدور، ويعملونه ملّات، وكان طعمه كطعم قطائف بزيت" (العدد 11/5-8).
لكن كاتب سفر الخروج يخالف كاتب سفر العدد في طعم هذا المنّ، ولعل مرد ذلك اختلاف أذواق الكتبة، يقول كاتب سفر الخروج: "هو كبزر الكزبرة أبيض، وطعمه كرقاق بعسل" (الخروج 16/31).
ومن القصص التي لا فائدة من ذكرها قصة أكل الطفل المسلوق الذي اتفقت أمه وجارتها على أكل ابنيهما في جوع السامرة "وكان جوع شديد في السامرة ... فقالت: إن هذه المرأة قد قالت لي: هاتي ابنك، فنأكله اليوم، ثم نأكل ابني غداً. فسلقنا ابني وأكلناه، ثم قلت لها في اليوم الآخر: هاتي ابنك، فنأكله، فخبأت ابنها" (الملوك (2) 6/25-29)، إذ ما الذي نستفيده من هذه القصة؟
ويمتد عبث الأسفار إلى أسفار الحكمة والشعر، والتي من المفترض أن نقرأ في ثناياها الحكمة، فإذا بنا نقرأ: "لكل شيء زمان، ولكل أمر تحت السماوات وقت، للولادة وقت، وللموت وقت، للغرس وقت، ولقلع المغروس وقت، للبكاء وقت، وللضحك وقت، وللنوح وقت، وللرقص وقت، لتفريق الحجارة وقت، ولجمع الحجارة وقت، للمعانقة وقت، وللانفصال عن المعانقة وقت، للتمزيق وقت، وللتخييط وقت، للسكوت وقت، وللتكلم وقت، للحب وقت، وللبغضة وقت، للحرب وقت، وللصلح وقت" (الجامعة 3/1-8).
معلومات تاريخية لا قيمة لها
يقول بولس : " كل الكتاب هو موحى به من الله، ونافع للتعليم والتوبيخ، للتقويم والتأديب الذي في البر " ( تيموثاوس (2) 3/16 ).
فهل كان الكتاب المقدس فعلاً موبخاً للخطيئة ومعلماً للبر ومقوماً للسلوك، وصالحاً للتأديب ؟
تمتلىء جنبات الكتاب بالنصوص المختلفة، والذي يعنينا هنا تلك النصوص التي مست الجانب الأخلاقي، فقد امتلأت أسفار الكتاب المقدس بالحديث عن رذائل مارسها بنو إسرائيل وغيرهم، وحكت طويلاً عن سكرهم وزناهم ووثنيتهم.ولسوف نعرض لشيء من هذه النماذج مع الاعتذار للقارئ الكريم عن قبيح ما يقرأه.
جاء في نشيد الإنشاد في الإصحاح الأول المنسوب لسليمان: " ليقبلني بقبلات فمه، لأن حبك أطيب من الخمر، لرائحة أدهانك الطيبة، اسمك دهن مهراق، لذلك أحبتك العذارى.
اجذبني ورائك فنجري، أدخلني الملك إلى حجاله، نبتهج ونفرح بك، نذكر حبك أكثر من الخمر..
ما أجمل خديك بسموط، وعنقك بقلائد، نصنع لك سلاسل من ذهب مع جمان من فضة .. حبيبي لي، بين ثديي يبيت .... " ( نشيد 1/1 - 15 ).
وعلى هذا تستمر بقية إصحاحات السفر، بل تسوء " في الليل على فراشي طلبت من تحبه نفسي، طلبته فما وجدته .. حتى وجدت من تحبه نفسي فأمسكته، ولم أرخه حتى أدخلته بيت أمي، وحجرة من حبلت بي .. قد خلعت ثوبي فكيف ألبسه .. حبيبي مد يده من الكوة، فأنَّت عليه أحشائي..." ( نشيد 3/1 - 5 ).
"ما أجمل رجليكِ بالنعلين يا بنت الكريم، دوائر فخذيك مثل الحلي، صنعة يدي صناع، سرتك كاس مدورة لا يعوزها شراب ممزوج، بطنك صبرة حنطة مسيجة بالسوسن، ثدياك كخشفتين، توأمي ظبية، عنقك كبرج من عاج، عيناك كالبرك ...
ما أجملك وما أحلاك أيتها الحبيبة باللذّات، قامتك هذه شبيهة بالنخلة، وثدياك بالعناقيد ... وتكون ثدياك كعناقيد الكرم، ورائحة أنفك كالتفاح، وحنكك كأجود الخمر، لحبيبي السائغة المرقرقة السائحة على شفاه النائمين، أنا لحبيبي، وإليّ اشتياقه.
تعال يا حبيبي لنخرج إلى الحقل ولنبت في القرى، لنبكرنّ إلى الكروم لننظر هل أزهر الكرم هل تفتح القعال؟ هل نوّر الرمان. هنالك أعطيك حبي ...
ليتك كأخ لي، الراضع ثديي أمي، فأجدك في الخارج وأقبلك، ولا يخزونني، وأقودك وأدخل بك بيت أمي، وهي تعلمني، فأسقيك من الخمر الممزوجة من سلاف رماني، شماله تحت رأسي، ويمينه تعانقني" (نشيد 7/1-13).
فلما رأت أختها أهوليبة ذلك أفسدت في عشقها أكثر منها، وفي زناها أكثر من زنى أختها. عشقت بني أشور الولاة والشحن الأبطال اللابسين أفخر لباس، فرساناً راكبين الخيل كلهم شبان شهوة، فرأيت أنها قد تنجست ولكلتيهما طريق واحدة.
وزادت زناها ولما نظرت إلى رجال مصوّرين على الحائط صور الكلدانيين.. عشقتهم عند لمح عينيها إياهم، وأرسلت إليهم رسلاً إلى أرض الكلدانيين.
فأتاها بنو بابل في مضجع الحب ونجسوها بزناهم، فتنجست بهم وجفتهم نفسها، وكشفت زناها وكشفت عورتها، فجفتها نفسي كما جفت نفسي أختها.
وأكثرت زناها بذكرها أيام صباها التي فيها زنت بأرض مصر، وعشقت معشوقيهم الذين لحمهم كلحم الحمير [والمعنى: مذاكيرهم كمذاكير الحمير]، ومنيّهم كمنيّ الخيل" (حزقيال 23/1 - 49 ).
ويتكرر هذا الدنس في سفر آخر، وهو سفر الأمثال، حيث يقول: "في العشاء، في مساء اليوم في حدقة الليل والظلام. وإذ بامرأة استقبلته في زيّ زانية وخبيثة القلب. صخّابة هي وجامحة. في بيتها لا تستقر قدماها ... فأمسكته وقبّلته، أوقحت وجهها، وقالت له: .. خرجت للقائك، لأطلب وجهك حتى أجدك. بالديباج فرشت سريري، بموشّى كتان من مصر، عطرت فراشي بمرّ وعود وقرفة. هلم نرتو ودّاً إلى الصباح، نتلذذ بالحب، لأن الرجل ليس في البيت، ذهب في طريق بعيدة ... أغوته بكثرة فنونها، بملث شفتيها طوحته، ذهب وراءها لوقته، كثور يذهب إلى الذبح، أو كالغبي إلى قيد القصاص، حتى يشق سهم كبده، كطير يسرع إلى الفخ، ولا يدري أنه لنفسِه" (الأمثال 7/9 - 23 ).
وقريباً من هذا قول سفر الأمثال أيضاً، ولكنه هذه المرة يتحدث عن الزوجة، فيقول: "وافرح بامرأة شبابك، الظبيّة المحبوبة، والوعْلَة الزهية. ليُروِك ثدياها في كل وقت، وبمحبتها اسكر دائماً" (الأمثال 5/18- 19). وسوى ذلك..
فهل هذا وحي الله؟ أم أنها النفوس المريضة التي لا تطيق البعد عن حمأة الجنس وأحاديثه؟
كما تحوي الأسفار المقدسة بعض صور السباب المقزع، كما في قوله: "الله قد تكلم بقدسه ... موآب مرْحضتي، وعلى أدوم ألْقي حذائي" (المزمور60/6-8)، فهل يعتبر الإله العظيم أمة من الأمم التي خلقها محلاً لقضاء حاجته أو التنظف من قذره، بل هل له حاجة أو قذر، وهل يحتاج إلى مرحاض، ولو على سبيل الاستعارة.
ومن السباب الذي لا يليق بالله العظيم الجليل ووحيه ما تنقله الأسفار عن الملك شاول أنه قال ليوناثان ابنه: "يا ابن المتعوّجة المتمردة، أما علمت أنك قد اخترت ابن يسّى [داود] لخزيك وخزي عورة أمك" (صموئيل (1)20/30).
ومن ذلك أن إشعيا قال لبني إسرائيل: " أما أنتم فتقدموا إلى هنا يا بني السامرة، نسل الفاسق والزانية..." ( إشعيا 57/3 ).
وبعد : ما هي آثار الكتاب المقدس على قارئيه ؟
إن نظرة إلى المجتمع الغربي ودراسة سريعة للأرقام الوبائية للفساد في أوربا تثير الذعر، وتدفع إلى التفكير والبحث عن مصدر هذا البلاء.
ونرى أن الكتاب المقدس هو أحد أسباب البلاء، فقد قال المسيح: " من ثمارهم تعرفونهم، هل يجتنون من الشوك عنباً، أو من المسك تيناً، هكذا كل شجرة جيدة تصنع أثماراً جيدة، وأما الشجرة الردية فتصنع أثماراً ردية " ( متى 7/16 - 17).
ولا غرابة البتة أن تنتشر الخمور والزنا في أمة تؤمن أن أنبياءها كانوا زناة، يمارسون الرذيلة حتى مع محارمهم، كانوا يشربون الخمور، حتى الثمالة، من غير أن يعاقبهم الله أو يخلع عنهم صفة القداسة والرسالة والاصطفاء، بل أكرم أبناء زناهم وعهرهم، فجعلهم أجداداً لابنه المسيح!!
لا غرابة أن تنتشر الخمور في أمة ينصح كتابها المقدس بشرب الخمر، ويراه حلاً لمشاكل الفقراء وذهاباً لهمومهم- بديلاً عن الإيمان والرضا بالقضاء -، يقول سفر الأمثال: " ليس للملوك أن يشربوا خمراً ولا للعظماء المسكر، لئلا يشربوا وينسوا المفروض ويغيّروا حجة كل بني المذلة، أعطوا مسكراً لهالك، وخمراً لمرّي النفس، يشرب وينسى فقره، ولا يذكر تعبه بعد" (الأمثال 31/6).
ولا غرابة أن تنتشر الجريمة في مجتمع يؤمن بأن الله يأمر بقتل الأبرياء والنساء والأطفال والحيوانات، ودون سبب.
وصدق برنارد شو، وهو يقول عن الكتاب المقدس: " أخطر الكتب الموجودة على وجه الأرض، احفظوه في خزانة مغلقة بالمفتاح ". (1)
الصبغة البشرية للعهد القديم
تصطبغ أسفار العهد القديم بالصبغة البشرية الضعيفة التي نجدها في سائر الأسفار، فالأسفار المقدسة كتاب تاريخ يقع في كثير من الأخطاء التي قد لا يقع فيها صغار الكُتَّاب ، ناهيك عن أصحاب الذوق الرفيع منهم.
قصص للمتعة لا للفائدة
وفي كثير من فقراته يفتقد الكتاب المقدس إلى المعلومة المفيدة التي تستثمر الحدث التاريخي لهدف ديني، بل فيه ما تجده في كتب الإثارة والمتعة الرخيصة واللهو البعيد عن العبرة والفائدة.
فما الفائدة والثمرة من قبل بعض هذه الحكايات الواردة فيه؟ ما الفائدة من قصة زنا يهوذا بكنته ثامار بعد أن زوجها أبناءه واحداً بعد واحد، ثم زنى بها وهو لا يعرفها، فلما عرف بحملها أراد أن يحدها فقال: " أخرجوها فتحرق "، فلما علم أن زناها وحملها منه، قال: " هي أبر مني " (انظر التكوين 38/1 - 26 ).
أين المغزى من القصة، امرأة مات عنها أزواجها واحداً بعد آخر، عاقبهم الرب لأنهم كانوا يعزلون عنها في الجماع، ثم زنت بوالدهم، ونتج عن هذا السفاح ابنان، أحدهما فارص الذي تشرف فأضحى أحد أجداد المسيح كما في سلسلة نسب المسيح في متى (انظر متى 1/2 ).
ثم تمضي القصة بلا عقوبة ولا وعيد ، فهل كان العزل عن الزوجة في الجماع مستحقاً للموت، بينما لا عقوبة ولا حدّ على جريمة زنا المحارم، بل شهادة ببِر تلك الزانية " هي أبر مني "، فأي بِر صنعته وهي تغوي والد أزواجها؟!.
وفي قصة أخرى تخلو عن العبرة والفائدة تقول التوراة: " ونذر يفتاح نذراً للرب قائلاً : إن دفعت بني عمون ليدي، فالخارج الذي يخرج من أبواب بيتي للقائي عند رجوعي بالسلامة من عند عمون يكون للرب وأصعده محرقة "، فلما انتصر استقبلته ابنته مهنئة، وكانت أول مستقبليه، فذبحها "ففعل بها نذره الذي نذر" ( القضاة 11/30 - 40 )، ما فائدة القصة لو كانت صحيحة، لماذا يخلدها الله في كتابه ووحيه؟
ومثلها ما جاء عن قتل الله لأطفال نالوا من النبي أليشع، وسخروا منه "ثم صعد من هناك (أي أليشع) إلى بيت إيل، وفيما هو صاعد في الطريق، إذا بصبيان صغار خرجوا من المدينة، وسخروا منه، وقالوا له: اصعد يا أقرع. اصعد يا أقرع. فالتفت إلى ورائه، ونظر إليهم، ولعنهم باسم الرب، فخرجت دبّتان من الوعر، وافترستا منهم اثنين وأربعين ولداً" (الملوك (2) 2/23-24)، فهل يعقل أن نبياً يدعو بالهلاك على أطفال صغار عيّروه؟ وهل يستجيب الله ، فيقتل الطفل البريء الذي أساء الأدب؟
ثم لو كان هذا صحيحاً، فما فائدة تخليده في كتاب ينسب إلى الله، وأي خير أو هدى تتعلمه البشرية منه، هل نقتل أطفالنا وندعو عليهم بالثبور إذا أخطؤوا في حقنا أو حق الآخرين؟
ومن العبث - الذي تتنزه عنه أسفار الله - ذلك الحوار الذي سجلته أسفار التوراة: "عاد بنو إسرائيل أيضاً، وبكوا، وقالوا: من يطعمنا لحماً، قد تذكرنا السمك الذي كنا نأكله في مصر مجاناً والقثاء والبطيخ والكرّاث والبصل والثوم. والآن قد يبست أنفسنا، ليس شيء غير أن أعيننا إلى هذا المنّ، وأما المنّ فكان كبزر الكزبرة، ومنظره كمنظر المقل، كان الشعب يطوفون ليلتقطوه، ثم يطحنونه بالرحى، أو يدقونه في الهاون، ويطبخونه في القدور، ويعملونه ملّات، وكان طعمه كطعم قطائف بزيت" (العدد 11/5-8).
لكن كاتب سفر الخروج يخالف كاتب سفر العدد في طعم هذا المنّ، ولعل مرد ذلك اختلاف أذواق الكتبة، يقول كاتب سفر الخروج: "هو كبزر الكزبرة أبيض، وطعمه كرقاق بعسل" (الخروج 16/31).
ومن القصص التي لا فائدة من ذكرها قصة أكل الطفل المسلوق الذي اتفقت أمه وجارتها على أكل ابنيهما في جوع السامرة "وكان جوع شديد في السامرة ... فقالت: إن هذه المرأة قد قالت لي: هاتي ابنك، فنأكله اليوم، ثم نأكل ابني غداً. فسلقنا ابني وأكلناه، ثم قلت لها في اليوم الآخر: هاتي ابنك، فنأكله، فخبأت ابنها" (الملوك (2) 6/25-29)، إذ ما الذي نستفيده من هذه القصة؟
ويمتد عبث الأسفار إلى أسفار الحكمة والشعر، والتي من المفترض أن نقرأ في ثناياها الحكمة، فإذا بنا نقرأ: "لكل شيء زمان، ولكل أمر تحت السماوات وقت، للولادة وقت، وللموت وقت، للغرس وقت، ولقلع المغروس وقت، للبكاء وقت، وللضحك وقت، وللنوح وقت، وللرقص وقت، لتفريق الحجارة وقت، ولجمع الحجارة وقت، للمعانقة وقت، وللانفصال عن المعانقة وقت، للتمزيق وقت، وللتخييط وقت، للسكوت وقت، وللتكلم وقت، للحب وقت، وللبغضة وقت، للحرب وقت، وللصلح وقت" (الجامعة 3/1-8).
معلومات تاريخية لا قيمة لها