ومن تحريف متى نسبته المسيح إلى الملك يكنيا المسمى بيهوياكين وكنياهو (انظر إرمياء 37/1)، فهذا الملك عقيم لا ولد له، ولن يكون في نسله جالس على كرسي داود، لأن الرب حرمه من ذلك كما نقل سفر إرمياء: "هكذا قال الرب: اكتبوا هذا الرجل عقيماً، رجلاً لا ينجح في أيامه، لأنه لا ينجح من نسله أحد جالساً على كرسي داود وحاكماً بعدُ في يهوذا" (إرمياء 22/30)، فكيف يكون يكنيا من أجداد المسيح وهو رجل عقيم؟ وكيف سيرث المسيح على كرسي داود أبيه إذا كان من ذرية هذا الملك الذي حرم الله نسله من الملك؟ إن أحداً غير البشير متّى لا يستطيع الإجابة عن هذه الأسئلة!
- ومن التحريف ما صنعه لوقا حين زعم أن شالح هو ابن قينان بن أرفكشاد خلافاً لما ورد في التوراة في عدد من المواضع، يقول لوقا: "عابر بن شالح بن قينان بن أرفكشاد" (لوقا 3/35-36)، في حين إن سفر التكوين يقول: "وأرفكشاد ولَد شالح " (التكوين 10/24)، ويؤكده في السفر الذي يليه، فيذكر أن الأب أرفكشاد ولد ابنه شالح، وعمره خمس وثلاثون سنة "وعاش أرفكشاد خمساً وثلاثين سنة، وولد شالح" (التكوين 11/ 12) (وانظر الأيام (1) 1/18، والأيام (1) 1/24)، ولم يذكر في أي من المواضع التوراتية اسم قينان، فما صنعه لوقا تحريف ولا ريب ، أو أنه كان يرى تحريف النصوص التوراتية، فخالفها لذلك.
- وأخيراً، فإن من التحريف ما تصرف به متى وهو ينقل عن سفر ميخا، فقال: " هكذا مكتوب بالنبي: وأنت يا بيت لحم أرض يهوذا، لست الصغرى بين رؤساء يهوذا، لأن منك يخرج مدبر يرعى شعبي" (متى 2/5-6)، فميخا لم ينف عن بيت لحم أنها الصغرى من مدن يهوذا، بل وصفها بأنها الصغيرة بين مدن يهوذا فقال: "أما أنت يا بيت لحم أفراتة، وأنت صغيرة أن تكوني بين ألوف يهوذا، فمنك يخرج لي الذي يكون متسلطاً على اسرائيل" (ميخا 5/2).
ثالثاً: انتشار التحريف في الصدر الأول
رأينا قبل أصحاب النصوص الإنجيلية وهم يقعون في التحريف، في الصدر الأول من النصرانية، وقد كثر حينذاك المنتحلون للنبوة والزاعمون أنهم يكتبون القصة الحقيقية لعيسى عليه السلام.
ومنذ ذلك الحين صدرت الدعوات تحذر من التحريف الذي يتعرض له الإنجيل.
وهذا الذي دعا بولس للقول: " إني أتعجب أنكم تنتقلون هكذا سريعاً عن الذي دعاكم بنعمة المسيح إلى إنجيل آخر ليس هو، غير أنه يوجد قوم يزعجونكم، ويريدون أن تحولوا إنجيل المسيح " ( غلاطية 1/6 - 7 )، فتحدث بولس عن أناس يريدون تحريف إنجيل المسيح الذي سبق الحديث عن فقده.
ويقول أيضاً: " ولكن ما أفعله سأفعله لأقطع فرصة الذين يريدون فرصة كي يوجدوا كما نحن أيضاً فيما يفخرون به، لأن مثل هؤلاء رسل كذبة، فعلة ماكرون مغيرون من شكلهم إلى شبه رسل المسيح " ( كورنثوس (2) 11/12 - 13 ).
ويقول يوحنا: " أيها الأحباء لا تصدقوا كل روح ... لأن أنبياء كذبة كثيرين قد خرجوا إلى العالم " ( يوحنا (1) 4/1 )، لقد أصبح إدعاء النبوة والتحريف مرضاً مستشرياً في القرن الميلادي الأول.
ويحذر التلميذ يهوذا من أولئك الذين زوروا كلاماً على المسيح " إنه قد دخل خلسة أناس قد كتبوا منذ القديم لهذه الدينونة، فجار يحولون نعمة إلهنا ... هو ذا قد جاء الرب ليضع دينونة على الجميع، ويعاقب جميع فجارهم على جميع أعمال فجورهم ... وعلى جميع الكلمات الصعبة التي تكلم بها عليه خطاة فجار ... إنه في الزمن الأخير سيكون قوم مستهزؤون سالكين بحسب شهوات فجورهم " (يهوذا 4-18).
ويحذر بطرس من التحريف المعنوي بتغيير المعاني الصحيحة، فيقول: " كتب إليكم أخونا الحبيب بولس. أيضاً بحسب الحكمة المعطاة له، كما في الرسائل كلها أيضاً متكلماً فيها عن هذه الأمور التي فيها أشياء عسرة الفهم، يحرفها غير العلماء وغير الثابتين كباقي الكتب أيضاً لهلاك أنفسهم " ( بطرس (2) 3/15 - 16).
يؤكد المؤرخ موشيم سهولة وقوع التحريف في الصدر الأول لانتشار مقولة أفلاطون وفيثاغورث " أن الكذب والخداع لأجل أن يزداد الصدق عبادة لله، ليس بجائزين فقط، بل قابلان للتحسين، وتعلم أولاً منهم يهود مصر هذه المقولة قبل المسيح .. ثم أثر وباء هذه الغلط السوء في المسيحيين كما يظهر ". (1)
وقد كان بولس نموذجاً صارخاً لهذا النوع من التحريف باسم الدين، وقد اعترف به فقال: "إن كان صدق الله قد ازداد بكذبي لمجده، فلماذا أدان بعد كخاطئ" (رومية 3/7).
من كتب العهد الجديد؟
نشرت مجلة تايم في عددها الصادر في اكتوبر 1986 مقالاً عن ندوة دولية حضرها 120 عالماً نصرانياً درسوا صحة الأقوال المنسوبة للمسيح في الأناجيل الأربعة، فوجدوا أنه لا يصح منها سوى 148 قولاً من بين 758 قولاً منسوباً إليه.
وذكر كتاب " الأناجيل الخمسة " الذي أصدرته ندوة يسوع عام 1993م أن 18% فقط من الأقوال التي تنسبها الأناجيل إلى يسوع ربما يكون قد نطق بها فعلاً.
وفي ندوة 1995 قرروا أن رواية ميلاد يسوع غير حقيقية سوى ما يتعلق باسم أمه، ومثله قصة آلام المسيح ومحاكمته. (2)
رابعاً: ظهور الطباعة، والتحريف الطباعي للعهد الجديد
وفي القرن السادس عشر ظهرت الطباعة وأدواتها، ليظهر معها نوع جديد من أنواع التحريف، يؤكد أن القوم قد استمرؤوا باطلهم وتحريفهم.
وقد أصدر ارازموس سنة 1516م أول طبعاته كما ذكر ذلك فردريك جرانت في كتابه "الأناجيل أصولها ونماؤها" وجورج كيرد في تفسيره.
وفي عهد الملك جيمس الأول ملك انجلترا واسكتلندا عقد مؤتمر ديني عام 1604م أسفر عن تشكيل لجنة ترجمة من البروتستانت تولت إنتاج النص الرسمي للكتاب المقدس باللغة الإنجليزية، وختم الملك جيمس هذه النسخة بخاتمه، وطبعت سنة 1611م.
ومنذ عهد الملك جيمس توالت الطعون لهذه الترجمة الأشهر في تاريخ المسيحية، فقد رفعت للملك جيمس عريضة تقول: " إن الزبورات التي هي داخلة في كتاب صلاتنا مخالفة للعبري بالزيادة والنقصان والتبديل في مائتي موضع تخميناً ".
وقال بروتن للقسس: " إن ترجمتكم الإنجليزية المشهورة حرفت عبارات كتب العهد العتيق في ثمانمائة وثمان وأربعون موضعاً، وصارت سبباً لرد أناس غير محصورين كتب العهد الجديد ودخولهم النار ".
وتوالت الطعون لهذه الترجمة والتي عنها ترجم العهد الجديد إلى أكثر لغات العالم.
وفي عام 1881م عُدلت نسخة الملك جيمس، وسميت بالنسخة القياسية المنقحة، ثم نقحت 1952م، وسميت أيضاً " النسخة القياسية المنقحة " (R.S.V)، وكان تنقيحها على يد اثنين وثلاثين عالماً لاهوتياً تساندهم هيئة استشارية تمثل خمسين طائفة دينية، ثم أعيد تنقيحها عام 1971م، وصدرت بنفس الاسم (R.S.V)، وجاء في مقدمة هذه الطبعة: " لكن نصوص الملك جيمس بها عيوب خطيرة جداً ... وإن هذه العيوب والأخطاء عديدة وخطيرة، مما يستوجب التنقيح في الترجمة الإنجليزية ".
ومما حذفته النسخة المنقحة نص يوحنا المشهور في التثليث ( انظر يوحنا (1) 5/7 ) ونهاية إنجيل مرقس ( انظر 16/9 - 20 ). (1)
وتبدو إمكانية تطوير النص أيضاً عند الكاثوليك، حيث جاء في مقدمة العهد الجديد للكاثوليك " بوسعنا اليوم أن نعد نص العهد الجديد نصاً مثبتاً إثباتاً حسناً، وما من داع إلى إعادة النظر إلا إذا عثر على وثائق جديدة ". (2)
وقد كان الكاثوليك قد أصدروا نسخة لاتينية خاصة بهم تسمى نسخة " دوي "، وطبعت لأول مرة عام 1582م ثم 1609م، وتختلف هذه النسخة عن نسخة الملك جيمس المعاصرة لها في أمور أهمها زيادة سبعة من الأسفار التوراتية ( الأبوكريفا ) غير موجودة في ترجمة الملك جيمس البروتستانتية.
أمثلة لتحريف الطبعات
وقد لجأ المحرفون إلى وسائل مستحدثة في التحريف، منها أنهم تعمدوا وضع إضافات للنص المطبوع، وجعلت هذه الإضافات في أقواس للدلالة على عدم وجودها في أقدم المخطوطات المعتمدة، وأنها إضافات تفسيرية.
ثم وفي طبعات أخرى تختفي الأقواس، ويصبح ما بين الأقواس جزء من النص المقدس، وفي طبعات أخرى تم حذف الأقواس وما بينها، فأي هذه النصوص كلمة الله؟ ومن الذي يحق له أن يزيد وينقص في الكتاب المقدس؟ أولا تزاد له الضربات المكتوبة حين يزيد في الكتاب، أو يحذف اسمه من سفر الحياة والمدينة المقدسة حين يحذف بعضاً مما هو منه. (انظر الرؤيا 22/18-19).
- ولعل أهم أمثلة تحريف الطبعات قاطبة ما جاء في رسالة يوحنا الأولى " فإن الذين يشهدون (في السماء هم ثلاثة الأب والكلمة والروح القدس، وهؤلاء الثلاثة هم واحد، والذين يشهدون في الأرض) هم ثلاثة الروح والماء والدم، والثلاثة هم في الواحد " ( يوحنا (1) 5/7 - 8)، والفقرة الأولى التي تتحدث عن شهود السماء غير موجودة في النسخ القديمة، كما أنها غير موجودة في جلسات المجمع النيقي.
والنص موجود في سائر تراجم العهد الجديد المطبوعة بعد القرن السادس عشر الميلادي، ولا يخفى أن إضافة هذا النص كان ضرورياً لتثبيت عقيدة التثليث التي تفتقر لمثل هذا الدليل القوي في دلالته.
وقد اعترف محققو النصرانية بإلحاقية هذا النص، ومنهم كريسباخ وشولز، وهورن المتعصب، وجامعو تفسير هنري، واكستاين، والقس فندر، ومارتن لوثر الذي حذف النص من ترجمته.
وقد كتب إسحاق نيوتن رسالة بلغت خمسين صفحة أثبت فيها تحريف هذه العبارة التي بقيت في سائر الطبعات والتراجم بلغات العالم المختلفة إلى أواسط هذا القرن.
وفي عام 1952م أصدرت لجنة تنقيح الكتاب المقدس نسخة ( R. S. V )، النسخة القياسية المراجعة، وكان هذا النص ضمن ما حذفه المنقحون، لكن هذا التنقيح لم يسرِ على مختلف تراجم الإنجيل العالمية. (1)
وكانت بعض الطبعات العربية القديمة قد وضعتها بين هلالين لتدل على عدم وجودها في المخطوطات القديمة كما في ترجمة الشرق الأوسط 1933م، ومثلها صنعت طبعة دار الكتاب المقدس في الشرق الأوسط.
لكن الفقرة أضحت جزءاً من النص، حين أدرجت فيه من غير أهلة، وذلك في سائر التراجم العالمية والعربية، سوى طبعة العالم الجديد والرهبانية اليسوعية الكاثوليكية في مختلف اللغات العالمية والعربية منها، وكذلك الترجمة العربية المشتركة، فإن هذه الترجمات حذفت هذا النص المهم ، واعتبرته - على أهميته اللاهوتية - نصاً دخيلاً ملحقاً بالكتاب المقدس.
- ومن النصوص المهمة أيضاً التي تعرضت لتحريف الطبعات، النصان الوحيدان اللذان يتحدثان عن صعود المسيح للسماء في خاتمة مرقس (16/19)، و(لوقا 24/51) ، وقد حذف النصان من ( R. S. V) عام 1952م، وبقيا في سائر التراجم العالمية.
ثم في 1971م عرض أمام اللجنة ( المنقحة ) طلبات عديدة قدمها اثنان من الأفراد، وطائفتان دينيتان، ونتيجة لهذه الطلبات تم إعادة نص التثليث وخاتمة مرقس (16/9 - 20)، و(لوقا 24/51) في طبعة ثانية صدرت باسم ( R. S. V ) أيضاً. (2)
ومن صور تحريف الأقواس أنه جاء في إنجيل مرقس حسب ترجمة الشرق الأوسط التي اعتمدناها في هذه السلسلة " فاخرجوا من هناك، وانفضوا التراب الذي تحت أرجلكم شهادة عليهم، (الحق أقول لكم: ستكون لأرض سدوم وعمورة يوم الدين حالة أكثر احتمالاً مما لتلك المدينة)" (مرقس 6/11)، ولعل القارئ الكريم يلحظ أن بعض عباراتها كان بين أقواس ، للدلالة على أنه زيادة تفسيرية في المتن، وليست أصلية.
لكنه وفي طبعات أخرى أزيلت الأقواس، وأدرج ما بينها في المتن، فيما حذفت النسخة الكاثوليكية (ط. دار الكتاب المقدس في الشرق الأوسط 1992) الأقواس وما بينها، فهل هذه العبارة من كلمة الله أم لا؟ سؤال نطرحه على أولئك الذين ما زالوا يصرخون بأن الكتاب المقدس محفوظ من التحريف والتبديل، وأن زوال السماوات والأرض أيسر من ضياع حرف واحد منه!
ومثل هذا الصنيع سواء بسواء تكرر في عدد من المواضع ، منها ما جاء في متى " (لأن لك الملك والقوة والمجد إلى الأبد)" (متى 6/13).
و مثله في قول بولس:" (لأن للرب الأرض وملأها)" (كورنثوس (1) 10/28).
ومثله في استهلال بولس لرسالته إلى أهل كولوسي، حيث يقول: "إلى القديسين في كولوسي والإخوة المؤمنين في المسيح، نعمة لكم، وسلام من الله أبينا (والرب يسوع المسيح)" (كولوسي 1/2)، ومابين الأقواس محذوف في نسخة الكاثوليك (الرهبانية اليسوعية)، كما حذفته نسخة ترجمة العالم الجديد لعدم أصالته.
ومثله أيضاً في قول المؤلف المجهول لرسالة العبرانيين " وإن مست الجبل بهيمة ترجم (أو ترمى بسهم)" (عبرانيين 12/20).
وفي مواضع أخرى يتردد طابعو الكتاب المقدس (في الترجمات العربية) في إيراد بعض النصوص، ولا يتفقون على أصالتها، إذ بعض الطبعات توردها داخل أقواس، لتنبه على عدم أصالتها، فيما يحذف آخرون النصوص ويعتبرونها دخيلة على الكتاب ملفقة فيه، لكن ذلك لن يمنع نسخاً أخرى من حذف الأقواس ، وجعل ما كان ما بينها جزءاً من كلمة الله التي لا تتبدل ولا تتغير!
ومن ذلك قول متى "ولما صلبوه اقتسموا ثيابه مقترعين عليها، (لكي يتم ما قيل بالنبي: اقتسموا ثيابي بينهم، وعلى لباسي ألقوا قرعة)" (متى 27/35)، فالطبعة الكاثوليكية الصادرة عن دار الكتاب المقدس في الشرق الأوسط تحذف الأقواس، وتجعل ما بينها جزءاً من النص، مخالفة النص البرتستانتي الذي يضعه بين أقواس، منبهاً بذلك على أنه إضافة تفسيرية، وليس من كلمة الله، أما نسخة ترجمة العالم الجديد لشهود يهوه فقد حذفت الأقواس وما بينها، ومثله صنعت نسخة الرهبانية اليسوعية الكاثوليكية.
ومثله سواء بسواء في قول متى: "(ويل لكم أيها الكتبة والفريسيون المراؤون، لأنكم تأكلون بيوت الأرامل، ولعله تطيلون صلواتكم، لذلك تأخذون دينونة أعظم)" (متى 23/14).
وكذا صنع الطابعون تحريفاً آخر في رسالة العبرانيين، فحرفوا ما كتبه كاتبها المجهول في قوله: "وضعته قليلاً عن الملائكة، بمجد وكرامة كللته، (وأقمته على أعمال يديك)، أخضعت كل شيء تحت قدميه" (عبرانيين 2/7-8). وهذه الزيادة أثبتتها طبعات كثيرة بغير أقواس، وحذفتها نسخة الرهبانية اليسوعية، فقالت: "وكللته بالمجد والكرامة، وأخضعت كل شيء تحت قدميه".
وفي مواضع أخرى من العهد الجديد رفعت الأقواس وتغير ما كان بينها، فقد جاء في النص البرتستانتي :"وإن كان روح أو ملاك قد كلمه (فلا نحاربنّ الله) " (أعمال 23/9)، لكن النسخة الكاثوليكية أزالت الأقواس وما بينها، وأصبح النص فيها هكذا : "إن كان قد كلمه ملاك أو روح فماذا لنا"، وأما نسخة الرهبانية اليسوعية فحذفت الأقواس، وغيّرت النص، فأضحى: "فلربما كلمه روح أو ملاك"، وأما نسخة ترجمة العالم الجديد فقد حذفت الأقواس وما بينها، ووضعت بدلاً عن المحذوف نقطاً للدلالة على وجود سقط في النص.
وفي أحايين أخرى لجأ المحرفون إلى الحذف أو الزيادة من غير أن يعوزهم أقواس يحذفونها أو يثبتونها حسب ما يتبدى لهم، ومن صور ذلك ما جاء في سفر أعمال الرسل في نسخة الشرق الأوسط البرتستنتية والأخرى الكاثوليكية في سياق قصة فيلبُس مع عبد كنداكة ملكة الحبشة، وفيها أنهما مرا على ماء "فقال الخصي: هوذا ماء، ماذا يمنع أن أعتمد؟ فقال فيلبس: إن كنت تؤمن من كل قلبك يجوز، فأجاب وقال: أنا أُومن أن يسوع المسيح هو ابن الله، فأمر أن تقف المركبة، فنزلا كلاهما إلى الماء ..." (أعمال 8/36-38)، وهذا الحوار الذي جرى بعد رؤيتهما للماء لم تذكره نسخة شهود يهوه المسماة ترجمة العالم الجديد ، كما حذفته نسخة الرهبانية اليسوعية الكاثوليكية، والنص فيها: "فقال الخصي: هذا ماء، فما يمنع أن أعتمد؟ ثم أمر بأن تقف المركبة، ونزلا كلاهما في الماء ".
وأخيراً جاء في إنجيل يوحنا في سياق حديثه عن مجيء المسيح إلى بركة بيت حسدا، حيث لقي العميان والعرج والكسح، وفي ثناياه يقول بأنهم كانوا: " يتوقعون تحريك الماء، لأن ملاكاً كان ينزل أحياناً في البركة، ويحرك الماء، فمن نزل أولاً بعد تحريك الماء كان يبرأ من أي مرض اعتراه" (يوحنا 5/ 3-4)، فهذه الفقرة محذوفة من عدد من النسخ والتراجم العالمية، ومنها الرهبانية اليسوعية التي بررت حذف هذا النص بقولها: "لم يرد في عدد كبير من المخطوطات، منها القديمة خاتمة الآية 3 والآية 4".
ومثل هذه الصور من تحريف الأقواس وغيرها كثيرة يطول المقام بتتبعها (انظر متى 18/11، 20/16، 23/14، مرقس 9/44، 15/28، لوقا 17/35- 37، 23/16-18، أعمال 9/5، رومية 11/6)، وغيرها.
وأحياناً يعمد المحرفون من الطابعين والمترجمين إلى تحريف النص من غير وضع أقواس ولا حذفها، ومن ذلك تحريفهم لسؤال يسوع الذي سأله للأعمى الذي شفاه ، ففي الترجمة المشهورة: "فسمع يسوع أنهم أخرجوه خارجاً، فوجده، وقال له: أتؤمن بابن الله؟" (يوحنا 9/34-35).
وقوله: "ابن الله" تحريف لقول المسيح، الذي قال حسب نسخة الرهبانية اليسوعية وغيرها من النسخ والتراجم العالمية: "أتؤمن أنت بابن الإنسان؟"، فحرفوها إلى "ابن الله".!
وأخيراً جاء في إنجيل لوقا أن المسيح قال لليهود: " من منكم يسقط حماره أو ثوره في بئر ولا ينشله حالاً في يوم السبت" (لوقا 14/5)، وكلمة "حماره" استبدلتها العديد من التراجم العالمية بكلمة "ابنه" ومن بينها نسخة الرهبانية اليسوعية، وفيها: "من منكم يقع ابنه أو ثوره في بئر فلا يخرجه منها".
وهكذا يحار القارئ الكريم في التوفيق بين هذه النصوص المختلفة، ويبقى السؤال يطوف بمخيلته : أي هذه النصوص هو وحي الله؟
- ومن التحريف ما صنعه لوقا حين زعم أن شالح هو ابن قينان بن أرفكشاد خلافاً لما ورد في التوراة في عدد من المواضع، يقول لوقا: "عابر بن شالح بن قينان بن أرفكشاد" (لوقا 3/35-36)، في حين إن سفر التكوين يقول: "وأرفكشاد ولَد شالح " (التكوين 10/24)، ويؤكده في السفر الذي يليه، فيذكر أن الأب أرفكشاد ولد ابنه شالح، وعمره خمس وثلاثون سنة "وعاش أرفكشاد خمساً وثلاثين سنة، وولد شالح" (التكوين 11/ 12) (وانظر الأيام (1) 1/18، والأيام (1) 1/24)، ولم يذكر في أي من المواضع التوراتية اسم قينان، فما صنعه لوقا تحريف ولا ريب ، أو أنه كان يرى تحريف النصوص التوراتية، فخالفها لذلك.
- وأخيراً، فإن من التحريف ما تصرف به متى وهو ينقل عن سفر ميخا، فقال: " هكذا مكتوب بالنبي: وأنت يا بيت لحم أرض يهوذا، لست الصغرى بين رؤساء يهوذا، لأن منك يخرج مدبر يرعى شعبي" (متى 2/5-6)، فميخا لم ينف عن بيت لحم أنها الصغرى من مدن يهوذا، بل وصفها بأنها الصغيرة بين مدن يهوذا فقال: "أما أنت يا بيت لحم أفراتة، وأنت صغيرة أن تكوني بين ألوف يهوذا، فمنك يخرج لي الذي يكون متسلطاً على اسرائيل" (ميخا 5/2).
ثالثاً: انتشار التحريف في الصدر الأول
رأينا قبل أصحاب النصوص الإنجيلية وهم يقعون في التحريف، في الصدر الأول من النصرانية، وقد كثر حينذاك المنتحلون للنبوة والزاعمون أنهم يكتبون القصة الحقيقية لعيسى عليه السلام.
ومنذ ذلك الحين صدرت الدعوات تحذر من التحريف الذي يتعرض له الإنجيل.
وهذا الذي دعا بولس للقول: " إني أتعجب أنكم تنتقلون هكذا سريعاً عن الذي دعاكم بنعمة المسيح إلى إنجيل آخر ليس هو، غير أنه يوجد قوم يزعجونكم، ويريدون أن تحولوا إنجيل المسيح " ( غلاطية 1/6 - 7 )، فتحدث بولس عن أناس يريدون تحريف إنجيل المسيح الذي سبق الحديث عن فقده.
ويقول أيضاً: " ولكن ما أفعله سأفعله لأقطع فرصة الذين يريدون فرصة كي يوجدوا كما نحن أيضاً فيما يفخرون به، لأن مثل هؤلاء رسل كذبة، فعلة ماكرون مغيرون من شكلهم إلى شبه رسل المسيح " ( كورنثوس (2) 11/12 - 13 ).
ويقول يوحنا: " أيها الأحباء لا تصدقوا كل روح ... لأن أنبياء كذبة كثيرين قد خرجوا إلى العالم " ( يوحنا (1) 4/1 )، لقد أصبح إدعاء النبوة والتحريف مرضاً مستشرياً في القرن الميلادي الأول.
ويحذر التلميذ يهوذا من أولئك الذين زوروا كلاماً على المسيح " إنه قد دخل خلسة أناس قد كتبوا منذ القديم لهذه الدينونة، فجار يحولون نعمة إلهنا ... هو ذا قد جاء الرب ليضع دينونة على الجميع، ويعاقب جميع فجارهم على جميع أعمال فجورهم ... وعلى جميع الكلمات الصعبة التي تكلم بها عليه خطاة فجار ... إنه في الزمن الأخير سيكون قوم مستهزؤون سالكين بحسب شهوات فجورهم " (يهوذا 4-18).
ويحذر بطرس من التحريف المعنوي بتغيير المعاني الصحيحة، فيقول: " كتب إليكم أخونا الحبيب بولس. أيضاً بحسب الحكمة المعطاة له، كما في الرسائل كلها أيضاً متكلماً فيها عن هذه الأمور التي فيها أشياء عسرة الفهم، يحرفها غير العلماء وغير الثابتين كباقي الكتب أيضاً لهلاك أنفسهم " ( بطرس (2) 3/15 - 16).
يؤكد المؤرخ موشيم سهولة وقوع التحريف في الصدر الأول لانتشار مقولة أفلاطون وفيثاغورث " أن الكذب والخداع لأجل أن يزداد الصدق عبادة لله، ليس بجائزين فقط، بل قابلان للتحسين، وتعلم أولاً منهم يهود مصر هذه المقولة قبل المسيح .. ثم أثر وباء هذه الغلط السوء في المسيحيين كما يظهر ". (1)
وقد كان بولس نموذجاً صارخاً لهذا النوع من التحريف باسم الدين، وقد اعترف به فقال: "إن كان صدق الله قد ازداد بكذبي لمجده، فلماذا أدان بعد كخاطئ" (رومية 3/7).
من كتب العهد الجديد؟
نشرت مجلة تايم في عددها الصادر في اكتوبر 1986 مقالاً عن ندوة دولية حضرها 120 عالماً نصرانياً درسوا صحة الأقوال المنسوبة للمسيح في الأناجيل الأربعة، فوجدوا أنه لا يصح منها سوى 148 قولاً من بين 758 قولاً منسوباً إليه.
وذكر كتاب " الأناجيل الخمسة " الذي أصدرته ندوة يسوع عام 1993م أن 18% فقط من الأقوال التي تنسبها الأناجيل إلى يسوع ربما يكون قد نطق بها فعلاً.
وفي ندوة 1995 قرروا أن رواية ميلاد يسوع غير حقيقية سوى ما يتعلق باسم أمه، ومثله قصة آلام المسيح ومحاكمته. (2)
رابعاً: ظهور الطباعة، والتحريف الطباعي للعهد الجديد
وفي القرن السادس عشر ظهرت الطباعة وأدواتها، ليظهر معها نوع جديد من أنواع التحريف، يؤكد أن القوم قد استمرؤوا باطلهم وتحريفهم.
وقد أصدر ارازموس سنة 1516م أول طبعاته كما ذكر ذلك فردريك جرانت في كتابه "الأناجيل أصولها ونماؤها" وجورج كيرد في تفسيره.
وفي عهد الملك جيمس الأول ملك انجلترا واسكتلندا عقد مؤتمر ديني عام 1604م أسفر عن تشكيل لجنة ترجمة من البروتستانت تولت إنتاج النص الرسمي للكتاب المقدس باللغة الإنجليزية، وختم الملك جيمس هذه النسخة بخاتمه، وطبعت سنة 1611م.
ومنذ عهد الملك جيمس توالت الطعون لهذه الترجمة الأشهر في تاريخ المسيحية، فقد رفعت للملك جيمس عريضة تقول: " إن الزبورات التي هي داخلة في كتاب صلاتنا مخالفة للعبري بالزيادة والنقصان والتبديل في مائتي موضع تخميناً ".
وقال بروتن للقسس: " إن ترجمتكم الإنجليزية المشهورة حرفت عبارات كتب العهد العتيق في ثمانمائة وثمان وأربعون موضعاً، وصارت سبباً لرد أناس غير محصورين كتب العهد الجديد ودخولهم النار ".
وتوالت الطعون لهذه الترجمة والتي عنها ترجم العهد الجديد إلى أكثر لغات العالم.
وفي عام 1881م عُدلت نسخة الملك جيمس، وسميت بالنسخة القياسية المنقحة، ثم نقحت 1952م، وسميت أيضاً " النسخة القياسية المنقحة " (R.S.V)، وكان تنقيحها على يد اثنين وثلاثين عالماً لاهوتياً تساندهم هيئة استشارية تمثل خمسين طائفة دينية، ثم أعيد تنقيحها عام 1971م، وصدرت بنفس الاسم (R.S.V)، وجاء في مقدمة هذه الطبعة: " لكن نصوص الملك جيمس بها عيوب خطيرة جداً ... وإن هذه العيوب والأخطاء عديدة وخطيرة، مما يستوجب التنقيح في الترجمة الإنجليزية ".
ومما حذفته النسخة المنقحة نص يوحنا المشهور في التثليث ( انظر يوحنا (1) 5/7 ) ونهاية إنجيل مرقس ( انظر 16/9 - 20 ). (1)
وتبدو إمكانية تطوير النص أيضاً عند الكاثوليك، حيث جاء في مقدمة العهد الجديد للكاثوليك " بوسعنا اليوم أن نعد نص العهد الجديد نصاً مثبتاً إثباتاً حسناً، وما من داع إلى إعادة النظر إلا إذا عثر على وثائق جديدة ". (2)
وقد كان الكاثوليك قد أصدروا نسخة لاتينية خاصة بهم تسمى نسخة " دوي "، وطبعت لأول مرة عام 1582م ثم 1609م، وتختلف هذه النسخة عن نسخة الملك جيمس المعاصرة لها في أمور أهمها زيادة سبعة من الأسفار التوراتية ( الأبوكريفا ) غير موجودة في ترجمة الملك جيمس البروتستانتية.
أمثلة لتحريف الطبعات
وقد لجأ المحرفون إلى وسائل مستحدثة في التحريف، منها أنهم تعمدوا وضع إضافات للنص المطبوع، وجعلت هذه الإضافات في أقواس للدلالة على عدم وجودها في أقدم المخطوطات المعتمدة، وأنها إضافات تفسيرية.
ثم وفي طبعات أخرى تختفي الأقواس، ويصبح ما بين الأقواس جزء من النص المقدس، وفي طبعات أخرى تم حذف الأقواس وما بينها، فأي هذه النصوص كلمة الله؟ ومن الذي يحق له أن يزيد وينقص في الكتاب المقدس؟ أولا تزاد له الضربات المكتوبة حين يزيد في الكتاب، أو يحذف اسمه من سفر الحياة والمدينة المقدسة حين يحذف بعضاً مما هو منه. (انظر الرؤيا 22/18-19).
- ولعل أهم أمثلة تحريف الطبعات قاطبة ما جاء في رسالة يوحنا الأولى " فإن الذين يشهدون (في السماء هم ثلاثة الأب والكلمة والروح القدس، وهؤلاء الثلاثة هم واحد، والذين يشهدون في الأرض) هم ثلاثة الروح والماء والدم، والثلاثة هم في الواحد " ( يوحنا (1) 5/7 - 8)، والفقرة الأولى التي تتحدث عن شهود السماء غير موجودة في النسخ القديمة، كما أنها غير موجودة في جلسات المجمع النيقي.
والنص موجود في سائر تراجم العهد الجديد المطبوعة بعد القرن السادس عشر الميلادي، ولا يخفى أن إضافة هذا النص كان ضرورياً لتثبيت عقيدة التثليث التي تفتقر لمثل هذا الدليل القوي في دلالته.
وقد اعترف محققو النصرانية بإلحاقية هذا النص، ومنهم كريسباخ وشولز، وهورن المتعصب، وجامعو تفسير هنري، واكستاين، والقس فندر، ومارتن لوثر الذي حذف النص من ترجمته.
وقد كتب إسحاق نيوتن رسالة بلغت خمسين صفحة أثبت فيها تحريف هذه العبارة التي بقيت في سائر الطبعات والتراجم بلغات العالم المختلفة إلى أواسط هذا القرن.
وفي عام 1952م أصدرت لجنة تنقيح الكتاب المقدس نسخة ( R. S. V )، النسخة القياسية المراجعة، وكان هذا النص ضمن ما حذفه المنقحون، لكن هذا التنقيح لم يسرِ على مختلف تراجم الإنجيل العالمية. (1)
وكانت بعض الطبعات العربية القديمة قد وضعتها بين هلالين لتدل على عدم وجودها في المخطوطات القديمة كما في ترجمة الشرق الأوسط 1933م، ومثلها صنعت طبعة دار الكتاب المقدس في الشرق الأوسط.
لكن الفقرة أضحت جزءاً من النص، حين أدرجت فيه من غير أهلة، وذلك في سائر التراجم العالمية والعربية، سوى طبعة العالم الجديد والرهبانية اليسوعية الكاثوليكية في مختلف اللغات العالمية والعربية منها، وكذلك الترجمة العربية المشتركة، فإن هذه الترجمات حذفت هذا النص المهم ، واعتبرته - على أهميته اللاهوتية - نصاً دخيلاً ملحقاً بالكتاب المقدس.
- ومن النصوص المهمة أيضاً التي تعرضت لتحريف الطبعات، النصان الوحيدان اللذان يتحدثان عن صعود المسيح للسماء في خاتمة مرقس (16/19)، و(لوقا 24/51) ، وقد حذف النصان من ( R. S. V) عام 1952م، وبقيا في سائر التراجم العالمية.
ثم في 1971م عرض أمام اللجنة ( المنقحة ) طلبات عديدة قدمها اثنان من الأفراد، وطائفتان دينيتان، ونتيجة لهذه الطلبات تم إعادة نص التثليث وخاتمة مرقس (16/9 - 20)، و(لوقا 24/51) في طبعة ثانية صدرت باسم ( R. S. V ) أيضاً. (2)
ومن صور تحريف الأقواس أنه جاء في إنجيل مرقس حسب ترجمة الشرق الأوسط التي اعتمدناها في هذه السلسلة " فاخرجوا من هناك، وانفضوا التراب الذي تحت أرجلكم شهادة عليهم، (الحق أقول لكم: ستكون لأرض سدوم وعمورة يوم الدين حالة أكثر احتمالاً مما لتلك المدينة)" (مرقس 6/11)، ولعل القارئ الكريم يلحظ أن بعض عباراتها كان بين أقواس ، للدلالة على أنه زيادة تفسيرية في المتن، وليست أصلية.
لكنه وفي طبعات أخرى أزيلت الأقواس، وأدرج ما بينها في المتن، فيما حذفت النسخة الكاثوليكية (ط. دار الكتاب المقدس في الشرق الأوسط 1992) الأقواس وما بينها، فهل هذه العبارة من كلمة الله أم لا؟ سؤال نطرحه على أولئك الذين ما زالوا يصرخون بأن الكتاب المقدس محفوظ من التحريف والتبديل، وأن زوال السماوات والأرض أيسر من ضياع حرف واحد منه!
ومثل هذا الصنيع سواء بسواء تكرر في عدد من المواضع ، منها ما جاء في متى " (لأن لك الملك والقوة والمجد إلى الأبد)" (متى 6/13).
و مثله في قول بولس:" (لأن للرب الأرض وملأها)" (كورنثوس (1) 10/28).
ومثله في استهلال بولس لرسالته إلى أهل كولوسي، حيث يقول: "إلى القديسين في كولوسي والإخوة المؤمنين في المسيح، نعمة لكم، وسلام من الله أبينا (والرب يسوع المسيح)" (كولوسي 1/2)، ومابين الأقواس محذوف في نسخة الكاثوليك (الرهبانية اليسوعية)، كما حذفته نسخة ترجمة العالم الجديد لعدم أصالته.
ومثله أيضاً في قول المؤلف المجهول لرسالة العبرانيين " وإن مست الجبل بهيمة ترجم (أو ترمى بسهم)" (عبرانيين 12/20).
وفي مواضع أخرى يتردد طابعو الكتاب المقدس (في الترجمات العربية) في إيراد بعض النصوص، ولا يتفقون على أصالتها، إذ بعض الطبعات توردها داخل أقواس، لتنبه على عدم أصالتها، فيما يحذف آخرون النصوص ويعتبرونها دخيلة على الكتاب ملفقة فيه، لكن ذلك لن يمنع نسخاً أخرى من حذف الأقواس ، وجعل ما كان ما بينها جزءاً من كلمة الله التي لا تتبدل ولا تتغير!
ومن ذلك قول متى "ولما صلبوه اقتسموا ثيابه مقترعين عليها، (لكي يتم ما قيل بالنبي: اقتسموا ثيابي بينهم، وعلى لباسي ألقوا قرعة)" (متى 27/35)، فالطبعة الكاثوليكية الصادرة عن دار الكتاب المقدس في الشرق الأوسط تحذف الأقواس، وتجعل ما بينها جزءاً من النص، مخالفة النص البرتستانتي الذي يضعه بين أقواس، منبهاً بذلك على أنه إضافة تفسيرية، وليس من كلمة الله، أما نسخة ترجمة العالم الجديد لشهود يهوه فقد حذفت الأقواس وما بينها، ومثله صنعت نسخة الرهبانية اليسوعية الكاثوليكية.
ومثله سواء بسواء في قول متى: "(ويل لكم أيها الكتبة والفريسيون المراؤون، لأنكم تأكلون بيوت الأرامل، ولعله تطيلون صلواتكم، لذلك تأخذون دينونة أعظم)" (متى 23/14).
وكذا صنع الطابعون تحريفاً آخر في رسالة العبرانيين، فحرفوا ما كتبه كاتبها المجهول في قوله: "وضعته قليلاً عن الملائكة، بمجد وكرامة كللته، (وأقمته على أعمال يديك)، أخضعت كل شيء تحت قدميه" (عبرانيين 2/7-8). وهذه الزيادة أثبتتها طبعات كثيرة بغير أقواس، وحذفتها نسخة الرهبانية اليسوعية، فقالت: "وكللته بالمجد والكرامة، وأخضعت كل شيء تحت قدميه".
وفي مواضع أخرى من العهد الجديد رفعت الأقواس وتغير ما كان بينها، فقد جاء في النص البرتستانتي :"وإن كان روح أو ملاك قد كلمه (فلا نحاربنّ الله) " (أعمال 23/9)، لكن النسخة الكاثوليكية أزالت الأقواس وما بينها، وأصبح النص فيها هكذا : "إن كان قد كلمه ملاك أو روح فماذا لنا"، وأما نسخة الرهبانية اليسوعية فحذفت الأقواس، وغيّرت النص، فأضحى: "فلربما كلمه روح أو ملاك"، وأما نسخة ترجمة العالم الجديد فقد حذفت الأقواس وما بينها، ووضعت بدلاً عن المحذوف نقطاً للدلالة على وجود سقط في النص.
وفي أحايين أخرى لجأ المحرفون إلى الحذف أو الزيادة من غير أن يعوزهم أقواس يحذفونها أو يثبتونها حسب ما يتبدى لهم، ومن صور ذلك ما جاء في سفر أعمال الرسل في نسخة الشرق الأوسط البرتستنتية والأخرى الكاثوليكية في سياق قصة فيلبُس مع عبد كنداكة ملكة الحبشة، وفيها أنهما مرا على ماء "فقال الخصي: هوذا ماء، ماذا يمنع أن أعتمد؟ فقال فيلبس: إن كنت تؤمن من كل قلبك يجوز، فأجاب وقال: أنا أُومن أن يسوع المسيح هو ابن الله، فأمر أن تقف المركبة، فنزلا كلاهما إلى الماء ..." (أعمال 8/36-38)، وهذا الحوار الذي جرى بعد رؤيتهما للماء لم تذكره نسخة شهود يهوه المسماة ترجمة العالم الجديد ، كما حذفته نسخة الرهبانية اليسوعية الكاثوليكية، والنص فيها: "فقال الخصي: هذا ماء، فما يمنع أن أعتمد؟ ثم أمر بأن تقف المركبة، ونزلا كلاهما في الماء ".
وأخيراً جاء في إنجيل يوحنا في سياق حديثه عن مجيء المسيح إلى بركة بيت حسدا، حيث لقي العميان والعرج والكسح، وفي ثناياه يقول بأنهم كانوا: " يتوقعون تحريك الماء، لأن ملاكاً كان ينزل أحياناً في البركة، ويحرك الماء، فمن نزل أولاً بعد تحريك الماء كان يبرأ من أي مرض اعتراه" (يوحنا 5/ 3-4)، فهذه الفقرة محذوفة من عدد من النسخ والتراجم العالمية، ومنها الرهبانية اليسوعية التي بررت حذف هذا النص بقولها: "لم يرد في عدد كبير من المخطوطات، منها القديمة خاتمة الآية 3 والآية 4".
ومثل هذه الصور من تحريف الأقواس وغيرها كثيرة يطول المقام بتتبعها (انظر متى 18/11، 20/16، 23/14، مرقس 9/44، 15/28، لوقا 17/35- 37، 23/16-18، أعمال 9/5، رومية 11/6)، وغيرها.
وأحياناً يعمد المحرفون من الطابعين والمترجمين إلى تحريف النص من غير وضع أقواس ولا حذفها، ومن ذلك تحريفهم لسؤال يسوع الذي سأله للأعمى الذي شفاه ، ففي الترجمة المشهورة: "فسمع يسوع أنهم أخرجوه خارجاً، فوجده، وقال له: أتؤمن بابن الله؟" (يوحنا 9/34-35).
وقوله: "ابن الله" تحريف لقول المسيح، الذي قال حسب نسخة الرهبانية اليسوعية وغيرها من النسخ والتراجم العالمية: "أتؤمن أنت بابن الإنسان؟"، فحرفوها إلى "ابن الله".!
وأخيراً جاء في إنجيل لوقا أن المسيح قال لليهود: " من منكم يسقط حماره أو ثوره في بئر ولا ينشله حالاً في يوم السبت" (لوقا 14/5)، وكلمة "حماره" استبدلتها العديد من التراجم العالمية بكلمة "ابنه" ومن بينها نسخة الرهبانية اليسوعية، وفيها: "من منكم يقع ابنه أو ثوره في بئر فلا يخرجه منها".
وهكذا يحار القارئ الكريم في التوفيق بين هذه النصوص المختلفة، ويبقى السؤال يطوف بمخيلته : أي هذه النصوص هو وحي الله؟