ومن هذه الوعود الزائفة ما زعمه كاتب سفر الأيام، حين قال بأن الله وعد إسرائيل بقوله لناثان النبي: " وعينت مكاناً لشعبي إسرائيل، وغرسته، فسكن في مكانه، ولا يضطرب بعد، ولا يعود بنو الإثم يذلونه كما في الأول " (الأيام (1) 17/9).
ولم يتحقق هذا الوعد الذي زعموا أن الله وعده، فقد ذل بنو إسرائيل على يد بختنصر، وأخرجوا من ديارهم، ولم يتحقق ما قيل لناثان: " متى كملت أيامك، واضطجعت مع آبائك أقيم بعدك نسلك الذي يخرج من أحشائك، وأثبت مملكته، هو يبني بيتاً لا سمي، وأنا أثبت كرسي مملكته إلى الأبد " ( صموئيل (2) 7/10 - 13 ).
وأيضاً تذكر التوراة أن الله وعد نبوخذ نصر الوثني وعداً لم ينجز فهو من الأغلاط ولا ريب، فقد وعده أن يملكه على مدينة صور، ثم لم يتحقق له ذلك، فوعده بأرض مصر، ولم يتحقق ذلك أيضاً، فدل ذلك على أن هذا الوعد ليس من الله، لأن الله قادر على إنجاز وعده، فقد جاء في سفر حزقيال "قال السيد الرب: ها أنذا أجلب على صور نبوخذ راصر ملك بابل من الشمال، ملك الملوك، بخيل وبمركبات وبفرسان وجماعة وشعب كثير، فيقتل بناتك في الحقل بالسيف، ويبني عليك معاقل، ويبني عليك برجاً، ويقيم عليك مترسة، ويرفع عليك ترساً، ويجعل مجانق على أسوارك، ويهدم أبراجك بأدوات حربه، ولكثرة خيله يغطيك غبارها، من صوت الفرسان والعجلات والمركبات تتزلزل أسوارك عند دخوله أبوابك كما تدخل مدينة مثغورة، بحوافر خيله يدوس كل شوارعك، يقتل شعبك بالسيف، فتسقط إلى الأرض أنصاب عزك، وينهبون ثروتك، ويغنمون تجارتك، ويهدّون أسوارك، ويهدمون بيوتك البهيجة، ويضعون حجارتك وخشبك وترابك في وسط المياه ... لا تُبنين بعد، لأني أنا الرب تكلمت" (حزقيال 26/7-14).
يقول السيد الرب: فتقفر في وسط الأرض المقفرة ، وتكون مدنها في وسط المدينة الخربة فيعلمون أني أنا الرب .. قال السيد الرب: إني أبيد ثروة مصر بيد بنوخذ نصر ملك بابل " (حزقيال 30/6 - 10).
ومثله "قال السيد الرب : سيف ملك بابل يأتي عليك، بسيوف الجبابرة أسقط جمهورك، كلهم عتاة الأمم، فيسلبون كبرياء مصر ، ويهلك كل جمهورها، وأبيد جميع بهائمها عن المياه الكثيرة، فلا تكدرها من بعد رجل إنسان، ولا تعكرها أظلاف بهيمة ، حينئذ أنضب مياههم، وأجري أنهارهم كالزيت.
يقول السيد الرب: حين أجعل أرض مصر خراباً ، وتخلو الأرض من ملئها عند ضربي جميع سكانها يعلمون أني أنا الرب " ( حزقيال 32/11 - 15 )، إن أياً من هذه الوعود لم يتحقق، وعدم تحققه يدل على أن هذا من أغلاط الكُتّاب، وهو دليل بطلانه وكذب كاتبيه.
- وأيضاً من الأغلاط حديث إرميا عن نسل داود فيقول: " كما أن جند السماوات لا يعد، ورمل البحر لا يحصى، هكذا أكثر نسل داود عبدي، واللاويين خادميّ " (إرميا 33/22 )، لكن الواقع يكذب ذلك، فاليهود أقل أهل الأرض عدداً، إذ لا يبلغ تعدادهم في الأرض كلها ستة عشر مليوناً، علاوة على أن غالبهم ليسوا من أصول إسرائيلية.
وهذا أيضاً يقودنا للحديث عن الأعداد المهولة التي قدمتها التوراة لبني إسرائيل إبان موسى وبعده، إذ تتحدث التوراة عن أصل إسرائيل وهو يعقوب وأبناؤه وقد بلغوا حين هجرتهم إلى مصر سبعين نفساً. (انظر الخروج 1/3 ).
ثم تذكر التوراة أنهم " أثمروا وتوالدوا ونموا وكثروا كثيراً جداً، وامتلأت الأرض منهم " (الخروج 1/7).
وبعد مائتي سنة على دخولهم مصر؛ خرجوا منها، بعد سنين طويلة وقاسية؛ عانوا فيها صنوفاً من الاضطهاد واستباحة النساء وقتل الذكور، ولدى نزولهم في سيناء تذكر التوراة أن موسى أمر بتعداد بني إسرائيل "فكان جميع المعدودين من بني إسرائيل حسب بيوت آبائهم من ابن عشرين سنة فصاعداً، كل خارج للحرب في إسرائيل، كان جميع المعدودين ستمائة ألف وثلاثة آلاف وخمس مائة وخمسين. وأما اللاويين حسب سبط آبائهم فلم يعدوا بينهم " (العدد 1/45- 47)، وإذا كان الرجال القادرون على الحرب في أحد عشر سبطاً قد بلغوا الستمائة ألف، فيفهم من هذا أن بني إسرائيل قد جاوزوا المليون.
ومما يشكك في الرقم التوراتي الكبير أن موسى عليه السلام، وهو أحد الخارجين من مصر يعتبر الجيل الثاني للداخلين إلى مصر، فهو موسى بن عمران بن قاهث بن لاوي. (انظر الخروج 6/16 - 20 )، وجده قاهث من الداخلين إلى مصر كما ذكرت التوراة. ( انظر التكوين 46/11 ).
ويستحيل تنامي العدد بهذه الزيادة خلال جيلين أو ثلاثة، فمثلاً لم يكن الجيل الأول من أبناء لاوي سوى ثلاثة أشخاص عندما دخلوا مصر، فكيف أضحوا بعد ثلاثة أجيال فقط اثنين وعشرين ألف ذكر. ( انظر العدد 3/39 ).
هذه الزيادة لا يمكن للعقل أن يستوعبها بحال، فلو ولد لكل من أبناء لاوي الثلاثة عشرة ذكور، وولد لكل منهم عشرة ذكور، ثم ولد لكل من هؤلاء عشرة ذكور، وما مات من هؤلاء جميعاً أحد، لأضحى عدد أبناء لاوي وأحفاده لا يتجاوز الأربعة آلاف من الذكور، وهو رقم لا يتناسب بحال مع الرقم التوراتي (22000).
ومما يدل على أن هذه الأعداد غير صحيحة أن بني إسرائيل كان يتولى توليد نسائهم قابلتان فقط هما: شفرة وفوعة. (انظر الخروج 1/15 ). ومثل هذه الأرقام المهولة لا يقوم بها قابلتان فقط.
ثم تتحدث التوراة عن حروب بني إسرائيل فتذكر أرقاماً للجيوش والقتلى لا تعقل، ففي سفر الأيام " وضربهم أبيا وقومه ضربة عظيمة، فسقط قتلى في إسرائيل خمسمائة ألف رجل مختار" (الأيام (2) 13/17)، هذا في طرف واحد من بني إسرائيل.
ثم إن كان السبعون شخصاً قد فاقوا - خلال قرنين فقط - المليون، فإنه وبعد ثلاثة آلاف سنة ينبغي أن يكون عددهم آلافاً من الملايين تنوء الأرض بحملهم، بل يزيد هذا العدد المفترض على تعداد سكان الأرض حالياً مرات كثيرة.
لكن الأمر على خلاف ذلك، إذ لا يتجاوز اليهود الخمسة عشر مليوناً في الأرض كلها، علاوة على أن كثيرين منهم ليسوا من ذراري بني إسرائيل.
ثم إن التوراة تذكر تعداداً آخر، وهو التعداد الذي جرى في أرض مؤاب بعد ثمانين سنة من تعداد موسى الأول، ولم تطرأ فيه زيادة عن التعداد الأول سوى ألفي شخص. (انظر العدد 26/1 - 65 )، ولو كان بنو إسرائيل يزدادون بهذه النسبة الرهيبة، لكان ينبغي أن يتضاعف عددهم عشرات المرات.
وهذه المبالغات الكبيرة في أعداد بني إسرائيل يعترف بكذبها محققو نسخة الرهبانية اليسوعية، حيث يقول هؤلاء تعليقاً على الأعداد الخيالية لبني إسرائيل المذكورة في (صموئيل (2) 24/9) ما نصه: "من الواضح أن الأرقام مبالغ فيها كما في كثير من الأرقام المماثلة في العهد القديم".
وإذا تساءلنا عن الرقم الحقيقي للخارجين من مصر، فإن دائرة المعارف البريطانية تجزم بأن عددهم لم يتجاوز الخمسة عشر ألفاً. وصدق الله إذ يقول عنهم: * إن هؤلاء لشرذمة قليلون ) (الشعراء: 54).
ولا يفوتنا التنبيه على خطأ توراتي آخر يختص بمدة إقامة بني إسرائيل في مصر، حيث تذكر التوراة أن الله قال لإبراهيم: "اعلم يقيناً أن نسلك سيكون غريباً في أرض ليست لهم، ويستعبدون لهم، فيذلونهم أربع مائة سنة" (التكوين 15/13)، ووهو صريح أن مدة ذلتهم في أرض مصر أربع مائة سنة، وهذا الرقم يؤكده سفر الخروج بقوله: "وأما إقامة بني إسرائيل التي أقاموها في مصر فكانت أربع مائة وثلاثين سنة" (الخروج 12/40).
وهذا الذي ذكرته الأسفار التوراتي خطأ ولاريب، إذ لم يمكثوا في مصر إلا مائتين وخمس عشرة سنة، وقد أقر علماء النصرانية ومحققوها بذلك، واجتهدوا في تصحيح الخطأ ، فزعم القس منيس عبد النور في كتابه "شبهات وهمية" أن المدة المذكورة في التوراة تبدأ من ابتداء دعوة إبراهيم في العراق ، وبمثله قال آدم كلارك في تفسيره، وكذا وافقهما جامعو تفسير هنري واسكات. (1)
وما ذهبوا إليه هو تصحيح للنص في ضوء المعطيات التاريخية، لكنه على أي حال تلاعب بالنص الذي يصرح بأن الأربعمائة سنة هي مقدار إقامتهم وذِلتهم واستِعبادهم في مصر، كما هو بيّنُ في قوله: " فيذلونهم أربع مائة سنة" ، وقوله: "وأما إقامة بني إسرائيل التي أقاموها في مصر فكانت أربع مائة وثلاثين سنة" (الخروج 12/40)، فليس في النصين أي تضمين لفترة ما قبل دخولهم إلى مصر.
إن العجب ليس فيما سبق من الأغلاط، بل في تلك الأخطاء التي لا يقع فيها كاتب مهما ضعفت مؤهلاته على الكتابة، ومنها أن سفر يشوع شرع يعدد المدن الفلسطينية التي سيأخذها كل سبط من أسباط بني إسرائيل، فيقول عن نصيب سبط يهوذا: " وكانت المدن القصوى التي لسبط بني يهوذا إلى تخم أدوم جنوباً: قبصئيل وعيدر وياجور، وقينة وديمونة وعدعدة، وقادش وحاصور ويثنان، وزيف وطالم وبعلوت، وحاصور وحدتّة وقريوت، وحصرون هي حاصور، وأمام وشماع ومولادة، وحصر جدة وحشمون وبيت فالط، وحصر شوعال وبئر سبع وبزيوتية، وبعلة وعيّيم وعاصم، وألتولد وكسيل وحرمة، وصقلغ ومدمنة وسنسنة، ولباوت وشلحيم وعين ورمّون.كل المدن تسع وعشرون مع ضياعها" (يشوع 15/21-32)، فقد ذكر سبعاً وثلاثين مدينة، وزعم أن عددها تسع وعشرون، فالفرق ثمانية مدن.
وقد حاولت نسخة الرهبانية اليسوعية تقليصه، فدمجت بعض الأسماء (حاصور ويثنان = حاصور بتنان)، و (حاصور وحدتة = حاصور حدتة)، و (قريوت وحصرون = قريوت حصرون)، و (عين ورمّون = عين رمون)، وحذفت واحداً (بزيتوتية)، ووضعت بدلاً منه "وتوابعها"، واعتذر محققوها عن تلاعبهم بالنص وما أحدثوه فيه فقالوا عنه: "لم يُحفظ النص حفظاً جيداً، فكثير من أسماء المدن تصوَّب بالرجوع إلى النص اليوناني أو إلى نصوص كتابية أخرى".
لكن رغم هذا كله فإن هناك ثلاثة أسماء زائدة، سها عن عدِّها كاتب السفر!
وفي الفقرة التي تليها من سفر يشوع ذكر الكاتب أسماء خمس عشرة مدينة، ثم أخطأ، فقال: "أربع عشرة مدينة مع ضياعها " (يشوع 15/36)، وقد اقترح الشراح - كما نقل محققو الرهبانية اليسوعية - حذف الاسم الأخير، ليقرأ النص: "والجديرة وتوابعها" بدلاً من قوله : "والجديرة وجديروتايم" (يشوع 15/36).
أغلاط توراتية بشهادة العلوم والمكتشفات الحديثة
ومن أغلاط التوراة أيضاً أغلاط خالفت فيها الحقائق العلمية الحديثة، مما دل على أنها ليست من كلام الله الذي يتنزه عن الخطأ والجهل بحقائق العلم التي أدركها الإنسان فيما بعد، فالله العليم لن يخبر في كتابه إلا بكل صحيح، إذ لا يعزب عن علمه شيء في الأرض ولا في السماء.
- ومن ذلك حديث التوراة عن قصة الخلق في سفر التكوين، حيث يتحدث السفر عن خلق الكون في ستة أيام أرضية مكونة من صباح ومساء.
فخلق وفقاً للترتيب التوراتي في اليوم الأول الأرض والنور والظلام والماء ، وفي الثاني خلق السماء حين وضع جَلَداً بين مياه ومياه ، وفي اليوم الثالث تجمعت المياه التي تحت الجَلَد الذي سمي سماء، فتكونت اليابسة ونبت العشب والبقل .
وفي اليوم الرابع خلقت الشمس والقمر والنجوم فيما فوق الجَلَد (السماء) ، وفي اليوم الخامس خلقت الحيوانات البحرية والطيور.
وفي اليوم السادس خلق آدم والحيوانات البرية ، وفرغ من الخلق في هذا اليوم. ( انظر التكوين 1/1 - 31).
ويلحظ العلماء المحققون على هذا الترتيب والإخراج لقصة بدء الكون ملاحظات يرفضها العلم الحديث الذي أعطاه الله للإنسانية، ولو كانت الأسفار من عند الله لما حوت هذه الأخطاء المتتابعة .
منها: أن السفر يتحدث عن ستة أيام أرضية تتكون من ليل ونهار " وكان صباح"، "وكان مساء" ، وكان سابعها يوم السبت الذي استراح فيه الخالق - تعالى عن ذلك - ، ومن المعلوم علمياً أن الخلق تم على فترات كونية تقدر بملايين السنين، وصدق الله حين قال مبيناً المفارقة بين أيامه وأيام البشر: { وإن يوماً عند ربك كألف سنة مما تعدون } ( الحج: 47).
والعلماء يقولون بأن الأرض احتاجت لملايين السنين حتى بردت قشرتها وغدت صالحة للحياة ، فيما يتحدث السفر عن ظهور الماء على الأرض في أول أيامها ، ثم ظهور النبات في ثالثها، والحيوانات في رابعها وخامسها.
كما أن الترتيب التوراتي لظهور المخلوقات يتناقض مع مكتشفات التاريخ الجيولوجي .
فوجود الماء على وجه الأرض في اليوم الأول يتناقض مع النظرية العلمية القائلة بأن الأرض بل والعالم كان غازياً في بداية خلقه ، كما لا يصح ظهور النبات قبل وجود الشمس ، ولا يصح أيضاً وجود الحيوانات البحرية والطيور قبل الحيوانات البرية.
ومثله يرفض علمياً القول بأن الأرض خلقت قبل الشمس والنجوم (في اليوم الرابع)، والعجب من ظهور الليل والنهار لثلاثة أيام، ولما توجد الشمس بعد!
والقول بأن النبات وجد قبل الإنسان بثلاثة أيام فقط، قول مردود، إذ تتحدث المكتشفات العلمية عن وجود النبات قبل الإنسان بملايين السنين .
وقد وردت أكثر هذه الاعتراضات على هذا القصة للخلق في ثنايا نقد الأب دوفو لرواية سفر التكوين . (1)
- ومن الملاحظات العلمية على الأسفار التوراتية أنها تتحدث باستفاضة عن أعمار الآباء الأوائل من لدن آدم إلى إبراهيم، فتجعل ولادة إبراهيم في القرن العشرين من بداية الوجود الإنساني على الأرض وتحديداً في سنة 1948 من لدن خلق الكون وظهور الإنسان على الأرض.
ولا توجد معلومات دقيقة تاريخياً عن الفترة الممتدة بين إبراهيم وعيسى، ولكن المؤرخين يقدرونها بثمانية عشر قرناً، اعتماداً على المصادر التوراتية، وعلى هذا فإن ظهور المسيح كان بعد خلق آدم بثمانية وثلاثين قرناً.
وحسب التاريخ العبري فإن العام (2000م) يساوي سنة 5761 من لدن خلق العالم، وعليه نقول بأن المعطيات التوراتية تجعل عمر البشرية على وجه الأرض لا يزيد عن ستة آلاف سنة بحال من الأحوال.
ويتعارض هذا تماماً مع المعطيات العملية التي تعتبر الحسابات التوراتية نوعاً من الهراء، فقد ثبت وجود حضارات قامت قبل الميلاد بخمسة آلاف سنة.
إذ يرى علماء الآثار أن من المسلَّم به قيام حرب طاحنة بين شمال مصر وجنوبها عام 4042 ق.م، وانتصر فيها أهل الدلتا بيد أن انتصارهم لم يكن حاسماً كما تبدأ الحضارة المصرية المؤرخة بالأسرة الأولى والتي حكمت مصر بين 3400 - 3200 ق.م، وثمة الكثير مما لم يؤرخ قبلها.
كما عثر على مصنوعات بشرية تعود لأكثر من خمسة آلاف سنة قبل الميلاد. وعثرت بعثة جامعة القاهرة على آثار بشرية في منطقة الفيوم ترجع لعشرات الآلاف من السنين.
وتذكر دائرة المعارف البريطانية أن الآثار الإنسانية في فلسطين ترجع لمائتي ألف سنة، ويقول العلامة دونلد جان سنة 1979م : " كشف وجود الإنسان على وجه الأرض منذ أربعة ملايين سنة". (1)
وصدق الله العظيم إذ يؤكد أن البشرية ضاربة جذورها في التاريخ قروناً طويلة، فيقول: * قال فما بال القرون الأولى * قال علمها عند ربي في كتاب لا يضل ربي ولا ينسى ) (طه:51-52)، * وعاداً وثمود وأصحاب الرس وقروناً بين ذلك كثيراً) (الفرقان:38) * ألم يأتكم نبؤ الذين من قبلكم قوم نوح وعاد وثمود والذين من بعدهم لا يعلمهم إلا الله ) (إبراهيم:9).
- وثمة أمور كثيرة ذكرتها التوراة تتعارض مع الأمور الثابتة علمياً والمشاهدة حساً، كذكرها أن الأرنب من الحيوانات المجترة، فيقول: "الجمل والأرنب والوبر لأنها تجترّ، لكنها لا تشق ظلفاً، فهي نجسة لكم " (التثنية 14/7 ).
ومثله أيضاً القول بأن الحية عوقبت بأكل التراب (انظر التكوين 3/14 ) أو أنها تلحسه، كما في سفر ميخا "يلحسون التراب كالحية، كزواحف الأرض" (ميخا 7/17)، والمشاهد في جميع أنواع الحيات المصنفة علمياً أنها تأكل الحشرات والزواحف وغيرها، ولم يسجل أبداً أنها تأكل التراب أو تلحسه.
- ويتحدث سفر اللاويين عن أحكام تتعلق بطيور أسطورية لها أربع أرجل، بعضها يدب، وبعضها يمشي، ولا وجود لها إلا في أساطير الخيال، فيقول: "وكل دبيب الطير الماشي على أربع فهو مكروه لكم. إلا هذا تأكلونه من جميع دبيب الطير الماشي على أربع. ما له كراعان فوق رجليه يثب بهما على الأرض. هذا منه تأكلون...لكن سائر دبيب الطير الذي له أربع أرجل فهو مكروه لكم" (اللاويين 11/20-23). ولم تتحدث الحفريات ولا غيرها عن شيء مثل هذا كان على وجه الأرض في يوم من الأيام.
- ومن الأخطاء العلمية أيضاً ما جاء في سفر التكوين (30/37-43)، حيث زعم بأن غنم يعقوب أنتجت، فكان لون نتاجها مخالفاً للون آبائها، بسبب رؤيتها لبعض العصي المقشرة، فتوحمت عليها، فكان النتاج مثلها، ولو صح مثل هذا لكان ينبغي أن يكون نتاج الربيع أخضراً، وهذا الهراء يخالف كل ما يعرفه علماء الجينات والشفرات الوراثية.
- وفي سفر التكوين حديث عن أغرب قصة ولادة، ألا وهي قصة ولادة الزانية ثامار من حماها ووالد أزواجها يهوذا، "وفي وقت ولادتها إذا في بطنها توأمان، وكان في ولادتها أن أحدهما أخرج يداً، فأخذت القابلة، وربطت على يده قرمزاً قائلة: هذا خرج أولاً، ولكن حين ردّ يده إذ أخوه قد خرج، فقالت: لماذا اقتحمت؟ عليك اقتحام. فدعي اسمه فارص، وبعد ذلك خرج أخوه الذي على يده القرمز، فدعي اسمه زارح" (التكوين 38/27-30)، فقد أخرج البكر يده من بطن أمه، وهو أمر غير معهود في عملية الولادة، وأراد المولود من خلال إخراج يده التأكيد على حقه في البكورية، وفهمت القابلة مراده، فربطت على يده برباط قرمزي.
ثم حصل الأغرب منه الذي لا يمكن تفسيره طبياً، فقد أفسح البكر مكانه في الرحم لأخيه التوأم، ليخرج إلى الدنيا، ثم تبعه أخوه البكر، صاحب اليد المربوطة بالقرمز، ومثل هذه القصة لا تقبل علمياً، وإلحاقها بقصص العجائز أولى من أن تلحق بكلام الله ووحيه .
- ويقدم سفر أيوب تصوراً غريباً لكيفية تخليق الجنين، فهو يصب في قالب، كما يصب الحليب، ثم يتجمد في وسط هذا القالب، كما يتخثر الحليب فيتحول إلى جبناً ، وهو كما تقول نسخة الرهبانية اليسوعية في تعليقها عليه متطابق مع التصورات القديمة لتخليق الجنين، لكنه على كل حال لا علاقة له من قريب أو بعيد بما يعرفه العلماء عن مراحل تخليق الجنين، يقول سفر أيوب مخاطباً الله: "اذكر أنك جبلتني كالطين، أفتعيدني إلى التراب، ألم تصبّني كاللَّبن، وخثّرتني كالجُبن، كسوتني جلداً ولحماً، فنسجتني بعظام وعصب" (أيوب 10/9-11).
- ومن الأخطاء العلمية زعم التوراة أن الأرض لها أعمدة، وأنها مسطحة، ولها زوايا، موافقة بذلك المستوى العلمي السائد حين كتابتها، فتقول وهي تتحدث عن الشمس التي تغرب على الأرض، ثم تذهب مسرعة إلى شرق الأرض لتشرق من جديد: "والشمس تشرق، والشمس تغرب، وتسرع إلى موضعها حيث تشرق" (الجامعة 1/5)، فكاتب السفر لا يعرف شيئاً عن كروية الأرض، ولا عن دورانها حول محورها ليحصل الشروق والغروب، إنه ليس الله العظيم العليم الذي * خلق السّموات والأرض بالحقّ يكوّر اللّيل على النّهار ويكوّر النّهار على اللّيل ) (الزمر: 5).
ولم يتحقق هذا الوعد الذي زعموا أن الله وعده، فقد ذل بنو إسرائيل على يد بختنصر، وأخرجوا من ديارهم، ولم يتحقق ما قيل لناثان: " متى كملت أيامك، واضطجعت مع آبائك أقيم بعدك نسلك الذي يخرج من أحشائك، وأثبت مملكته، هو يبني بيتاً لا سمي، وأنا أثبت كرسي مملكته إلى الأبد " ( صموئيل (2) 7/10 - 13 ).
وأيضاً تذكر التوراة أن الله وعد نبوخذ نصر الوثني وعداً لم ينجز فهو من الأغلاط ولا ريب، فقد وعده أن يملكه على مدينة صور، ثم لم يتحقق له ذلك، فوعده بأرض مصر، ولم يتحقق ذلك أيضاً، فدل ذلك على أن هذا الوعد ليس من الله، لأن الله قادر على إنجاز وعده، فقد جاء في سفر حزقيال "قال السيد الرب: ها أنذا أجلب على صور نبوخذ راصر ملك بابل من الشمال، ملك الملوك، بخيل وبمركبات وبفرسان وجماعة وشعب كثير، فيقتل بناتك في الحقل بالسيف، ويبني عليك معاقل، ويبني عليك برجاً، ويقيم عليك مترسة، ويرفع عليك ترساً، ويجعل مجانق على أسوارك، ويهدم أبراجك بأدوات حربه، ولكثرة خيله يغطيك غبارها، من صوت الفرسان والعجلات والمركبات تتزلزل أسوارك عند دخوله أبوابك كما تدخل مدينة مثغورة، بحوافر خيله يدوس كل شوارعك، يقتل شعبك بالسيف، فتسقط إلى الأرض أنصاب عزك، وينهبون ثروتك، ويغنمون تجارتك، ويهدّون أسوارك، ويهدمون بيوتك البهيجة، ويضعون حجارتك وخشبك وترابك في وسط المياه ... لا تُبنين بعد، لأني أنا الرب تكلمت" (حزقيال 26/7-14).
يقول السيد الرب: فتقفر في وسط الأرض المقفرة ، وتكون مدنها في وسط المدينة الخربة فيعلمون أني أنا الرب .. قال السيد الرب: إني أبيد ثروة مصر بيد بنوخذ نصر ملك بابل " (حزقيال 30/6 - 10).
ومثله "قال السيد الرب : سيف ملك بابل يأتي عليك، بسيوف الجبابرة أسقط جمهورك، كلهم عتاة الأمم، فيسلبون كبرياء مصر ، ويهلك كل جمهورها، وأبيد جميع بهائمها عن المياه الكثيرة، فلا تكدرها من بعد رجل إنسان، ولا تعكرها أظلاف بهيمة ، حينئذ أنضب مياههم، وأجري أنهارهم كالزيت.
يقول السيد الرب: حين أجعل أرض مصر خراباً ، وتخلو الأرض من ملئها عند ضربي جميع سكانها يعلمون أني أنا الرب " ( حزقيال 32/11 - 15 )، إن أياً من هذه الوعود لم يتحقق، وعدم تحققه يدل على أن هذا من أغلاط الكُتّاب، وهو دليل بطلانه وكذب كاتبيه.
- وأيضاً من الأغلاط حديث إرميا عن نسل داود فيقول: " كما أن جند السماوات لا يعد، ورمل البحر لا يحصى، هكذا أكثر نسل داود عبدي، واللاويين خادميّ " (إرميا 33/22 )، لكن الواقع يكذب ذلك، فاليهود أقل أهل الأرض عدداً، إذ لا يبلغ تعدادهم في الأرض كلها ستة عشر مليوناً، علاوة على أن غالبهم ليسوا من أصول إسرائيلية.
وهذا أيضاً يقودنا للحديث عن الأعداد المهولة التي قدمتها التوراة لبني إسرائيل إبان موسى وبعده، إذ تتحدث التوراة عن أصل إسرائيل وهو يعقوب وأبناؤه وقد بلغوا حين هجرتهم إلى مصر سبعين نفساً. (انظر الخروج 1/3 ).
ثم تذكر التوراة أنهم " أثمروا وتوالدوا ونموا وكثروا كثيراً جداً، وامتلأت الأرض منهم " (الخروج 1/7).
وبعد مائتي سنة على دخولهم مصر؛ خرجوا منها، بعد سنين طويلة وقاسية؛ عانوا فيها صنوفاً من الاضطهاد واستباحة النساء وقتل الذكور، ولدى نزولهم في سيناء تذكر التوراة أن موسى أمر بتعداد بني إسرائيل "فكان جميع المعدودين من بني إسرائيل حسب بيوت آبائهم من ابن عشرين سنة فصاعداً، كل خارج للحرب في إسرائيل، كان جميع المعدودين ستمائة ألف وثلاثة آلاف وخمس مائة وخمسين. وأما اللاويين حسب سبط آبائهم فلم يعدوا بينهم " (العدد 1/45- 47)، وإذا كان الرجال القادرون على الحرب في أحد عشر سبطاً قد بلغوا الستمائة ألف، فيفهم من هذا أن بني إسرائيل قد جاوزوا المليون.
ومما يشكك في الرقم التوراتي الكبير أن موسى عليه السلام، وهو أحد الخارجين من مصر يعتبر الجيل الثاني للداخلين إلى مصر، فهو موسى بن عمران بن قاهث بن لاوي. (انظر الخروج 6/16 - 20 )، وجده قاهث من الداخلين إلى مصر كما ذكرت التوراة. ( انظر التكوين 46/11 ).
ويستحيل تنامي العدد بهذه الزيادة خلال جيلين أو ثلاثة، فمثلاً لم يكن الجيل الأول من أبناء لاوي سوى ثلاثة أشخاص عندما دخلوا مصر، فكيف أضحوا بعد ثلاثة أجيال فقط اثنين وعشرين ألف ذكر. ( انظر العدد 3/39 ).
هذه الزيادة لا يمكن للعقل أن يستوعبها بحال، فلو ولد لكل من أبناء لاوي الثلاثة عشرة ذكور، وولد لكل منهم عشرة ذكور، ثم ولد لكل من هؤلاء عشرة ذكور، وما مات من هؤلاء جميعاً أحد، لأضحى عدد أبناء لاوي وأحفاده لا يتجاوز الأربعة آلاف من الذكور، وهو رقم لا يتناسب بحال مع الرقم التوراتي (22000).
ومما يدل على أن هذه الأعداد غير صحيحة أن بني إسرائيل كان يتولى توليد نسائهم قابلتان فقط هما: شفرة وفوعة. (انظر الخروج 1/15 ). ومثل هذه الأرقام المهولة لا يقوم بها قابلتان فقط.
ثم تتحدث التوراة عن حروب بني إسرائيل فتذكر أرقاماً للجيوش والقتلى لا تعقل، ففي سفر الأيام " وضربهم أبيا وقومه ضربة عظيمة، فسقط قتلى في إسرائيل خمسمائة ألف رجل مختار" (الأيام (2) 13/17)، هذا في طرف واحد من بني إسرائيل.
ثم إن كان السبعون شخصاً قد فاقوا - خلال قرنين فقط - المليون، فإنه وبعد ثلاثة آلاف سنة ينبغي أن يكون عددهم آلافاً من الملايين تنوء الأرض بحملهم، بل يزيد هذا العدد المفترض على تعداد سكان الأرض حالياً مرات كثيرة.
لكن الأمر على خلاف ذلك، إذ لا يتجاوز اليهود الخمسة عشر مليوناً في الأرض كلها، علاوة على أن كثيرين منهم ليسوا من ذراري بني إسرائيل.
ثم إن التوراة تذكر تعداداً آخر، وهو التعداد الذي جرى في أرض مؤاب بعد ثمانين سنة من تعداد موسى الأول، ولم تطرأ فيه زيادة عن التعداد الأول سوى ألفي شخص. (انظر العدد 26/1 - 65 )، ولو كان بنو إسرائيل يزدادون بهذه النسبة الرهيبة، لكان ينبغي أن يتضاعف عددهم عشرات المرات.
وهذه المبالغات الكبيرة في أعداد بني إسرائيل يعترف بكذبها محققو نسخة الرهبانية اليسوعية، حيث يقول هؤلاء تعليقاً على الأعداد الخيالية لبني إسرائيل المذكورة في (صموئيل (2) 24/9) ما نصه: "من الواضح أن الأرقام مبالغ فيها كما في كثير من الأرقام المماثلة في العهد القديم".
وإذا تساءلنا عن الرقم الحقيقي للخارجين من مصر، فإن دائرة المعارف البريطانية تجزم بأن عددهم لم يتجاوز الخمسة عشر ألفاً. وصدق الله إذ يقول عنهم: * إن هؤلاء لشرذمة قليلون ) (الشعراء: 54).
ولا يفوتنا التنبيه على خطأ توراتي آخر يختص بمدة إقامة بني إسرائيل في مصر، حيث تذكر التوراة أن الله قال لإبراهيم: "اعلم يقيناً أن نسلك سيكون غريباً في أرض ليست لهم، ويستعبدون لهم، فيذلونهم أربع مائة سنة" (التكوين 15/13)، ووهو صريح أن مدة ذلتهم في أرض مصر أربع مائة سنة، وهذا الرقم يؤكده سفر الخروج بقوله: "وأما إقامة بني إسرائيل التي أقاموها في مصر فكانت أربع مائة وثلاثين سنة" (الخروج 12/40).
وهذا الذي ذكرته الأسفار التوراتي خطأ ولاريب، إذ لم يمكثوا في مصر إلا مائتين وخمس عشرة سنة، وقد أقر علماء النصرانية ومحققوها بذلك، واجتهدوا في تصحيح الخطأ ، فزعم القس منيس عبد النور في كتابه "شبهات وهمية" أن المدة المذكورة في التوراة تبدأ من ابتداء دعوة إبراهيم في العراق ، وبمثله قال آدم كلارك في تفسيره، وكذا وافقهما جامعو تفسير هنري واسكات. (1)
وما ذهبوا إليه هو تصحيح للنص في ضوء المعطيات التاريخية، لكنه على أي حال تلاعب بالنص الذي يصرح بأن الأربعمائة سنة هي مقدار إقامتهم وذِلتهم واستِعبادهم في مصر، كما هو بيّنُ في قوله: " فيذلونهم أربع مائة سنة" ، وقوله: "وأما إقامة بني إسرائيل التي أقاموها في مصر فكانت أربع مائة وثلاثين سنة" (الخروج 12/40)، فليس في النصين أي تضمين لفترة ما قبل دخولهم إلى مصر.
إن العجب ليس فيما سبق من الأغلاط، بل في تلك الأخطاء التي لا يقع فيها كاتب مهما ضعفت مؤهلاته على الكتابة، ومنها أن سفر يشوع شرع يعدد المدن الفلسطينية التي سيأخذها كل سبط من أسباط بني إسرائيل، فيقول عن نصيب سبط يهوذا: " وكانت المدن القصوى التي لسبط بني يهوذا إلى تخم أدوم جنوباً: قبصئيل وعيدر وياجور، وقينة وديمونة وعدعدة، وقادش وحاصور ويثنان، وزيف وطالم وبعلوت، وحاصور وحدتّة وقريوت، وحصرون هي حاصور، وأمام وشماع ومولادة، وحصر جدة وحشمون وبيت فالط، وحصر شوعال وبئر سبع وبزيوتية، وبعلة وعيّيم وعاصم، وألتولد وكسيل وحرمة، وصقلغ ومدمنة وسنسنة، ولباوت وشلحيم وعين ورمّون.كل المدن تسع وعشرون مع ضياعها" (يشوع 15/21-32)، فقد ذكر سبعاً وثلاثين مدينة، وزعم أن عددها تسع وعشرون، فالفرق ثمانية مدن.
وقد حاولت نسخة الرهبانية اليسوعية تقليصه، فدمجت بعض الأسماء (حاصور ويثنان = حاصور بتنان)، و (حاصور وحدتة = حاصور حدتة)، و (قريوت وحصرون = قريوت حصرون)، و (عين ورمّون = عين رمون)، وحذفت واحداً (بزيتوتية)، ووضعت بدلاً منه "وتوابعها"، واعتذر محققوها عن تلاعبهم بالنص وما أحدثوه فيه فقالوا عنه: "لم يُحفظ النص حفظاً جيداً، فكثير من أسماء المدن تصوَّب بالرجوع إلى النص اليوناني أو إلى نصوص كتابية أخرى".
لكن رغم هذا كله فإن هناك ثلاثة أسماء زائدة، سها عن عدِّها كاتب السفر!
وفي الفقرة التي تليها من سفر يشوع ذكر الكاتب أسماء خمس عشرة مدينة، ثم أخطأ، فقال: "أربع عشرة مدينة مع ضياعها " (يشوع 15/36)، وقد اقترح الشراح - كما نقل محققو الرهبانية اليسوعية - حذف الاسم الأخير، ليقرأ النص: "والجديرة وتوابعها" بدلاً من قوله : "والجديرة وجديروتايم" (يشوع 15/36).
أغلاط توراتية بشهادة العلوم والمكتشفات الحديثة
ومن أغلاط التوراة أيضاً أغلاط خالفت فيها الحقائق العلمية الحديثة، مما دل على أنها ليست من كلام الله الذي يتنزه عن الخطأ والجهل بحقائق العلم التي أدركها الإنسان فيما بعد، فالله العليم لن يخبر في كتابه إلا بكل صحيح، إذ لا يعزب عن علمه شيء في الأرض ولا في السماء.
- ومن ذلك حديث التوراة عن قصة الخلق في سفر التكوين، حيث يتحدث السفر عن خلق الكون في ستة أيام أرضية مكونة من صباح ومساء.
فخلق وفقاً للترتيب التوراتي في اليوم الأول الأرض والنور والظلام والماء ، وفي الثاني خلق السماء حين وضع جَلَداً بين مياه ومياه ، وفي اليوم الثالث تجمعت المياه التي تحت الجَلَد الذي سمي سماء، فتكونت اليابسة ونبت العشب والبقل .
وفي اليوم الرابع خلقت الشمس والقمر والنجوم فيما فوق الجَلَد (السماء) ، وفي اليوم الخامس خلقت الحيوانات البحرية والطيور.
وفي اليوم السادس خلق آدم والحيوانات البرية ، وفرغ من الخلق في هذا اليوم. ( انظر التكوين 1/1 - 31).
ويلحظ العلماء المحققون على هذا الترتيب والإخراج لقصة بدء الكون ملاحظات يرفضها العلم الحديث الذي أعطاه الله للإنسانية، ولو كانت الأسفار من عند الله لما حوت هذه الأخطاء المتتابعة .
منها: أن السفر يتحدث عن ستة أيام أرضية تتكون من ليل ونهار " وكان صباح"، "وكان مساء" ، وكان سابعها يوم السبت الذي استراح فيه الخالق - تعالى عن ذلك - ، ومن المعلوم علمياً أن الخلق تم على فترات كونية تقدر بملايين السنين، وصدق الله حين قال مبيناً المفارقة بين أيامه وأيام البشر: { وإن يوماً عند ربك كألف سنة مما تعدون } ( الحج: 47).
والعلماء يقولون بأن الأرض احتاجت لملايين السنين حتى بردت قشرتها وغدت صالحة للحياة ، فيما يتحدث السفر عن ظهور الماء على الأرض في أول أيامها ، ثم ظهور النبات في ثالثها، والحيوانات في رابعها وخامسها.
كما أن الترتيب التوراتي لظهور المخلوقات يتناقض مع مكتشفات التاريخ الجيولوجي .
فوجود الماء على وجه الأرض في اليوم الأول يتناقض مع النظرية العلمية القائلة بأن الأرض بل والعالم كان غازياً في بداية خلقه ، كما لا يصح ظهور النبات قبل وجود الشمس ، ولا يصح أيضاً وجود الحيوانات البحرية والطيور قبل الحيوانات البرية.
ومثله يرفض علمياً القول بأن الأرض خلقت قبل الشمس والنجوم (في اليوم الرابع)، والعجب من ظهور الليل والنهار لثلاثة أيام، ولما توجد الشمس بعد!
والقول بأن النبات وجد قبل الإنسان بثلاثة أيام فقط، قول مردود، إذ تتحدث المكتشفات العلمية عن وجود النبات قبل الإنسان بملايين السنين .
وقد وردت أكثر هذه الاعتراضات على هذا القصة للخلق في ثنايا نقد الأب دوفو لرواية سفر التكوين . (1)
- ومن الملاحظات العلمية على الأسفار التوراتية أنها تتحدث باستفاضة عن أعمار الآباء الأوائل من لدن آدم إلى إبراهيم، فتجعل ولادة إبراهيم في القرن العشرين من بداية الوجود الإنساني على الأرض وتحديداً في سنة 1948 من لدن خلق الكون وظهور الإنسان على الأرض.
ولا توجد معلومات دقيقة تاريخياً عن الفترة الممتدة بين إبراهيم وعيسى، ولكن المؤرخين يقدرونها بثمانية عشر قرناً، اعتماداً على المصادر التوراتية، وعلى هذا فإن ظهور المسيح كان بعد خلق آدم بثمانية وثلاثين قرناً.
وحسب التاريخ العبري فإن العام (2000م) يساوي سنة 5761 من لدن خلق العالم، وعليه نقول بأن المعطيات التوراتية تجعل عمر البشرية على وجه الأرض لا يزيد عن ستة آلاف سنة بحال من الأحوال.
ويتعارض هذا تماماً مع المعطيات العملية التي تعتبر الحسابات التوراتية نوعاً من الهراء، فقد ثبت وجود حضارات قامت قبل الميلاد بخمسة آلاف سنة.
إذ يرى علماء الآثار أن من المسلَّم به قيام حرب طاحنة بين شمال مصر وجنوبها عام 4042 ق.م، وانتصر فيها أهل الدلتا بيد أن انتصارهم لم يكن حاسماً كما تبدأ الحضارة المصرية المؤرخة بالأسرة الأولى والتي حكمت مصر بين 3400 - 3200 ق.م، وثمة الكثير مما لم يؤرخ قبلها.
كما عثر على مصنوعات بشرية تعود لأكثر من خمسة آلاف سنة قبل الميلاد. وعثرت بعثة جامعة القاهرة على آثار بشرية في منطقة الفيوم ترجع لعشرات الآلاف من السنين.
وتذكر دائرة المعارف البريطانية أن الآثار الإنسانية في فلسطين ترجع لمائتي ألف سنة، ويقول العلامة دونلد جان سنة 1979م : " كشف وجود الإنسان على وجه الأرض منذ أربعة ملايين سنة". (1)
وصدق الله العظيم إذ يؤكد أن البشرية ضاربة جذورها في التاريخ قروناً طويلة، فيقول: * قال فما بال القرون الأولى * قال علمها عند ربي في كتاب لا يضل ربي ولا ينسى ) (طه:51-52)، * وعاداً وثمود وأصحاب الرس وقروناً بين ذلك كثيراً) (الفرقان:38) * ألم يأتكم نبؤ الذين من قبلكم قوم نوح وعاد وثمود والذين من بعدهم لا يعلمهم إلا الله ) (إبراهيم:9).
- وثمة أمور كثيرة ذكرتها التوراة تتعارض مع الأمور الثابتة علمياً والمشاهدة حساً، كذكرها أن الأرنب من الحيوانات المجترة، فيقول: "الجمل والأرنب والوبر لأنها تجترّ، لكنها لا تشق ظلفاً، فهي نجسة لكم " (التثنية 14/7 ).
ومثله أيضاً القول بأن الحية عوقبت بأكل التراب (انظر التكوين 3/14 ) أو أنها تلحسه، كما في سفر ميخا "يلحسون التراب كالحية، كزواحف الأرض" (ميخا 7/17)، والمشاهد في جميع أنواع الحيات المصنفة علمياً أنها تأكل الحشرات والزواحف وغيرها، ولم يسجل أبداً أنها تأكل التراب أو تلحسه.
- ويتحدث سفر اللاويين عن أحكام تتعلق بطيور أسطورية لها أربع أرجل، بعضها يدب، وبعضها يمشي، ولا وجود لها إلا في أساطير الخيال، فيقول: "وكل دبيب الطير الماشي على أربع فهو مكروه لكم. إلا هذا تأكلونه من جميع دبيب الطير الماشي على أربع. ما له كراعان فوق رجليه يثب بهما على الأرض. هذا منه تأكلون...لكن سائر دبيب الطير الذي له أربع أرجل فهو مكروه لكم" (اللاويين 11/20-23). ولم تتحدث الحفريات ولا غيرها عن شيء مثل هذا كان على وجه الأرض في يوم من الأيام.
- ومن الأخطاء العلمية أيضاً ما جاء في سفر التكوين (30/37-43)، حيث زعم بأن غنم يعقوب أنتجت، فكان لون نتاجها مخالفاً للون آبائها، بسبب رؤيتها لبعض العصي المقشرة، فتوحمت عليها، فكان النتاج مثلها، ولو صح مثل هذا لكان ينبغي أن يكون نتاج الربيع أخضراً، وهذا الهراء يخالف كل ما يعرفه علماء الجينات والشفرات الوراثية.
- وفي سفر التكوين حديث عن أغرب قصة ولادة، ألا وهي قصة ولادة الزانية ثامار من حماها ووالد أزواجها يهوذا، "وفي وقت ولادتها إذا في بطنها توأمان، وكان في ولادتها أن أحدهما أخرج يداً، فأخذت القابلة، وربطت على يده قرمزاً قائلة: هذا خرج أولاً، ولكن حين ردّ يده إذ أخوه قد خرج، فقالت: لماذا اقتحمت؟ عليك اقتحام. فدعي اسمه فارص، وبعد ذلك خرج أخوه الذي على يده القرمز، فدعي اسمه زارح" (التكوين 38/27-30)، فقد أخرج البكر يده من بطن أمه، وهو أمر غير معهود في عملية الولادة، وأراد المولود من خلال إخراج يده التأكيد على حقه في البكورية، وفهمت القابلة مراده، فربطت على يده برباط قرمزي.
ثم حصل الأغرب منه الذي لا يمكن تفسيره طبياً، فقد أفسح البكر مكانه في الرحم لأخيه التوأم، ليخرج إلى الدنيا، ثم تبعه أخوه البكر، صاحب اليد المربوطة بالقرمز، ومثل هذه القصة لا تقبل علمياً، وإلحاقها بقصص العجائز أولى من أن تلحق بكلام الله ووحيه .
- ويقدم سفر أيوب تصوراً غريباً لكيفية تخليق الجنين، فهو يصب في قالب، كما يصب الحليب، ثم يتجمد في وسط هذا القالب، كما يتخثر الحليب فيتحول إلى جبناً ، وهو كما تقول نسخة الرهبانية اليسوعية في تعليقها عليه متطابق مع التصورات القديمة لتخليق الجنين، لكنه على كل حال لا علاقة له من قريب أو بعيد بما يعرفه العلماء عن مراحل تخليق الجنين، يقول سفر أيوب مخاطباً الله: "اذكر أنك جبلتني كالطين، أفتعيدني إلى التراب، ألم تصبّني كاللَّبن، وخثّرتني كالجُبن، كسوتني جلداً ولحماً، فنسجتني بعظام وعصب" (أيوب 10/9-11).
- ومن الأخطاء العلمية زعم التوراة أن الأرض لها أعمدة، وأنها مسطحة، ولها زوايا، موافقة بذلك المستوى العلمي السائد حين كتابتها، فتقول وهي تتحدث عن الشمس التي تغرب على الأرض، ثم تذهب مسرعة إلى شرق الأرض لتشرق من جديد: "والشمس تشرق، والشمس تغرب، وتسرع إلى موضعها حيث تشرق" (الجامعة 1/5)، فكاتب السفر لا يعرف شيئاً عن كروية الأرض، ولا عن دورانها حول محورها ليحصل الشروق والغروب، إنه ليس الله العظيم العليم الذي * خلق السّموات والأرض بالحقّ يكوّر اللّيل على النّهار ويكوّر النّهار على اللّيل ) (الزمر: 5).