الأنبياء في العهد القديم
اصطفى الله عز وجل أنبياءه من بين سائر خلقه، وحباهم بأن جعلهم حملة دينه إلى الناس، وأسبق أقوامهم إليه، وجعل منهم قدوة للعالمين * أولئك الذين هدى الله فبهداهم اقتده ) (الأنعام:90).
وهذا الذي يقتضيه العقل في هؤلاء الذين اختارهم الله لهداية خلقه، أن يكونوا أحسن الناس سيرة، وأصدقهم طوية ... كيف لا، وقد جاء الحديث في التوراة عن عصمة الكهنة وبراءتهم من الآثام، لأنهم حاملو الشريعة ومبلغوها للناس، وهم - ولا ريب - دون منزلة الأنبياء ، يقول سفر ملاخي عن لاوي وسبطه: "عهدي معه للحياة والسلام، وأعطيته إياهما للتقوى، فاتقاني، ومن اسمي ارتاع هو، شريعة الحق كانت في فيه، وإثم لم يوجد في شفتيه، سلك معي في السلام والاستقامة، وأرجع كثيرين عن الإثم، لأن شفتي الكاهن تحفظان معرفة، ومن فمه يطلبون الشريعة، لأنه رسول رب الجنود" (ملاخي 2/5-7).
وتثني التوراة في بعض نصوصها على بعض هؤلاء الأنبياء، فعن داود قال: " أنا أكون له أباً، وهو يكون لي ابناً " ( صموئيل (2) 7/14 ).
وعن نوح قال: " كان نوح رجلاً باراً كاملاً في أجياله، وسار نوح مع الله " ( التكوين 6/9).
وعن إبراهيم تقول التوراة بأن الله قال له في المنام: " يا إبرام أنا ترس لك، أجرك كثير جداً " (التكوين 15/1).
وعن إسحاق " وباركه الرب " ( التكوين 26/12 )... إلى غير ذلك
لكن ذلك كله يضيع في بحر الرذائل التي تلصقها التوراة زوراً بحملة رسالات الله من الأنبياء والمرسلين الذين اصطفاهم الله لبلاغ وحيه.
نوح عليه السلام
وأما إبراهيم خليل الله، فتزعم التوراة أنه أخطأ في حق الله لما أراد إهلاك قوم لوط، وخاطب ربه بأسلوب الناصح الغليظ، بأسلوب لا يقبل عاقل أن يخاطبه به صديقه أو ابنه، فضلاً عن عبده الضعيف "فتقدم إبراهيم وقال: أفتهلك البار مع الأثيم! عسى أن يكون خمسون باراً في المدينة، أفتهلك المكان ولا تصفح عنه من أجل الخمسين باراً الذين فيه؟ حاشا لك أن تفعل مثل هذا الأمر: أن تميت البار مع الأثيم، فيكون البار كالأثيم! حاشا لك. أديان كل الأرض لا يصنع عدلاً" (التكوين 18/23).
لوط عليه السلام
وأما لوط عليه السلام، النبي الذي حارب الشذوذ، فتذكر التوراة أنه لما أهلك الله قومه لجأ إلى مغارة مع ابنتيه فسقتاه الخمر، وضاجعتاه، ولم يعلم بذلك، وولد من هاتين الفاحشتين عمي ومؤاب، ومنهما انحدر العمويون والمؤابيون أعداء بني إسرائيل، فاسمع إلى السفر : " وصعد لوط من صوغر، وسكن في الجبل وابنتاه معه. لأنه خاف أن يسكن في صوغر. فسكن في المغارة هو وابنتاه.
وقالت البكر للصغيرة: أبونا قد شاخ، وليس في الأرض رجل ليدخل علينا كعادة كل الأرض. هلم نسقي أبانا خمراً، ونضطجع معه.فنحيي من أبينا نسلاً. فسقتا أباهما خمراً في تلك الليلة. ودخلت البكر واضطجعت مع أبيها، ولم يعلم باضطجاعها ولا بقيامها.
وحدث في الغد أن البكر قالت للصغيرة: إني قد اضطجعت البارحة مع أبي، نسقيه خمراً الليلة أيضاً، فادخلي اضطجعي معه، فنحيي من أبينا نسلاً. فسقتا أباهما خمراً في تلك الليلة أيضاً. وقامت الصغيرة واضطجعت معه، ولم يعلم باضطجاعها ولا بقيامها.
فحبلت ابنتا لوط من أبيهما، فولدت البكر ابنا ودعت اسمه موآب، وهو أبو الموآبيين (أعداء بني إسرائيل) إلى اليوم. والصغيرة أيضا ولدت ابناً، ودعت اسمه بن عمي.وهو أبو بني عمون (وهم أيضاً أعداء بني إسرائيل) إلى اليوم" ( التكوين 19/30 - 37 ).
ثم اعتدى ابنه البكر رؤابين على بلهة سرية يعقوب، واضطجع معها، ولم يحرك يعقوب ساكناً. (انظر : التكوين 35/21 - 22 ). فأين أثر البركة المسروقة في هذا كله؟
موسى وهارون عليهما السلام
كما تسيء التوراة إلى موسى - عليه السلام - أعظم أنبياء بني إسرائيل، وتذكر كلمات لا يمكن أن تصدر من موسى لما فيها من إساءة أدب مع الله، منها: " فقال موسى للرب : لماذا أسأت إلى عبدك ؟ ولماذا لم أجد نعمة في عينيك حتى أنك وضعت ثقل جميع هذا الشعب علي ؟ ألعلي حبلت بجميع هذا الشعب ؟ أو لعلي ولدته .. فإن كنت تفعل بي هكذا فاقتلني قتلاً، إن وجدتُ نعمة في عينيك فلا أرى بليتي " (العدد 11/10 - 15)، فهل يتحدث عبد - فضلاً عن نبي - مع ربه بمثل هذا؟
وتذكر التوراة أن موسى في حربه مع أهل مديان - الذين مكث فيهم سنين - أمر بقتلهم شر قتلة، وحين لم ينفذ الجيش أمره " فسخط موسى على وكلاء الجيش رؤساء الألوف ورؤساء المئات القادمين من جند الحرب، وقال لهم موسى : هل أبقيتم كل أنثى حية؟ فالآن اقتلوا كل ذكر من الأطفال، وكل امرأة عرفت رجلاً بمضاجعة ذكر اقتلوها، لكن جميع الأطفال من النساء اللواتي لم يعرفن مضاجعة ذكر أبقوهن لكم حيّات" ( العدد 31/14 - 18).
ولم يخبر السفر عن طريقة التمييز بين الأبكار وغيرهن، فهل يأمر نبي بمثل هذا ؟!!
وأما هارون القدوس كما في سفر المزامير" هارون قدوس الرب" (المزمور 106/16)، فإن سفر الخروج يفتري عليه، ويتهمه بأنه الذي صنع العجل لبني إسرائيل ليعبدوه، فيقول: "قال لهم هارون: انزعوا أقراط الذهب التي في آذان نسائكم وبنيكم وبناتكم، وأتوني بها. فنزع كل الشعب أقراط الذهب التي في آذانهم، وأتوا بها إلى هارون، فأخذ ذلك من أيديهم، وصوّره بالإزميل، وصنعه عجلا مسبوكاً، فقالوا: هذه آلهتك يا إسرائيل التي أصعدتك من أرض مصر" (الخروج 32/2-4)، فهل هذا صنيع يصنعه قدوس الرب؟
ثم تذكر التوراة المحرفة أن الله حرم موسى وهارون من دخول الأرض المقدسة لخيانتهما لله وعدم إيمانهما: "فقال الرب لموسى وهارون: من أجل أنكما لم تؤمنا بي، حتى تقدساني أمام أعين بني إسرائيل، لذلك لا تدخلان هذه الجماعة إلى الأرض التي أعطيتهم إياها" (العدد 20/12).
وفي موضع آخر يؤكد هذا السبب لحرمانهما من دخول الأرض المباركة، فيقول:" لأنكما خنتماني في وسط بني إسرائيل، عند ماء مريبة قادش، في برية صين، إذ لم تقدساني في وسط بني إسرائيل" (التثنية 32/51).
وتذكر التوراة في قصة غريبة مبهمة من غير مقدمات لها، ومفادها أن الله أراد قتل موسى وهو في صحراء سيناء، حين كان متجهاً لدعوة فرعون كما أمره الرب، والذي أنقذه من القتل ذكاء زوجته صفورة وسرعة بديهتها، حيث أدركت أن سبب غضب الرب عدم ختان موسى لابنه، فختنته سريعاً، ووضعت غرلته عند رجلي الرب، فنجا موسى من الموت، يقول السفر: "حدث في الطريق في المنزل أن الرب التقاه، وطلب أن يقتله، فأخذت صفّورة صوّانة، وقطعت غرلة ابنها، ومسّت رجليه، فقالت: إنك عريس دم لي، فانفكّ عنه عندما قالت: عريس دم من أجل الختان " (الخروج 4/24-26)، ولم يبين السفر السبب الصريح لهذه الغضبة الإلهية المزعومة، واكتفى ببيان هذه الطريقة الغريبة في استرضاء الرب، تعالى عن ذلك علواً كبيراً.
يشوع بن نون عليه السلام
وأما يشوع وصي موسى، فإن اسمه يقترن في التوراة بسلسلة من المجازر التي طالت النساء والأطفال والرجال والحيوان، وكنموذج لهذه المجازر نحكي قصة مجزرة أريحا التي لم ينج فيها سوى راحاب الزانية ومن يلوذ بها، وأما ما عداها فقد أمر يشوع : "وصعد الشعب إلى المدينة، كل رجل مع وجهه، وأخذوا المدينة، وحرّموا كل ما في المدينة من رجل وامرأة، من طفل وشيخ، حتى البقر والغنم والحمير بحد السيف .. أحرقوا المدينة بالنار مع كل ما بها " (يشوع 6/20-24).
ويستمر سفر يشوع في عرض سلسلة من المجازر التي طالت النساء والأطفال الأبرياء، وكل ذلك بأمر من يشوع، وحاشاه عليه السلام " وأخذ يشوع مقيدة في ذلك اليوم وضربها بحد السيف، وحرّم ملكها هو وكل نفس بها، لم يبق شارداً. وفعل بملك مقيدة كما فعل بملك أريحا.
ثم اجتاز يشوع من مقيدة وكل إسرائيل معه إلى لبنة، وحارب لبنة، فدفعها الرب هي أيضا بيد إسرائيل مع ملكها، فضربها بحد السيف وكل نفس بها، لم يبق بها شارداً، وفعل بملكها كما فعل بملك أريحا.
ثم اجتاز يشوع وكل إسرائيل معه من لبنة إلى لخيش ونزل عليها وحاربها، فدفع الرب لخيش بيد إسرائيل، فأخذها في اليوم الثاني، وضربها بحد السيف، وكل نفس بها حسب كل ما فعل بلبنة، حينئذ صعد هورام ملك جازر لإعانة لخيش، وضربه يشوع مع شعبه، حتى لم يبق له شارداً.
ثم اجتاز يشوع وكل إسرائيل معه من لخيش إلى عجلون، فنزلوا عليها، وحاربوها، وأخذوها في ذلك اليوم، وضربوها بحد السيف، وحرّم كل نفس بها في ذلك اليوم حسب كل ما فعل بلخيش، ثم صعد يشوع وجميع إسرائيل معه من عجلون إلى حبرون، وحاربوها، وأخذوها وضربوها بحد السيف مع ملكها وكل مدنها وكل نفس بها، لم يبق شارداً حسب كل ما فعل بعجلون، فحرّمها وكل نفس بها.
ثم رجع يشوع وكل إسرائيل معه إلى دبير وحاربها، وأخذها مع ملكها وكل مدنها وضربوها بحد السيف، وحرّموا كل نفس بها، لم يبق شارداً، كما فعل بحبرون كذلك فعل بدبير وملكها وكما فعل بلبنة وملكها.
فضرب يشوع كل أرض الجبل والجنوب والسهل والسفوح وكل ملوكها، لم يبق شارداً، بل حرّم كل نسمة كما أمر الرب إله إسرائيل " (يشوع 10/28- 40).
وقد رأينا بعد هذه السلسلة الطويلة من المجازر، والتي تذكر بمجازر اليهود اليوم كيف نسب السفر هذه المجازر المريعة إلى أمر الرب، فقال في آخره: " كما أمر الرب إله إسرائيل " ( يشوع 10/40 ).
داود عليه السلام
ونام أوريا على باب بيت الملك مع جميع عبيد سيده، ولم ينزل إلى بيته. فأخبروا داود قائلين: لم ينزل أوريا إلى بيته. فقال داود لأوريا: أما جئت من السفر! فلماذا لم تنزل إلى بيتك؟ فقال أوريا لداود: إن التابوت وإسرائيل ويهوذا ساكنون في الخيام وسيدي يوآب وعبيد سيدي نازلون على وجه الصحراء، وأنا آتي إلى بيتي لآكل وأشرب وأضطجع مع امرأتي؟ وحياتك وحياة نفسك لا أفعل هذا الأمر.
فقال داود لأوريا: أقم هنا اليوم أيضاً، وغداً أطلقك، فأقام أوريا في أورشليم ذلك اليوم وغده. ودعاه داود فأكل أمامه، وشرب، وأسكره. وخرج عند المساء ليضطجع في مضجعه مع عبيد سيده، وإلى بيته لم ينزل، وفي الصباح كتب داود مكتوباً إلى يوآب وأرسله بيد أوريا. وكتب في المكتوب يقول: اجعلوا أوريا في وجه الحرب الشديدة، وارجعوا من ورائه، فيضرب ويموت" (صموئيل (2) 11/2-26).
وكان كما أراد، ومات أوريا، وضم داود تلك الزانية إلى زوجاته، ومنها أنجب سليمان، الذي يشرفه كتاب الأناجيل، فيجعلونه أحد أجداد المسيح.
ثم تحكي الأسفار عن مجازر يشيب لها الولدان فعلها داود بالعمويين، فقد " أخرج الشعب الذي فيها ووضعهم تحت مناشير ونوارج حديد وفؤوس حديد، وأمرَّهم في أتون الآجر، وهكذا صنع بجميع مدن عمون، ثم رجع داود، جميع الشعب إلى أورشليم " (صموئيل (2) 12/31). سبحانك هذا بهتان عظيم.
لكن العجب العجاب أن كل ما نسبته الأسفار زوراً إلى نبي الله داود، لم يمنعها من وصفه بصفات الكمال ونعوت الجلال، وجعله المثل الأعلى والمقياس الأوفى الذي يوزن به ملوك بني إسرائيل، فقد ذكرت الأسفار أن الله لم يمزق مملكة سليمان إكراماً لأبيه الذي حفظ وصايا الله، فتقول: " ولا آخذ كل المملكة من يده، بل أصيره رئيساً كل أيام حياته، لأجل داود عبدي، الذي اخترته، الذي حفظ وصاياي وفرائضي" (الملوك (1) 11/34).
وكانت الأسفار قد أثنت على سليمان، وذكرت بشارة الله لأبيه داود بهذا الابن الذي سيبني بيت الله، ووصفته بالبر والطهارة الذي عبرت عنه الأسفار بلفظة البنوة لله، وهو لفظ يدل على صلاح صاحبه - كما هو معهود في التوراة -، تقول البشارة لداود: "هوذا يولد لك ابن، يكون صاحب راحة، وأريحه من جميع أعدائه حواليه، لأن اسمه يكون سليمان، فأجعل سلاماً وسكينة في إسرائيل في أيامه، هو يبني بيتاً لاسمي، وهو يكون لي ابناً، وأنا له أباً" (الأيام (1) 22/9-10)، كما ذكرت الأسفار أن الله سماه "يديديا" (أي حبيب الرب) ، لأن "الرب أحبه" (صموئيل (2) 12/24)، فهل ضيع سليمان - المبَشر به - أوامر الرب؟ وهل عمل الشر وبنى معابد الأوثان طمعاً في رضا نسائه أم كان - المحبوب عند الله - فصدق فيه قول الله في القرآن، فقال: *ووهبنا لداود سليمان نعم العبد إنه أواب) (سورة ص: 30).
ونتساءل: لو كان هذا حال أنبياء الله؛ فما فائدة النبوات بعد ذلك إذا كان المختارون من البشر وصفوتهم على مثل هذه الحال؟ وأي خير يرتجى في إصلاح البشرية وتطهيرها من دنس الشرك والخطيئة بعد الذي قرأنا؟
ثم هل تخليد هذا الدنس يصدر عن وحي السماء ؟ لو كان ذلك الذي ذكرته التوراة من المخازي حقاً فما فائدة ذكره؟ ما الفائدة المرجوة منه حتى يسطره الله في وحيه؟ سبحانك هذا بهتان عظيم.
اصطفى الله عز وجل أنبياءه من بين سائر خلقه، وحباهم بأن جعلهم حملة دينه إلى الناس، وأسبق أقوامهم إليه، وجعل منهم قدوة للعالمين * أولئك الذين هدى الله فبهداهم اقتده ) (الأنعام:90).
وهذا الذي يقتضيه العقل في هؤلاء الذين اختارهم الله لهداية خلقه، أن يكونوا أحسن الناس سيرة، وأصدقهم طوية ... كيف لا، وقد جاء الحديث في التوراة عن عصمة الكهنة وبراءتهم من الآثام، لأنهم حاملو الشريعة ومبلغوها للناس، وهم - ولا ريب - دون منزلة الأنبياء ، يقول سفر ملاخي عن لاوي وسبطه: "عهدي معه للحياة والسلام، وأعطيته إياهما للتقوى، فاتقاني، ومن اسمي ارتاع هو، شريعة الحق كانت في فيه، وإثم لم يوجد في شفتيه، سلك معي في السلام والاستقامة، وأرجع كثيرين عن الإثم، لأن شفتي الكاهن تحفظان معرفة، ومن فمه يطلبون الشريعة، لأنه رسول رب الجنود" (ملاخي 2/5-7).
وتثني التوراة في بعض نصوصها على بعض هؤلاء الأنبياء، فعن داود قال: " أنا أكون له أباً، وهو يكون لي ابناً " ( صموئيل (2) 7/14 ).
وعن نوح قال: " كان نوح رجلاً باراً كاملاً في أجياله، وسار نوح مع الله " ( التكوين 6/9).
وعن إبراهيم تقول التوراة بأن الله قال له في المنام: " يا إبرام أنا ترس لك، أجرك كثير جداً " (التكوين 15/1).
وعن إسحاق " وباركه الرب " ( التكوين 26/12 )... إلى غير ذلك
لكن ذلك كله يضيع في بحر الرذائل التي تلصقها التوراة زوراً بحملة رسالات الله من الأنبياء والمرسلين الذين اصطفاهم الله لبلاغ وحيه.
نوح عليه السلام
وأما إبراهيم خليل الله، فتزعم التوراة أنه أخطأ في حق الله لما أراد إهلاك قوم لوط، وخاطب ربه بأسلوب الناصح الغليظ، بأسلوب لا يقبل عاقل أن يخاطبه به صديقه أو ابنه، فضلاً عن عبده الضعيف "فتقدم إبراهيم وقال: أفتهلك البار مع الأثيم! عسى أن يكون خمسون باراً في المدينة، أفتهلك المكان ولا تصفح عنه من أجل الخمسين باراً الذين فيه؟ حاشا لك أن تفعل مثل هذا الأمر: أن تميت البار مع الأثيم، فيكون البار كالأثيم! حاشا لك. أديان كل الأرض لا يصنع عدلاً" (التكوين 18/23).
لوط عليه السلام
وأما لوط عليه السلام، النبي الذي حارب الشذوذ، فتذكر التوراة أنه لما أهلك الله قومه لجأ إلى مغارة مع ابنتيه فسقتاه الخمر، وضاجعتاه، ولم يعلم بذلك، وولد من هاتين الفاحشتين عمي ومؤاب، ومنهما انحدر العمويون والمؤابيون أعداء بني إسرائيل، فاسمع إلى السفر : " وصعد لوط من صوغر، وسكن في الجبل وابنتاه معه. لأنه خاف أن يسكن في صوغر. فسكن في المغارة هو وابنتاه.
وقالت البكر للصغيرة: أبونا قد شاخ، وليس في الأرض رجل ليدخل علينا كعادة كل الأرض. هلم نسقي أبانا خمراً، ونضطجع معه.فنحيي من أبينا نسلاً. فسقتا أباهما خمراً في تلك الليلة. ودخلت البكر واضطجعت مع أبيها، ولم يعلم باضطجاعها ولا بقيامها.
وحدث في الغد أن البكر قالت للصغيرة: إني قد اضطجعت البارحة مع أبي، نسقيه خمراً الليلة أيضاً، فادخلي اضطجعي معه، فنحيي من أبينا نسلاً. فسقتا أباهما خمراً في تلك الليلة أيضاً. وقامت الصغيرة واضطجعت معه، ولم يعلم باضطجاعها ولا بقيامها.
فحبلت ابنتا لوط من أبيهما، فولدت البكر ابنا ودعت اسمه موآب، وهو أبو الموآبيين (أعداء بني إسرائيل) إلى اليوم. والصغيرة أيضا ولدت ابناً، ودعت اسمه بن عمي.وهو أبو بني عمون (وهم أيضاً أعداء بني إسرائيل) إلى اليوم" ( التكوين 19/30 - 37 ).
ثم اعتدى ابنه البكر رؤابين على بلهة سرية يعقوب، واضطجع معها، ولم يحرك يعقوب ساكناً. (انظر : التكوين 35/21 - 22 ). فأين أثر البركة المسروقة في هذا كله؟
موسى وهارون عليهما السلام
كما تسيء التوراة إلى موسى - عليه السلام - أعظم أنبياء بني إسرائيل، وتذكر كلمات لا يمكن أن تصدر من موسى لما فيها من إساءة أدب مع الله، منها: " فقال موسى للرب : لماذا أسأت إلى عبدك ؟ ولماذا لم أجد نعمة في عينيك حتى أنك وضعت ثقل جميع هذا الشعب علي ؟ ألعلي حبلت بجميع هذا الشعب ؟ أو لعلي ولدته .. فإن كنت تفعل بي هكذا فاقتلني قتلاً، إن وجدتُ نعمة في عينيك فلا أرى بليتي " (العدد 11/10 - 15)، فهل يتحدث عبد - فضلاً عن نبي - مع ربه بمثل هذا؟
وتذكر التوراة أن موسى في حربه مع أهل مديان - الذين مكث فيهم سنين - أمر بقتلهم شر قتلة، وحين لم ينفذ الجيش أمره " فسخط موسى على وكلاء الجيش رؤساء الألوف ورؤساء المئات القادمين من جند الحرب، وقال لهم موسى : هل أبقيتم كل أنثى حية؟ فالآن اقتلوا كل ذكر من الأطفال، وكل امرأة عرفت رجلاً بمضاجعة ذكر اقتلوها، لكن جميع الأطفال من النساء اللواتي لم يعرفن مضاجعة ذكر أبقوهن لكم حيّات" ( العدد 31/14 - 18).
ولم يخبر السفر عن طريقة التمييز بين الأبكار وغيرهن، فهل يأمر نبي بمثل هذا ؟!!
وأما هارون القدوس كما في سفر المزامير" هارون قدوس الرب" (المزمور 106/16)، فإن سفر الخروج يفتري عليه، ويتهمه بأنه الذي صنع العجل لبني إسرائيل ليعبدوه، فيقول: "قال لهم هارون: انزعوا أقراط الذهب التي في آذان نسائكم وبنيكم وبناتكم، وأتوني بها. فنزع كل الشعب أقراط الذهب التي في آذانهم، وأتوا بها إلى هارون، فأخذ ذلك من أيديهم، وصوّره بالإزميل، وصنعه عجلا مسبوكاً، فقالوا: هذه آلهتك يا إسرائيل التي أصعدتك من أرض مصر" (الخروج 32/2-4)، فهل هذا صنيع يصنعه قدوس الرب؟
ثم تذكر التوراة المحرفة أن الله حرم موسى وهارون من دخول الأرض المقدسة لخيانتهما لله وعدم إيمانهما: "فقال الرب لموسى وهارون: من أجل أنكما لم تؤمنا بي، حتى تقدساني أمام أعين بني إسرائيل، لذلك لا تدخلان هذه الجماعة إلى الأرض التي أعطيتهم إياها" (العدد 20/12).
وفي موضع آخر يؤكد هذا السبب لحرمانهما من دخول الأرض المباركة، فيقول:" لأنكما خنتماني في وسط بني إسرائيل، عند ماء مريبة قادش، في برية صين، إذ لم تقدساني في وسط بني إسرائيل" (التثنية 32/51).
وتذكر التوراة في قصة غريبة مبهمة من غير مقدمات لها، ومفادها أن الله أراد قتل موسى وهو في صحراء سيناء، حين كان متجهاً لدعوة فرعون كما أمره الرب، والذي أنقذه من القتل ذكاء زوجته صفورة وسرعة بديهتها، حيث أدركت أن سبب غضب الرب عدم ختان موسى لابنه، فختنته سريعاً، ووضعت غرلته عند رجلي الرب، فنجا موسى من الموت، يقول السفر: "حدث في الطريق في المنزل أن الرب التقاه، وطلب أن يقتله، فأخذت صفّورة صوّانة، وقطعت غرلة ابنها، ومسّت رجليه، فقالت: إنك عريس دم لي، فانفكّ عنه عندما قالت: عريس دم من أجل الختان " (الخروج 4/24-26)، ولم يبين السفر السبب الصريح لهذه الغضبة الإلهية المزعومة، واكتفى ببيان هذه الطريقة الغريبة في استرضاء الرب، تعالى عن ذلك علواً كبيراً.
يشوع بن نون عليه السلام
وأما يشوع وصي موسى، فإن اسمه يقترن في التوراة بسلسلة من المجازر التي طالت النساء والأطفال والرجال والحيوان، وكنموذج لهذه المجازر نحكي قصة مجزرة أريحا التي لم ينج فيها سوى راحاب الزانية ومن يلوذ بها، وأما ما عداها فقد أمر يشوع : "وصعد الشعب إلى المدينة، كل رجل مع وجهه، وأخذوا المدينة، وحرّموا كل ما في المدينة من رجل وامرأة، من طفل وشيخ، حتى البقر والغنم والحمير بحد السيف .. أحرقوا المدينة بالنار مع كل ما بها " (يشوع 6/20-24).
ويستمر سفر يشوع في عرض سلسلة من المجازر التي طالت النساء والأطفال الأبرياء، وكل ذلك بأمر من يشوع، وحاشاه عليه السلام " وأخذ يشوع مقيدة في ذلك اليوم وضربها بحد السيف، وحرّم ملكها هو وكل نفس بها، لم يبق شارداً. وفعل بملك مقيدة كما فعل بملك أريحا.
ثم اجتاز يشوع من مقيدة وكل إسرائيل معه إلى لبنة، وحارب لبنة، فدفعها الرب هي أيضا بيد إسرائيل مع ملكها، فضربها بحد السيف وكل نفس بها، لم يبق بها شارداً، وفعل بملكها كما فعل بملك أريحا.
ثم اجتاز يشوع وكل إسرائيل معه من لبنة إلى لخيش ونزل عليها وحاربها، فدفع الرب لخيش بيد إسرائيل، فأخذها في اليوم الثاني، وضربها بحد السيف، وكل نفس بها حسب كل ما فعل بلبنة، حينئذ صعد هورام ملك جازر لإعانة لخيش، وضربه يشوع مع شعبه، حتى لم يبق له شارداً.
ثم اجتاز يشوع وكل إسرائيل معه من لخيش إلى عجلون، فنزلوا عليها، وحاربوها، وأخذوها في ذلك اليوم، وضربوها بحد السيف، وحرّم كل نفس بها في ذلك اليوم حسب كل ما فعل بلخيش، ثم صعد يشوع وجميع إسرائيل معه من عجلون إلى حبرون، وحاربوها، وأخذوها وضربوها بحد السيف مع ملكها وكل مدنها وكل نفس بها، لم يبق شارداً حسب كل ما فعل بعجلون، فحرّمها وكل نفس بها.
ثم رجع يشوع وكل إسرائيل معه إلى دبير وحاربها، وأخذها مع ملكها وكل مدنها وضربوها بحد السيف، وحرّموا كل نفس بها، لم يبق شارداً، كما فعل بحبرون كذلك فعل بدبير وملكها وكما فعل بلبنة وملكها.
فضرب يشوع كل أرض الجبل والجنوب والسهل والسفوح وكل ملوكها، لم يبق شارداً، بل حرّم كل نسمة كما أمر الرب إله إسرائيل " (يشوع 10/28- 40).
وقد رأينا بعد هذه السلسلة الطويلة من المجازر، والتي تذكر بمجازر اليهود اليوم كيف نسب السفر هذه المجازر المريعة إلى أمر الرب، فقال في آخره: " كما أمر الرب إله إسرائيل " ( يشوع 10/40 ).
داود عليه السلام
ونام أوريا على باب بيت الملك مع جميع عبيد سيده، ولم ينزل إلى بيته. فأخبروا داود قائلين: لم ينزل أوريا إلى بيته. فقال داود لأوريا: أما جئت من السفر! فلماذا لم تنزل إلى بيتك؟ فقال أوريا لداود: إن التابوت وإسرائيل ويهوذا ساكنون في الخيام وسيدي يوآب وعبيد سيدي نازلون على وجه الصحراء، وأنا آتي إلى بيتي لآكل وأشرب وأضطجع مع امرأتي؟ وحياتك وحياة نفسك لا أفعل هذا الأمر.
فقال داود لأوريا: أقم هنا اليوم أيضاً، وغداً أطلقك، فأقام أوريا في أورشليم ذلك اليوم وغده. ودعاه داود فأكل أمامه، وشرب، وأسكره. وخرج عند المساء ليضطجع في مضجعه مع عبيد سيده، وإلى بيته لم ينزل، وفي الصباح كتب داود مكتوباً إلى يوآب وأرسله بيد أوريا. وكتب في المكتوب يقول: اجعلوا أوريا في وجه الحرب الشديدة، وارجعوا من ورائه، فيضرب ويموت" (صموئيل (2) 11/2-26).
وكان كما أراد، ومات أوريا، وضم داود تلك الزانية إلى زوجاته، ومنها أنجب سليمان، الذي يشرفه كتاب الأناجيل، فيجعلونه أحد أجداد المسيح.
ثم تحكي الأسفار عن مجازر يشيب لها الولدان فعلها داود بالعمويين، فقد " أخرج الشعب الذي فيها ووضعهم تحت مناشير ونوارج حديد وفؤوس حديد، وأمرَّهم في أتون الآجر، وهكذا صنع بجميع مدن عمون، ثم رجع داود، جميع الشعب إلى أورشليم " (صموئيل (2) 12/31). سبحانك هذا بهتان عظيم.
لكن العجب العجاب أن كل ما نسبته الأسفار زوراً إلى نبي الله داود، لم يمنعها من وصفه بصفات الكمال ونعوت الجلال، وجعله المثل الأعلى والمقياس الأوفى الذي يوزن به ملوك بني إسرائيل، فقد ذكرت الأسفار أن الله لم يمزق مملكة سليمان إكراماً لأبيه الذي حفظ وصايا الله، فتقول: " ولا آخذ كل المملكة من يده، بل أصيره رئيساً كل أيام حياته، لأجل داود عبدي، الذي اخترته، الذي حفظ وصاياي وفرائضي" (الملوك (1) 11/34).
وكانت الأسفار قد أثنت على سليمان، وذكرت بشارة الله لأبيه داود بهذا الابن الذي سيبني بيت الله، ووصفته بالبر والطهارة الذي عبرت عنه الأسفار بلفظة البنوة لله، وهو لفظ يدل على صلاح صاحبه - كما هو معهود في التوراة -، تقول البشارة لداود: "هوذا يولد لك ابن، يكون صاحب راحة، وأريحه من جميع أعدائه حواليه، لأن اسمه يكون سليمان، فأجعل سلاماً وسكينة في إسرائيل في أيامه، هو يبني بيتاً لاسمي، وهو يكون لي ابناً، وأنا له أباً" (الأيام (1) 22/9-10)، كما ذكرت الأسفار أن الله سماه "يديديا" (أي حبيب الرب) ، لأن "الرب أحبه" (صموئيل (2) 12/24)، فهل ضيع سليمان - المبَشر به - أوامر الرب؟ وهل عمل الشر وبنى معابد الأوثان طمعاً في رضا نسائه أم كان - المحبوب عند الله - فصدق فيه قول الله في القرآن، فقال: *ووهبنا لداود سليمان نعم العبد إنه أواب) (سورة ص: 30).
ونتساءل: لو كان هذا حال أنبياء الله؛ فما فائدة النبوات بعد ذلك إذا كان المختارون من البشر وصفوتهم على مثل هذه الحال؟ وأي خير يرتجى في إصلاح البشرية وتطهيرها من دنس الشرك والخطيئة بعد الذي قرأنا؟
ثم هل تخليد هذا الدنس يصدر عن وحي السماء ؟ لو كان ذلك الذي ذكرته التوراة من المخازي حقاً فما فائدة ذكره؟ ما الفائدة المرجوة منه حتى يسطره الله في وحيه؟ سبحانك هذا بهتان عظيم.