أغلاط العهد القديم
عندما نتحدث عن كتاب مقدس، فإنه من الطبيعي أن نسلم بعصمة هذا الكتاب، وأن ما فيه هو وحي الله عز وجل.
إذ وجود الخطأ فيه يعني أن الله يخطئ، أو أن الروح القدس يخطئ، أو أن الرسول المبلغ يخطئ.
وهذه الاحتمالات كلها مرفوضة باتفاق الأمم وبدلالة العقل، إذ الخطأ صفة بشرية لا يمكن أن تصدر من الله أو أمناء وحيه من الملائكة أو الرسل، ففي ذلك تلبيس على البشر وإضلال لهم.
ولكنا حين نتصفح أسفار الكتاب المقدس نجد أغلاطاً توراتية كثيرة، كل منها يشهد ببراءة الله ووحيه من هذا الكتاب، ومن هذه الأغلاط:
- أن سفر التكوين يحكي عن خيانة إخوة يوسف لأخيهم ، فيذكر أن تجاراً مديانيين أخرجوه من البئر، وباعوه لقوم من الإسماعيليين بعشرين من الفضة، وأن هؤلاء الإسماعيليين قد حملوه معهم إلى مصر " اجتاز رجال مديانيون تجار، فسحبوا يوسف، وأصعدوه من البئر، وباعوا يوسف للإسماعيليين بعشرين من الفضة، فأتوا بيوسف إلى مصر" (التكوين 37/28).
وفي مصر بيع يوسف لفوطيفار ، والمفروض أن الذي باعه لفوطيفار هم الإسماعيليون الذين حملوه إلى مصر بعد أن اشتروه بعشرين من الفضة، لكن كاتب السفر أخطأ فقال :" أما المديانيون فباعوه في مصر لفوطيفار خصي فرعون رئيس الشّرط" (التكوين 37/36)، والمفروض أن الإسماعيليين هم الذين باعوه لفوطيفار، وهذا هو الصحيح ، إذ يعود سفر التكوين لتقريره فيقول: " واشتراه فوطيفار خصي فرعون رئيس الشرط رجل مصري من يد الإسماعيليين الذين أنزلوه إلى هناك " (التكوين 39/1). فمن المسئول عن هذا الخطأ؟ هل هو الله؟ تعالى عن ذلك، أم هو الكاتب المجهول الذي كتب السفر؟ أم نساخ آلاف المخطوطات الذين لم يكونوا أمناء في نساختهم للأسفار؟ أم أولئك الذين اعتبروا هذه الكتابات التاريخية - بما فيها من خلل وزلل - كلمة الله؟
أياً كانت الإجابة، فإن الكتاب المقدس لم ينج من الخطأ والزلل، مما يمنع أن يكون بحق كلمة الله.
ومن أخطاء الكتاب المقدس ما زعمه سفر الأيام من إدراك الملك السامري بعشا للسنة السادسة والثلاثين من حكم الملك اليهوذي آسا، وبناؤه للرامة فيها، حيث يقول: "في السنة السادسة والثلاثين لملك آسا صعد بعشا ملك إسرائيل على يهوذا وبنى الرامة" (الأيام (2) 16/1)، وهو خطأ- ولا ريب - لأن الملك بعشا مات قبل هذا التاريخ بتسع سنين.
وإثبات ذلك ميسور، فقد ملك بعشا في السنة الثالثة من حكم آسا، وبقي في الملك مدة أربع وعشرين سنة، أي أنه مات في السنة السابعة والعشرين من حكم الملك آسا، فقد جاء ذلك في سفر الملوك "في السنة الثالثة لآسا ملِك يهوذا ملَك بعشا بن أخيا على جميع إسرائيل في ترصة أربعاً وعشرين سنة" (الملوك (1) 15/33).
ومما يؤكد هذا أنه قد توالى على الملك بعده في هذه السنوات التسع ثلاثة ملوك: وهم: ابنه أيلة، ثم زمري، ثم عمري.
ويحدد لنا سفر الملوك - بدقة - سنوات تولي الملوك الثلاثة، فيقول: "واضطجع بعشا مع آبائه، ودفن في ترصة، وملَك أيلة ابنه عوضاً عنه .. في السنة السادسة والعشرين لآسا ملِك يهوذا ملَك أيلة بن بعشا على إسرائيل .. فدخل زمري، وضربه، فقتله في السنة السابعة والعشرين لآسا ملِك يهوذا، وملَك عوضاً عنه .. في السنة الواحدة والثلاثين لآسا ملِك يهوذا ملَك عمري على إسرائيل اثنتي عشرة سنة" (الملوك (1) 16/6-23)، فكيف يبني بعشا الرامة في السنة السادسة والثلاثين من حكم آسا، وقد مات قبلها بتسع سنين!
- ومن الأغلاط ما جاء في سفر صموئيل عن عمر شاول عندما ملك على بني إسرائيل حيث يقول: " كان شاول ابن سنة في ملكه، وملك سنتين على إسرائيل " ( صموئيل (1) 13/1 ).
وهذا أمر لا يعقل أبداً، كما أنه يتناقض مع كل ما تقدمه التوراة من معلومات عن شاول الملك الكبير، وكيفية اختياره، ورفضه لتزويج ابنته ميكال لداود إبان ملكه [شاول]، ثم تزوج داود بها عقب توليه الملك.
فذلك كله وغيره مؤذن بوجود غلط في هذا النص.
ولتفادي ذكر هذا الغلط عمدت بعض الترجمات الحديثة إلى ترك مكان السن فارغاً، وهو ما صنعه محققو الرهبانية اليسوعية، ففيها: "وكان شاول ابن .. حين صار ملكاً، وملك .. سنة على إسرائيل".
وأشاروا في الهامش إلى مصدر هذا الغلط، فقالوا عما ورد في النص العبري: " وهذا أمر غير معقول، لربما لم يعرفوا عمر شاول عند ارتقائه العرش، أو لربما سقط العمر عن النص، أو لربما قصرت مدة ملكه إلى سنتين لعبرة لاهوتية ".
ولنا أن نتساءل هل كان كتبة الأسفار الملهمون يكتبون وفق معارفهم، أم كانوا يكتبون ما يمليه عليهم الروح القدس؟.
وفي محاولة أخرى لتبرير هذا الغلط يقول مطران دمشق سمعان الحصروني في كتابه " تسهيل صعوبات الكتاب المقدس " : " هذا القول لا يعني على أن شاول كان ابن سنة بالعمر ، بل إنه حين ملك كان باراً وديعاً صالحاً لا يعرف الغش، مثل طفل ابن سنة ، ولما ملك سنتين على إسرائيل دخل الغش في قلبه، وصار كبيراً مثل شيخ عارف، وقال : إنه ملك سنتين لا غير ، أعني ما استقام على البرارة وعدم المخالفة والقسط إلا سنتين فقط ، ودخل في الإثم والغش وقلة رضا الله". (1)
ولا يخفى ضعف هذا التبرير على القارئ الحصيف، إذ هو إحدى البهلوانيات التي يركبها أولئك الذين أضناهم ترقيع الطوام التي وجدوها في كتابهم.
- ومن الأغلاط أيضاً ما جاء في سفر الأيام " وقد أذل الرب يهوذا بسبب آحاز ملك إسرائيل" ( الأيام (2) 28/19 )، فالنص يزعم أن آحاز ملك مملكة إسرائيل الشمالية.
والصحيح أن آحاز ملك على مملكة يهوذا الجنوبية، وبسببه أذل الله مملكته، وهو الملك الحادي عشر من ملوك مملكة يهوذا الجنوبية، كما ذكر محرر قاموس الكتاب المقدس.
ومن الأغلاط ما جاء في كتاب القضاة " وكان غلام من بيت لحم يهوذا من عشيرة يهوذا، وهو لاوي " ( القضاة 17/7 )، ولا يمكن أن يكون الغلام لاوياً ومن نسل يهوذا، فكلاهما ابن يعقوب، وهو من نسل أحدهما لا محالة.
وقد اعترف بهذا الغلط هيوبي كينت والمفسر هارسلي، وذكروا أن قوله: "وهو لاوي" عبارة إلحاقية "، وأخرجها هيوبي من المتن. (1)
- ووقع الغلط من كاتب سفر الخروج حين زعم أن جميع مواشي المصريين قد ماتت، ثم ذكر بعدها بسطور أن مواشيهم أصيبت بالدمامل والبثور، يقول السفر: "ففعل الرب هذا الأمر في الغد. فماتت جميع مواشي المصريين. وأما مواشي بني إسرائيل، فلم يمت منها واحد" (الخروج 9/6).
وبعد سطور وفي السفر نفسه ذكر أن فرعون لم يؤمن فعوقب بعقوبة جديدة، وهي الدمامل فيقول السفر: "ثم قال الرب لموسى وهارون: خذا ملء أيديكما من رماد الأتون. وليذرّه موسى نحو السماء أمام عيني فرعون. ليصير غباراً على كل أرض مصر، فيصير على الناس وعلى البهائم دمامل طالعة ببثور في كل أرض مصر، فأخذا رماد الأتون، ووقفا أمام فرعون، وذراه موسى نحو السماء، فصار دمامل بثور طالعة في الناس وفي البهائم" (الخروج 9/8-10)، فكيف أصيبت بهائمهم، وقد ماتت جميعاً.
ويعود النص التوراتي مرة أخرى للحديث عن مواشي المصريين وعن تهديد موسى لفرعون بإفنائها، والمفترض أنها فنيت جميعاً، فيقول لفرعون: "ها أنا غداً مثل الآن أمطر برداً عظيماً جداً لم يكن مثله في مصر منذ يوم تأسيسها إلى الآن، فالآن أرسل، احم مواشيك وكل ما لك في الحقل، جميع الناس والبهائم الذين يوجدون في الحقل، ولا يجمعون إلى البيوت ينزل عليهم البرد فيموتون، فالذي خاف كلمة الرب من عبيد فرعون هرب بعبيده ومواشيه إلى البيوت" (الخروج 9/18-21).
فالكاتب لهذا السفر غلط ونسي أنه يتحدث عن شاب، وليس عن طفل صغير، يقول كاتب السفر: "فكبر الولد (إسحاق) وفطم، وصنع إبراهيم وليمة عظيمة يوم فطام إسحاق، .. فبكر إبراهيم صباحاً وأخذ خبزاً وقربة ماء، وأعطاهما لهاجر واضعاً إياهما على كتفها والولد، وصرفها، فمضت .. ولما فرغ الماء من القربة طرحت الولد تحت إحدى الأشجار، ومضت، وجلست مقابله بعيداً نحو رمية قوس، لأنها قالت: لا أنظر موت الولد .. ونادى ملاك الله هاجر من السماء، وقال لها: ما لك يا هاجر، لا تخافي لأن الله قد سمع لصوت الغلام حيث هو، قومي احملي الغلام وشدي يدك به ... فذهبت وملأت القربة ماء، وسقت الغلام" (التكوين 21/ 7-19).
- ويتحدث سفر التكوين عن سارة زوجة إبراهيم، فيذكر من جمالها وحسنها أنها وقعت في استحسان فرعون مصر هي تبلغ الخامسة والستين من العمر، ومثل هذا غير معهود في النساء، إذ يذوي الجمال والحسن دون هذا السن، وامرأة في الخامسة والستين لا نراها تصلح لتكون محلاً لإعجاب الملوك وهيامهم.
ثم لما تجاوزت التسعين وقعت في استحسان ملك جرار أبيمالك، ومثل هذا من الشطط الذي يتنزه عنه وحي الله وكتبه.
ولبيان هذه المسألة نبين أن سارة تصغر عن زوجها بعشر سنين، فقد جاء في سفر التكوين أن إبراهيم قال: " هل يولد لابن مائة سنة؟ وهل تلد سارة وهي بنت تسعين سنة؟!" (التكوين 17/17)، فبينهما عشر سنين.
وقد غادر إبراهيم حاران، وعمر سارة خمس وستون سنة " وكان إبرام ابن خمس وسبعين سنة لما خرج من حاران، فأخذ إبرام ساراي امرأته ولوطاً ابن أخيه وكل مقتنياتهما..فأتوا إلى أرض كنعان" (التكوين 12/4-5)، ثم بعد ذلك انطلق إلى مصر، حيث أعجب فرعون بسارة، وقد تجاوزت الخامسة والستين "وحدث لما قرب أن يدخل مصر أنه قال لساراي امرأته: إني قد علمت أنك امرأة حسنة المنظر، فيكون إذا رآك المصريون أنهم يقولون: هذه امرأته، فيقتلونني ويستبقونك .. فحدث لما دخل إبرام إلى مصر أن المصريين رأوا المرأة أنها حسنة جداً، ورآها رؤساء فرعون ومدحوها لدى فرعون، فأخذت المرأة إلى بيت فرعون..." (التكوين 12/11-15).
ثم يتحدث سفر التكوين عن بلوغ إبراهيم التاسعة والتسعين واختتانه في هذا السن، (التكوين 17/24-25). مما يعني بلوغ سارة التسعين، وبعده يتحدث السفر عن مضي إبراهيم وزوجه العجوز إلى الجنوب، ليُعجب ويؤخَذ بجمالها - هذه المرة - أبيمالك ملك جرار، "وانتقل إبراهيم من هناك إلى أرض الجنوب وسكن بين قادش وشور، وتغرب في جرار، وقال إبراهيم عن سارة امرأته هي أختي، فأرسل أبيمالك ملك جرار أخذ سارة " (التكوين 20/1-3)، فهل يعقل أن امرأة قاربت التسعين يقع في هيامها الملوك؟ إنه أحد أغلاط الكتاب المقدس، وأحد شهاداته على أنه من صنع البشر.
- ومن الأغلاط أيضاً تلك الوعود التي وعدت بها التوراة، ثم لم تتحقق فدل على أنه غلط، ولو كان حقاً لتحقق الوعد.
- ومن هذه الوعود قول التوراة أن الله قال لإبراهيم: " وأما أنت فتمضي إلى آبائك بسلام، وتدفن بشيبة صالحة، وفي الجيل الرابع يرجعون إلى ههنا" (أي فلسطين). (التكوين 15/15-16).
والواقع التاريخي يكذب هذا النص فقد كان الجيل الثالث والرابع من إبراهيم وهم الأسباط وأبناؤهم، كانوا هم الداخلين إلى مصر، لا الخارجين منها، وأما الخارجون منها فهم الجيل السادس من أبناء إبراهيم.
عندما نتحدث عن كتاب مقدس، فإنه من الطبيعي أن نسلم بعصمة هذا الكتاب، وأن ما فيه هو وحي الله عز وجل.
إذ وجود الخطأ فيه يعني أن الله يخطئ، أو أن الروح القدس يخطئ، أو أن الرسول المبلغ يخطئ.
وهذه الاحتمالات كلها مرفوضة باتفاق الأمم وبدلالة العقل، إذ الخطأ صفة بشرية لا يمكن أن تصدر من الله أو أمناء وحيه من الملائكة أو الرسل، ففي ذلك تلبيس على البشر وإضلال لهم.
ولكنا حين نتصفح أسفار الكتاب المقدس نجد أغلاطاً توراتية كثيرة، كل منها يشهد ببراءة الله ووحيه من هذا الكتاب، ومن هذه الأغلاط:
- أن سفر التكوين يحكي عن خيانة إخوة يوسف لأخيهم ، فيذكر أن تجاراً مديانيين أخرجوه من البئر، وباعوه لقوم من الإسماعيليين بعشرين من الفضة، وأن هؤلاء الإسماعيليين قد حملوه معهم إلى مصر " اجتاز رجال مديانيون تجار، فسحبوا يوسف، وأصعدوه من البئر، وباعوا يوسف للإسماعيليين بعشرين من الفضة، فأتوا بيوسف إلى مصر" (التكوين 37/28).
وفي مصر بيع يوسف لفوطيفار ، والمفروض أن الذي باعه لفوطيفار هم الإسماعيليون الذين حملوه إلى مصر بعد أن اشتروه بعشرين من الفضة، لكن كاتب السفر أخطأ فقال :" أما المديانيون فباعوه في مصر لفوطيفار خصي فرعون رئيس الشّرط" (التكوين 37/36)، والمفروض أن الإسماعيليين هم الذين باعوه لفوطيفار، وهذا هو الصحيح ، إذ يعود سفر التكوين لتقريره فيقول: " واشتراه فوطيفار خصي فرعون رئيس الشرط رجل مصري من يد الإسماعيليين الذين أنزلوه إلى هناك " (التكوين 39/1). فمن المسئول عن هذا الخطأ؟ هل هو الله؟ تعالى عن ذلك، أم هو الكاتب المجهول الذي كتب السفر؟ أم نساخ آلاف المخطوطات الذين لم يكونوا أمناء في نساختهم للأسفار؟ أم أولئك الذين اعتبروا هذه الكتابات التاريخية - بما فيها من خلل وزلل - كلمة الله؟
أياً كانت الإجابة، فإن الكتاب المقدس لم ينج من الخطأ والزلل، مما يمنع أن يكون بحق كلمة الله.
ومن أخطاء الكتاب المقدس ما زعمه سفر الأيام من إدراك الملك السامري بعشا للسنة السادسة والثلاثين من حكم الملك اليهوذي آسا، وبناؤه للرامة فيها، حيث يقول: "في السنة السادسة والثلاثين لملك آسا صعد بعشا ملك إسرائيل على يهوذا وبنى الرامة" (الأيام (2) 16/1)، وهو خطأ- ولا ريب - لأن الملك بعشا مات قبل هذا التاريخ بتسع سنين.
وإثبات ذلك ميسور، فقد ملك بعشا في السنة الثالثة من حكم آسا، وبقي في الملك مدة أربع وعشرين سنة، أي أنه مات في السنة السابعة والعشرين من حكم الملك آسا، فقد جاء ذلك في سفر الملوك "في السنة الثالثة لآسا ملِك يهوذا ملَك بعشا بن أخيا على جميع إسرائيل في ترصة أربعاً وعشرين سنة" (الملوك (1) 15/33).
ومما يؤكد هذا أنه قد توالى على الملك بعده في هذه السنوات التسع ثلاثة ملوك: وهم: ابنه أيلة، ثم زمري، ثم عمري.
ويحدد لنا سفر الملوك - بدقة - سنوات تولي الملوك الثلاثة، فيقول: "واضطجع بعشا مع آبائه، ودفن في ترصة، وملَك أيلة ابنه عوضاً عنه .. في السنة السادسة والعشرين لآسا ملِك يهوذا ملَك أيلة بن بعشا على إسرائيل .. فدخل زمري، وضربه، فقتله في السنة السابعة والعشرين لآسا ملِك يهوذا، وملَك عوضاً عنه .. في السنة الواحدة والثلاثين لآسا ملِك يهوذا ملَك عمري على إسرائيل اثنتي عشرة سنة" (الملوك (1) 16/6-23)، فكيف يبني بعشا الرامة في السنة السادسة والثلاثين من حكم آسا، وقد مات قبلها بتسع سنين!
- ومن الأغلاط ما جاء في سفر صموئيل عن عمر شاول عندما ملك على بني إسرائيل حيث يقول: " كان شاول ابن سنة في ملكه، وملك سنتين على إسرائيل " ( صموئيل (1) 13/1 ).
وهذا أمر لا يعقل أبداً، كما أنه يتناقض مع كل ما تقدمه التوراة من معلومات عن شاول الملك الكبير، وكيفية اختياره، ورفضه لتزويج ابنته ميكال لداود إبان ملكه [شاول]، ثم تزوج داود بها عقب توليه الملك.
فذلك كله وغيره مؤذن بوجود غلط في هذا النص.
ولتفادي ذكر هذا الغلط عمدت بعض الترجمات الحديثة إلى ترك مكان السن فارغاً، وهو ما صنعه محققو الرهبانية اليسوعية، ففيها: "وكان شاول ابن .. حين صار ملكاً، وملك .. سنة على إسرائيل".
وأشاروا في الهامش إلى مصدر هذا الغلط، فقالوا عما ورد في النص العبري: " وهذا أمر غير معقول، لربما لم يعرفوا عمر شاول عند ارتقائه العرش، أو لربما سقط العمر عن النص، أو لربما قصرت مدة ملكه إلى سنتين لعبرة لاهوتية ".
ولنا أن نتساءل هل كان كتبة الأسفار الملهمون يكتبون وفق معارفهم، أم كانوا يكتبون ما يمليه عليهم الروح القدس؟.
وفي محاولة أخرى لتبرير هذا الغلط يقول مطران دمشق سمعان الحصروني في كتابه " تسهيل صعوبات الكتاب المقدس " : " هذا القول لا يعني على أن شاول كان ابن سنة بالعمر ، بل إنه حين ملك كان باراً وديعاً صالحاً لا يعرف الغش، مثل طفل ابن سنة ، ولما ملك سنتين على إسرائيل دخل الغش في قلبه، وصار كبيراً مثل شيخ عارف، وقال : إنه ملك سنتين لا غير ، أعني ما استقام على البرارة وعدم المخالفة والقسط إلا سنتين فقط ، ودخل في الإثم والغش وقلة رضا الله". (1)
ولا يخفى ضعف هذا التبرير على القارئ الحصيف، إذ هو إحدى البهلوانيات التي يركبها أولئك الذين أضناهم ترقيع الطوام التي وجدوها في كتابهم.
- ومن الأغلاط أيضاً ما جاء في سفر الأيام " وقد أذل الرب يهوذا بسبب آحاز ملك إسرائيل" ( الأيام (2) 28/19 )، فالنص يزعم أن آحاز ملك مملكة إسرائيل الشمالية.
والصحيح أن آحاز ملك على مملكة يهوذا الجنوبية، وبسببه أذل الله مملكته، وهو الملك الحادي عشر من ملوك مملكة يهوذا الجنوبية، كما ذكر محرر قاموس الكتاب المقدس.
ومن الأغلاط ما جاء في كتاب القضاة " وكان غلام من بيت لحم يهوذا من عشيرة يهوذا، وهو لاوي " ( القضاة 17/7 )، ولا يمكن أن يكون الغلام لاوياً ومن نسل يهوذا، فكلاهما ابن يعقوب، وهو من نسل أحدهما لا محالة.
وقد اعترف بهذا الغلط هيوبي كينت والمفسر هارسلي، وذكروا أن قوله: "وهو لاوي" عبارة إلحاقية "، وأخرجها هيوبي من المتن. (1)
- ووقع الغلط من كاتب سفر الخروج حين زعم أن جميع مواشي المصريين قد ماتت، ثم ذكر بعدها بسطور أن مواشيهم أصيبت بالدمامل والبثور، يقول السفر: "ففعل الرب هذا الأمر في الغد. فماتت جميع مواشي المصريين. وأما مواشي بني إسرائيل، فلم يمت منها واحد" (الخروج 9/6).
وبعد سطور وفي السفر نفسه ذكر أن فرعون لم يؤمن فعوقب بعقوبة جديدة، وهي الدمامل فيقول السفر: "ثم قال الرب لموسى وهارون: خذا ملء أيديكما من رماد الأتون. وليذرّه موسى نحو السماء أمام عيني فرعون. ليصير غباراً على كل أرض مصر، فيصير على الناس وعلى البهائم دمامل طالعة ببثور في كل أرض مصر، فأخذا رماد الأتون، ووقفا أمام فرعون، وذراه موسى نحو السماء، فصار دمامل بثور طالعة في الناس وفي البهائم" (الخروج 9/8-10)، فكيف أصيبت بهائمهم، وقد ماتت جميعاً.
ويعود النص التوراتي مرة أخرى للحديث عن مواشي المصريين وعن تهديد موسى لفرعون بإفنائها، والمفترض أنها فنيت جميعاً، فيقول لفرعون: "ها أنا غداً مثل الآن أمطر برداً عظيماً جداً لم يكن مثله في مصر منذ يوم تأسيسها إلى الآن، فالآن أرسل، احم مواشيك وكل ما لك في الحقل، جميع الناس والبهائم الذين يوجدون في الحقل، ولا يجمعون إلى البيوت ينزل عليهم البرد فيموتون، فالذي خاف كلمة الرب من عبيد فرعون هرب بعبيده ومواشيه إلى البيوت" (الخروج 9/18-21).
فالكاتب لهذا السفر غلط ونسي أنه يتحدث عن شاب، وليس عن طفل صغير، يقول كاتب السفر: "فكبر الولد (إسحاق) وفطم، وصنع إبراهيم وليمة عظيمة يوم فطام إسحاق، .. فبكر إبراهيم صباحاً وأخذ خبزاً وقربة ماء، وأعطاهما لهاجر واضعاً إياهما على كتفها والولد، وصرفها، فمضت .. ولما فرغ الماء من القربة طرحت الولد تحت إحدى الأشجار، ومضت، وجلست مقابله بعيداً نحو رمية قوس، لأنها قالت: لا أنظر موت الولد .. ونادى ملاك الله هاجر من السماء، وقال لها: ما لك يا هاجر، لا تخافي لأن الله قد سمع لصوت الغلام حيث هو، قومي احملي الغلام وشدي يدك به ... فذهبت وملأت القربة ماء، وسقت الغلام" (التكوين 21/ 7-19).
- ويتحدث سفر التكوين عن سارة زوجة إبراهيم، فيذكر من جمالها وحسنها أنها وقعت في استحسان فرعون مصر هي تبلغ الخامسة والستين من العمر، ومثل هذا غير معهود في النساء، إذ يذوي الجمال والحسن دون هذا السن، وامرأة في الخامسة والستين لا نراها تصلح لتكون محلاً لإعجاب الملوك وهيامهم.
ثم لما تجاوزت التسعين وقعت في استحسان ملك جرار أبيمالك، ومثل هذا من الشطط الذي يتنزه عنه وحي الله وكتبه.
ولبيان هذه المسألة نبين أن سارة تصغر عن زوجها بعشر سنين، فقد جاء في سفر التكوين أن إبراهيم قال: " هل يولد لابن مائة سنة؟ وهل تلد سارة وهي بنت تسعين سنة؟!" (التكوين 17/17)، فبينهما عشر سنين.
وقد غادر إبراهيم حاران، وعمر سارة خمس وستون سنة " وكان إبرام ابن خمس وسبعين سنة لما خرج من حاران، فأخذ إبرام ساراي امرأته ولوطاً ابن أخيه وكل مقتنياتهما..فأتوا إلى أرض كنعان" (التكوين 12/4-5)، ثم بعد ذلك انطلق إلى مصر، حيث أعجب فرعون بسارة، وقد تجاوزت الخامسة والستين "وحدث لما قرب أن يدخل مصر أنه قال لساراي امرأته: إني قد علمت أنك امرأة حسنة المنظر، فيكون إذا رآك المصريون أنهم يقولون: هذه امرأته، فيقتلونني ويستبقونك .. فحدث لما دخل إبرام إلى مصر أن المصريين رأوا المرأة أنها حسنة جداً، ورآها رؤساء فرعون ومدحوها لدى فرعون، فأخذت المرأة إلى بيت فرعون..." (التكوين 12/11-15).
ثم يتحدث سفر التكوين عن بلوغ إبراهيم التاسعة والتسعين واختتانه في هذا السن، (التكوين 17/24-25). مما يعني بلوغ سارة التسعين، وبعده يتحدث السفر عن مضي إبراهيم وزوجه العجوز إلى الجنوب، ليُعجب ويؤخَذ بجمالها - هذه المرة - أبيمالك ملك جرار، "وانتقل إبراهيم من هناك إلى أرض الجنوب وسكن بين قادش وشور، وتغرب في جرار، وقال إبراهيم عن سارة امرأته هي أختي، فأرسل أبيمالك ملك جرار أخذ سارة " (التكوين 20/1-3)، فهل يعقل أن امرأة قاربت التسعين يقع في هيامها الملوك؟ إنه أحد أغلاط الكتاب المقدس، وأحد شهاداته على أنه من صنع البشر.
- ومن الأغلاط أيضاً تلك الوعود التي وعدت بها التوراة، ثم لم تتحقق فدل على أنه غلط، ولو كان حقاً لتحقق الوعد.
- ومن هذه الوعود قول التوراة أن الله قال لإبراهيم: " وأما أنت فتمضي إلى آبائك بسلام، وتدفن بشيبة صالحة، وفي الجيل الرابع يرجعون إلى ههنا" (أي فلسطين). (التكوين 15/15-16).
والواقع التاريخي يكذب هذا النص فقد كان الجيل الثالث والرابع من إبراهيم وهم الأسباط وأبناؤهم، كانوا هم الداخلين إلى مصر، لا الخارجين منها، وأما الخارجون منها فهم الجيل السادس من أبناء إبراهيم.