إبطال نسبة أسفار الأنبياء إليهم
لا يملك اليهود ولا النصارى أي دليل - ولو كان ضعيفاً - يثبت صحة نسبة الأسفار المقدسة إلى أصحابها، إذ هذه الكتب خالية من الأسانيد التي توثقها.
بل إن الأدلة تثبت عكس ذلك، وهو يتضح فيما نعرض من النصوص والشهادات التي تبطل نسبة أسفار العهد القديم إلى الأنبياء عليهم السلام، ولسوف نكتفي بعرض بعض الشهادات عن بعض الأسفار، ونترك للقارئ الكريم أن يقيس الغائب من الأسفار على الشاهد منها.
سفر يشوع
تنسب الدراسات التقليدية هذا السفر إلى النبي يشوع بن نون وصي موسى عليه السلام، لكن القراءة المتأنية لهذا السفر تكشف عن تأخر تاريخ كتابته عن يشوع بسنين طويلة، فقد جاء فيه خبر موت يشوع " مات يشوع بن نون عبد الرب ابن مائة وعشر سنين، فدفنوه في تخم ملكه " (يشوع 24/29 - 30 ).
ويذكر سفر يشوع أحداثاً حصلت بعد موته كتعظيم بني إسرائيل له بعد وفاته، بقاء شيوخهم على العهد في عصر القضاة بعده " وعبد إسرائيل الرب كل أيام يشوع وكل أيام الشيوخ الذين طالت أيامهم بعد يشوع والذين عرفوا كل عمل الرب الذي عمله لإسرائيل" (يشوع 24/31)، والسفر برمته يتحدث عن يشوع بضمير الغائب. (انظر 8/35، 6/27 ).
ومن الأدلة التي نسردها سريعاً لنؤكد أن يشوع ليس بكاتب السفر المنسوب إليه أن سفر يشوع ذكر مراراً قرية دبير التي حاربها يشوع، ومن ذلك قوله: "ثم رجع يشوع وكل إسرائيل معه إلى دبير وحاربها" (يشوع 10/38)، وكذا قوله : "وصعد التخم إلى دبير من وادي عخور" (يشوع 15/ 7)، وغيرها من المواضع.
وهذا الاسم لم يطلق على هذه القرية إلا بعد وفاة يشوع، فقد كان اسمها في عهد يشوع قرية سفر، وتغير في عهد القضاة "واسم دبير قبلاً قرية سفر" (القضاة 1/11).
وهذا السفر يحكي قصة راعوث المؤابية التي تزوجت إسرائيلياً ، ثم مات عنها زوجها ثم تزوجها بوعز فولدت له عوبيد جد داود ، ولا يعرف بالتحديد من هو مؤلف هذه القصة.
لذلك يقول القس وليم مارش عن كاتب هذا السفر: " مجهول " ، ويضيف جورج بوست: "لا يمكن الجزم بزمان هذه القصة ، ولا بمعرفة مؤلفها .. نسب بعضهم كتابتها إلى صموئيل، وآخرون إلى حزقيا وآخرون إلى عزرا ... "، وتقول مقدمة السفر عن الكاتب: " ليس معروفاً بالتحديد ".
أما مقدمة السفر في التوراة الكاثوليكية فترى أن كاتبه المجهول قد عاش في زمن متأخر "اللغة ذاتها في النص العبري تشير إلى حداثة عهده الذي يعود إلى ما بعد السبي البابلي". (1)
سفرا صموئيل ( الأول والثاني )
وينسب السفران إلى النبي صموئيل، لكن السفر الأول منهما يذكر وفاة النبي صموئيل ودفنه "فمات صموئيل، فاجتمع إسرائيل، وندبوه، ودفنوه " ( صموئيل (1) 25/1 ) فمن الذي أكمل السفر الأول؟ ومن كتب السفر الثاني ؟
يقول منقحو الكتاب المقدس الذي راجعه القسيس فانت السكرتير العام لجمعية الكتاب المقدس بنيويورك عن مؤلف السفرين: " مجهول، ويحتمل أن يكون عزرا هو الذي كتبه وراجعه".
ويقول محررو طبعة 1971م الإنجليزية في مدخلهم: " مؤلفه : صموئيل على الاحتمال "، وقال آخرون الكاتب إرمياء، لكن مقدمة النسخة الكاثوليكية تعتبره "رأي صبياني، على أنه من المحتمل أن يكون المؤلف أحد تلاميذ إرميا".(2)
سفرا عزرا ونحميا
وفي هذا السفر يتصور الخيالُ اليهودي ملكةَ فارس يهودية وذات نفوذ تستخدمه لصالح الشعب اليهودي . ولم يذكر اسم الله في هذا السفر أبداً، وتبرر ذلك مقدمة السفر في التوراة الكاثوليكية فتقول عن النص العبراني منه: "لربما كان ذلك خشية أن ترافق اسم الله هتافات وتظاهرات غير لائقة من قبل سامعين في نشوة من الأفراح، وهذا أمر مضر بالاحترام الواجب لاسم الله" ولا أدري لماذا لم يُحترَز عن ذكر اسم الله في سفر نشيد الإنشاد، وهو أيضاً مجموعة من الأغاني الغرامية؟
وعن مؤلفه يقول كتاب " مرشد الطالبين " : " مجهول "، ويقول الدكتور بوست : " ينسب البعض تأليف هذا السفر إلى عزرا ، وآخرون إلى كاهن يدعى يهوياقيم، والبعض ينسبونه إلى أعضاء المجمع العظيم ، على أن الأكثرين ينسبونه إلى مردخاي ".
أما مقدمة السفر الكاثوليكي فترى تأخر تأليفه "فقد يرجع إلى الجيل الثاني قبل المسيح" .
وقد شكك البعض في قانونية السفر مثل مليتو السارديسي ، وجورجي النزيانزي كما ذكر ذلك قاموس الكتاب المقدس .
ويقول عنه لوثر: " ليت هذا السفر لم يوجد " .
وينقل العلامة الهندي قول بطرس عبد الملك وجون طمسن : " لا يوجد تناسق أو انسجام بين السفر في العبرية وبين هذه الزيادات ، بل إن هناك تناقضاً بينها ، فتذكر هذه الإضافات أن ملك الفرس في ذلك الحين هو ارتزركسيس بدلاً من روكسيس، وتذكر أن هامان كان مقدونياً بدلاً من كونه فارسياً ". (1)
فكيف وصفت بالوحي؟ وهل كان بنو قورح أيضاً أنبياء؟ وهل كان أساف كبير المغنيين في بلاط داود نبياً؟ وما أدلة نبوة هؤلاء؟ إن أحداً لا يملك إجابة عن هذه الأسئلة.
والمتأمل في المزامير يدرك بوضوح كبير أن المزامير تعود إلى ما بعد داود وسليمان، وتحديداً إلى القرن السادس قبل الميلاد، إلى أيام السبي البابلي، وذلك يظهر من أمثلة متعددة.
منها ما جاء في المزمور التاسع والسبعين والمنسوب لآساف كبير المغنيين في بلاط الملك داود، حيث يقول: " اللهم إن الأمم قد دخلوا ميراثك، ونجسوا هيكل قدسك، وجعلوا أورشليم أكواماً، دفعوا جثث عبيدك طعاماً لطيور السماء " (79/1 - 2 ).
ومثله في قوله: " الرب يبني أورشليم، يجمع منفى إسرائيل يشفي المنكسري القلوب، ويجبر كسرهم " (147/4).
ومثله " على أنهار بابل جلسنا ... بكينا أيضا عندما تذكرنا صهيون ... لأنه هناك سألنا الذين سبونا (بعد السبي البابلي) كلام ترنيمة، ومعذبونا سألونا فرحاً قائلين: رنموا لنا من ترنيمات صهيون" ( 137/1).... وغيرها.
وهذه الأمثلة تثبت أن كتابة المزامير تأخرت عن داود ما لا يقل عن أربعة قرون، وعليه فلا تصح نسبتها إليه أو إلى معاصريه.
سفر ( الأمثال ) و ( الجامعة ) و ( نشيد الإنشاد )
وتنسب الأسفار الثلاثة حسب التقليد الكنسي واليهودي إلى النبي سليمان عليه السلام .
لكن التأمل في سفر الأمثال يظهر فقرات لا تصح نسبتها إلى سليمان ، فقراءتها تظهر أن لها أكثر من كاتب بدليل تكرار أكثر من مائة مثل باللفظ أو بالمعنى كما في (18/8 و 26/22 و19/24).
وقد نص السفر على أن بعض هذه الأمثال لسليمان، فقد بدأ بقوله: " أمثال سليمان بن دواد ملك إسرائيل " (1/1) ثم عاد في الإصحاح العاشر، فأكد عليه.
وكذا في الإصحاح الخامس والعشرين يؤكد أن سليمان هو قائل هذا السفر، ويضيف بأن الذي نقلها عنه هم رجال الملك حزقيا، فيقول: " هذه أيضاً أمثال سليمان التي نقلها رجال حزقيا ملك يهوذا " ( 25/1).
ولا نعرف من هم رجال حزقيا، ولا كيف وصلت إليهم كلمات النبي سليمان، وهل هم أيضاً أنبياء، علماً بأن حزقيا هو الملك الثاني عشر بعد سليمان؟
وفي الإصحاح الثلاثين تنسب مجموعة الأمثال إلى غير سليمان، ففيه " كلام أجور ابن منقية مسا" ( أمثال 30/1 ) ولا يذكر السفر نبوته ولا إلهاميته، وفي الإصحاح الذي يليه " كلام لموئيل ملك مسّا ، علمته إياه أمه " ( 31/1 )، ولا يذكر لنا السفر كيف اعتبر هذا الذي علمته أمه من الوحي .
ويقول المدخل للآباء اليسوعيين (التوراة الكاثوليكية): "السفر ليس بكامله من تأليف هذا الملك، وهو يسند إلى مجموعتين مهمتين .. المجموعة المركبة قد اكتملت دون شك بشكلها النهائي بعد السبي .. يستحيل تحديد أصل هذه المجموعات حتى المسندة منها إلى سليمان .. إن عدداً كبيراً من هذه الأمثال لا صفة دينية لها البتة "
وأما سفر الجامعة فقد جاء في أوله: " كلام الجامعة بن داود الملك في أورشليم " ( 1/1 ) وفي موضع آخر يقول: " أنا الجامعة، كنت ملكاً على إسرائيل في أورشليم " (1/12) .
وليس في ملوك بني إسرائيل من اسمه الجامعة، وقد ذكروا في أيام (1) 3/1 -22 ، لذلك ينسبه الكهنوتيون إلى سليمان ،ولا يصح هذا لأنه يقول: " رأيت تحت الشمس موضع الحق هناك الظلم ، وموضع العدل هناك الجور ... " ( 3/16) .
ومثل هذه الصورة التشاؤمية لا يمكن أن تصدر عن النبي سليمان الملك الذي يملك رفع الحق وتثبيته، ومثله " ثم رجعت ورأيت كل المظالم التي تجري تحت الشمس ، فهُوَذا دموع المظلومين ، ولا معز لهم من يد ظالميهم " ( 4/1 )، ومثله كثير ، فالسفر يحمل صورة تشاؤمية لا يمكن أن تصدر عن نبي ملك.
كما يتحدث عن رجوع المسبيين والشروع في بناء الهيكل في الإصحاحات 56 - 66، لذا يقول العالم الألماني أستاهلن: " لا يمكن أن يكون الباب الأربعون وما بعده حتى الباب السادس والستين من تصنيف إشعيا". (1)
لذا تنقل لنا مقدمة السفر الكاثوليكي أن "عدداً متزايداً من الشراح الكاثوليك يعتبرون اليوم أن عمل إشعيا قد تابعه أنبياء آخرون، لهم ما له من الأهمية، لكنهم لم يخلِّفوا لنا أسماءهم".
سفر إرمياء
أما سفر إرمياء فإن تقاليد الكنيسة تنسبه إلى النبي إرمياء، ولا تصح هذه النسبة، إذ هو من عمل عدة مؤلفين، بدليل تناقضه في ذكر الحادثة الواحدة، ومن ذلك تناقضه في طريقة القبض على إرمياء وسجنه (انظر: إرمياء 37/11 - 15 و 38/6 - 13).
كما يحمل السفر اعترافاً بزيادة لغير إرمياء ففيه " فأخذ إرمياء درجاً آخر، ودفعه لباروخ بن نيريا الكاتب، فكتب فيه عن فم إرميا، كل كلام السفر الذي أحرقه يهوياقيم ملك يهوذا بالنار، وزيد عليه أيضاً كلام كثير مثله " ( 36/33 ).
وفي موضع آخر " إلى هنا كلام إرمياء " ( 51/64 )، ومع ذلك يستمر السفر، فمن الذي أكمله؟
خاتمة جامعة
ونختم مع اعتراف مهم يسجله مدخل التوراة الكاثوليكية وفيه: " صدرت جميع هذه الكتب عن أناس مقتنعين بأن الله دعاهم لتكوين شعب يحتل مكاناً في التاريخ ... ظل عدد كبير منهم مجهولاً.. معظم عملهم مستوفى من تقاليد الجماعة، وقبل أن تتخذ كتبهم صيغتها النهائية انتشرت زمناً طويلاً بين الشعب، وهي تحمل آثار ردود فعل القراء في شكل تنقيحات وتعليقات، وحتى في شكل إعادة صياغة بعض النصوص إلى حد هام أو قليل الأهمية، لا بل أحدث الأسفار ما هي إلا تفسير وتحديث لكتب قديمة ".
إذاً هذه الأسفار مجهولة المؤلف، لا تصح نسبتها إلى الأنبياء، بل هي من عمل الشعب اليهودي طوال عصور التاريخ اليهودي، وقد استلهموا هذه الكتابات من تقاليدهم، لا من الله ووحيه، وكل ذلك شاهد على أن التوراة ليست كلمة الله.
وقد صدق موريس فورن حين قال: " لو سألنا في أي وقت جمع كل كتاب من كتب التوراة ، وفي أي حال ، وظروف ؟ وبأقلام من كتب ؟ لا نجد أحداً يجيبنا عن تلك الأسئلة وما شابهها إلا بأجوبة متباينة متخالفة جداً ...
والملخص أن المذاهب العلمية الجديدة ترفض أغلب أقوال علماء النقل التي هي أساس اعتقاد النصارى واليهود ، وتقوض بنيان ادعاء السابقين، وتبرئ الأنبياء من تلك الكتابات " .
ويواصل فيقول: " ما الحيلة ونحن من مائة سنة حيارى بين أسانيد يمحو بعضها بعضاً ، فالحديث يناقض سابقه ، والسابق ينافي الأسبق ، وقد تتناقض أجزاء الدليل الواحد .. وأيِسنا من الوصول إلى معرفة صاحب الكتاب الحقيقي ". (1)
وصدق الله حين قال: * فويل للذين يكتبون الكتاب بأيديهم ثم يقولون هذا من عند الله ليشتروا به ثمناً قليلاً فويل لهم مما كتبت أيديهم وويل لهم مما يكسبون ) (البقرة: 79).
لا يملك اليهود ولا النصارى أي دليل - ولو كان ضعيفاً - يثبت صحة نسبة الأسفار المقدسة إلى أصحابها، إذ هذه الكتب خالية من الأسانيد التي توثقها.
بل إن الأدلة تثبت عكس ذلك، وهو يتضح فيما نعرض من النصوص والشهادات التي تبطل نسبة أسفار العهد القديم إلى الأنبياء عليهم السلام، ولسوف نكتفي بعرض بعض الشهادات عن بعض الأسفار، ونترك للقارئ الكريم أن يقيس الغائب من الأسفار على الشاهد منها.
سفر يشوع
تنسب الدراسات التقليدية هذا السفر إلى النبي يشوع بن نون وصي موسى عليه السلام، لكن القراءة المتأنية لهذا السفر تكشف عن تأخر تاريخ كتابته عن يشوع بسنين طويلة، فقد جاء فيه خبر موت يشوع " مات يشوع بن نون عبد الرب ابن مائة وعشر سنين، فدفنوه في تخم ملكه " (يشوع 24/29 - 30 ).
ويذكر سفر يشوع أحداثاً حصلت بعد موته كتعظيم بني إسرائيل له بعد وفاته، بقاء شيوخهم على العهد في عصر القضاة بعده " وعبد إسرائيل الرب كل أيام يشوع وكل أيام الشيوخ الذين طالت أيامهم بعد يشوع والذين عرفوا كل عمل الرب الذي عمله لإسرائيل" (يشوع 24/31)، والسفر برمته يتحدث عن يشوع بضمير الغائب. (انظر 8/35، 6/27 ).
ومن الأدلة التي نسردها سريعاً لنؤكد أن يشوع ليس بكاتب السفر المنسوب إليه أن سفر يشوع ذكر مراراً قرية دبير التي حاربها يشوع، ومن ذلك قوله: "ثم رجع يشوع وكل إسرائيل معه إلى دبير وحاربها" (يشوع 10/38)، وكذا قوله : "وصعد التخم إلى دبير من وادي عخور" (يشوع 15/ 7)، وغيرها من المواضع.
وهذا الاسم لم يطلق على هذه القرية إلا بعد وفاة يشوع، فقد كان اسمها في عهد يشوع قرية سفر، وتغير في عهد القضاة "واسم دبير قبلاً قرية سفر" (القضاة 1/11).
وهذا السفر يحكي قصة راعوث المؤابية التي تزوجت إسرائيلياً ، ثم مات عنها زوجها ثم تزوجها بوعز فولدت له عوبيد جد داود ، ولا يعرف بالتحديد من هو مؤلف هذه القصة.
لذلك يقول القس وليم مارش عن كاتب هذا السفر: " مجهول " ، ويضيف جورج بوست: "لا يمكن الجزم بزمان هذه القصة ، ولا بمعرفة مؤلفها .. نسب بعضهم كتابتها إلى صموئيل، وآخرون إلى حزقيا وآخرون إلى عزرا ... "، وتقول مقدمة السفر عن الكاتب: " ليس معروفاً بالتحديد ".
أما مقدمة السفر في التوراة الكاثوليكية فترى أن كاتبه المجهول قد عاش في زمن متأخر "اللغة ذاتها في النص العبري تشير إلى حداثة عهده الذي يعود إلى ما بعد السبي البابلي". (1)
سفرا صموئيل ( الأول والثاني )
وينسب السفران إلى النبي صموئيل، لكن السفر الأول منهما يذكر وفاة النبي صموئيل ودفنه "فمات صموئيل، فاجتمع إسرائيل، وندبوه، ودفنوه " ( صموئيل (1) 25/1 ) فمن الذي أكمل السفر الأول؟ ومن كتب السفر الثاني ؟
يقول منقحو الكتاب المقدس الذي راجعه القسيس فانت السكرتير العام لجمعية الكتاب المقدس بنيويورك عن مؤلف السفرين: " مجهول، ويحتمل أن يكون عزرا هو الذي كتبه وراجعه".
ويقول محررو طبعة 1971م الإنجليزية في مدخلهم: " مؤلفه : صموئيل على الاحتمال "، وقال آخرون الكاتب إرمياء، لكن مقدمة النسخة الكاثوليكية تعتبره "رأي صبياني، على أنه من المحتمل أن يكون المؤلف أحد تلاميذ إرميا".(2)
سفرا عزرا ونحميا
وفي هذا السفر يتصور الخيالُ اليهودي ملكةَ فارس يهودية وذات نفوذ تستخدمه لصالح الشعب اليهودي . ولم يذكر اسم الله في هذا السفر أبداً، وتبرر ذلك مقدمة السفر في التوراة الكاثوليكية فتقول عن النص العبراني منه: "لربما كان ذلك خشية أن ترافق اسم الله هتافات وتظاهرات غير لائقة من قبل سامعين في نشوة من الأفراح، وهذا أمر مضر بالاحترام الواجب لاسم الله" ولا أدري لماذا لم يُحترَز عن ذكر اسم الله في سفر نشيد الإنشاد، وهو أيضاً مجموعة من الأغاني الغرامية؟
وعن مؤلفه يقول كتاب " مرشد الطالبين " : " مجهول "، ويقول الدكتور بوست : " ينسب البعض تأليف هذا السفر إلى عزرا ، وآخرون إلى كاهن يدعى يهوياقيم، والبعض ينسبونه إلى أعضاء المجمع العظيم ، على أن الأكثرين ينسبونه إلى مردخاي ".
أما مقدمة السفر الكاثوليكي فترى تأخر تأليفه "فقد يرجع إلى الجيل الثاني قبل المسيح" .
وقد شكك البعض في قانونية السفر مثل مليتو السارديسي ، وجورجي النزيانزي كما ذكر ذلك قاموس الكتاب المقدس .
ويقول عنه لوثر: " ليت هذا السفر لم يوجد " .
وينقل العلامة الهندي قول بطرس عبد الملك وجون طمسن : " لا يوجد تناسق أو انسجام بين السفر في العبرية وبين هذه الزيادات ، بل إن هناك تناقضاً بينها ، فتذكر هذه الإضافات أن ملك الفرس في ذلك الحين هو ارتزركسيس بدلاً من روكسيس، وتذكر أن هامان كان مقدونياً بدلاً من كونه فارسياً ". (1)
فكيف وصفت بالوحي؟ وهل كان بنو قورح أيضاً أنبياء؟ وهل كان أساف كبير المغنيين في بلاط داود نبياً؟ وما أدلة نبوة هؤلاء؟ إن أحداً لا يملك إجابة عن هذه الأسئلة.
والمتأمل في المزامير يدرك بوضوح كبير أن المزامير تعود إلى ما بعد داود وسليمان، وتحديداً إلى القرن السادس قبل الميلاد، إلى أيام السبي البابلي، وذلك يظهر من أمثلة متعددة.
منها ما جاء في المزمور التاسع والسبعين والمنسوب لآساف كبير المغنيين في بلاط الملك داود، حيث يقول: " اللهم إن الأمم قد دخلوا ميراثك، ونجسوا هيكل قدسك، وجعلوا أورشليم أكواماً، دفعوا جثث عبيدك طعاماً لطيور السماء " (79/1 - 2 ).
ومثله في قوله: " الرب يبني أورشليم، يجمع منفى إسرائيل يشفي المنكسري القلوب، ويجبر كسرهم " (147/4).
ومثله " على أنهار بابل جلسنا ... بكينا أيضا عندما تذكرنا صهيون ... لأنه هناك سألنا الذين سبونا (بعد السبي البابلي) كلام ترنيمة، ومعذبونا سألونا فرحاً قائلين: رنموا لنا من ترنيمات صهيون" ( 137/1).... وغيرها.
وهذه الأمثلة تثبت أن كتابة المزامير تأخرت عن داود ما لا يقل عن أربعة قرون، وعليه فلا تصح نسبتها إليه أو إلى معاصريه.
سفر ( الأمثال ) و ( الجامعة ) و ( نشيد الإنشاد )
وتنسب الأسفار الثلاثة حسب التقليد الكنسي واليهودي إلى النبي سليمان عليه السلام .
لكن التأمل في سفر الأمثال يظهر فقرات لا تصح نسبتها إلى سليمان ، فقراءتها تظهر أن لها أكثر من كاتب بدليل تكرار أكثر من مائة مثل باللفظ أو بالمعنى كما في (18/8 و 26/22 و19/24).
وقد نص السفر على أن بعض هذه الأمثال لسليمان، فقد بدأ بقوله: " أمثال سليمان بن دواد ملك إسرائيل " (1/1) ثم عاد في الإصحاح العاشر، فأكد عليه.
وكذا في الإصحاح الخامس والعشرين يؤكد أن سليمان هو قائل هذا السفر، ويضيف بأن الذي نقلها عنه هم رجال الملك حزقيا، فيقول: " هذه أيضاً أمثال سليمان التي نقلها رجال حزقيا ملك يهوذا " ( 25/1).
ولا نعرف من هم رجال حزقيا، ولا كيف وصلت إليهم كلمات النبي سليمان، وهل هم أيضاً أنبياء، علماً بأن حزقيا هو الملك الثاني عشر بعد سليمان؟
وفي الإصحاح الثلاثين تنسب مجموعة الأمثال إلى غير سليمان، ففيه " كلام أجور ابن منقية مسا" ( أمثال 30/1 ) ولا يذكر السفر نبوته ولا إلهاميته، وفي الإصحاح الذي يليه " كلام لموئيل ملك مسّا ، علمته إياه أمه " ( 31/1 )، ولا يذكر لنا السفر كيف اعتبر هذا الذي علمته أمه من الوحي .
ويقول المدخل للآباء اليسوعيين (التوراة الكاثوليكية): "السفر ليس بكامله من تأليف هذا الملك، وهو يسند إلى مجموعتين مهمتين .. المجموعة المركبة قد اكتملت دون شك بشكلها النهائي بعد السبي .. يستحيل تحديد أصل هذه المجموعات حتى المسندة منها إلى سليمان .. إن عدداً كبيراً من هذه الأمثال لا صفة دينية لها البتة "
وأما سفر الجامعة فقد جاء في أوله: " كلام الجامعة بن داود الملك في أورشليم " ( 1/1 ) وفي موضع آخر يقول: " أنا الجامعة، كنت ملكاً على إسرائيل في أورشليم " (1/12) .
وليس في ملوك بني إسرائيل من اسمه الجامعة، وقد ذكروا في أيام (1) 3/1 -22 ، لذلك ينسبه الكهنوتيون إلى سليمان ،ولا يصح هذا لأنه يقول: " رأيت تحت الشمس موضع الحق هناك الظلم ، وموضع العدل هناك الجور ... " ( 3/16) .
ومثل هذه الصورة التشاؤمية لا يمكن أن تصدر عن النبي سليمان الملك الذي يملك رفع الحق وتثبيته، ومثله " ثم رجعت ورأيت كل المظالم التي تجري تحت الشمس ، فهُوَذا دموع المظلومين ، ولا معز لهم من يد ظالميهم " ( 4/1 )، ومثله كثير ، فالسفر يحمل صورة تشاؤمية لا يمكن أن تصدر عن نبي ملك.
كما يتحدث عن رجوع المسبيين والشروع في بناء الهيكل في الإصحاحات 56 - 66، لذا يقول العالم الألماني أستاهلن: " لا يمكن أن يكون الباب الأربعون وما بعده حتى الباب السادس والستين من تصنيف إشعيا". (1)
لذا تنقل لنا مقدمة السفر الكاثوليكي أن "عدداً متزايداً من الشراح الكاثوليك يعتبرون اليوم أن عمل إشعيا قد تابعه أنبياء آخرون، لهم ما له من الأهمية، لكنهم لم يخلِّفوا لنا أسماءهم".
سفر إرمياء
أما سفر إرمياء فإن تقاليد الكنيسة تنسبه إلى النبي إرمياء، ولا تصح هذه النسبة، إذ هو من عمل عدة مؤلفين، بدليل تناقضه في ذكر الحادثة الواحدة، ومن ذلك تناقضه في طريقة القبض على إرمياء وسجنه (انظر: إرمياء 37/11 - 15 و 38/6 - 13).
كما يحمل السفر اعترافاً بزيادة لغير إرمياء ففيه " فأخذ إرمياء درجاً آخر، ودفعه لباروخ بن نيريا الكاتب، فكتب فيه عن فم إرميا، كل كلام السفر الذي أحرقه يهوياقيم ملك يهوذا بالنار، وزيد عليه أيضاً كلام كثير مثله " ( 36/33 ).
وفي موضع آخر " إلى هنا كلام إرمياء " ( 51/64 )، ومع ذلك يستمر السفر، فمن الذي أكمله؟
خاتمة جامعة
ونختم مع اعتراف مهم يسجله مدخل التوراة الكاثوليكية وفيه: " صدرت جميع هذه الكتب عن أناس مقتنعين بأن الله دعاهم لتكوين شعب يحتل مكاناً في التاريخ ... ظل عدد كبير منهم مجهولاً.. معظم عملهم مستوفى من تقاليد الجماعة، وقبل أن تتخذ كتبهم صيغتها النهائية انتشرت زمناً طويلاً بين الشعب، وهي تحمل آثار ردود فعل القراء في شكل تنقيحات وتعليقات، وحتى في شكل إعادة صياغة بعض النصوص إلى حد هام أو قليل الأهمية، لا بل أحدث الأسفار ما هي إلا تفسير وتحديث لكتب قديمة ".
إذاً هذه الأسفار مجهولة المؤلف، لا تصح نسبتها إلى الأنبياء، بل هي من عمل الشعب اليهودي طوال عصور التاريخ اليهودي، وقد استلهموا هذه الكتابات من تقاليدهم، لا من الله ووحيه، وكل ذلك شاهد على أن التوراة ليست كلمة الله.
وقد صدق موريس فورن حين قال: " لو سألنا في أي وقت جمع كل كتاب من كتب التوراة ، وفي أي حال ، وظروف ؟ وبأقلام من كتب ؟ لا نجد أحداً يجيبنا عن تلك الأسئلة وما شابهها إلا بأجوبة متباينة متخالفة جداً ...
والملخص أن المذاهب العلمية الجديدة ترفض أغلب أقوال علماء النقل التي هي أساس اعتقاد النصارى واليهود ، وتقوض بنيان ادعاء السابقين، وتبرئ الأنبياء من تلك الكتابات " .
ويواصل فيقول: " ما الحيلة ونحن من مائة سنة حيارى بين أسانيد يمحو بعضها بعضاً ، فالحديث يناقض سابقه ، والسابق ينافي الأسبق ، وقد تتناقض أجزاء الدليل الواحد .. وأيِسنا من الوصول إلى معرفة صاحب الكتاب الحقيقي ". (1)
وصدق الله حين قال: * فويل للذين يكتبون الكتاب بأيديهم ثم يقولون هذا من عند الله ليشتروا به ثمناً قليلاً فويل لهم مما كتبت أيديهم وويل لهم مما يكسبون ) (البقرة: 79).