البشارة الخامسة و الأربعون
المسيح يبلغ الميثاق الذي أخذه الله على كل الأنبياء و يبشر تلاميذه بالنبي المصطفى
ها هو المسيح عليه السلام قبل رفعه مباشرة يعزي تلاميذه و حواريه فيقول لهم "لكني اقول لكم الحق انه خير لكم ان انطلق.لانه ان لم انطلق لا يأتيكم المعزي.ولكن ان ذهبت ارسله اليكم. ومتى جاء ذاك يبكت العالم على خطية وعلى بر وعلى دينونة. اما على خطية فلانهم لا يؤمنون بي. واما على بر فلاني ذاهب الى ابي ولا ترونني ايضا. واما على دينونة فلأن رئيس هذا العالم قد دين ان لي أمورا كثيرة ايضا لاقول لكم ولكن لا تستطيعون ان تحتملوا الآن. و اما متى جاء ذاك روح الحق فهو يرشدكم الى جميع الحق لانه لا يتكلم من نفسه بل كل ما يسمع يتكلم به ويخبركم بامور آتية. ذاك يمجدني لانه يأخذ مما لي ويخبركم " إنجيل يوحنا 16 : 7- 14
تعالوا معا لنعرف ماذا يقصد المسيح عليه السلام من هذه الكلمات:
وَلكِنِّي أَقُولُ لَكُمُ الْحَقَّ: هذا أسلوب توكيد و تعزية و بث للطمأنينة من المسيح لتلاميذه
مِنَ الأَفْضَلِ لَكُمْ أَنْ أَذْهَبَ: كيف يذهب و هو لم يكمل رسالته و له أمورا كثيرة يريد أن يحدثهم بها .. أليس هو الله كما تقولون يا عباد المسيح؟ .. الحقيقة أنه نبي من أنبياء الله و لابد أن أعظم منه سيأتي .. لأن الآتي هو قدوس القديسين و سيد النبيين.
لأَنِّي إِنْ كُنْتُ لاَ أَذْهَبُ لاَ يَأْتِيكُمُ الْمُعِينُ: نعم فلقد تنبأ به كل الأنبياء من موسى و إشعياء و ملاخي و يوحنا المعمدان .. فهو سيأتي بعد رفع المسيح الذي لم يكمل رسالته .. إنه البريكليتوس باليونانية أحمد بالعربية و مناخما بالآرامية
وَلكِنِّي إِذَا ذَهَبْتُ أُرْسِلُهُ إِلَيْكُمْ: نعم ألم يقل "أطلب من الله الآب أن يعطيكم معزيا آخر" فسيسأل الله أن يرسل معزيا آخر مثله و مثل موسى.
وَعِنْدَمَا يَجِيءُ يُبَكِّتُ الْعَالَمَ عَلَى الْخَطِيئَةِ: فإذا جاء فإنه سيقف أمام العالم الخاطئ و ما هو أعظم خطئا من الكفر بالله و رسله و الشرك به .. "يا أيها النبي جاهد الكفار و المنافقين و اغلظ عليهم" .. "و ما قدروا الله حق قدره"
أَمَّا عَلَى الْخَطِيئَةِ فَلأَنَّهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ بِي: نعم لقد أظهر الله نبيه على كل من لم يؤمن بالمسيح عبد الله و رسوله كما قال هو داعيا الله ربه و إلهه "ليؤمنوا أنك أرسلتني"
وَأَمَّا عَلَى الْبِرِّ فَلأَنِّي عَائِدٌ إِلَى الآبِ فَلاَ تَرَوْنَنِي بَعْدُ: نعم فلقد جاء المسيح بالبينات لبني اسرائيل و لكنهم كذبوه .. و تآمروا عليه ليقتلوه ولكن الله نجاه .. "أفكلما جاءكم رسول بما لا تهوى أنفسكم فريقا كذبتم و فريقا تقتلون" .. إن النبي محمد و القرآن يقولان إن المسيح كان نبيا صادقا من الأبرار و لذلك نجاه الله تعالى و رفعه إليه .. فالله تعالى ينجي الأبرار دائما.
وَأَمَّا عَلَى الدَّيْنُونَةِ فَلأَنَّ سَيِّدَ هَذَا الْعَالَمِ قَدْ صَدَرَ عَلَيْهِ حُكْمُ الدَّيْنُونَة: نعم لقد صدر الحكم من الله لهذا النبي أن يقاتل أتباع الشيطان في الدنيا قبل الآخرة اينما كانوا .. "فقاتلوا أولياء الشيطان إن كيد الشيطان كان ضعيفا" .. "وَمَنْ يَتَّخِذِ الشَّيْطَانَ وَلِيًّا مِنْ دُونِ اللَّهِ فَقَدْ خَسِرَ خُسْرَانًا مُبِينًا".
مَازَالَ عِنْدِي أُمُورٌ كَثِيرَةٌ أَقُولُهَا لَكُمْ وَلكِنَّكُمُ الآنَ تَعْجِزُونَ عَنِ احْتِمَالِهَا: و هذا دليل واضح على أن المسيح عليه السلام ما جاء بشريعة جديدة كاملة كما سيكون قدوس القديسين .. ثم أليست هذه العبارات هي تأكيد لنبوءة دانيال الذي تنبأ عن مسيح يفصل و لا يكمل رسالته.
وَلكِنْ عِنْدَمَا يَأْتِيكُمْ رُوحُ الْحَقِّ يُرْشِدُكُمْ إِلَى الْحَقِّ كُلِّه: نعم عندما يأتيكم الرسول النبي الصادق بالوحي من عند الله عن طريق الروح الأمين .. فهو يرشدكم إلى الإسلام ذلك الدين الحق الذي لم يترك كبيرة و لا صغيرة إلا أنزل الله فيها تشريعا و حكما و في هذا يقول الله تعالى عن النجاشي و من معه "وَإِذَا سَمِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَى الرَّسُولِ تَرَى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ مِمَّا عَرَفُوا مِنَ الْحَقِّ يَقُولُونَ رَبَّنَا آَمَنَّا فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ"
ِ لأَنَّهُ لاَ يَقُولُ شَيْئاً مِنْ عِنْدِهِ: إذا كان هذا هو الله الروح القدس كما تقولون ايها النصارى فكيف لا يتكلم من عند نفسه .. هذه وظيفة رسول نبي و ليست وظيفة إله .. الإله يتكلم بما يشاء .. و النبي لا يتكلم من عند نفسه بل بوحي من الله.
بَلْ يُخْبِرُكُمْ بِمَا يَسْمَعُهُ: لقد أوتي النبيون من قبل كتبهم في قراطيس أو ألواح .. و لكن هذا النبي الأممي الأمي سيؤتى الكتاب بالتلقي لأنه لا يجيد القراءة و لا الكتابة .. و لهذا يقول الله تعالى "يا أيها الرسول بلغ ما أوحي إليك من ربك" .. "قل إنما أنا بشر مثلكم يوحى إلي"
وَيُطْلِعُكُمْ عَلَى مَا سَوْفَ يَحْدُثُ: لقد أخبر القرآن عن يوم القيامة تفصيلا .. و تكلم عن الحساب و دخول أهل النار النار و أهل الجنة الجنة بالتفصيل .. و عن أحداث هزيمة الروم من الفرس ثم نصرهم على الفرس .. و عن فتح القسطنطينية و فتح مصر و عن الشمس و القمر و دورانهما في مدارهما و عن الكثير الكثير من المعجزات العلمية في القرآن و السنة و التي مازال العلم يقف أمامها مشدوها مذهولا.
وَهُوَ سَيُمَجِّدُنِي: إذا كان المسيح يتكلم عن الله الروح القدس .. فإني سائلكم سؤالا واحدا ألم يتمجد الابن من الله كما تقولون؟ .. الحقيقة أن المسيح يتكلم عن نبي آت بعده و بعد أن اتهم اليهود المسيح بن مريم عليه السلام بأنه دجال ابن زانية .. بل و بعد أن اتهم انجيل متى أمه بممارسة الجنس مع يوسف النجار في متى 1:25 .. جاء القرآن ليقول عنه "وجيها في الدنيا و الآخرة و من المقربين" .. و ليقول عن أمه "إن الله اصطفاك و طهرك و اصطفاك على نساء العالمين".
لأنه يأخذ مما هو لي: هل تذكرون كلمة النجاشي لما سمع القرآن ماذا قال؟ .. "إن هذا و الذي جاء به عيسى لينزل من مشكاة واحدة" .. أي من عند الله .. ألم يقل المسيح بن مريم عليه السلام من قبل "الكلام الذي تسمعونه ليس لي بل للذي أرسلني" .. ألم يقل "لأني من نفسي لم آتي بل ذاك أرسلني" .. ألم يقل الله تعالى في كتابه الكريم "إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَوْحَيْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَعِيسَى"