التوحيد فيما بعد مجمع نيقية-الأريوسية
في عام 325م صدر أول قرار رسمي يؤله المسيح بعد تبني الإمبراطور الوثني قسطنطين لهذا الرأي، ورفض ما سواه، واعتبر آريوس-الذي عقد المجمع من أجله- هرطوقياً.
وآريوس من رهبان الكنيسة، وكان يقول كما نقل عنه منسي يوحنا في كتابه «تاريخ الكنيسة القبطية» : «إن الابن ليس مساوياً للأب في الأزلية، وليس من جوهره، وقد كان الأب في الصل - (كلمة عبرية مشتق معناها من الظل، والمراد من النص أنه كان معه قبل بداية الخلق حيث لم يكن نور ولا حياة.انظر قاموس الكتاب المقدس، ص546) - وحيداً، فأخرج الابن من العدم بإرادته، والآب لا يمكن أن يراه أو يكيفه أحد، ولا حتى الابن، لأن الذي له بداية لا يعرف الأزلي، والابن إله بحصوله على لاهوت مكتسب» .
وقد توفي آريوس 336م، لكن دعوته انتشرت بعد وفاته، وأصبحت كما يقول محمد حسني الأطير في كتابه عقائد الفرق الموحدة في النصرانية: «أوشك العالم أن يكون كله أريوسياً-حسب قول الخصوم- لولا تدخل الأباطرة في العمل على ضرب تلك العقيدة واستئصال تبعيتها» .
ويقول أسد رستم في كتابه «كنيسة مدينة الله العظمى» : «كان آريوس فيما يظهر عالماً زاهداً متقشفاً يجيد الوعظ والإرشاد فالتف حوله عدد من المؤمنين، وانضم إليه عدد كبير من رجال الاكليروس» ويؤكد كثرة الأريوسيين ابن البطريق، وينقل أن أكثر أهل مصر كانوا أريوسيين.
ومما يؤكد قوة مذهب آريوس إبان حياته، وبعد موته أن الكنيسة عقدت مجامع عدة لبحث عقيدته، كما كان لآريوس وأتباعه مجامع منها مجمع قيسارية 334م، وصور 335م، وقد قرر في مجمع صور المجتمعون عزل أثناسيوس البابا – الداعي لألوهية المسيح والذي كتبت أمانة النصارى بإشرافه في مجمع نيقية-كما نفوه إلى فرنسا، ثم عقدوا مجمعاً آخر في إنطاكية عام 341م حضره سبع وتسعون أسقفاً أريوسياً قرروا فيه مجموعة من القوانين التي تتفق مع مبادئهم ومعتقداتهم.
ثم أعاد الإمبراطور الروماني الأسقف أثناسيوس إلى كرسي البابوية، فاحتج الأريوسيون لذلك، وأثاروا اضطرابات عدة، ثم عقدوا مجمعاً في آرلس بفرنسا عام 353م، وقرروا فيه بالإجماع – عدا واحداً- عزل أثناسيوس.
ثم أكدوا ذلك في مجمع ميلانو 355م فعزل، وتولى الأسقف الآريوسي جاورسيوس كرسي الإسكندرية، وفي عام 359م عقد الإمبراطور مجمعين أحدهما للغربيين في «ريمني» ، والآخر للشرقيين في «سلوقيا» ، وقرر المجمعان صحة عقائد الأريوسية، وباتت الكنائس الغربية آريوسية.
ويذكر المؤرخ ناسيليف أن الإمبراطور قسطنطين نفسه قد تحول إلى المذهب الأريوسي ممالأة لأفراد شعبه، وذلك بعد نقل عاصمته إلى القسطنطينية، وقد تعلق بذلك الأنبا شنودة وهو يبرر كثرة أتباع المذهب الأريوسي، فذكر بأنه بسبب معاضدة الإمبراطور له.
وفي مجمع إنطاكية 361م وضع الأريوسيون صيغة جديدة للأمانة ومما جاء فيها: «الابن غريب عن أبيه، ومختلف عنه في الجوهر والمشيئة» ، وفي نفس العام عقدوا مجمعاً في القسطنطينية وضعوا فيه سبعة عشر قانوناً مخالفاً لما تم في مجمع نيقية.
وفي هذا العام أيضاً تولى الإمبراطورية يوليانوس الوثني، فأعاد أثناسيوس وأساقفته إلى أعمالهم، وجاهر بعبادة الأصنام، وسلم الكنائس للنصارى الوثنيين، ثم خلفه الإمبراطور يوبيانوس 363م، ففعل كما فعل سلفه، وعادى الأريوسيين، وفرض عقيدة النصرانية الوثنية، ومما قاله مخاطباً شعبه وأركان دولته: « إذا أردتم أن أكون إمبراطوركم كونوا مسيحيين مثلي» ، ثم حرم مذهب الأريوسيين، وتبنى قرارات نيقية، وطلب من الأسقف أثناسيوس أن يكتب له عن حقيقة الدين المسيحي الذي كان قد أجبر الناس عليه قبل أن يقف على حقيقته.
النسطورية
وامتداداً لآريوس وفرقته، وفي القرن الخامس ظهرت فرقة النسطورية على يد أسقف القسطنطينية نسطور الذي شايعه بعض الأساقفة والفلاسفة، وكان نسطور يقول: إن في المسيح جزء لاهوتياً، لكنه ليس من طبيعة المسيح البشرية، فلم يولد هذا الجزء من العذراء التي لا يصح أن تسمى أم الله.
ويرى نسطور أن اتحاد اللاهوت بعيسى الإنسان ليس اتحاداً حقيقياً، بل ساعده فقط، وفسر الحلول الإلهي بعيسى على المجاز أي حلول الأخلاق والتأييد والنصرة. وقال في إحدى خطبه: «كيف أسجد لطفل ابن ثلاثة أشهر؟» وقال: «كيف يكون لله أم؟ إنما يولد من الجسد ليس إلا جسداً، وما يولد من الروح فهو روح. إن الخليقة لم تلد الخالق، بل ولدت إنساناً هو إله اللاهوت» .
وقد عقد في أفسس 431م مجمع قرر عزله ونفيه، فمات في صحراء ليبيا، يقول عنه المؤرخ سايرس ابن المقفع في كتابه «تاريخ البطاركة» : « إن نسطور كان شديد الإصرار على تجريد المسيح من الألوهية إذ قال: إن المسيح إنسان فقط. إنه نبي لا غير» .
وذكر ابن المقفع أنه عند نفيه أرسل له البطارقة أن إذا اعترف بأن المصلوب إله متجسد فسوف يعفون عنه، فيقول ابن المقفع: «فقسا قلبه مثل فرعون ولم يجبهم بشيء» .
وقد تغير مذهب النسطورية بعد نسطور فأشبه مذاهب التثليث إذ يقول النسطورية: إن المسيح شخصية لها حقيقتان: بشرية وإلهية، فهو إنسان حقاً، إله حقاً، ولكنه ليس شخصية قد جمعت الحقيقتين، بل ذات المسيح كانت تجمع شخصيتين!!.