قصة الصلب عند الأمم الوثنية
وبولس عندما ادعى صلب المسيح فداء للخطيئة لم يكن يتحدث من تأليفه وإبداعه، فإنه إنما يكرر عقيدة قديمة، تناقلتها الوثنيات قبل المسيح بزمن طويل، وقد نسج الإنجيليون أحداث صلب المسيح، على نحو ما قرره بولس، وعلى صورة ما ورد عن الأمم الوثنية القديمة، حتى أضحت قصة الصلب في الأناجيل قصة منحولة من عقائد الأمم الوثنية، ولعل أوضحها شبهاً بقصة المسيح أسطورة إله بابل - بعل : فقد كشفت لوحتان أثريتان تعودان للقرن التاسع قبل الميلاد عن قصة تشابه تماماً ما قاله النصارى في صلب المسيح ومحاكمته، ونقل - فندلاي : وغيرِه المقارنة بين ما قيل عن بعل قبل المسيحية وما قيل عن المسيح في المسيحية.ويوضح ذلك الجدول التالي:
محاكمة بعل
محاكمة عيسى عليه السلام
1 – أخذ بعل أسيراً.
2 – حوكم بعل علناً.
3 – جرح بعل بعد المحاكمة.
4 – اقتيد بعل لتنفيذ الحكم على الجبل.
5 – كان مع بعل مذنب حكم عليه بالإعدام وجرت العادة أن يعفى كل عام عن شخص حكم عليه بالموت. وقد طلب الشعب إعدام بعل، والعفو عن المذنب الآخر.
6 – بعد تنفيذ الحكم على بعل عم الظلام وانطلق الرعد، واضطرب الناس.
7 – حُرس بعل في قبره حتى لايسرق أتباعه جثمانه
8 – الأمهات جلست حول مقبرة بعل يبكينه.
9 – قام بعل من الموت وعاد للحياة مع مطلع الربيع وصعد إلى السماء.
1 - أخذ عيسى أسيراً.
2 - وكذلك حوكم عيسى.
3 - اعتُدي على عيسى بعد المحاكمة.
4 - اقتيد عيسى لصلبه على الجبل.
5 - وكان مع عيسى قاتل اسمه: - باراباس: محكوم عليه بالإعدام، ورَشح بيلاطس عيسى ليعفو عنه كالعادة كل عام. ولكن اليهود طلبوا العفو عن - باراباس: وإعدام عيسى.
6 - عقب تنفيذ الحكم على عيسى زلزلت الأرض وغامت السماء.
7 - وحرس الجنود مقبرة عيسى حتى لا يسرق حواريوه جثمانه.
8 - مريم المجدلية، ومريم أخرى جلستا عند مقبرة عيسى تنتحبان عليه.
9 - قام عيسى من مقبرته في يوم أحد، وفي مطلع الربيع أيضاً، وصعد إلى السماء.
وقد انتقلت هذه الأسطورة البابلية، عن طريق الأسرى اليهود الذين عادوا من بابل.
وتتشابه كثير من تفاصيل قصة الصلب مع تفاصيل واردة في قصص وثينة مشابهة. فقد ذكر متى أحداثاً غريبة عدة، صاحبت موت المسيح حيث يقول: « وفي الساعة السادسة كانت ظلمة على كل الأرض، إلى الساعة التاسعة... وإذا حجاب الهيكل قد انشق إلى اثنين من فوق إلى أسفل، والأرض تزلزلت، والصخور تشققت، والقبور تفتحت... » متى 27/45 - 53 .
وهذا نقله النصارى من الوثنيات القديمة، فقد نقل العلامة التنير عن عدد من المؤرخين إجماعهم على انتشار هذه الغرائب حال موت المخلصين لهذه الأمم. من ذلك: أن الهنود يقولون - لما مات كرشنا مخلصهم على الصليب، حدثت في الكون مصائب جمة، وعلامات متنوعة، وأحاطت بالقمر دائرة سوداء، وأظلمت الشمس عند منتصف النهار، وأمطرت السماء ناراً ورماداً.....
ويقول عباد بروسيوس - إنه لما صلب على جبل قوقاس، اهتزت الكائنات، وزلزلت الأرض .
والاعتقاد بحدوث أحداث سماوية عظيمة عند موت أحد العظماء أو ولادته، معروف عند الرومان واليونان.
كما ينقل المؤرخ - كنون فرار- في كتابه - حياة المسيح - وينقل جيبون في تاريخه أن عدداً من الشعراء والمؤرخين الوثنيين كان يقول : لما قتل المخلص اسكولا بيوس، أظلمت الشمس، واختبأت الطيور في أوكارها... لأن شافي أمراضهم وأوجاعهم فارق هذه الدنيا .
والقول بظلمة الشمس عند موت أحد المخلصين قيل عند مقتل هيركلوس وبيوس وكوتز لكوتل وكيبير ينوس إله الرومان، وعليه، فهو أسطورة قديمة تداولتها الأمم، ونقلها أصحاب الأناجيل من تلك الوثنيات.
وقد كان عباد الشمس يقدمون الضحايا لها، خاصة عند حلول الكسوف، فإذا زال الكسوف اعتقدوا أنه بسبب فداء أحد زعمائهم، حيث خلصهم وحمل عنهم العذاب، ومنه أخذ متى قوله: « ومن الساعة السادسة، كانت ظلمة على الأرض إلى الساعة التاسعة » متى 27/45 .
ومن أوجه الشبه بين الوثنيات القديمة والنصرانية القول بقيامة الآلهة من الأموات، فقد أجمعت الأناجيل على قيامة عيسى من الموت، ولكن هذا قد سبقهم إليه الهنود، حيث قالوا في كرشنا: هوذا كرشنا صاعد إلى وطنه في السماوات .
وكذا يقول عُبّاد بوذا بأنه حزن عليه بعد موته أهل السماوات والأرض - حتى إن مهاويو - الإله العظيم - حزن ونادى: قم أيها المحب المقدس، فقام كام - أي بوذا - حياً، وبُدلت الأحزان والأتراح بالأفراح، وهاجت السماء، ونادت فرِحة: عاد الإله الذي ظُن أنه مات وفُقد... ، ومثله يعتقده الصينيون في إلههم - لأوكيون- ، والمجوس في - زورستر.
ويقول عابدو - سكولا بيوس - في القصيدة التي حكت عن حياته: أيها الطفل القادر على شفاء الأمم في السنين القادمة حينما يهب مَن في القبور.... وأنت من المسكن المظلم ستقوم ظافراً وتصير إلهاً .
وعن تموز يقول البابليون: ثقوا أيها القديسون برجوع إلهكم، واتكلوا على ربكم الذي قام من الأموات .
ومثل هذا الاعتقاد، سرى في كثير من الوثنيات قبل المسيحية فقد قيل بقيام أوزوريس، وحورس، ومتراس وباخوس، وهرقل، وكوتز لكوتل، ويلدور، وغيرهم، فكل هؤلاء قال عُبّادهم بقيامتهم من الموت.
ولعل أهم هؤلاء أوزوريس معبود المصريين القريب من مهد المسيحية، وقد انتشرت أسطورته في القرن الثالث قبل الميلاد. ويقول المؤرخ مهامي: إن محور التعليم الديني عند الوثنيين في مصر في القرون الخالية هو الإيمان بقيام الإله .
صدق فيهم قول الله عز وجل « ذلك قولهم بأفواههم يضاهئون قول الذين كفروا من قبل قاتلهم الله أنى يؤفكون » التوبة: 30 .
هـل افتـدانا المسيح على الصليب ؟_د. منقذ بن محمود السقار