نقد مبررات النصارى لضرورة الصلب التكفيري
ويرى المسلمون في هذا الفكر النصراني انحرافاً وتجافياً عن المعقول والمنقول، فإن فيه إساءة أدب مع الله وكفراً به كان ينبغي أن ينزهه النصارى عنه، فقولهم بتناقض العدل مع الرحمة قروناً حتى جاء الحل بصلب المسيح رحمة من الرب بالعالمين.
وتظهر العقيدة النصرانية الله عز وجل عاجزاً عن العفو عن آدم وذنبه، حائراً في الطريقة التي ينبغي أن يعاقبه بها بعد أن قرر عقوبته.
ويظهر قرار العقوبة وكأنه قرار متسرع يبحث له عن مخرج، وقد امتد البحث عن هذا المخرج قروناً عديدة، ثم اهتدى إليه فكان المخرج الوحيد هو ظلم المسيح وتعذيبه على الصليب كفارة عن ذنب لم يرتكبه.
ويشبه النصارى إلههم وقتذاك بصورة مستقذرة بصورة المرابي وهو يريد عوضاً على كل شيء، ونسى هؤلاء أن الله حين يعاقب لا يعاقب للمعاوضة أو لإرضاء نفسه، بل لكبح الشر وتطهير الذنب وعليه فإن جهنم أشبهت مستشفىً للمرضى بالأضغان والأحقاد والنفاق إلى غير ذلك من كبائر الآثام.
وقد فات الفكر النصراني وجود بدائل كثيرة مقبولة ومتوافقة مع سنن الله الماضية في البشر، وهي جميعاً أولى من اللجوء إلى صلب المسيح تكفيراً للخطيئة ووفاءً بسنة الانتقام والعدل بالمفهوم النصراني.، ومن هذه البدائل: التوبة، والمغفرة والعفو، ومنها العفو بصك غفران، ومنها الاكتفاء بعقوبة الأبوين على جريمتهما، وكل ذلك من سنن الله التي يقرها الكتاب المقدس.
التوبة من الذنب كفارة له
فلئن كان ثمة تنازع بين الرحمة والعدل- كما يزعم النصارى - فإن من أهم مخارج المسألة التوبة التي ذكر الله في القرآن أن آدم صنعها، وهي باب عظيم من أبواب فضل الله، جعله للخاطئين.
التوبة تغسل الذنب وتنقي القلب، فيكون الخاطئ التائب حبيباً إلى الله، فلم لا يقول النصارى بأن آدم تاب وقبلت توبته، لم يصرون على القصاص، ولم يصرون أنه « بدون سفك دم لا تحصل مغفرة» عبرانيين 9/22
لقد تحدثت نصوص التوراة والإنجيل بإسهاب عن التوبة وقصصها قبول الله لها.
فها هو المسيح يجلس مع العشارين والخطاة فيتذمر الفريسيون والكتبة لذلك قائلين: « هذا يقبل خطاة ويأكل معهم » لوقا 15/2 فأراهم المسيح حرصه على التوبة وفرحة الله بالتائب «وكلمهم بهذا المثل قائلاً: أي إنسان منكم له مائة خروف وأضاع واحداً منها، ألا يترك التسعة والتسعين في البرية ويذهب لأجل الضال حتى يجده، وإذا وجده يضعه على منكبيه فرحاً ويأتي إلى بيته، ويدعو الأصدقاء والجيران قائلاً لهم: افرحوا معي، لأني وجدت خروفي الضال.
أقول لكم: إنه هكذا يكون فرح في السماء بخاطئ واحد يتوب... » لوقا 15/3-7 ، وعليه فالتوبة مقبولة عند الله كوسيلة للخلاص من الذنب.
كما ضرب لهم مثلين آخرين بالابن الضال والدرهم الضائع انظر لوقا 15/8 - 32 .
ولقد وعد الله التائبين بالقبول ففي حزقيال « فإذا رجع الشرير عن جميع خطاياه التي فعلها، وحفظ كل فرائضي وفعل حقاً وعدلاً، فحياة يحيا، لا يموت، كل معاصيه التي فعلها لا تذكر عليه، بره الذي عمل يحيا، هل مسرة أسر بموت الشرير» حزقيال 18/21-23 .
ويقول يوحنا المعمدان مخاطباً اليهود مذكراً إياهم بأهمية التوبة: « يا أولاد الأفاعي من أراكم أن تهربوا من الغضب الآتي، فاصنعوا أثماراً تليق بالتوبة، ولا تفتكروا أن تقولوا في أنفسكم لنا إبراهيم أباً » متى 3/7 -9 فالتوبة هي الطريق وليس النسب كما ليس الفداء.
تقول التوراة: «فإذا تواضع شعبي الذين دعي اسمي عليهم وصلّوا وطلبوا وجهي ورجعوا عن طرقهم الردية فإنني أسمع من السماء » الأيام 2- 7/14 .
ولكن ورغم هذا كله يقول عوض سمعان: « فالتوبة مهما كان شأنها ليست بكافية للصفح عما مضى من خطايانا » .
إذاً لماذا أكدت النبوات عليها وعلى فضلها ومحبة الله لها، ولم أغلق هذا الباب في وجه آدم، وهو أولى الناس به لمعرفته بالله العظيم وجزاءه ورحمته، إضافة إلى شعوره بالذنب وأثره الجم عليه وهذا الذي ذكره الله عنه « فعصى آدم ربه فغوى * ثم اجتباه ربه فتاب عليه وهدى » طه: 121-122