عقيدة المسلمين في الخطيئة والخلاص
أثبتنا نجاة المسيح من الصلب، والحديث عن المسيح المصلوب لا يلزم منه أن صلبه كان فداء للخطيئة، لكن نجاة المسيح بلا شك هدم لأساس هذا المعتقد، لكن ذلك لن يمنعنا من الاسترسال في نقد عقائد النصرانية الملحقة والمبنية على هذا الباطل، وأهمها الفداء ووراثة الذنب الأول.
وقبل أن نشره في بيان بطلان عقيدة الفداء والخلاص نتوقف مع معتقد المسلمين بشأن ذنب آدم وذنوب سائر البشر، فالقرآن ذكر معصية آدم بعد إغواء الشيطان له، لكنه ذكر أيضاً توبته وقبول توبته « وعصى آدم ربه فغوى * ثم اجتباه ربه فتاب عليه وهدى » طه: 121- 122.
وتحدثت النصوص عن آدم وتكريم الله له فهو خليفة عن الله في أرضه « وإذ قال ربك للملائكة إني جاعل في الأرض خليفة » البقرة: 30
وذكرت تكريم الله له ولذريته من بعده « ولقد كرمنا بني آدم وحملناهم في البر والبحر ورزقناهم من الطيبات وفضلناهم على كثير ممن خلقنا تفضيلاً » الإسراء: 70
ولعل أبرز تكريم لآدم أن أسجد الله له ملائكته « ولقد خلقناكم ثم صورنكم ثم قلنا للملائكة اسجدوا لآدم فسجدوا » الأعراف: 11
وتوبة آدم قبلها الله كما يقبل توبة سائر من عصاه، ولو عظم ذنبه « قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعاً إنه هو الغفور الرحيم » الزمر: 53
« إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء » النساء: 116
وأنزل الله آدم من جنته، وجعله في الأرض، وطلب منه عمارتها وأعطاه قدرة تامة على فعل الخير والشر طالما امتدت به الحياة ثم يرد إلى ربه فيجازى عما قدم « قلنا اهبطوا منها جميعاً فإما يأتينكم مني هدى فمن تبع هداي فلا خوف عليهم ولاهم يحزنون * والذين كفروا وكذبوا بآياتنا أولئك أصحاب النار هم فيها خالدون » البقرة: 38 - 39
وأكدت النصوص القرآنية مسئولية الإنسان عن عمله « إنني أنا الله لا إله إلا أنا فاعبدني وأقم الصلاة لذكري * إن الساعة آتية أكاد أخفيها لتجزى كل نفس بما تسعى » طه: 14 - 15 « وكل إنسان ألزمنه طائره في عنقه ونخرج له يوم القيامة كتاباً يلقاه منشوراً * اقرأ كتابك كفى بنفسك اليوم عليك حسيباً » الإسراء: 13-14 .
« فمن يعمل مثقال ذرة خيراً يره * ومن يعمل مثقال ذرة شراً يره » . الزلزلة:6-7
لكن هذه المسئولية للإنسان عن عمله لا تمنع رحمة الله « إنا آمنا بربنا ليغفر لنا خطايانا وما أكرهتنا عليه من السحر والله خير وأبقى » طه: 73
وأما مسألة وراثة الذنب فهي مرفوضة والقرآن بصراحة يقول « ألا تزر وازرة وزر أخرى * وأن ليس للإنسان إلا ما سعى * وأن سعيه سوف يرى * ثم يجزاه الجزاء الأوفى» النجم: 36 - 40.
وهذا الذي ورد في الرسالات السابقة أيضاً « أم لم ينبأ بما في صحف موسى * وإبراهيم الذي وفى * ألا تزر وازرة وزر أخرى » النجم: 34 - 36
« قد أفلح من تزكى وذكر اسم ربه فصلى * بل تؤثرون الحياة الدنيا * والآخرة خير وأبقى * إن هذا لفي الصحف الأولى * صحف إبراهيم وموسى » الأعلى: 14-19
وأخيراً: « ليس بأمانيكم ولا أماني أهل الكتاب من يعمل سوءً يجز به ولا يجد له من دون الله ولياً ولا نصيراً » النساء: 123
وهذه النصوص قبس من آيات عظيمة من كتاب الله تكاثرت على ذكر هذه المعاني بجلاء ووضوح، ذكرناها كمدخل لنقض عقيدة الفداء والصلب والتي لن نحتج في إبطالها بهذه النصوص العظيمة من كلام الله، وذلك مضياً على الخط الذي انتهجناه في هذه السلسلة، وهو نقض مسائل النصرانية من خلال العقل والنظر الصحيح إضافة إلى النصوص المقدسة عند النصارى.
عقيدة الخلاص
تعتبر عقيدة الفداء والخلاص مفتاح جميع العقائد النصرانية، فهي أهم ما يبشر به النصارى، ولتحقيقها وضع النصارى المسيح - الذي أنجاه الله – على الصليب، وليتحقق الفداء على صورة ترضي الإله العظيم جعلوا المصلوب إلهاً، حتى يساوي الفادي المثمن العظيم، وهو نجاة البشرية وخلاصها من الخطيئة والدينونة، وهو ما عبر عنه بطرس بقوله: « عالمين أنكم افتديتم لا بأشياء تفنى: بفضة أو ذهب، من سيرتكم الباطلة التي تقلدتموها من الآباء، بل بدم كريم كما من حَمَلٍ بِلاَ عيْب، ولا دنس، دم: المسيح » بطرس 1 - 1/18 - 19.
وقبل أن نلج لنقض هذا المعتقد نتعرف على معتقدات الفرق النصرانية المختلفة في هذه القضية الهامة. لنعرف مقصدهم في الخلاص، ولمن يبذلونه، وعمن يمنعونه، إلى غير ذلك من المسائل المتعلقة بهذه القضية والتي يتوقف على إثباتها مصير آلاف الملايين من البشر في عصرنا وسائر العصور.