الخلاص والأعمال عند المسيح وتلاميذه
وإذا كان بولس ولوثر ومن بعده لا يريان للأعمال والناموس فضلاً في تبرير الإنسان وفدائه فإن ثمة نصوص كثيرة تشهد بغرابة هذه الفكرة، وأن الأعمال هي الطريق إلى ملكوت الله.
ومن ذلك أن المسيح لم يذكر شيئاً عن الخلاص بغير عمل في نصائحه لأتباعه فقد جاءه رجل: «وقال له: أيها المعلم الصالح: أية صلاح أعمل لتكون لي الحياة الأبدية ؟
فقال له: لماذا تدعوني صالحاً، ليس أحد صالح إلا واحد وهو الله، ولكن إن أردت أن تدخل الحياة فاحفظ الوصايا. قال له أية الوصايا ؟ فقال يسوع: لا تقتل. لا تزن. لا تسرق. لا تشهد بالزور... » متى 19/16 - 20
فلم يطلب منه المسيح الإيمان فقط، بل طالبه بالعمل بما جاء في وصايا موسى عليه السلام انظر الخروج 20/1 - 7 .
وفي مرة أخرى قال لهم المسيح: « فإني أقول لكم: إن لم يزد بِركم على الكتبة والفريسيين، فلن تدخلوا ملكوت السماوات » متى 5/20 .
ويشرح النص العلامة ديدات: « أي لا جنة لكم حتى تكونوا أفضل من اليهود. وكيف تكونون أفضل من اليهود، وأنتم لا تتبعون الناموس والوصايا ؟ » .
وفي موضع آخر يقول ينبه إلى أهمية الكلام وخطره، فيقول: « أقول لكم: إن كل كلمة بطالة يتكلم بها الناس سوف يعطون عنها حساباً يوم الدين، لأنك بكلامك تتبرر، وبكلامك تدان» متى 13/36-37 .
وأكد المسيح على أهمية العمل الصالح والبر، فقال للتلاميذ: « ليس كل من يقول: لي يا رب يا رب، يدخل ملكوت السموات. بل الذي يفعل إرادة أبي الذي في السموات، كثيرون سيقولون لي في ذلك اليوم: يا رب يا رب، أليس باسمك تنبأنا وباسمك أخرجنا شياطين وباسمك صنعنا قوات كثيرة، فحينئذ أصرّح لهم: إني لم أعرفكم قط. اذهبوا عني يا فاعلي الإثم» متى 7/20-21 .
وضرب بعده لتلاميذه مثلاً بيّن فيه حال العامل بالناموس فقال لهم: « لماذا تدعونني يا رب يا رب. وأنتم لا تفعلون ما أقوله، كل من يأتي إلي، ويسمع كلامي، ويعمل به، أريكم من يشبه ؟
يشبه إنساناً بنى بيتاً وحفر وعمق، ووضع الأساس على الصخر، فلما حدث سيل صدم النهر ذلك البيت، فلم يقدر أن يزعزعه لأنه كان مؤسساً على الصخر.
وأما الذي يسمع ولا يعمل فيشبه إنساناً بنى بيته على الأرض ومن دون أساس، فصدمه النهر حالاً، وكان خراب ذلك البيت عظيماً » . لوقا 6/46 - 49 .
ويلاحظ أدولف هرنك أن رسائل التلاميذ خلت من معتقد الخلاص بالفداء، بل إنها جعلت الخلاص بالأعمال كما جاء في رسالة يعقوب « ما المنفعة يا إخوتي إن قال أحد:إنّ له إيماناً، ولكن ليس له أعمال. هل يقدر الإيمان أن يخلصه ؟ الإيمان أيضاً إن لم يكن له أعمال ميت في ذاته.. الإيمان بدون أعمال ميت » يعقوب 2/14 – 20 .
ويقول: « كونوا عاملين بالكلمة، لا سامعين فقط خادعين نفوسكم » يعقوب 1/22 ، ويقول: « الديانة الطاهرة النقية عند الله الآب هي هذه: افتقاد اليتامى والأرامل في ضيقتهم، وحفظ الإنسان نفسه بلا دنس من العالم » يعقوب 1/27 .ومثل هذا كثير في أقوال المسيح والحواريين.
والعجب أن بولس نفسه الذي أعلن نقض الناموس وعدم فائدة الأعمال، وأن الخلاص إنما يكون بالإيمان، هو ذاته أكد على أهمية العمل الصالح في مناسبات أخرى منها قوله « إن الذي يزرعه الإنسان إياه يحصد أيضاً... فلا تفشل في عمل الخير لأننا سنحصده في وقته » غلاطية 6/7 .
ويقول: « بل الذين يعملون بالناموس هم يبررون » رومية 2/13 .
ومنها قوله: « ليس الختان شيئاً وليست الغرلة شيئاً، بل حفظ وصايا الله » كورنثوس 1- 7/19 .
وفي رسالته لتيموثاوس يقول بولس: « أوصي الأغنياء... وأن يصنعوا صلاحاً، وأن يكونوا أغنياء في أعمال صالحة وأن يكونوا أسخياء في العطاء، كرماء في التوزيع، مدخرين لأنفسهم أساساً حسناً للمستقبل، لكي يمسكوا بالحياة الأبدية » تيموثاوس 1- 6/17 - 19 .
ويقول: «كل واحد سيأخذ أجرته حسب تعبه» كورنثوس 1- 3/8 .
وأخيراً فإن بولس بتنقصه السالف للناموس وإبطاله له مستحق للوعيد الشديد الذي جعله المسيح لمثل هذا الفعل وذلك بقوله: « لا تظنوا أني جئت لأنقض الناموس أو الأنبياء، ما جئت لأنقض، بل لأكمل، فإني الحق أقول لكم: إلى أن تزول السماء والأرض لا يزول حرف واحد، أو نقطة واحدة من الناموس حتى يكون الكل، فمن نقض إحدى هذه الوصايا الصغرى، وعلم الناس هكذا يدعى: أصغر في ملكوت السماوات » متى 5/17 - 19 .
وفي شأن الناموس وتعظيمه قال المسيح: « زوال السماء والأرض أيسر من أن تسقط نقطة واحدة من الناموس » لوقا 16/17 .
وجاء في سفر التثنية « ملعون من لا يقيم كلمات هذا الناموس ليعمل بها » التثنية 27/26 .