عقيدة الفداء والوثنيات السابقة
ويبقى ثمة سؤال يطرح نفسه من أين أتى بولس بهذه العقيدة هل هي من إبداعاته الذاتية أم أنه استقاها من مصادر قديمة، وإن كان كذلك فما هي هذه المصادر، وما مقدار استفادة بولس منها ؟
الإجابة عن هذه الأسئلة وغيرها سطرها الأستاذ التنير في كتابه الماتع - العقائد الوثنية في الديانة النصرانية، وعنه ننقل الكثير من صور التشابه التي نذكرها.
وراثة الذنب
مسألة وراثة الذنب مسألة معروفة في الفكر اليهودي قبل المسيحية بقرون عدة، وقد وردت عدة نصوص تتحدث عنها منها.. « صانع الإحسان لألوف، ومجازي ذنب الآباء في حضن بنيهم بعدهم، الإله العظيم الجبار رب الجنود اسمه » إرميا 32/18 .
ومثله ما جاء في سفر التثنية: « لا يدخل ابن زنى في جماعة الرب حتى الجيل العاشر » التثنية 23/2 .
وجاء في سفر العدد « الرب طويل الروح كثير الإحسان يغفر الذنب والسيئة، ولكنه لا يبرئ، بل يجعل ذنب الآباء على الأبناء إلى الجيل الثالث والرابع » العدد 14/18 - 19 .
وفي سفر الخروج « غافر الإثم والمعصية والخطيئة، ولكنه لن يبرئ إبراء، معتقد إثم الآباء في الأبناء، وفي أبناء الأبناء في الجيل الثالث والرابع » خروج 34/7 .
ومثله ما نسبوه لدواد أنه قال: « هأنذا بالإثم صورت، وبالخطيئة حبلت بي أمي » مزمور 51/5 ، وقد تحدث إرميا عن احتجاج بني إسرائيل على هذا الظلم « انظر إرميا 16/10 - 13 .
وقد ناقش النبي حزقيال كما جاء في سفره - بني إسرائيل في مسألة وراثة الذنب » أنتم تقولون: لماذا لا يحمل الابن من إثم الأب ؟!
ها كل النفوس هي لي،.. النفس التي تخطئ تموت، الابن لا يحمل من إثم الأب، والأب لا يحمل من إثم الابن، بر البار عليه يكون، وشر الشرير عليه يكون... « حزقيال 18/4 - 32 .
تحدثت هذه النصوص عن وجود عقيدة وراثة الذنب والتضامن في الخطيئة، غير أن أحداً منها لم يكن يتحدث عن الخطيئة الأصلية لآدم، والتي يتعلق النصارى بها، لكن أصل الفكرة وارد في الفكر اليهودي الذي نشأ فيه بولس ثم نقله للنصرانية وسطره في رسائله.
فمن أين جاء اليهود بفكرة وراثة الذنب ؟ هل هو من صناعتهم، أم أنه منقول عن غيرهم؟
والصحيح هو أن الفكرة منقولة عن الأمم الوثنية التي جاورت اليهود وانتشر فيها هذا الفكر وهذا الذي عابه عليهم الكتاب المقدس » وصاروا باطلاً وراء الأمم الذين حولهم، والذين أمرهم الرب أن لا يعملوا مثلهم.... فغضب الرب جداًعلى إسرائيل ونحاهم من أمامه ^ ملوك 2- 17/9 - 18 .
وممن يقول بوراثة الذنب: الهنود الوثنيون، فقد نقل المؤرخ هورينور وليمس أن من تضراعاتهم: « إني مذنب، ومرتكب الخطيئة، وطبيعتي شريرة، وحملتني أمي بالإثم، فخلصني يا ذا العين الحندقوقية، يا مخلص الخاطئين، يا مزيل الآثام والذنوب » .